روح المبادرة.. مفهوم قابل للتطور ومادة علمية قائمة بذاتها

 

شبكة النبأ: ما هو المعنى من كلمة مبادرة أو روح المبادرة؟ ظهر مفهوم المبادرة في الأعمال التجارية في القرن الثامن عشر وتطور معناها منذ ذلك الوقت. يعتبر الكثيرون هذا المفهوم بأنه مساوٍ لقيام المرء بفتح شركة خاصة به. لكن معظم علماء الاقتصاد يعتقدون بأنها أكثر من ذلك بكثير.

تقول جين هولدن، خبيرة في الشئون الاقتصادية، كاتبة ومحررة في وكالة الإعلام الأميركية: في نظر بعض علماء الاقتصاد، يكون المبادر في الأعمال التجارية هو المرء الذي على استعداد لتحمل المخاطر المترتبة عن إطلاق مشروع جديد في حال توفرت فرصة كبيرة لتحقيق الربح. ويؤكد آخرون على دور المبادر كمبتكر يقوم بتسويق ابتكاره. ولكن عددا آخر من علماء الاقتصاد يقولون إن المبادرين في الأعمال يطورون سلعاً أو عمليات جديدة يطلبها السوق وليست متوفرة حالياً.

في القرن العشرين،  ركز عالم الاقتصاد جوزف شومبيتر (1883-1950) على كيف أن حماس المبادر للابتكار والتحسين يحدث ثورة وتغييرا. اعتبر شومبيتر أن روح المبادرة هي بمثابة قوة "تدمير خلاقة". يجري المبادر "ائتلافات جديدة"، مما يساعد في جعل الصناعات القديمة بالية. ويتم تدمير الطرق الراسخة للقيام بالأعمال بفعل استحداث طرق جديدة أفضل للقيام بها. بحسب امريكا دوت غوف.

نقل الخبير في الأعمال التجارية بيتر دروكر (1909-2005) هذه الفكرة إلى أبعد من ذلك ووصف المبادر بأنه فرد يبحث فعلاً عن التغيير، ويستجيب إليه، ويستغل الفرصة السانحة للتغيير. نظرة سريعة إلى التغيرات الحاصلة، في قطاع الاتصالات من الآلات الطابعة مروراً بالكمبيوتر وصولاً إلى الإنترنت، تصور هذه الأفكار.

وتضيف هولدن، يتفق معظم علماء الاقتصاد اليوم على أن روح المبادرة ضرورية لتحفيز النمو الاقتصادي وتأمين فرص العمل في كافة المجتمعات. ففي العالم النامي تُشكِّل شركات الأعمال الصغيرة الناجحة المحركات الأولية لخلق فرص العمل، وتنمية الدخل، وتخفيض مستوى الفقر. لذلك فإن الدعم الحكومي للمبادرة في الأعمال يُشكِّل استراتيجية حاسمة للتنمية الاقتصادية.

وكما قالت اللجنة الاستشارية للأعمال والصناعة إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) عام 2003، إن "السياسات الرامية إلى تشجيع وتنمية روح المبادرة ضرورية لخلق فرص العمل وللتنمية الاقتصادية". ويستطيع المسؤولون الحكوميون تأمين حوافز لتشجيع المبادرين على المخاطرة بمحاولة إنشاء مشاريع جديدة. ومن بين هذه الحوافز القوانين التي تفرض تطبيق حقوق الملكية وتشجع قيام نظام سوق تنافسي.

وتتابع هولدن، قد تؤثر أيضاً ثقافة المجتمع الأهلي على مقدار روح المبادرة  القائمة ضمنه. فقد تبرز مستويات مختلفة من روح المبادرة الموجودة من الاختلافات الثقافية التي تجعل المبادرة مفيدة شخصياً إلى حدٍ ما. فالمجتمع الأهلي الذي يمنح المركز الأعلى لأولئك الموجودين في أعلى المؤسسات الهرمية القائمة أو الذين يملكون الخبرة المهنية قد تثبط همة المبادرين. ومن المرجح أن يتم تشجيع روح المبادرة عن طريق الثقافة أو السياسة التي تمنح أعلى تقدير للفرد "العصامي".

