الساسة وسباق التودد لدول الجوار والتسقيط المتبادَل

تشكيل الحكومة العراقية: الصراع السياسي يكرّس هشاشة الأمن

 

شبكة النبأ: يجوب الزعماء العراقيون الذين يسعون جاهدين لتشكيل حكومة بعد انتخابات مارس آذار التي جاءت نتائجها غير حاسمة أنحاء المنطقة لعرض برامجهم السياسية وتشكيل تحالفات وتحسين سمعتهم في الداخل. وعلى الرغم من أن لها نحو 100 ألف جندي في العراق فإن واشنطن حتى الآن ليست ضمن خط سير الساسة.

وفي غضون ذلك تزداد حمّى التنافس بين نوري المالكي واياد علاوي الخصمين المتسابقين على منصب رئيس الوزراء لكسب ود الأحزاب الشيعية وطهران، اللاعبين الأساسيين في العراق الغارق في فراغ مؤسساتي منذ حوالي شهر.

وبالنسبة للسعودية وتركيا وسوريا والولايات المتحدة فان هناك مرشحا مفضلا لمنصب رئيس وزراء العراق هو أياد علاوي الشيعي العلماني الذي يقود ائتلافا بأغلبية سنّية مطلقة، حيث تحاول هذه الدول الحد من نفوذ ايران الشيعية المجاورة.

ويقول محللون ان الخصومة القديمة بين الايرانيين والعرب والنزعة الوطنية القوية التي يتسم بها العراقيون سيحدان من تأثير طهران على تشكيل حكومة ولو علنا على الاقل.

وقال ديفيد ماك نائب رئيس معهد الشرق الاوسط في واشنطن "لا أعتقد أن هناك صانع ملوك خارجيا في السياسة العراقية."وتابع قائلا لرويترز ان الايرانيين "لهم نفوذهم ويحتمل أنهم يريدون حكومة لا تمثل تهديدا لهم. لكن هناك حدا. لا أعتقد أنهم يستطيعون بأي حال من الاحوال التحكم في الامور."

ويقول جوست هيلترمان المحلل بالمجموعة الدولية لمعالجة الازمات في واشنطن "ما نراه يدل على ضعف الدولة العراقية. "الدول المجاورة تستغل الانقسامات في السياسة العراقية. الوضع مائع وفوضوي للغاية لانه ليس هناك لاعب قوي (واحد) على كل من الجانبين."

أما هشاشة الوضع الامني بعد الانتخابات في العراق فأكدته زيادة في أعمال العنف بمحافظة بغداد هذا الشهر أسفرت عن سقوط ما يزيد عن 100 قتيل. وتنحي قوات الامن باللائمة في أعمال العنف على متشددي القاعدة.

وقال توبي دودج خبير الشؤون العراقية بجامعة لندن ان العراق حاول في البداية تعزيز مشاركة الناخبين الشيعة في الانتخابات. والان تحاول طهران الاشراف على اندماج بين الصدريين وائتلاف دولة القانون ليصبحا أساسا لحكومة جديدة.

وأضاف "من الواضح أنها الدولة التي تتمتع بالنفوذ الاكبر في العراق اكثر كثيرا من الولايات المتحدة او السعودية. ايران استثمرت الكثير من المال والكثير من الوقت في تكوين حلفائها في بغداد."

ويقول قصي عبد الوهاب القيادي الصدري ورئيس لجنة المفاوضات السياسية بالائتلاف الوطني العراقي ان الصدريين زاروا ايران والاردن وسوريا والسعودية. كما وجهت لهم الدعوة لزيارة مصر وتركيا والامارات.

وأضاف قائلا لرويترز "جميع دول الجوار لها نفس الثقل بالنسبة الينا. نحن نريد ان نوصل لهم رسالة اننا نحترمهم بنفس القدر الذي نحترم به ايران."

