بين طموح المرشحين وآمال الناخبين

محمد علي جواد تقي

المرشحون للانتخابات النيابية وعددهم (6218) بينهم (1798) إمرأة يخوضون حلبة التنافس للتعريف بأنفسهم للناخبين، وهو أمر مشروع ومحبب، ويُعد خطوة على طريق التطوير السياسي والثقافي، أما الناس فهم يشاهدون يومياً اللافتات والشعارات والصور باشكال متنوعة، لكن هل حقاً ما تحمله هذه اللافتات وأيضاً الشعارات التي تنقلها وسائل الاعلام المختلفة، تعكس جميع ما يطلبه المواطنون؟

الحقيقة، يبدو إن المرشحين قالوا كل ما لديهم لكي يحظوا بثقة الناخبين ويتمكنوا من الجلوس على مقعد البرلمان، وهذا ما تتناقله الألسن، بأن المرشح يوعد ويُقسم ويدّعي ويتبرأ و...  حتى يثبت للناخب أنه الأجدر بالثقة والحصول  على الأصوات الكافية الموصلة الى مجلس النواب، لكن ما يدعو الى التفاؤل حقاً أن الناس عرفوا أن بعد هذا الحضور الحاشد في الشارع، سيحين يوم الغياب الجماعي بعد عملية فرز الأصوات، فالفائز يشاهدونه عبر الشاشة الصغيرة – طبعاً هذا في حال وجود الكهرباء- أما الخاسرون فلن يُعثر لهم على أثر كما حصل مع انتخابات مجالس المحافظات.

هذا التصور والاعتقاد بحد ذاته يعطينا الاجابة بالنفي على السؤال الآنف الذكر، إذ لو كانت الشعارات والوعود تعكس واقع الحياة في العراق بكل تفاصيلها، لما كان الناس يحملون هذا الاعتقاد، ولما كان بعض المرشحين يقعون في مستنقع التهافت الدعائي الذي دفع بعض الناس – ولا نقول كلهم- أن يعربوا عن أسفهم لما آلت اليه مصائرهم في ظل التجربة الديمقراطية، فباتت الاحاديث والخطابات الدعائية تشبه الى حدٍ بعيد ردّ الاستجواب على اتهامات أو إزالة الشبهة والغموض.

صحيح إن الناس عندما يسيرون في الشوارع المليئة بالحفر ويجدون جحافل العاطلين عن العمل، وتدني القيمة الشرائية ومشاكل الصحة والتعليم، والأهم من كل ذلك الإهمال الذي يلحق بالمتقاعدين وذوي الشهداء وضحايا الارهاب، فانهم يرفعون أصواتهم بالتنديد والاستنكار ضد مسؤوليهم ونوابهم الجالسين في بغداد، لكن الصحيح أيضاً إن هذه المطالب وغيرها كثير، لا تعدو كونها حقوقاً طبيعية للمواطن على الدولة التي يفترض أنها تكتسب شرعيتها من هذا المواطن أو الشعب برمته، ولا يجب أن تكون منّة كما يحلو للبعض أن يوحي ويكرس هكذا مفهوم في الأذهان.

وإذا سمحوا لنا المرشحون الطامحون الى (مقعد النيابة) أن نصفهم بمنزلة (رب الأسرة) الذي يواجه طلبات متكررة لحاجات يومية متنوعة، وعندما يريد يوماً أن يقف أمام أفراد عائلته ويثبت أنه الجدير والمخلص، فهل سيعدهم بتوفير الخبز والفاكهة والملابس ومقاعد الجلوس ومستلزمات التنظيف وغيرها؟ أم انه سيوضح لهم بطريقته الذكية إنه جعلهم متميزين على الجيران باخلاقهم ونظام حياتهم الناجح وانهم يحظون بالراحة والاستقرار النفسي وإن عدم توفر جميع الكماليات لن يؤثر على متانة العلاقات و دفء الأجواء العائلية.

إن الناس في صعيد الواقع قد يتحدثون عن الشوارع الرديئة، لكن قد لا يتذكرون قانون المرور الغائب في العراق، وقد يتحدثون عن البطالة والتوظيف واستحصال الراتب بأي شكل من الاشكال، وهذا الى حدٍ ما من حقهم، لكنهم غير ملومين اذا لم يفكروا بكيفية تحريك عجلة الانتاج و آلية إنعاش الاقتصاد الوطني من خلال توفير موارد أخرى للعملة الصعبة الى جانب النفط، وهو ما ينعكس مباشرة على مستوى دخل المواطن ويرفع من قدرته الشرائية، وهي مسألة واضحة ومشهودة في جميع البلدان المتقدمة، فهل فكّر المرشحون بقانون المرور؟ وهم سيكونوا أعضاء في سلطة تشريعية مهمتها سنّ القوانين؟

واذا تدرجنا في هذه القائمة ستظهر لنا الأسئلة تلو الأسئلة؛ فأين قانون الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني؟ وأين قانون الصحافة والاعلام؟ إنها من الأمور المستحدثة بعد سقوط الديكتاتورية، ولها كل العلاقة بالمجتمع على الصعيد الثقافي والسياسي، بل أين قانون التعليم الحديث الذي يفترض أن ينشد لمستقبل واعد، إن المجتمع بحاجة الى مدارس ومراكز تعليم للعلوم الدينية والطبيعية والانسانية تدعمها الدولة، لا أن تفسح المجال أمام النهج الرأسمالي لأن يخترق ميادين العلم لتظهر المدارس الأهلية، نعم، ربما تعلّل نواب الدورة الماضية بالمشاكل السياسية والأمنية، لكن لا عذر لغياب هذه القوانين في الدورة القادمة.

إن الزمن ماضٍ نحو الامام والساعة لاتسير الى الوراء، والحكيم اللبيب من يحمل الناس الى آفاق المستقبل المشرق، حيث الثقافة والعلم والمعرفة وجميع الحقوق المشروعة للانسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/شباط/2010 - 13/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م