الانتخابات العراقية وآفاق المستقبل

 بين تواضع التجربة الديمقراطية واحتمالات التحالفات المعقَّدة

 

شبكة النبأ: تشارف مرحلة الانتخابات التشريعية التي تعتبر مفصلية وغاية في الأهمية بالنسبة لعراق ما بعد  2003 على الانتهاء، وفي غضون ذلك رشحت العديد من التحليلات حول آليات الانتخابات والتأثيرات الخارجية ونهج الكتل السياسية في طرح برامجها وكذلك بوادر التحالفات التي ستقيمها الكتل الكبيرة على ضوء ما تسربَ من نتائج حتى الآن.

وقال نزار حيدر، مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، في معرض تقييمه للتغطية الإعلامية للانتخابات العراقية على المستوى الدولي والعربي والمحلي،" اختلفت التغطية الإعلامية باختلاف الاتجاهات السياسية والانتماءات الرسمية وحساب المصالح السياسية لمختلف وسائل الإعلام، بالإضافة إلى اختلاط العمل المهني مع الأمنيات والتطلعات لكل وسيلة إعلامية، ولكن بشكل عام فان الإعلام الأجنبي تعامل بحيادية اكبر مع العملية الانتخابية إذا ما قورن بالإعلام العربي الذي تعامل معها بعدوانية واضحة، لدرجة انه كان يسعى إلى إرعاب الناخب العراقي وتخويفه، في محاولة منه للتأثير إما على خياراته أو حتى على اصل قراره في المشاركة بالانتخابات من عدمها.

وأضاف حيدر، كما هو معروف فإن الإعلام العربي هو لسان حال الأنظمة البوليسية والناطق الرسمي باسم الحكام الظلمة وأجهزتهم البوليسية القمعية، ولذلك كان أمامه خيار واحد في تعامله مع العملية الانتخابية في العراق، ألا وهو الطعن بها والتقليل من أهميتها والتخويف منها أو على الأقل تصويرها وكأنها حرب طاحنة بين الفرقاء، من اجل أن لا تنتقل عدوى التجربة العراقية إلى بقية شعوب المنطقة وتحديدا العربية، التي لا زالت تئن من وطأة النظام الشمولي الذي سحق كرامتها بعد أن صادر حريتها وألغى إرادتها وكمم أفواهها ومارس بحقها سياسة التجهيل والتغييب بكل صورة من الصور.

وتحدث نزار حيدر عن احتمالات بقاء الكتل الفائزة متماسكة أم لا، وهل ستطيح بها كتل أخرى قائلا،" قبل كل شيء، يجب أن نعرف بأن هذه الكتل تتشكل من عدة اتجاهات سياسية وأحزاب وتنظيمات إلى جانب عدد من الشخصيات التي تجمعت من اجل الوصول الى السلطة تحديدا، ولذلك فهي سوف لن تحافظ على تماسكها إذا لم تشارك في السلطة التنفيذية على وجه التحديد، وذلك لعدة أسباب:

أولاً: لازال العراق يخلو من العمل الحزبي بالمعنى الحقيقي، فليس في العراق أحزاب تتنافس في الانتخابات وإنما هناك كتل سياسية تتجمع بشكل مؤقت لدخول حلبة المنافسة الانتخابية فإذا فازت في السلطة ربما حافظت على تماسكها، وإلا فلا، ولهذا السبب نرى تنقل الأحزاب والأشخاص بين هذه الكتل كلما أحست بضعف الكتلة او ابتعادها، لأي سبب، عن السلطة، لأن دافعها للانتماء إلى هذه الكتلة أو تلك ليس إيمانها بالبرنامج الانتخابي مثلا أو المشروع السياسي أبدا، وإنما اعتقادها بان لهذه الكتلة دون غيرها حظوظا اكبر من غيرها للامساك بالسلطة، وإلا فما الداعي للبقاء معها، والتمسك بتلابيبها والإصرار على الرهان على حصان خاسر؟.

وأضاف،" أن في كل واحدة من هذه الكتل عدد من الاتجاهات السياسية والأشخاص المختلفين في كل شيء إلا في الهدف، وهو هنا الوصول الى السلطة، بل ان بين بعضهم من التناقض ما يفجر انسجامها الداخلي مع اول تحدي، وهذا ما رايناه خلال السنوات الاربع الماضية عندما ظلت تتآكل الكثير من هذه الكتل فلم يبق منها الا الهيكل العظمي، وان ظاهرة التنقل بين الكتل اكبر دليل على انعدام القواسم المشتركة الحقيقية بين المكونات، تنظيمات أو أشخاص، لا فرق.

