الطاقة النووية بين الحاجة لمواكبة التطور والخشية من الاستخدام التعسفي

 إرهاصات انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط

 

شبكة النبأ: في 17 آذار/مارس 2010، خاطب نائب وزير الطاقة الأمريكي دانيال بونيمان منتدى السياسة على مأدبة غداء خاصة في معهد واشنطن لمناقشة مواضيع الطاقة النووية وانتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وقد شغل نائب الوزير بونيمان سابقاً في إدارة الرئيس بيل كلينتون منصب مدير أقدم لمنع الانتشار النووي والرقابة على الصادرات في مجلس الأمن القومي. وفي العام الماضي، ترأس بونيمان فريق الولايات المتحدة في المفاوضات التي جرت مع إيران في جنيف حول "المفاعل البحثي في طهران". وفيما يلي مقتطفات من تصريحات نائب الوزير بونيمان وخلاصة المقرر عن الأسئلة والأجوبة التي تلت ملاحظاته:

يواصل الرئيس الأمريكي العمل على التصدي لتحديات تغير المناخ والطاقة، بإدراكه أن هذه هي مشكلة عالمية تتطلب حلاً عالمياً. ويشير البعض بأن قيام الولايات المتحدة بالتركيز على تقنيات الطاقة الجديدة ومستقبل منخفض الكربون، قد يشير بأنها على خلاف مع منتجي النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط. لكن، المناقشات التي جرت مؤخراً في المنطقة توحي غير ذلك. ويقدم التصدي لتحديات تغير المناخ والطاقة فرصاً هامة لتوسيع العلاقات التي تتمتع بها الولايات المتحدة في المنطقة في مجال الطاقة، ويساعد على بناء مستقبل مستدام مع الشركاء الإقليميين في مجال الطاقة. بحسب تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

وأضاف بونيمان، هناك دور هام ومتزايد باستطاعة الطاقة النووية أن تلعبه في جميع أنحاء العالم لتلبية الطلب المتزايد لاستمرار تزويد الحد الأدنى من الطاقة الكهربائية. ووفقاً لالتزاماتها بموجب "معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية" ("معاهدة عدم الانتشار")، وتؤيد الولايات المتحدة الاستخدام السلمي للطاقة النووية لتلك الدول التي ترقى إلى مستوى التزاماتها حول حظر الانتشار النووي. وكانت الولايات المتحدة قد وقعت على مذكرات تفاهم ثنائية مع الأردن، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والبحرين، التي أعربت جميعها عن رغبتها في الاعتماد على الأسواق الدولية للحصول على الوقود النووي بدلاً من الاعتماد على تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم في أراضيها.

وتابع بونيمان، في الوقت الذي تبحث فيه بلدان في الشرق الأوسط تطوير برامج نووية مدنية، يمكن أن تقوم الولايات المتحدة بتعزيز أعلى معايير السلامة والأمن، ومنع الإنتشار النووي. وتعمل الولايات المتحدة بنشاط في منطقة الشرق الأوسط وهي تتعاون مع الحكومات في المنطقة لكشف، وردع، ومنع التهريب غير المشروع للمواد النووية والمواد المشعة الأخرى. وتعترف الولايات المتحدة أن وقوع عمل إرهابي أو حادث يتعلق بانتشار المواد النووية قد يكون له عواقب مدمرة في الوقت الذي سيؤدي إلى تقويض ثقة الجمهور في الطاقة النووية.

ويوضح بونيمان، في العاصمة براغ، دعا الرئيس أوباما أيضاً إلى وضع إطار جديد للتعاون النووي المدني، "لكي تتمكن البلدان من التمتع بحرية الوصول إلى الطاقة السلمية واستعمالها دون زيادة مخاطر الإنتشار". وما زالت الولايات المتحدة تعمل على تحقيق تلك الجوانب التي تسعى إلى طمأنة الدول المعنية بأنه باستطاعتها التمتع بحرية الوصول بصورة موثوقة إلى خدمات الوقود النووي دون تطوير قدرات لتخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلوتونيوم الخاصة بها.