هذه النظرة الشاملة هي الأولى في سلسلة مقالات مؤلفة من صفحة واحدة حول العناصر الأساسية للمبادرة. تجمع كل مقالة تفكير أصحاب النظريات من الاقتصاديين في المسار السائد  مع نماذج من الممارسات الشائعة حول روح المبادرة في بلدان عديدة. تحاول هذه السلسلة أن تجيب عن السؤال، لماذا وكيف يصبح الناس مبادرين؟ ماذا تفيد المبادرة اقتصادياً؟ كيف تستطيع الحكومات أن تشجع المبادرين في الأعمال وبالتالي النمو اقتصادي؟

ما الذي يجعل المرء مبادراً في المشاريع والأعمال؟

وتوضح الكاتبة، من يستطيع أن يصبح مبادراً في المشاريع والأعمال؟ لا يوجد أي وصف شخصي محدد. يبرز المبادرون الناجحون من مختلف الإعمار، ومستويات الدخل، والجنس، والأعراق. يختلفون في مستوى تعليمهم وتجربتهم ولكن الأبحاث تشير إلى أن معظم المبادرين الناجحين يتشاطرون مزايا شخصية معينة، تشمل: الإبداع، التفاني، التصميم، المرونة، القيادة، الشغف، الثقة بالنفس، والفطرة السليمة أو "النباهة".

-الإبداع هو الشرارة التي تدفع تطوير منتجات أو خدمات جديدة، أو طرق ممارسة الأعمال. انه الدافع إلى الابتكار والتحسين. إنه الاستمرار في التعلم، وطرح الأسئلة، والتفكير خارج المعادلات الراسخة.

-التفاني هو ما يحفز المبادر التجاري على العمل الشاق، 12 ساعة أو أكثر في اليوم الواحد وحتى سبعة أيام في الأسبوع ولا سيما في بداية إطلاق المشروع. يجب ان يترافق التخطيط والأفكار مع العمل الشاق من اجل تحقيق النجاح. والتفاني هو الذي يجعل كل ذلك يحدث.

-التصميم هو الرغبة القوية جداً لتحقيق النجاح. تشمل المثابرة والقدرة على الوقوف من جديد بعد مواجهة أوقات قاسية. يقنع المبادر التجاري بإجراء المكالمة الهاتفية العاشرة بعد أن أدت المكالمات الهاتفية التسع السابقة إلى لا شيء. بالنسبة للمبادر الحقيقي، لا يُشكِّل المال الحافز، بل النجاح هو الحافز والمال هو المكافأة.

-المرونة هي القدرة على التحرك السريع استجابة إلى الحاجات المتغيرة للسوق؛ وان يكون المرء صادقاً بالنسبة لحلمه بينما يكون أيضاً واقعياً بالنسبة لحقائق السوق. يتم تداول قصة حول سيدة أعمال فتحت متجراً فاخراً تبيع فيه فقط المعجنات الفرنسية. لكن الزبائن كانوا يريدون أيضاً شراء فطائر المافينز.  وبدلاً من المخاطرة بخسارة هؤلاء الزبائن، عدلت المرأة المبادرة رؤيتها للتكيف مع هذه الاحتياجات.

-القيادة هي القدرة على إنشاء قواعد ووضع أهداف. إنها القدرة في المتابعة للتأكد من أن القواعد تتبع وان الأهداف تنجز.

-الشغف، هو الذي يجعل أصحاب المشاريع يبدأون العمل ويبقيهم فيه. إنه يعطي المبادرين القدرة على إقناع آخرين للإيمان برؤيتهم. لا يمكن للشغف ان يحل محل التخطيط ولكنه سوف يساعدهم على البقاء مركزي الاهتمام ويجعل الآخرين ينظرون إلى خططهم بإمعان وجدية.

-الثقة بالنفس تبرز من التخطيط الشامل الذي يخفض مقدار الشك ومستوى المخاطرة كما تبرز عن الخبرة. تمنح الثقة بالنفس رجل الأعمال القدرة على الاستماع دون ان يتعرض بسهولة إلى تغيير رأيه أو تخويفه.

