العدول والنظام البلاغي في اسلوب القرآن الكريم

أ. د. حسن منديل العكيلي

استقرّ مفهوم البلاغة لدى المتأخرين بأنها "العلم الذي يبحث في تركيب الكلام وصوره البيانية من تشبيه ومجاز وكناية ومحسناته اللفظية والمعنوية" (1).

 وعرفها بعض المعاصرين بأنها: "العلم الباحث عن القواعد التي تصيّر الكلام دالاً على جميع المراد"(2) وهو تعريف أقرب الى فهم المتقدمين للبلاغة.

 قال ابن وهب الكاتب: "حدُّها عندنا: القولُ المحيط بالمعنى المقصود مع اختيار الكلام وحسن النظام، وفصاحة اللسان"(3).

 وقد أطلق بعض المعاصرين عليها أسامي مختلفة منها: (فن القول) و (فن التأليف الأدبي) و (علم الاساليب).

 إنّ مباحث البلاغة والنحو واللغة والتفسير والنقد وغيرها، ولدت مختلطة ولاسيما في كتب المتقدمين كسيبويه والفراء والمبرد وثعلب وابن قتيبه(4).

 واستحالت لدى المتأخرين كالسكاكي والتفتزاني وغيرهما منطقاً وقواعد معيارية واستقرت على ثلاثة علوم متباعدة: أحدهما أقرب الى علم النحو وهو علم المعاني والآخر اقرب الى علم الدلالة تناولوا فيه الحقيقة والمجاز وطرائق أداء المعنى، وهو علم البيان. وآخر يجمع بينهما وغيرهما من ظواهر تتصل باللفظ وبالمعنى سموها محسنات لفظية ومعنوية. وهو علم البديع.

أخذ المعاصرون على البلاغيين المتأخرين بعض المآخذ أهمها فصلهم بين علم المعاني وعلم النحو وكانا علماً واحداً مما اضرَّ بالعلمين كلاهما وأدى الى صعوبة النحو وتعسيره(5).

 والحق أن العلمين مختلفان منهجاً وغرضاً وان اتصل بعضهما بالأخر، وقد أدرك البلاغيون ذلك، وكان الواحد منهم اذا صنّف كتاباً في النحو التزم بمنهج علم النحو كما فعل الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه (المقتصد في شرح الإيضاح) مع تقدّمه بعلم البلاغة ومنهجه في كتبه البلاغية.

 يهتم البلاغيون بالمعنى وظلاله او المعاني الثانية وأسرار البيان القرآني والقيم التعبيرية للألفاظ والتراكيب. وبالعدول فيهما، إلا إنهم اتخذوا مقاييس علم النحو أنموذجاً واصلاً يقيسون عليه العدول. وهي مقاييس منطقية في الغالب.

 وقد تنبه بعضهم الى ذلك، كابن الأثير الذي كان يهوّن من شأن النحو في شروط الفصاحة والبلاغة(6). ويميّز بين القياس والنحو والاستعمال القرآني. قال: "لكني رفضت القياس (النحوي)، وقدّمت ما استعمل في الكتاب العزيز"(7).

 وقال ابن أبي الحديد: "غيرَ ان الكتاب العزيز أحق ان يُتَّبع فيقاس عليه، فوجب ترك القياس"(8).

 ونقل الزركشي –عن بعضهم- قوله: " وليس كل من اشتغل بالنحو واللغة او الفقه كان من أهل الذوق، وممن يصلح لانتقاد الكلام، وإنما أهل الذوق هم الذين اشتغلوا بعلم البيان"(9).

