تشكيل الحكومة الجديدة بين المصلحة الوطنية والذاتية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أجمع معظم المراقبين الدوليين والمحليين على صعوبة المرحلة التي تلوح في الافق فيما يتعلق بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعد أن تمخضت الانتخابات التشريعية الاخيرة عن نتائج أولية تشير الى تفوق كتل كبيرة كان فوزها متوقعا قبل أن تبدأ عملية الاقتراع.

ولعل المشهد الأوضح الذي أعقب الاعلان التدريجي لنتائج الاقتراع يتمثل بالصدمات المتلاحقة التي تعرضت لها بعض الاحزاب والتجمعات والإئتلافات الصغيرة او غير المعروفة، فبعد أن اندفع مئات بل آلاف المرشحين بحماسة عالية لخوض الانتخابات الاخيرة تحت هاجس الفوز وادّعاء التغيير لصالح الشعب، جاءت النتيجة لتؤكد أن هذا الشعب يميل الى الكتل الكبيرة لكي يضمن حاضرا أفضل مما عاشه تحت قيادة الحكومات السابقة لاسيما في مجال الخدمات الأساسية والأمن ورفع القدرة الشرائية والحد من آفات البطالة وغيرها.

والآن وقد بدأ المشهد يتوضح رويدا، ليؤكد التوقعات التي سبقت الانتخابات وصعود الكتل المتوقَع صعودها – مع بعض المفاجآت هنا وهناك- يتساءل من يهمهم الامر، تُرى هل تتمخض المرحلة الراهنة عن تشكيل الحكومة التي ستنهض بمهامها بما يحقق للناخبين آمالهم وتطلعاتهم التي دفعتهم بقوة نحو التوجه صوب صناديق الاقتراع ؟.

لقد قال معظم المعنيين أن الكرة خرجت من ملعب الناخب الذي أدى دوره على أفضل وجه لتصبح الآن في ملعب السياسيين الذين تقدموا ببرامجهم ومشاريعهم حيث تشابهت هذه البرامج وكأنها نسخة مكرورة لا تذهب بعيدا عن شمولها لبنود وفقرات متشابهة كلها تصب في منحى واحد يؤكد على تحقيق مآرب الشعب المتمثلة بتحقيق الرفاه والامن وتعضيد الوحدة الوطنية ونسف الركائز التي تقوم عليها عمليات الفساد الواسعة التي طالت معظم المرافق المدعومة برأس المال العام.

وإذا كانت الحملات الدعائية تلهج بوتيرة واحدة على هذا النحو الذي سمعه الناخب مرارا وتكرارا، فإن المرحلة اللاحقة ممثلة بتشكيل الحكومة الجديدة تتطلب تنفيذا للوعود التي أطلقتها الكتل السياسية الصاعدة الى دفة الحكم من جديد او تلك التي تجرب حظوظها في هذه الدورة، ولعل المأزق الاكثر خطورة الذي يواجه هذه الكتل يتمثل بالمواقف المسبقة تجاه بعضها البعض بسبب الخلافات الفردية او الجمعية سواء ما يخص طبيعة الاهداف أو طرائق تحقيقها.

وهنا يتطلب الامر تغليب الحكمة ومصلحة العامة على المصالح ذات النزعة الفردية او الحزبية الضيقة، بمعنى أن التوجه الفردي ينبغي أن يتضاءل وأن يتحجم وأن ينضوي تحت خيمة المصالح الكبرى المشتركة التي تهدف بالدرجة الاولى الى تغليب مصلحة الناخبين على مصالح المنتخَبين، تُرى هل يمكن أن يتعامل السياسيون وفقا لهذه الروحية التي تضع مصالح العامة فوق مصالحها ؟.

إن المعيار الدقيق الذي سيضع الامور في نصابها الصحيح هو قدرة الكتل السياسية الكبرى الفائزة على تجاوز (نفسها) ومصالحها الذاتية والنظر بأفق واسع ومفتوح الى ساحة الحراك السياسي بما يضمن درجة كافية من المصداقية في تحويل الوعود الانتخابية الى أعمال فعلية مجسدة على الارض.

ومن أهم النتائج المرتقبة لتشكيل هذه الحكومة هو التركيز على نبذ الفردية تماما وتهميش النزعة القيادية القائمة على تأليه الفرد وشخصنة القيادة وعدم السماح لانتعاش هذا المسار تحت أية حجة كانت، فمن غير الممكن قطعا أن نعود الى زمن الدكتاتوريات البغيضة ومن غير الممكن أن نغض الطرف عن التوجهات التي تنحت في هذا الاتجاه تحت مبررات شتى ربما لا يصلح معظمها ليكون شاهدا على دقة التوجهات المعلنة وصدقها.

وهكذا ننتظر أن تكون مواصفات الحكومة المرتقبة قائمة على تفضيل الآخر وتقديمه على الذات وهو أمر مع صعوبته إلا انه يُعَدّ العلاج الأنجع والطريق الأسلم لتصحيح المسارات السياسية، كونه يحقق المشاركة الأوسع في صنع القرار ويتيح للرأي المعارض تصويب الانحرافات على نحو سريع ومباشر، ويسمح بالتعدد والتنوع المثري، ناهيك عن الهدف الأسمى ممثلا بتقويض المطامح الفردية التي تعمل جاهدة للاستحواذ على السلطة.

وهذا تحديدا ما يتطلب بعض التنازلات التي تقدمها الكتل الفائزة بعضها لبعض من اجل الانتهاء بسرعة من مرحلة تشكيل الحكومة والشروع الفوري بتحويل الوعود الانتخابية الى أعمال مجسدة على الارض، أما التساؤل عن طبيعة هذه التنازلات المتبادَلة، فإنها لابد أن تكون ضمن إطار الثوابت التي يتفق الجميع على عدم تجاوزها، أما ما عدا ذلك فهو متاح للجميع من أجل الوصول الى تشكيلة حكومية ترسّخ المنهج الديمقراطي التحرري من جانب، وتحقق تطلعات الناخبين وعموم المواطنين من جانب آخر.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/آذار/2010 - 4/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م