-كلمة Smarts”" أو "النباهة" مصطلح أميركي يصف الفطرة السليمة المترافقة مع المعرفة او التجربة في عمل أو مسعى معين. تعطي المعرفة للمرء الغرائز الصحيحة بينما التجربة تغطيه الخبرة. يتحلى أناس عديدون بميزة " النباهة" لكنهم لا يدركونها. فالشخص الذي يعيل بصورة ناجحة عائلة ضمن موازنة محددة، يملك بالتأكيد مهارات تنظيمية ومالية. الوظيفة، والتعليم، وتجارب الحياة تساهم جميعها في تكوين النباهة، أو الفطرة السليمة المترافقة مع المعرفة والتجربة.

يملك كل مبادر في الأعمال هذه الصفات بدرجات مختلفة. لكن ماذا بشأن فرد تنقصه واحدة أو أكثر من هذه الصفات؟ هناك العديد من المهارات التي يمكن تعلمها؛ او ربما يمكن توظيف شخص يملك نقاط قوة يفتقدها المبادر التجاري. فالاستراتيجية الأكثر أهمية هي ان يدرك الشخص نقاط القوة وان يبني عليها في إطلاق مشروعه.

لماذا يصبح المرء مبادراً تجارياً؟

وتتسائل هولدن، ما الذي يدفع الفرد لأن يقوم بمبادرة خاصة ويطلق شركة أعمال؟ ربما كان الفرد قد فقد وظيفته مرة واحدة أو أكثر. وفي بعض الأحيان يشعر الفرد بالإحباط من وظيفته الحالية ولا يعود يرى في الأفق أية احتمالات لحياة مهنية أفضل. وفي أحيان أخرى يدرك الفرد أن عمله بات في مهب الرياح. ربما تفكر شركة بتقليص عدد العاملين لديها مما ينهي وظيفة الفرد أو يحدد نطاق حياته المهنية أو احتمالات زيادة راتبه. ربما كان قد تّم تجاوز اسمه عند منح الترقيات. وربما لا يرى الفرد أية فرص في الأعمال الحالية بالنسبة لشخص يتمتع باهتماماته ومهاراته.

وتوضح، يرفض فعلاً بعض الناس فكرة العمل لصالح شخص آخر. وهم يعترضون على نظام تستند فيه المكافأة في أحيان كثيرة على الأقدمية بدلاً من الإنجاز، أو حيث يتوجب عليهم الالتزام بثقافة الشركة.

يقرر أناس آخرون أن يصبحوا مبادرين تجاريين نظرا لأنه خاب أملهم من البيروقراطية أو السياسة المتعلقة بالتقدم في العمل في شركة أو في مهنة ما. بعضهم يصيبه الملل من محاولة الترويج لمنتج معين، أو لخدمة، أو لطريقة القيام بالأعمال التي تكون خارج مسار العمليات في شركة كبرى.

وبالمقابل، قد ينجذب بعض الناس إلى روح المبادرة بفعل المزايا التي يوفرها إطلاق مشروع أعمال جديد. ومن بين هذه المزايا:

* المبادرون هم رؤساء أنفسهم. يتخذون القرارات، ويختارون مع من يجب ان يتعاملوا، وما هو العمل الذي سوف يقومون به. ويقررون مدة ساعات الدوام في العمل، كما الأجور التي سيدفعونها وما إذا كان يجب أخذ العطل.

* تقدم روح المبادرة إمكانية أكبر لتحقيق مكاسب مالية كبيرة بدلاً من العمل لحساب شخص آخر.

* تزود روح المبادرة القدرة على المشاركة في العملية الإجمالية لمشروع الأعمال، بدءاً من المفهوم إلى التصميم والإنشاء، ومن المبيعات إلى العمليات التجارية واستجابة العملاء.

* توفر روح المبادرة هيبة ومكانة رفيعة في أن يكون المرء مسؤولاً.

* تعطي روح المبادرة الفرد فرصة لبناء موجوداته، التي يستطيع الاحتفاظ بها، أو بيعها أو تمريرها إلى الجيل المقبل.

* تتيح روح المبادرة فرصة للمرء ليقدم مساهمة. ويساعد معظم المبادرين الجدد الاقتصاد المحلي. ويساهم بعضهم، من خلال ابتكاراتهم، في مساعدة المجتمع ككل. أحد النماذج هو المبادر ستيف جوبز، الذي ساهم بتأسيس شركة أبل عام 1976 وأشعل فتيل الثورة اللاحقة في مجال الكمبيوترات المحمولة.

