7 آذار في العراق.. يوم الفقراء الشجعان

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أطل العالم أجمع يوم الاحد السابع من آذار 2010 على مشهد إنتخابي لم يشهد له التأريخ الانساني مثيلا، فقد تقاطرت الاصوات العراقية على صناديق الاقتراع وهي تخوض صراعا مريرا ضد التفجيرات والمفخخات والانتحاريات وقذائف الهاونات وغيرها، لكن هذا لم يثن الفقراء الشجعان عن التدفق الى مراكز الاقتراع بحماسة أذهلت المراقبين في العالم أجمع.

وليس من الغريب أن يتشكل هذا المشهد الانتخابي بالصورة التي رأيناه بها، حيث صراع الارادات على أشدّه بين من يريد أن يعيد عجلات التأريخ الى الخلف وبين من يتطلع الى حاضر هانئ ومستقبل أفضل، وهكذا تحدى الناخبون العراقيون أخطر وسائل الموت كي يسهموا في بناء حياتهم على الوجه الأمثل، وها هم من جديد يقدمون للسياسين درسا فريدا من نوعه، وقد تحقق ذلك فعلا بالهمة العالية التي رافقت أحداث السابع من آذار على مرأى ومسمع من العالم أجمع.

لقد بدا واضحا للجميع أن النسبة الاكبر من الناخبين هم من فقراء العراقيين وبسطائهم تدفقوا على مراكز الاقتراع أملا بتغيير أوضاعهم الى ما هو أفضل، ولعل المدهش بالامر أن ترى رجلا مسنا تجاوز المئة عام بظهر محني وبصر كليل وهو يتقدم الى مركز الانتخاب بخطى واثقة متوكئا على عكاز والبسمة ترتسم على تقاطيع وجهه المغضّن، وحين يتساءل المرء مالذي يريده هذا الرجل الذي يكاد أن يعبر الى العالم الآخر بين لحظة وأخرى ؟ فإنك سرعان ما تتذكر النماذج الكبيرة التي لاتريد أن تبني لنفسها بل تضحي وتخاطر وتجهد نفسها من أجل البناء لغيرها، ولعل البهجة والفرحة التي تجتاح النفوس وهي تراقب مشهدا كهذا تكاد لا تحدّها حدود، إذ أن هذا المشهد دليل قاطع على أن الإنسان يسير بالاتجاه الصحيح والكل يُسهم في بناء الحياة السليمة وسط مخاطر الموت التي تتربص بالجميع.

ومن المشاهد التي رسخت في الذاكرة العراقية أولئك الناخبون الذين راحوا يتقاطرون على المراكز الانتخابية على عكازين بسبب العوق او الاصابة او كبر السن، وكذلك أولئك الذين وفدوا للمراكز على الكراسي الطبية بسبب اصابتهم بامراض الشلل النصفي وما شابه، إن هؤلاء يقدمون لنا جميعا لاسيما السياسيين الذين سيرتقون (كراسي) السلطة دروسا في العمل الانساني الخلاق.

ولعلنا نقر جميعا بالفرق الشاسع بين كرسي الناخب المريض العاجز وبين كرسي السلطة، ونقرّ أيضا بأن أصحاب الكراسي الطبية مع غيرهم من الفقراء هم الذين شيدوا للساسة كراسيهم العامرة بالنفوذ والمال والسلطة والذهب، فهل سيتذكر هؤلاء الساسة الصاعدون حديثا الى كراسيهم أولئك الذين خاطروا بأرواحهم وصحتهم وتدفقوا على مراكز الانتخاب ليساهموا بصناعة كراسي السياسيين؟!.

نعم، لاريب أنهم سيتذكرون، ولابد لهم أن يغيروا وجه العراق الملطخ بآفات الفساد المالي والاداري والارهاب وظاهرة انتشار الرشا والمحسوبية وما شابه، ولابد لهم أن يرجحوا كفة الميزان لصالح الفقراء، ولابد لهم أن يسهموا بقيمة الصوت الانتخابي التي تعمل على تأسيس وترسيخ الحياة المدنية السليمة القائمة على مبادئ إنسانية متحضرة كالتعايش والتنوع والمشاركة والتسامح واحترام الرأي الاخر والسماح له بالتواجد في ساحة الآراء المتضادة التي ستصنع باختلافها ركيزة الديمقراطية والتحرر الذي ينشده العراقيون بعد أن ذاقوا الأمرّين من أصناف الحرمان والقمع والقهر والهوان والتجهيل المتعمَّد.

إن ما حفل به يوم السابع من آذار من مشاهد حفرت احداثها في ذاكرة العراقيين والمراقبين جميعا، تؤكد لنا بأن العراق يخطو الى أمام، وأنه سيبلغ أشدّه شاء المناهضون أم لا، وأن المرحلة الجديدة لابد أن تتمخض عن مكاسب جديدة لمبادئ الحرية، كما أننا سنشهد الاطاحة بمن لا يستحقون تصدّر قيادة الناس وإن تفننوا بالوصول الى مناصبهم التي لا يستحقونها.

ولعل أكثر ما سيميز المرحلة القادمة هو قدرة الناخب على الفرز بين المرائي والباحث عن مكاسبه الفردية والحزبية وما شابه، وبين الساسة الاصلاء الذين يفضلون الآخرين على ذواتهم ومصالحهم، وهم موجودون على الرغم من قلتهم، إلا أن الدرس الانتخابي الجديد سيجعل السياسيين أكثر وعيا بالآخر، وأكثر ميلا لتفضيله على مصالحهم.

وهذا هو ديدن الحرية وهدفها، لأننا نخطوا الى الامام بشهادة الاعداء قبل الاصدقاء، وأننا نعتمد قانونا راسخا يقول (لا يصح إلاّ الصحيح) فالاخطاء الكثيرة في طريقها الى النقصان، والوعي السياسي للجميع في طريقه الى الزيادة والتراكم، والسياسي الذكي هو من يقرأ الساحة ومكوناتها بطريقة صحيحة ويعمل منذ اليوم الاول لوصوله الى منصبه بما يصب في مصلحة الشعب وليس مصلحته او معيته.

وهكذا نكون قد عبرنا الى مرحلة جديدة حين عبرنا يوم السابع من آذار، لكننا حتما لن نعبر تجاربه الخالدة ودروسه الكبيرة من دون استحصال الفائدة المطلوبة، ولعلنا من الذكاء بحيث نوظفها لصالحنا، شعبا وأرضا وتأريخا. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/آذار/2010 - 22/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م