سباق المالكي وعلاوي في التودد للشيعة وايران

وفي غضون ذلك تزداد حمى التنافس بين نوري المالكي واياد علاوي الخصمين المتسابقين على منصب رئيس الوزراء لكسب ود الأحزاب الشيعية وطهران، اللاعبين الأساسيين في العراق الغارق في فراغ مؤسساتي منذ حوالي الشهر.

وفي حين تحولت بغداد الى مسرح لأعمال عنف شبه يومية أدت إلى مقتل ما لا يقل عن سبعين شخصا خلال الأيام الثلاثة الماضية، يعرب العديد من المحللين عن اعتقادهم بان تشكيل الحكومة سيستغرق شهرين على الاقل.

والكيانات السياسية مرغمة على البحث عن حلفاء لان النظام النسبي الانتخابي المعقد لا يسمح لاي قائمة بالانفراد في تشكيل الحكومة المقبلة.

وبفضل الدعم الكبير الذي قدمه العرب السنة، حصل علاوي زعيم القائمة "العراقية" العلمانية على 91 مقعدا متقدما على "ائتلاف دولة القانون" بزعامة المالكي بمقعدين.

وتلقت قائمة علاوي دعوة من طهران التي لا بد من نيل دعمها للعب دور اكبر في مستقبل البلاد نظرا لتأثيرها الكبير على الاحزاب الشيعية في العراق.

وقال حسين الشعلان النائب عن "العراقية" لوكالة فرانس برس "تلقت القائمة دعوة لزيارة (...) تقطع الطريق على من يحاول الاصطياد بالماء العكر وتشويش افكار ايران وغيرها خصوصا حول برنامجنا واعتبارهم وصولنا (الى الحكم) يشكل خطورة عليهم".

وسبق للمالكي ان ارسل وفدا الى طهران وكذلك التيار الصدري والمجلس الاعلى كما توجه الى هناك الرئيس جلال طالباني. واشار الشعلان الى ان علاوي لن يكون ضمن الوفد الذي سيتوجه خلال الايام القليلة المقبلة الى طهران.

وقال الخبير في الشؤون العراقية ابراهيم الصميدعي لفرانس برس "هناك جهود محلية واقليمية موازية لتشكيل حكومة لاعادة توازن القوى وهذا امر في صالح الجميع".

واكد ان "محادثات غير مباشرة بين السعودية وايران تتولاها شخصية دينية شيعية معتدلة ومقبولة من الطرفين (...) لاقامة جسر بين العالم العربي وطهران، فهذه هي الوسيلة الوحيدة لنزع فتيل التوتر".

واشار الى لبنان قائلا "لقد تشكلت الحكومة فور الاتفاق بين السعودية وسوريا (...) الكل يسعى الى حل مماثل بين الرياض وطهران".

وتتمثل اهمية الدعم الايراني بتواجد مقتدى الصدر هناك، فقد حصلت جماعته على 39 مقعدا في مجلس النواب (325 مقعدا)، مما يمكنها من لعب دور "صانع الملوك" بالنسبة للحكومة المقبلة .

وفي هذا السياق، قال استاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية عزيز جبر لفرانس برس ان "التيار الصدري يريد لعب دور بيضة القبان كما الاكراد سابقا وما كانوا يعتبرونه سلبيا تجاوزوه حاليا واتجهوا الى السعودية والاردن وسوريا". واضاف ان "الانفتاح على الخارج تطور ايجابي (...) الافاق ليست مسدودة رغم ان الوضع خطير وخارج المالوف وفي غاية التعقيد".

وتابع جبر ان "بعض الكتل السياسية تستمد عناصر قوتها من مناطق اخرى. لكن اعتقد بان البعض لديه ما يكفي من الحكمة لاعادة النظر في مواقفه حتى ائتلاف دولة القانون يغير موقفه بعد ان كان يتحدث عن خطوط حمراء".