يقيّم بعض الناس الإمكانيات التي توفر الوظائف والحياة المهنية حيث يعيشون ويتخذون بسبب ذلك قراراً واعياً في السعي إلى روح المبادرة.

ليس هناك سبب واحد أكثر فعالية من سبب آخر. وليس هناك سبب يضمن النجاح. ولكن الرغبة القوية في بدء مشروع أعمال تجاري، بالإضافة إلى الفكرة الجيدة، والتخطيط الحريص، والعمل الشاق يمكن أن تقود إلى مسعى جذاب ومربح.

أنواع الفرص

وتبيّن الكاتبة، أحد الخيارات المهمة التي يتوجب على المبادرين الجدد اتخاذها هو إطلاق شركة أعمال بمفردهم أو بالمشاركة مع مبادرين آخرين. عليهم ان يأخذوا في الاعتبار العديد من العوامل التي تشمل المؤهلات والمهارات الشخصية وطبيعة العمل المخطط لتنفيذه.

في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بينت الدراسات أن حوالي نصف عدد كافة الأعمال الجديدة بالكامل أوجدتها فرق مكونة من شخصين او أكثر. في أحيان كثيرة يكونون على معرفة وثيقة ببعضهم البعض، وبالفعل من الاعتيادي أن تتكون الفرق من زوج وزوجة.

تتوفر أفضليات عديدة لإطلاق شركة أعمال بالمشاركة مع مبادرين آخرين تتشاطر أعضاء الفرق اتخاذ القرارات وتحمل المسؤوليات الإدارية. يستطيعون أيضاً منح الدعم العاطفي لبعضهم البعض الأمر الذي يمكنه ان يساعد في تخفيف الإجهاد الفردي.

تواجه الشركات المؤلفة من فرق مخاطر أقل نوعاً ما. فإذا لم يتوفر أحد المؤسسين للقيام بواجباته يتمكن عضو آخر من الحلول محله.

وتضيف هولدن، كثيراً ما تولد التفاعلات بين أعضاء الفرق شعلة الإبداع. يستطيع أعضاء فريق ان يتداولوا الأفكار فيما بينهم ويقومون بطرح الأفكار لاستنباط الحلول للمشاكل.

تظهر الدراسات ان المستثمرين والمصارف يفضلون على ما يبدو تمويل الأعمال الجديدة التي يطلقها اكثر من مبادر واحد. وهذا الأمر لوحده قد يُبرز تشكيل فريق.

تأتي فوائد مهمة أخرى من تشكيل فرق للعمل من توحيد الموارد المالية والخبرات. ففي افضل الحالات، يملك أعضاء الفريق الواحد مهارات مكملة لبعضها البعض. فقد يملك أحدهم تجارب في الهندسة، مثلاً، ويكون الآخر خبيراً في الترويج التجاري.

بوجه عام، تملك الفرق القوية فرصة افضل للنجاح. فقد أشار البروفسور إدوارد روبرتس من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا (MIT) في كتابه "المبادرون في التكنولوجيا الراقية"، ان شركات التكنولوجيا التي شكلها فريق من المبادرين عرفت معدلاً من الفشل أقل مما عرفته شركات أطلقها أفراد. وهذا صحيح بوجه خاص عندما يضم الفريق خبيرا في التسويق.

وتبيّن هولدن، يستطيع مبادرون من أعمار مختلفة تأسيس فرق متكافلة. فالتفاؤل وروحية "التمكن من الإنجاز" يميزان الشباب بينما يوفر التقدم في العمر الخبرة والواقعية. في العام 1994، مثلاً، كان مارك اندريسن عالماً شاباً موهوباً في الكمبيوتر لديه فكرة مبتكرة. لاحظ جيمس كلارك، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة سيليكون غرافيكس، رؤيته. وسوية ابتكرا "نتسكايب نافيغايتور" (Netscape Navigator)، برنامج الكمبيوتر لتصفح الإنترنت الذي شكل تحولاً أساسياً في الكمبيوتر الشخصي.

لكن توجد أيضاً سيئات محتملة من تشكيل فريق مبادرة. أولاً، يتشاطر أعضاء الفريق الملكية. وبوجه عام، يجب ان يمتنع المبادرون عن عرض المشاركة في الملكية ما لم يكن الشريك المحتمل قادراً على تقديم مساهمة ذات شأن إلى المشروع.