ويبيّن بونيمان، إذااستطاعت الحكومات أن تؤكد للدول التي تمتلك مفاعلات نووية مدنية والمتوافقة مع "معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية" بأنه بإمكان الموردين الحاليين الوفاء باحتياجات هذه الدول من الوقود النووي دون خوف من حدوث اضطراب، فعندئذ يمكن التقليل من الحوافز لبناء مرافق دورة الوقود النووي الحساسة. وقد أعربت روسيا عن تأييدها للنهج المتمثل من المهد إلى اللحد، رغم أن هناك عدداً من القضايا المعقدة والصعبة التي تحتاج للمعالجة لتحقيق نجاح هذا الإطار الجديد المتعلق بالتعاون النووي المدني.

وتابع بونيمان، من أجل الحفاظ على حيوية "معاهدة عدم الإنتشار"، من الضروري أن تقوم الولايات المتحدة بالتعامل بفعالية مع الدول ذات القيم المتطرفة مثل كوريا الشمالية وإيران. وتعترف الولايات المتحدة بحق إيران في امتلاك برنامج نووي سلمي، وكذلك بمسؤوليات إيران في الرقي إلى معايير حظر الإنتشار العالمي. وتمنح "معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية"، "الحق غير القابل للتصرف لجميع الأطراف في المعاهدة في تطوير وبحث وإنتاج واستخدام الطاقة النووية"، ولكن من المهم أن نتذكر العبارة التالية: "للأغراض السلمية دون تمييز وبما يتفق مع المادتين الأولى والثانية من هذه المعاهدة". وتلزم المادة الثانية إيران بعدم تطوير أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة نووية أخرى.

ويوضح بونيمان، لا يظهر بأن برنامج إيران النووي هو "لأغراض سلمية". فلم تمتثل إيران أساساً لاتفاق الضمانات التي اعتمدته "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ("الوكالة") منذ عام 1982، نتيجة استيرادها مواد نووية غير معلنة، وقيامها بتجارب نووية غير معلن عنها، وبنائها منشآت نووية دون الإعلان في الوقت المناسب إلى "الوكالة".  ولم تقم إيران بإرضاء مخاوف "الوكالة" حول الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامجها، ولم تصدق على "البروتوكول الإضافي"، وتستمر في تحدي القرارات الصادرة عن مجلس محافظي "الوكالة" ومجلس الأمن الدولي.

وفي 1 تشرين الأول/أكتوبر، اجتمع ممثلو شركاء دول الـ P5 +1 [الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا] في جنيف مع نظرائهم الإيرانيين الذين أشاروا إلى التوصل إلى اتفاق من حيث المبدأ حول الإجتماع مرة أخرى مع دول الـ P5 +1 لمناقشة البرنامج النووي وتنفيذ اقتراح "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" حول "المفاعل البحثي في طهران". وفي البداية  وافقت إيران على اقتراح "الوكالة". وللأسف، يفضل قادة إيران على ما يبدو رفض الخيارات التي تتميز بقدر أكبر من المسؤولية، والتي هي فعالة من حيث التكلفة، وتأتي في الوقت المناسب من أجل المضي قدماً في برنامجهم النووي. ولم تكن هناك متابعة لاجتماع دول الـ P5 +1 مع إيران، حيث رفضت طهران الموافقة على مناقشة برنامجها النووي، على الرغم من تفاهمات جنيف.

وتابع بونيمان، لم يكن رد إيران على جهود سياسة التعاطي مشجعاً. وهكذا، ففي حين أن الباب أمام إيران ليس مغلقاً، أوضح الرئيس الأمريكي بأن الولايات المتحدة تحوِّل الآن اهتمامها المتزايد إلى مسار الضغط وتعمل على تطوير نظام كبير من العقوبات التي من شأنها أن تعكس [تزايد عزلة إيران] في المجتمع الدولي. فيجب على المجتمع الدولي أن يتحدث بصوت واحد حول حتمية وفاء إيران بمسؤولياتها والتزاماتها بموجب "معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية".

وأضاف بونيمان، على الرغم من أن الإلتزام بـ "معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية" قد شهد صعوداً وهبوطاً على مر السنين، كانت الولايات المتحدة قادرة، حتى الآن، على منع انحلال المعاهدة. وفي الوقت الذي تجري فيه التحضيرات لعقد مؤتمر لاستعراض "معاهدة عدم الإنتشار" في أيار/مايو 2010، تمثل إيران حالة متشددة بصورة خاصة. وإذا لا يُنظر إلى "معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية" باعتبارها آلية مفيدة للتعامل مع الحالات الصعبة مثل إيران، فعندئذ سيكون استمرار الدعم لهذه المعاهدة موضع شك وسيزداد ذلك بصورة كبيرة.

