عقبات قد تلقي بظلالها على الانتخابات

جمال الخرسان

ان غياب الاحصاءات وان كان بحد ذاته عاملا قد يؤثر على نتائج العملية الانتخابية ولكن الاهم من ذلك هو ان المشهد السياسي في العراق ونتيجة لمؤشرات كثيرة على الصعيد السياسي والثقافي والاقتصادي اضافة الى العامل الامني، وبعض الضغوط الدولية، فانه قد يلقي بظلاله بشكل واضح على مجمل العملية الانتخابية نتيجة للارتباك المشروع وغير المشروع الذي تعيشه التجربة الديمقراطية الفتية في العراق، تلك المخاوف المتوقعة هي نتيجة طبيعية لمعطيات مهمة تشكل حساسية كبيرة في الحالة العراقية ولها مدخلية بشكل او بآخر في الملف السياسي في العراق اهمها ما يلي:

- الفراغ التاريخي للتجربة الديمقراطية

ان اهم الاسباب التي تقف وراء الارتباك الحاصل في العراق على الصعيد السياسي والامني، والذي قد يلقي بظلاله على الانتخابات، هو سبب منطقي نواته عدم توفر الارشيف الديمقراطي في الدولة العراقية الحديثة لغياب الحياة الديمقراطية طيلة فترات الحكم السابقة (مع الاحتفاظ بنسبة التفاوت لتلك الفترات) بمعنى ان الجميع في طور الحظانه ومن ثم فالتيارات السياسية قبل غيرها لحد هذه اللحظة لا تجيد ادوارها بشكل مطلوب مما يعني ارتفاع نسبة ارتكاب الاخطاء مما يؤدي بدوره الى خلق ازمات تنتهي في العديد من الاحيان بالتصعيد السياسي وهذا ما ينعكس سلبا على الصعيد الامني بشكل خاص وادارة السلطة بشكل عام.  اخطاء تقع فيها القوى السياسية قد يكون بعضها مشروع والبعض الاخر ليس كذلك.

- غياب الطبقة المتوسطة

مستقبل البنية الديمقراطية في العراق يبحث قبل كل شئ عن ارضية وعي قوية تشكل له انطلاقة مقبولة لحالة النمو الطبيعي فالديمقراطية وكما هو المعروف ليست قرارا سياسيا بل ارادة جماهيرية نابعة عن وعي واحساس بالمسؤولية وبما ان الطبقة المتوسطة على الصعيد الثقافي والوعي السياسي بشكل خاص لها غياب حقيقي، فهذا يعني ان الحضور الديمقراطي في العراق يمشي على استحياء ولا يلبي الطموح ، وهذا ما له استحقاقات خطرة جدا على مستقبل العراق في المدى المتوسط والقريب فان من المعروف ان توفر طبقة متوسطة واعية ومنضطبة وعقلانية يعني توفر اجواء يسودها الهدوء والاسقرار وهو غاية منشودة لكل مواطن في العالم، ويعني ايضا انها مؤهلة لتفضيل واختيار المرشح الانسب في الفعاليات الانتخابية.

- الصنمية السياسية

المرحلة السابقة خلفت على كاهل العراق تركة ثقيلة على مختلف الاصعدة ، لا نتطرق هنا الى الخدمات العامة او البنية التحتية فتلك لها وقفة اخرى بل اتحدث عن الاصنام السياسية التي فرضتها طبيعة المرحلة ..مما يعني بالضرورة تواجدها على الساحة السياسية مع انها اوراق محترقة وبالية مضى عليها الزمن، تلك الاجواء فرضت بالنتيجة نموذج المحاصصة الطائفية في التوزيع السياسي للمسؤوليات علما ان المحاصصة الطائفية في واقع من هذا النوع سوف تكون هي الحل الامثل من اجل تطويق دائرة النزاعات السياسية والحروب الاهلية، اي ان سياسية الامر الواقع لفترة زمنية معينة في العراق تفرض توزيع المناصب وفقا للمحاصصة الطائفية على حساب الكفاءات والاعتبارات الاخرى، والا سوف يحصل ما لا يحمد عقباه نتيجة لتفكك نسيج المجتمع العراقي والانقسامات الحادة جدا التي وصل اليها الحال منذ بداية تاسيس الدولة العراقية حتى السنوات الاخيرة.

 وهذه الحال قد تستمر لفترة ليست قليلة تتراجع بعدها تلك الاعتبارات فتبدأ شخوصات وكفاءات جديدة اخرى بالظهور شيئا فشيئا، حينها يمكن التفاؤل بمستقبل افضل للحركة الديمقراطية في العراق.

تلك الاسباب الثلاثة المهمة هي بالتاكيد ليست فقط ما يقف في طريق المسار الديمقراطي في الملف السياسي العراقي لكنها بالنتيجة تبقى اهم الاسباب التي تعيق الحالة الديمقراطية والمشروع الانتخابي بشكل عام، وبالتالي فان البداية في المعالجة كما انه لا يعقل ان تتم بين يوم وليلة فانه ايضا ليس من المنطقي التماهل في بداية المعالجات.

واذاما فرضت الانتخابات السابقة صراعا قوميا عربيا كرديا ومذهبيا سنيا شيعيا طفى على السطح وانعكس بقوة على الحالة الانتخابية بشكل عام فان الانتخابات الحالية انتقلت فيها رهانات اللعبة بين الاحزاب الاسلامية من جهة وبين التركة البعثية المدعومة من قبل الجوار العربي من جهة اخرى الى جنب صراع عربي كردي لازال يلقي بظلاله وان كان ربما بدرجة اقل، هذا هو عنوان الاصطفافات بالمجمل العام ولا تمثل الاطراف الاخرى التي تريد كسر ذلك الطوق سوى حالات هامشية غير قادرة على رسم ملامح المشهد الانتخابي العراقي ولهذا فان القوى العلمانية توزعت هي الاخرى بين القائمتين نظرا لقناعتها بان الفرص متوفرة بين احضان الجانبين وان العراق لازال غير مهيأ بشكل تام لفرز قوائم علمانية لبرالية تخوض الانتخابات بشكل منفرد.

* كاتب عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/آذار/2010 - 17/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م