يتشاطر أعضاء الفرق السيطرة في صنع القرارات وقد يخلق ذلك مشكلة إذا كانت قدرة الحكم عند أحد أعضاء الفريق ضعيفة أو كان يمارس عادات سيئة في العمل.

معظم الفرق تواجه في آخر الأمر نزاعاً خطيراً. قد يشمل ذلك الخطط الإدارية، الإجراءات التشغيلية، أو الاهداف المستقبلية. ومن المحتمل ان يبرز هذا النزاع من الالتزام غير المتساوي في الوقت او من التنافر بين الشخصيات. في بعض الأحيان يمكن حل هذه النزاعات، وفي أحيان أخرى قد يؤدي النزاع إلى بيع الشركة، أو في أسوأ الحالات إلى إفلاسها.

من المهم ان يكون المبادر الجديد مدركاً للمشاكل المحتملة خلال درسه لأفضليات وسيئات العمل مع مبادرين آخرين. لكن بوجه عام تترجح فوائد العمل كفريق على المخاطر.

القرارات والفشل

وتقول هولدن، روح المبادرة هي خيار مهني جذاب. ولكن يجب اتخاذ العديد من القرارات قبل إطلاق وإدارة شركة أعمال جديدة مهما كان حجمها. من الأسئلة المطروحة التي يتوجب الإجابة عليها:

-هل يريد هذا الفرد حقاً أن يكون مسؤولاً عن شركة؟

-أي منتج أو خدمة يجب أن يشكل الأساس للشركة؟

-ما هي السوق، وأين يجب أن يكون موقعها؟

-هل إمكانيات الشركة كافية لتزويد أجور معيشية لموظفيها ومالكها؟

-كيف يمكن للشخص جمع الرأسمال لمباشرة العمل؟

-هل يجب أن يعمل الفرد بدوام كامل أو بدوام جزئي لبدء شركة جديدة؟ هل يجب ان يبدأ بمفرده أو مع شركاء؟

الأجوبة لهذه الأسئلة ليست نظرياً في خانة الصح أو الخطأ. بل إن الأجوبة سوف تستند على حُكم كل مبادر أعمال بدوره. يقوم مبادر الأعمال بجمع اكبر قدر ممكن من المعلومات والنصائح قبل اتخاذ هذه القرارات وغيرها من القرارات الحاسمة.

يكمن التحدي أمام مبادر الأعمال في إقامة توازن بين اتخاذ القرارات والحذر، أي ان يكون شخصاً عملياً لا يماطل قبل التقاط الفرصة، وفي نفس الوقت بأن يكون حاضراً لأي فرصة من خلال إنجاز كل العمل التحضيري الممكن ان يخفض مخاطر المشروع الجديد.

ومن خلال التحليل الدقيق لحالات نجاح وفشل مبادري الأعمال، قام علماء الاقتصاد بتحديد العوامل الرئيسية التي يجب على مالكي الشركات الجديدة أن يأخذوها عن كثب في عين الاعتبار. فأخذها في الحسبان يمكن ان يخفض المخاطر. وبعكس ذلك، فإن عدم الانتباه لها يمكن ان يعجل بفشل المؤسسة الجديدة.

الدافع:  ما هو الحافز لبدء شركة الأعمال؟ هل هو المال لوحده؟ الصحيح ان العديد من مبادري الأعمال يحققون ثروات طائلة. لكن المال يكون دائماً تقريباً شحيحاً في مرحلة بدء الشركة الجديدة وفي المراحل المبكرة. فالعديد من مبادري الأعمال حتى لا يتلقون رواتب إلى ان يتمكنوا من ذلك وحتى انهم يتركون في المؤسسة تدفقاً نقدياً ايجابياً.

الاستراتيجية: ما هي الاستراتيجية لممايزة المنتج أو الخدمة؟ هل الخطة هي المنافسة على أساس سعر البيع لوحده؟ السعر مهم، لكن معظم علماء الاقتصاد يوافقون على ان المنافسة على أساس السعر لوحده تنطوي على خطورة فائقة. المؤسسات الكبرى التي تنتج كميات ضخمة تملك الأفضلية في تخفيض السعر.