ومع ذلك، ينطلق اسلوب تعامل الولايات المتحدة تجاه مؤتمر مراجعة "معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية" من موقف قوي. ويعود ذلك، في جزء منه، بفضل الرؤية البناءة للرئيس أوباما لتحقيق عالم خال من الأسلحة النووية -- وهي رؤية كثيراً [ما تتجسد] وفقاً لروح "معاهدة عدم الإنتشار". لقد التزم الرئيس أوباما وأعاد من جديد إلتزامه بالتصديق على "المعاهدة الشاملة لحظر التجارب النووية". ومع ذلك، إذا لا يتمكن نظام حظر الإنتشار النووي من احتواء برامج الإنتشار المتفشية بصورة ناجحة في كل من كوريا الشمالية وإيران، فعندئذ ستواجه الولايات المتحدة مشاكل كبيرة.

يشكل الإنتشار النووي في إيران مصدر قلق لدول المنطقة، في ضوء نظرتها إلى الجمهورية الإسلامية. إن "معاهدة عدم الإنتشار" ليست مجرد صفقة بين تلك الدول التي تملك قدرات نووية، وتلك التي لا تملكها، بل هي تدبير أمني إقليمي ومعاهدة كانت حكومات [معينة] قد اختارت التصديق عليها بسبب مصلحتها الذاتية. يجب أن تواصل الحكومات النظر إلى "معاهدة عدم الإنتشار" بوصفها وسيلة فعالة لتوفير الحماية والإستقرار والسلام في المنطقة، من أجل وقف انتشار الأسلحة النووية في جميع أنحاء المنطقة.

وذكّرَ بونيمان، أشار الإيرانيون إلى أنهم لم يرفضوا الصفقة المقترحة حول "المفاعل البحثي في طهران"، ولكنهم على ما يبدو يفتقدون الجدية في السعي إلى تحقيقه. إذا كانت إيران جادة حقاً في سعيها [للوصول إلى اتفاق] حول صفقة "المفاعل البحثي في طهران"، فعلى قيادتها أن تعبِّر عن وجهات نظرها إلى المدير العام لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

وقد أوضح المدير العام السابق لـ "الوكالة" محمد البرادعي أن "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" مستعدة لتهدئة أي مخاوف إيرانية بشأن أمن المواد التي تقدمها طهران ضمن هذه الصفقة. ومن جانبهما، أعربتا روسيا وفرنسا عن استعدادهما للمساعدة في الجهود التي تبذلها "الوكالة"؛ ويواصل هذان البلدان، فضلاً عن الولايات المتحدة، دعم الجهود التي تبذلها "الوكالة" حول صفقة "المفاعل البحثي في طهران" – التي هي اقتراح جيد لم يتم سحبه بعد بصورة رسمية. وبكلمة واحدة، نستطيع القول أن اللاعبين الدوليين لا يزالون منفتحين أمام قبول رد إيجابي من طهران، إذا ما تم عرضه.

واستطرد بونيمان بالقول، في المحادثات التي جرت مع إيران، طمأنت الولايات المتحدة نظيرتها بأن "المفاعل البحثي في طهران" ذاته لن يكون معرضاً للخطر، وإن لم يَأخُذ ذلك في الحسبان إجراء أي ترقيات أو تحسينات محتملة للمفاعل. ولو كانت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" قد استخلصت أن ضمان سلامة المفاعل والتقليل من المخاطر على حياة الإنسان يستدعي اتخاذ إجراءات محددة، لكانت الولايات المتحدة على استعداد لتقديم أي مساعدة تطلبها "الوكالة"، بما يتفق مع التزاماتها بموجب "معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية".

وختم بونيمان حديثه بالقول، أجرت الولايات المتحدة مناقشات قوية مع أصدقائها في الخليج العربي، وستواصل إجراء مناقشات كهذه، حول الخطوات التي تستطيع الدول اتخاذها بصورة منفردة ومجتمعة من أجل إحتواء الخطر الإيراني. وفي سياق تلك المناقشات، فضلاً عن المناقشات التي تجري في مجلس الأمن الدولي، ستواصل الولايات المتحدة وشركائها في مختلف أنحاء العالم الضغط على صناعة الطاقة الإيرانية ووضع قيود شديدة على المعاملات المالية التي تقوم بها طهران.

نبذة عن معهد واشنطن

والجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/آذار/2010 - 12/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م