 إلا أن المتأخرين عدّوا الخروج عن القياس النحوي ومقتضى الظاهر من أسباب قوادح البلاغة والغموض والتعقيد اللفظي والمعنوي(10)، وقد التمس الدكتور تمام حسن العذر لهم بقوله: "إنّ من الغريب ان يجعل البلاغيون من عناصر فصاحة اللفظ عدم مخالفة القياس. ولعل التماس العذر للبلاغيين من هذا التجاوز الظاهري ان يقال: ان القياس الذي قصده البلاغيون غير القياس الذي تكلم عنه النحاة، فقياس البلاغيين قياس المتأخرين على كلام المتقدمين، أما قياس النحويين فهو قياس ما ورد في التراث مما لم يسمع على ما ورد في التراث مما سمع، فالمقيس عند النحاة من الفصيح، والمقيس عند البلاغيين من أدب المتأخرين"(11).

 ومهما يكن من أمر فإن موقف البلاغيين مضطرب من اتخاذ النحو أصلاً يقيسون عليه بلاغة الكلام وفصاحته، فقد اشترط جلّهم لشروط فصاحة الكلام ان تكون جارية على العرف النحوي في تأليف الكلام(12). ومنهم ابن الأثير على الرغم من رأيه السابق فهو له أكثر من رأي في هذا الأمر(13).

 أما عبد القاهر الجرجاني الذي أقام نظريته (نظرية النظم) على توخي معاني النحو، والذي رأى النظم هو وجه الإعجاز القرآني وأسرار البلاغة "أن تقع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو".

 وقال: "فلا ترى كلاماً قد وصف بصحة نظم أو فساده، أو وصف بمزية وفضل فيه إلا وأنت تجد مرجع تلك الصحة وذلك الفساد، وتلك المزية وذلك الفضل الى معاني النحو وأحكامه، ووجدته يدخل في اصل من اصوله ويتّصل بباب من أبوابه"(14).

 ورأى الزهد في النحو والتهاون به من العيوب الكبيرة في الفصاحة والبلاغة، وشبهه بالصدّ عن كتاب الله تعالى وعن معرفة معانيه(15).

التفسير البلاغي للعدول:

اقتبس البلاغيون أصلاً نموذجاً (معياراً)، من المنهج النحوي يقيسون عليه العدول، وهو أن الأصل في كل جملة أن يكون لها ركنان أساسيان: (مسند ومسند إليه)، والأصل فيهما أن يكونا مذكورين ظاهرين لا محذوفين ولا مضمرين. وأخذوا بأصول متعلقة بالرتبة مثل: الأصل في الكلام، الرتبة المحفوظة...والأصل في المسند إليه أن يتقدم والمسند أن يتأخر. وأصل الجملة الاسمية الثبوت والجملة الفعلية التجدد وهلم جرّا.

 أطلقوا عليه: (الاستعمال الأصولي) و (أصل الوضع) و (مقتضى الظاهر) وغير ذلك. وأطلقوا على الخروج عليه: (العدول عن اصل القاعدة أو اصل الوضع) (16).

 يرى الدكتور تمام حسّان: انّ الالتزام بهذا (الأصل) كان أصولياً يعتمد على القرائن. وربما لدواعِ أدبية وذوقية ونفسية، ولإحداث تأثير معين يعدل عن الأصل فيصير (اسلوباً أدبياً) ذا تأثير. وهو عدول مقبول مستحب وذلك لأمن اللبس بتضافر القرائن وهي عنده: قرينة البنية، وقرينة الرتبة، والربط، والتضام، والإعراب، والمطابقة، والأداة، والنغمة. حيث يسمح الترّخص في إحداها أو أكثر إذا امن اللبس بتضافر القرائن الأخرى.

 وضحّ ذلك بقوله: قد يجعل واحدة من القرائن زائدة على مطالب وضوح المعنى لأن غيرها يُغني عنها فيكون الترخّص بتجاهل التمسك بهذه القرينة كالترخص في رفع الثوب ونصب المسمار في قول العرب: (خرق الثوبُ المسمارَ) أغنت قرينة التضام، الى جانب قرائن أخرى كاسمية الفاعل ورتبته متأخراً عن الفعل وغيرها لذا أمكن تجاهل دلالة الإعراب على المعنى النحوي.

 واشترط للرخصة ان تكون مرهونة بمحلها فلا تصلح لان يقاس عليها ولا تبرر بها أخطاء المحدثين. وميّز بينهما وبين الضرورة فالأولى تقع في النثر اما الثانية ففي الشعر.