الرؤية الواقعية: هل توجد رؤية واقعية لإمكانيات مشروع الأعمال؟ الأموال التشغيلية غير الكافية هي سبب فشل العديد من الشركات. في كثير من الأحيان، يسيء مبادرو الأعمال تقدير تكاليف بدء الشركة ويبالغون في تقدير عائدات المبيعات في خططهم للشركة. ينصح بعض المحللين بإضافة 50 بالمئة إلى تقديرات الكلفة النهائية، وتخفيض توقعات المبيعات. عندئذ فقط يستطيع مبادر الأعمال تفحص توقعات التدفق النقدي واتخاذ القرار إذا كان جاهزاً لإطلاق شركة جديدة.

المبادرة والإنترنت

وتعرج هولدن على دور الانترنت فتقول، أحدثت الإنترنت وشبكة الكمبيوتر الهائلة التي تربط شبكات الكمبيوتر الأصغر حجماً ببعضها البعض، ثورة في التجارة من خلال الجمع بين الناس من كافة أنحاء العالم. ومن الممكن استعمال العديد من مزاياها لتكوين شركات أعمال جديدة.

الاتصالات: يجب أن يتصل المبادر بالعديد من الناس، والموزعين، والزبائن على سبيل المثال. فتتوفر بذلك طريقة سريعة وغير مكلفة نسبياً لإرسال الرسائل، والتقارير، والصور وغير ذلك إلى مستعملين آخرين للإنترنت من خلال البريد الإلكتروني. كما يمكن استعمال البريد الإلكتروني حتى للتسويق. تتوفر أشكال مختلفة من برامج الكمبيوتر لحماية الوثائق من إمكانية الوصول غير المرخص به إليها أو تغيير نصوصها للتمكن من تبادلها بأمان والتحقق من صحتها بسهولة.

الأبحاث: يتطلب إطلاق مشروع أعمال تجاري القيام بالكثير من الأبحاث. فيستطيع المبادر ان يجد معلومات حول أي موضوع تقريباً بسرعة كبيرة باستعمال شبكة الإنترنت العالمية (والشبكة العنكبوتية هي عبارة عن مجموعة من النصوص والوثائق المتعددة الوسائط المرتبطة ببعضها لخلق مكتبة إلكترونية هائلة). توفر الوكالات الحكومية، والجامعات، والمنظمات وشركات الأعمال العديدة معلومات على الإنترنت بدون مقابل في العادة.

وأسهل طريقة للعثور على معلومات على شبكة الإنترنت هي باستعمال محرك بحث، أو نظام استرجاع البيانات. إذ يطبع المستعمل الكلمات الرئيسية لموضوع معين على الكمبيوتر، ثم يكبس على زر الإدخال فيتلقى قائمة بالمواد، وغالباً خلال ثوانٍ. البنود موصولة إلكترونياً بالوثائق الفعلية، بحيث يستطيع مستعملو الإنترنت قراءتها على شاشات الكمبيوتر. ومحركا البحث من شركتي غوغل وياهو هما الأكثر شعبية والأوسع انتشارا.

الترويج: مواقع الويب، وصفحات المعلومات المطبوعة، والمعلومات المرئية البصرية موصولة ببعضها البعض إلكترونياً وتوفر فرصة للمبادرين للتعريف بشركة أعمال جديدة ومنتجاتها و/أو خدماتها إلى مجموعة هائلة من الجمهور. بوجه عام، يمكن إنشاء وتحديث المعلومات على مواقع شبكة الإنترنت بسرعة أكبر وبطريقة اقل كلفة من كلفة طباعة المواد الترويجية. وعلاوة على ذلك، فهي تعمل بصورة متواصلة!

وتضيف، من أجل إنشاء موقع على إلكتروني على الإنترنت لشركته، يستطيع المبادر ان يستعين بشركة لإنشاء موقع او شراء برنامج كمبيوتر لإنشاء هذا الموقع بنفسه. وأيضاً تقدم جامعات عديدة صفوفاً دراسية لتعليم كيفية بناء موقع على شبكة الإنترنت.