واعتبر ان "الائتلاف يدرك جيدا صعوبة تولي المالكي رئاسة الحكومة مرة اخرى لكنه يسعى الى الاحتفاظ بمنصب رئيس الوزراء ولا يريد فتح الملفات خلال الاعوام الاربعة الماضية كما يطالب التيار الصدري وغيره". وفي هذا الاطار، يحاول المالكي الذي أصيب بفورة غضب فور إعلان النتائج النهائية مد اليد الى الآخرين فقام بزيارة خصومه السياسيين من الأحزاب الشيعية واحدا بعد الآخر. كما تفيد تقارير غير مؤكدة أن حوارا في الخفاء يدور بين ائتلافه وكتلة علاوي.

الصدريون ينددون بالاحتلال

ومؤخراً تظاهر عشرات الآلاف من أنصار التيار الصدري في النجف بمناسبة الذكرى السابعة للاجتياح، منددين بـ"الاحتلال الاميركي" وموجهين انتقادات مبطنة الى رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي.

وقال القيادي في التيار رجل الدين حازم الاعرجي أمام المتظاهرين "نحن مقبلون على مرحلة جديدة لا مكان فيها للمحتلين ولا للظالمين ولا للبعثيين ولا للارهابيين ولا للمنشقين ولا للمخربين ولا للطائفيين ولا للذين ملؤوا السجون بالمقاومين" في إشارة إلى رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي. وسرعان ما ردد المتظاهرون "نعم نعم للسيد القائد". واضاف في كلمته التي القاها نيابة عن زعيم التنظيم مقتدى الصدر، المقيم في ايران، "بل كل المكان للمخلصين الذين لا يريدون علوا ولا فسادا".

وتابع الاعرجي "يجب ان لا يبقى المتسلقون والراغبون في السلطة (...) لان الذين أعطوا أصواتهم فعلوا ذلك لكي لا يعود الجوع والاعتقال والارهاب والبعث الكافر". ودعا الى "رفض كل انواع الطائفية والتفرقة" والى التآخي بين الشيعة والسنة.

يشار الى ان المحادثات بين "ائتلاف دولة القانون" بزعامة المالكي والائتلاف الوطني، الذي يشكل التيار الصدري ابرز مكوناته، لم تسفر حتى الان عن نتيجة بشأن الاندماج بين الطرفين لتشكيل اكبر كتلة نيابية تتولى تأليف الحكومة المقبلة.

وافاد مراسل فرانس برس ان التظاهرة انطلقت من امام مسجد الكوفة وبلغت مشارف ساحة الصدرين في النجف، قاطعة مسافة ثمانية كيلومترات، وسط شعارات "اخرج اخرج يا محتل" و"كلا كلا احتلال".

وقام بعض الاشخاص في مقدمة المسيرة بجر اعلام اميركية وبريطانية واسرائيلية على الارض، كما جر آخرون يرتدون قمصانا كتب عليها "العراق" نعوشا لفت باعلام هذه الدول.

وقال احد المشاركين في التظاهرة، ويدعى احمد عبد الحسين (33 عاما) من بغداد "جئنا تلبية لدعوة الصدر تعبيرا عن رفضنا للاحتلال وللمطالبة باطلاق سراح المعتقلين" من عناصر التيار، وتقدر اعدادهم ببضعة الاف. واضاف "سنبقى نطالب ولن نتوقف حتى يتحقق مطلبنا بخروج الاحتلال واطلاق سراح المعتقلين".

اما محمد نوري (24 عاما) من الديوانية (جنوب) فقال ان "تظاهرتنا تعبير عن رغبة العراقيين في الحرية والاستقلال ورحيل آخر جندي من قوات الاحتلال".

بدورها قالت ام محمد الكعبي (56 عاما)، التي ترتدي العباءة السوداء التقليدية وتحمل صورة للصدر "نريد حكومة تعالج البطالة وتوفر الامن والخدمات وتطلق سراح المعتقلين وتؤمن لنا حياة كريمة".