وربما تكون (العراقية) ابرز مصداق لهذه الظاهرة ولذلك فهي أول من تفتتت وتآكلت من بين كل الكتل الأخرى، وهي الآن كذلك مرشحة لمثل هذه الحالة لأنها تجمع في صفوفها تحالفات معقدة واتجاهات متناقضة في التوجه والمشروع والأدوات وفي كل شيء، إلا إذا أمسكت بتلابيب السلطة، فان الأمر سيختلف كثيرا بكل تأكيد، إذ إن السلطة تؤجِل، ولا أقول تلغي، مثل هذه النتيجة الحتمية لكتلة كـ (العراقية).

ثانيا: كذلك فإننا في العراق لم نتعلم بعد دور المعارضة، ولذلك فان العمل السياسي يعني عندنا أن نكون في السلطة وإلا فالتفتت اقرب إلينا من حبل الوريد.

وأضاف حيدر،" للأسف الشديد فان نظرية (القصر أو القبر) لا زالت هي الحاكمة في العمل السياسي العراقي وكأننا بعد في دور المعارضة وليس في مرحلة بناء الدولة ومؤسساتها الدستورية.

فإذا تعلمنا دور المعارضة إلى جانب دور السلطة فان الكتل السياسية ستتعلم كيف تحافظ على وحدتها وتماسكها سواء كانت في السلطة او في المعارضة، وسيكون حالنا كحال الكثير من الكتل السياسية التي تتماسك وهي في السلطة كما انها تتماسك وهي في المعارضة، ولا يكون ذلك الا اذا تعلمنا فلسفة العمل السياسي الذي لا يعني السلطة فقط وانما المعارضة كذلك.

ثالثا: في العراق كذلك، نحن لم نرق لحد الان الى مستوى بناء الدولة فلا زلنا نفكر في بناء النظام، ولذلك فان السلطة التنفيذية عندنا هي كل شئ، فهي النظام وهي الدولة وهي السلطة، ولهذا السبب فان من يجلس تحت قبة البرلمان لا يشعر انه في السلطة، كما ان الذي يشغل موقعا في مؤسسات الدولة الاخرى لا يشعر بانه في السلطة، باستثناء الذي في الحكومة فانه يشعر ويسعى الى اشعار الاخرين انه في السلطة وغيره خارجها، ولذلك يسعى الجميع إليها وبكل الطرق المشروعة وأحيانا غير المشروعة، وهنا تكمن خطورة العملية السياسية.

 وأضاف حيدر،" لابد أن تتغير النظرة إلى الدولة لنتعلم بان الحكومة ليست كل شيء، فهناك البرلمان وهناك مؤسسة الرئاسة وهناك منظمات المجتمع المدني التي تشكل سلطة ما في الدولة وإن كانت بأدوات أخرى تختلف عن أدوات الحكومة، وهكذا.

هذا بشكل عام، أما بشان الكتل الحالية التي فازت بأغلبية المقاعد، فبالتأكيد هناك الكثير من التحديات التي ستواجهها وهي تتفاوض فيما بينها للتوصل الى صيغ متقاربة للاتفاق على تشكيل الحكومة القادمة، ولعل أول تحدي هو موضوع المحاصصة سيئ الصيت، لأننا وللأسف الشديد، لم نشهد في هذه الانتخابات منتصرا واضحا، يمكن أن يكون قطب الرحى في مثل هذه المفاوضات، يفرض شروطه ويجمع الحلفاء من حوله على برنامج ما، إنما نحن اليوم أمام عدد من الفائزين وبفارق بسيط في عدد المقاعد، ولذلك فان كل الاحتمالات واردة وأن كل أشكال التحالفات ممكنة، لدرجة إننا قد نفاجأ حتى بتحالف المتناقضين من اجل السلطة.

وختم نزار حيدر حديثه بالقول،" لا أريد أن أكون متشائما بقدر ما أحاول أن أقرأ المستقبل بالاعتماد على نتائج الانتخابات، فإنني اعتقد بأننا سنكون أمام حكومة غير قوية، ولا أقول ضعيفة، إذا فكرت كل الكتل ان تشارك في تشكيلها، لأن البرلمان سيخلو من المعارضة، ومن الواضح فان الحكومة، أية حكومة، بلا معارضة برلمانية لا يمكن أن تكون قوية أبداً، لأن قوة الحكومة بالمعارضة وليس بذاتها، ولنا في كل حكومات الدول ذات الأنظمة الديمقراطية دليل قاطع على هذه الحقيقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/آذار/2010 - 11/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م