 وعرّف الرخصة بأنها: "تركيب الكلام على غير ما تقتضي به القاعدة اتكالاً على أمن اللبس، فان لم يؤمن اللبس نسب الكلام الى الخطأ لا الى الترخص"(17).

 فيعدل عن قرينة البنية عن استعمالها الأصلي بوسائل عدّه، ذكر منها عدداً من ظواهر العدول هي: النقل والتضمين وتسخير اللفظ لتوليد المعنى الأدبي بوساطة جرسه أو موقعه من الكلام- وتكرار اللفظ- والتنكير فالنقل كنقل المصدر الى استعمالات فعل الأمر والموصولات (من ما و أي) الى معاني الشرط والاستفهام والاسم الجامد الى استعمال الأوصاف فيصير خبراً نحو (هذا رجلٌ) ونقل اللفظ من المعنى الأصلي الى المعنى المجازي، وكتضمين الفعل اللازم معنى المتعدي والعكس واللفظ معنى لفظ آخر... وإعطاء الضمير وظيفة أخرى كالشأن...

 ويعدل عن قرينة التضام وهو مصطلح قديم استعمله استعمالاً حديثاً، ويقصد بها الأصول التي جردها النحاة (الذكر، الوصل،وتجاهل الاختصاص نحوياً ومعجمياً...) وغيرها ويكون العدول عنها بـ الحذف، والفصل وفي عدم الزيادة وتجاهل الاختصاص والمجاز كالفصل بين المتلازمين والاعتراض ويقصد بتجاهل الاختصاص كالحروف بدخولها على الأسماء او الأفعال وإضافة بعض الظروف الى الجملة الفعلية...(18)

 ويعدل عن قرينة الرتبة بالتقديم والتأخير وعن الإعراب بالجمل على الجوار والربط بالالتفات والتغليب وحذف الرابط وهكذا بقية القرائن بشرط أن يكون في أثناء الاستعمال الأدبي وامن اللبس أي الإفادة وسماه (العدول الاسلوبي) وهو الذي يقاس أي الذي جاء في عصر الاستشهاد وليس بعده سماه (الرخصة) فميّز بينهما(19).

 وعرف العدول الاسلوبي بأنه "خروج عن اصل او مخالفة لقاعدة ولكن هذا الخروج وتلك المخالفة اكتسبا في الاستعمال الاسلوبي قدراً من الاطرّاد رُقيّ بهما الى مرتبة الأصول التي يقاس عليها..."(20).

 فكل قرينة من القرائن صالحة أن يترخص فيها وأن يعدل عن الاعتماد عليها أما الترخص (فمغامرة فردية للفصيح من العرب القدماء لو تكررت من المعاصرين لحدث من قبيل الخطأ). وسرد أنواع العدول تحت هذا التفسير الشمولي وان كان يحمد له غربلة التراث مقسماً ظواهر اللغة في ضوء نظرة تكاد تكون شمولية.

 ذكر الدكتور تمام حسان هذه الطروحات النظرية في أغلب كتبه وبحوثه منها (التمهيد في اكتساب اللغة العربية لغير الناطقين بها) وقد اشرنا الى كتبه الأخرى في الهوامش. وطبقها على النص القرآني في كتابه (البيان في روائع القرآن). وعلى النحو والصرف في كتابه (الخلاصة)، وهو في نزوعه الى الجديد وتأثره بمناهج العرب كان اقرب الى الموروث والصق به من المناهج الغربية اسلوباً وافكاراً وطرحاً.

 لقد كان الدكتور تمام حسان أكثر المعاصرين عناية بظواهر العدول. وقد تبعه كثير من المعاصرين. وقد افنى عمره على نظرية تفسّر العدول نحوياً وبلاغياً لم تسلم من الافتراض العقلي على الرغم من نقده المنهج العقلي المعياري للنحاة والبلاغيين(21) لاعتماده على نحو المتأخرين وكتب أصول النحو (العقلية) ولاسيما كتاب (الانصاف في مسائل الخلاف) لأبي البركات الانباري، الذي اثبت البحث المعاصر عدم دقته في عرض مسائل الخلاف فضلاً عن مزجه بين النحو والمنطق والفقه والجدل وغيرها من العلوم العقلية(22).

