ثقافتنا في عصر الإنترنت

مرتضى بدر

الندوة السنوية التي تعقدها مجلة (العربي) في الكويت، والتي يشارك فيها باحثون ونقّاد وإعلاميون من العالم العربي، تعتبر فرصة مهمة للنقاش وتبادل الآراء بين النخبة المثقفة في عالمنا العربي؛ لتقييم واقع الثقافة العربية في ظل وسائط الاتصال الحديثة، وما تتركه من تأثير على الثقافة والهوية العربية والإسلامية.

في آخر ندوة عُقِدت في الشهر الماضي، قُدِّمت أوراق قيمة حول العلاقة بين الثقافة العربية والانترنت. ورغم أهمية تلك الأوراق، إلا أنني توقفت عند الكلمة الافتتاحية لوزير الإعلام الكويتي الذي قال: “أهم ثورة أحدثها تطور هذه الوسائط في اعتقادي الخاص أنها بعد أن كانت وقفًا خاصًا بالحكومات والأنظمة أصبح جزء كبير منها تحت سيطرة الأفراد، وأتاحت الإنترنت تلك الشبكة العنكبوتية الهائلة مجالاً حرًّا ومفتوحًا لكل إنسان ليعبّر عن نفسه بطريقة لم تتوافر من قبل، ولم يعد هناك مصدر وحيد للأخبار، بل مصادر متعددة، ولم يعد هناك رأي وتوجيه واحد، ولكن، آراء متباينة.

 إننا نشهد هذه الأيام تحولات كبيرة مثل التي شهدتها البشرية في أوائل القرن الماضي حين فرض العلم نفسه على الفكر البشري، وأعاد تشكيل عقول وحياة الإنسانية”.

 أما رئيس تحرير مجلة (العربي) الدكتور سليمان العسكري فقد قال في كلمته: “إذا كانت هناك دائماً قوى عظمى تتقاسم تاريخياً الشرق والغرب منذ الفرس والروم حتى المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي؛ فإنّ زماننا هو زمن قوة واحدة جديدة هي وسائط الاتصال”. وفي فقرة أخرى يقول العسكري: “كنا نعي أنّ عالمنا يمرّ بطفرة هائلة في وسائط الاتصال جعلت عبارة (الكون قرية صغيرة) تبدو عتيقة بعد أن أصبح العالم شاشة صغيرة، وآن لنا التوقف - بالبحث والفكر- لنحدد موقع ثقافتنا العربية في هذا العالم الشاسع في صمته، والصاخب في تحديه”.

 لقد تأملت كثيراً كلمات الوزير ورئيس التحرير، ووجدت فيهما كثيرا من المعاني والدلالات، إضافةً إلى المخاوف والتحديات التي تواجه ثقافتنا في ظل المتغيرات الفكرية والثقافية التي تموج في كوننا الواسع، الذي أصبح حسب تعبير العسكري “شاشة صغيرة”.

 شخصياً، لا أميل نحو الشعور بالخوف على الثقافة والهوية في ظل هذه المتغيرات، بل أملك إحساسًا بالأمل - رغم ما تحتويه هذه المتغيرات من قوةٍ وسرعةٍ وتحدٍ- بأننا نملك القوة الثقافية المدعومة بنفحات التاريخ والقادرة على التحدي والتدرج نحو العالمية بالرغم مما نعانيه من تخلفٍ في مجال العلوم والتقنية الحديثة.

 باعتقادي، أنّ عوامل البناء والصعود موجودة في شرايين الأمة في صورة خلايا، لكنها غير نشطة، وهي بحاجة إلى جرعاتٍ تنشّطها وتحركّها. وبالطبع، الجرعات التي نتحدث عنها لا تُعْطى كوصفةٍ جاهزةٍ تساعد خلايانا على النمو، إنما هي عوامل نمو مترابطة، تنطلق من الذات الإنسانية أولاً، والمجتمعية ثانياً، ومتداخلة بالحقوق الأساسية للفرد، ومتشابكة بقضايا المواطنة، وتتفرع منها الشراكة المجتمعية، وعملية التنمية السياسية والثقافية والاقتصادية.

المخاوف على ثقافتنا العربية والإسلامية في عصر الإنترنت قد تقل إذا سعينا إلى تنشيط الخلايا الفكرية والثقافية والسياسية، من خلال البدء بالإصلاح من الداخل؛ حتى تتمتع الأمة بمناعة ضد المخاطر الخارجية (الجراثيم الثقافية) التي قد تغزو جسم الأمة عبر وسائط الاتصال التي تنمو بصورة مذهلة.

 وبدلاً من البكاء والندب المستمر على مستقبل ثقافتنا، وحتى يكون لثقافتنا موقع تحت شمس المستقبل؛ علينا السعي لتدعيم دعائم الأمة. ولا يكفي الإصلاح في مجال الثقافة من دون العمل على الإصلاح في المجالات الأخرى.

 والثقافة التي يخشى البعض من اندثارها لا تعني إحياء مناسبات احتفالية في مواسم محددة، وتوزيع الجوائز، وإقامة حفلات للرقصات الفولكلورية، والتغنّي بالتراث، وجلسات الأنس الشعرية، والقنوات الفضائية الغنائية وغيرها، إنما هي تفاعل بين الماضي والحاضر والمستقبل. والثقافة المتفاعلة مع الثقافات الأخرى التي تستشرف المستقبل هي الثقافة القادرة على الصمود والبقاء والاستمرار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/نيسان/2010 - 20/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م