معركة النقاب في أوربا والانفصام بين الفكر والتطبيق

كتب: المحرر السياسي

 

شبكة النبأ: ثمة بون شاسع بين الادعاء بمبدأ معين والعمل على نحو يتناقض معه، فكل الامم والشعوب والجماعات يمكن أن تدّعي بأنها تتمسك بالمبادئ الانسانية وانها ترعى حقوق الانسان وتحرص على حرية الرأي والفكر وما شابه، بيد أن هذا القول حتى لا يكون من باب الادعاء واللفظ المجرد فإنه ينبغي أن يُطبّق على ارض الواقع كي يتحقق التطابق بين التنظير والتطبيق، أو بين ما يقوله الانسان من مبادئ وكلام وبين ما يؤمن به فعلا.

لأن الاعلان بأننا نؤمن بكذا مبادئ يحتاج الى دعم عملي يدعمه التطبيق، ولطالما اعلن ساسة ومفكرو اوربا بأنهم رأس النفيضة في قيادة العالم البشري نحو السمو الانساني والاخلاقي نحو الحرية، وأن حضارة الغرب هي التي تقود البشرية فكريا وحضاريا من خلال ايمانها بجملة من المبادئ التي تحترم الانسان وتدافع عن كرامته وخياراته قي التفكير ونمط العيش وما شابه.

لكن المراقب لما تفرزه ساحة الحراك الغربي سيلاحظ جملة من القوانين المستجدة على الساحة الغربية تؤكد للجميع بوضوح بالغ اختلاف الطروحات المبدئية التي تحفظ خيارات الانسان عما يحدث قوق الارض.

ولعل الموجة الجديدة من القوانين التي تمنع النقاب وقبلها محاربة الحجاب هنا وهناك دليل دامغ على مسألة التناقض بين ادّعاء المبادئ الانسانية وبين تطبيقها، بمعنى أن الغرب الذي يتحرك الآن بوضوح بقوة القوانين لمنع هذه الحالة او تلك، إنما يحاول أن يحجّم من خيارات الآخر، وهذا ما يؤكد ازدواجية القول والفعل لدى الغرب، وبل ويؤكد تراجعا واضحا في مساحة الحرية التي كان الناس المضطهدون يحاولون الاحتماء بظلها في اوربا والعالم المتحرر كما يطلقون على أنفسهم متناسين او غافلين او متعمدين على ان مثل هذه القوانين تضر بمبادئهم وتوجهاتهم الضرر البليغ وأن النتائج قد تكون عكسية تماما.

مثلا يدعي المشرع الاوربي بأن ارتداء النقاب للنساء يشكل حماية للارهاب، بيد أن التشريعات التي تبدو صغيرة وأولية سرعان ما تنمو وتتعاظم لتصبح سلوك حياة، فاليوم يُمنع النقاب تحت هذه الحجة او تلك وغدا يمنع الحجاب وبعده يُمنع بناء المساجد مثلا لأنها قد تشكل مأوى للإرهاب، وهذا ما يمكن أن يدّعيه المشرع الأوربي، وهكذا تتحول ساحة الحرية في اوربا الى ساحة اضطهاد اخرى بدلا من نظرة الآخرين إليها على انها المأوى البديل للعنف والمطاردة السياسية في البلدان ذات الحكومات المستبدة.

من هنا فإن السماح بالخطأ القانوني الصغير سيؤدي مع مرور الوقت الى تعاظم هذا الخطأ وتحوله من خطأ ليس ذي بال الى حالة سلوك شاملة ربما تنمو في عموم المجتمع الاوربي فتسلب منه طبيعته المتحررة كما يعتقد الاوربيون وساستهم ومفكروهم أنفسهم.

ثم هناك قضية تبدو على قدر كبير من الاهمية، ألا وهي الاشكالية العلائقية بين المجتمعات المتحضرة الراسخة في الجانب المدني وبين المجتمعات التي لا تزال تقبع في أسفل قائمة النمو في مناحيه الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها، او ما أطلق عليه بعض المفكرين بصراع الحضارات.

إن مثل هذه الخطوات غير المدروسة قد تضاعف وتأجج هذا الصراع وتستقدم عناصره ومسبباته وتطورها لتصبح حالة قائمة لا يمكن تجاوزها في ظل بعض الاجراءات ذات الطابع العنصري كما يٌستشَف من قرار منع النقاب في بلجيكا مثلا  وفرنسا التي يعدها كثيرون قلعة للحرية.

ولعل اصحاب مثل هذه القرارات الاقصائية يتدرعون بالكثير من الحجج الجاهزة واولها مخاطر الارهاب، متناسين ان الوسائل التقنية التي يتمتع بها الاوربيون بامكانها ان تجرد النقاب من خطورته، هذا لو افترضنا انه يشكل خطورة فعلية، لذلك نقول أن بإمكان اوربا والمعنيون فيها بهذا الامر أن يجدوا البدائل المتحضرة لمعالجة مثل هذه الاشكاليلات حفاظا على حضارتهم نفسها وما تتمتع به من امتيازات لاسيما في الامور التي تتعلق بحرية الانسان.

ولطالما نصح مفكروهم بالاستغناء عن اسلوب المنع لأنه غالبا ما يؤدي الى نتائج سلبية، واعتماد الاقناع والتحاور كسبيل لا مناص منه للوصول الى الحلول المناسبة، ولهذا لن يصب مثل هذا الاجراء المتطرف بالاتجاه الصحيح ولا يساعد على تأكيد مبادئ الحرية التي ترفع مشاعلها اوربا وتعلن بأنها راعية التحرر الاولى في العالم، لأن ما يحدث في الواقع يشير الى غير هذا الادعاء.

وهكذا تتضح خطورة مثل هذه الاجراءات وانعكاساتها على الطبيعة المدنية التي تحتفظ بها المجتمعات الاوربية، فالمطلوب وقف مثل هذه الاخطاء التي تبدو صغيرة في بدليتها لكنها في الغالب تقود الى نتائج ستنعكس على حرية الحضارة الأوربية نفسها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/نيسان/2010 - 18/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م