يحتاج الموقع على الشبكة إلى اسم وعنوان. يكون الاثنان متماثلان على الإنترنت. يجب تسجيل أسماء وعناوين الموقع. يشير الرمز Http://www.internic.net/ إلى  موقع على الشبكة يدرج أسماء المسجلين حسب الدولة واللغة المستعملة. يتم التعبير عن عنوان الشركة الموصولة بالإنترنت بالرمز URL (مُحدّد موقع المورد الموحد) وينتهي عادة بالرمز دوت كوم (.com)، الذي يعني موقعاً "تجارياً". الرمز دوت نيت (.net) وهي نهاية بديلة، كثيراً ما تستعمل عندما يتم تسجيل موقع معين ينتهي بالرمز .com والأسماء الجيدة لموقع محدد للشركة يمكن تذكرها بسهولة وتستحضر في الذهن الشركة ومنتجاتها أو خدماتها.

يحتاج المبادر أيضاً إلى امتلاك قطعة في الفضاء الإلكتروني لإقامة موقعه على الشبكة. تؤجر العديد من شركات "خدمات الاستضافة" التجارية، والتي تسمى بمقدمي خدمات الإنترنت (ISP)، مساحات على أجهزة الكمبيوتر الكبيرة التابعة لها (تسمى الخادم) مقابل رسم شهري أو سنوي زهيد.

الترويج للموقع يشكل أمرا حاسم الأهمية. يمكن وضع عنوان الموقع على بطاقات الأعمال، وعلى القرطاسية، والكتالوغات، أو أي شيء يتعلق بالشركة الجديدة. أو يستطيع المبادر أن يدفع مبلغاً لوضع إعلان نابض بالألوان على مواقع الشبكة غير المنافسة، كالتي تستعمل للمنتجات التكميلية. الشعارات الدعائية تكون عادة موصولة بموقع الشركة المعلن عنها.

يستطيع المبادرون أيضاً تزويد معلومات حول مواقعهم إلى محركات البحث الموجودة على الإنترنت المعروفة جيداً. مقابل دفع رسم، تقوم معظم محركات البحث بالترويج لموقع ما عندما يتم استعمال مجموعة مختارة من مصطلحات البحث. فعلى سبيل المثال، يستعمل في أحيان كثيرة المتسوقون على الإنترنت محركات بحث للعثور على شركات تزود منتجات وخدمات محددة.

الاستعمال الآمن: تماماً كما يفعل أصحاب المتاجر في قفل واجهات متاجرهم، يجب على المبادرين الذين يستعملون الإنترنت اتخاذ خطوات لحماية أنظمة الكمبيوتر لديهم من مخاطر محتملة ناتجة عن الانتهاكات الأمنية والفيروسات. وإحدى الخطوات الأشد فعالية هي تركيب برنامج حماية. وتتمثل خطوة أخرى في تركيب جدار نار للإنترنت (يكون شبيها بالجدار الذي يمنع تسرب النار في المنازل) لغربلة ومنع حصول تبادل غير مرغوب به بين شبكة الكمبيوتر والإنترنت. يستطيع مستشار التكنولوجيا الذي يتم التعاقد معه أن يركب هذه الأدوات وغير ذلك من الأدوات الدفاعات عن الكمبيوتر. هناك الكثير من المعلومات المتوفرة حول سلامة الكمبيوتر وتقدم مجاناً في أحيان كثيرة. فعلى سبيل المثال، يقدم الاتحاد القومي لأمن الفضاء الإلكتروني ) (http://www.staysafeonline.info/، وهي منظمة تكرّس جهودها للنشر الوعي حول أمن الإنترنت، مواداً تعليمية وموارد أخرى.

وتختم هولدن مقالها، كما قال جوليان أي. لانغ، الأستاذ المشارك لمادة روح المبادرة في الأعمال في كلية بابسون، "توفر الإنترنت للمبادرين الخلاقين الذين يملكون موارداً محدودة فرصاً ذات شأن لتأسيس شركات أعمال جديدة ولتعزيز المشاريع القائمة." وسوف تطور شركات الأعمال الجديدة الحلول لتعزيز تجربة مستخدم الإنترنت. وسوف تستغل شركات الأعمال القائمة برمجيات لا تحصى على الإنترنت، بدءاً من خدمة الزبائن وصولاً إلى طلب المعالجة إلى علاقات المستثمر. يقترح لانغ، بالنسبة للعديد من المبادرين، أن التحديات التي تطرحها الإنترنت هي "فرص لإبهاج الزبائن ولخلق مشاريع مبادرات مثيرة."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/نيسان/2010 - 19/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م