العراقية واستفتاء التيار الصدري..

وتعليقاً على استفتاء الصدريين قال المتحدث باسم ائتلاف العراقية حيدر الملا، إن نتائج استفتاء التيار الصدري تنطوي على بعد شعبي دون أن يكون له تبعات دستورية أو قانونية، في حين عده القيادي في جبهة التوافق العراقي رشيد “خطوة صحيحة وموفقة” لكنها “تخص التيار وحده”.

وأضاف الملا لوكالة أصوات العراق أن من الضروري “التميز بين الاستحقاق القانوني والدستوري وبين الاستحقاق الشعبي لتيار سياسي”، مشيرا إلى أن هذا الاستفتاء “لا يمكن تقنينه لا على أساس دستوري ولا على أساس قانوني بل أن كتلة الأحرار تقر بذلك”، بحسب تعبيره.

وأوضح أنه مسألة “تخص تفسير العلاقة بين القواعد الجماهيرية للتيار الصدري وكتلة الأحرار في اتخاذ القرارات السياسية ولا تتعدى هذا التوصيف”، مبينا أن نتيجة الاستفتاء “لن تترك أثرا على الكتل السياسية الأخرى وأن كتلة الأحرار ذهبت إلى حد أنه لن يترك أثرا حتى على القرار الإستراتيجي للتيار الصدري في دعم مرشح معين إنما هو قرينة لهم تساعدهم على اتخاذ القرار”.

وتابع أن المسألة ذات “بعد شعبي وليس دستوري أو قانوني”، وأردف “ضمن هذا التوصيف تعتبر خطوة مباركة  قام بها التيار الصدري لكنها تخص كتلة الأحرار فقط  على  مستوى التواصل الشعبي  لا على مستوى الإلزام القانوني أو الدستوري”.

من جانبه قال القيادي في جبهة التوافق العراقي رشيد العزاوي لوكالة أصوات العراق إن الاستفتاء “مسألة داخلية تخص التيار الصدري”، منوها إلى أن من “حقهم إجراء أي استفتاء لأخذ رأي جمهورهم”.

واستطرد أن الاستفتاء “خطوة صحيحة وموفقة قام بها التيار الصدري للوقوف على رأي جمهوره بالمرشح الذي يريدون”.

وكان الناطق باسم التيار الصدري صلاح العبيدي أعلن في وقت سابق فوز رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري بنسبة 24% من الأصوات في الاستفتاء الذي أجراه التيار مؤخرا.

يشار إلى أن التيار الصدري أجرى استفتاء يومي الجمعة والسبت الماضيين (2-3 نيسان أبريل الجاري) لاختيار مرشح لمنصب رئيس الوزراء يكون مدعوما من قبل كتلة الأحرار، طرح خلاله خمسة أسماء هم نوري المالكي، إبراهيم الجعفري، إياد علاوي، جعفر محمد باقر الصدر وعادل عبد المهدي، كما تضمنت ورقة الاستفتاء مربعا فارغا، قال مسؤولون في التيار إنه ترك لكي يختار المواطنون من يريدون من غير الأسماء المطروحة.

وبين العبيدي أن جعفر محمد باقر الصدر من ائتلاف دولة القانون حل ثانيا بنسبة 23%، وفي المرتبة الثالثة جاء قصي عبد الوهاب السهيل من كتلة الأحرار في الائتلاف الوطني العراقي بنسبة 17%.

وأضاف العبيدي أن رئيس الوزراء نوري المالكي حل في المركز الرابع بنسبة 10% في حين حل رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي خامسا بنسبة 9% وبهاء الأعرجي من كتلة الأحرار في الائتلاف الوطني سادسا بنسبة 5% وحل سابعا أحمد الجلبي بنسبة 3% من المصوتين، ونائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي ثامنا بنسبة 2% ورافع العيساوي تاسعا بنسبة 2% من الأصوات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/نيسان/2010 - 26/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م