 وتبعهم في الخلط بين مستويات اللغة: النص القرآني وقراءاته، والضرورات الشعرية، واللهجات والشواذ، وأمثلة النحاة، نحو: (خرق الثوبُ المسمارَ) و (أكل الكمثرى موسى)، والشواهد المشكوك في روايتها، بل اللغة اليومية المعاصرة أحياناً لتأثره بالمنهج الوصفي الغربي الحديث ومحاولة تطبيقه على العربية الفصحى(23).

 فهي محاولة وان بذل جهداً محموداً بها – تكبره- إنما هي تمثل وجهة نظره، ولسنا ملزمين بالضرورة بالأخذ بها كما هي، ذلك إننا نفسر العدول في ضوء نظام العربية.

 لقد أراد د. تمام حسان من ذلك ان يجعل القرائن بديلاً من نظرية العامل للتخلص من المعيارية والشكلية وعدم الاهتمام بالمضمون والمعنى – كما يرى-(24) في الموروث البلاغي والنحوي لكنها طريقة أعسر على المتعلمين عندما طبقها في كتابه (الخلاصة النحوية).

 لقد توسع الدكتور تمام حسان بالقرائن وكان البلاغيون أكثر عناية بالقرينة الحالية او المقامية، بل عدّوا البلاغة مراعاة هذه القرينة او ما سموّه بمراعاة مقتضى الحال او المقام ومطابقة الكلام لمقتضى الحال(25). لكن الدكتور تمام وضح هذه القرينة خير توضيح.

 فالمقام عنده يضم "المتكلم والسامع والظروف والعلاقات الاجتماعية والأحداث الواردة في الماضي والحاضر ثم التراث والفلكلور والعادات والتقاليد والمعتقدات (والخزعبلات)(26).

إن قضية الأصل والفرع، او استصحاب الأصل والحال هي: أصل نحوي افتراضي منطقي استعمله ابن جني – وان لم يصرح به(27). وقد صرّح أبو البركات الانباري بأنه أخذه من أصول الفقه، وهو اضعف أدلة النحو(28). يرى الدكتور عاطف فضل أن أبا البركات وضع هذه النظرية دون منازع وهي مسألة أصولية مطلقاً وقاعدة فقهية مطلقاً وفيها خلافات بين الفقهاء كثيرة(29). فقد اختلفوا في حجية (استصحاب الحال) وضعفوها وردّوها، بالنص القرآني والعقل والإجماع، والاستقراء بالأخبار(30).

 واستصحاب الحال لغةً: (طلب الصحبة) واستمرارها. أما اصطلاحاً فـ "إبقاء اللفظ على ما يستحقه في الأصل عند عدم دليل النقل عن الأصل"(31).

 وفي أصول الفقه: "ما ثبت في الزمن الماضي فالأصل بقاؤه في الزمن المستقبل، وهو قولهم: الأصل بقاء ما كان حتى يقوم الدليل على تغيير حاله" (32).

 فالمعنى الشرعي له هو "عدم نقض اليقين بالشك"، قال الإمام علي (كرم الله وجهه) "لا ينتقض اليقين بالشك" وقوله: "من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين"، "وإنما تنقضه بيقين آخر". وفي الأخبار: "كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام"(33)، لكن ما صلة ذلك بالنحو ونظام العربية. إلا أنهم ربطوا استصحاب الحال بالمقام والحال، والصلة بينهما في النحو والفقه غير جلية إلاّ بتكلف.

 فهي قضية انحرف بها أبو بركات وجعلها منطقية معيارية بحتة. فالأصل فيها أوسع مما ضيقه، حيث نلحظ نظام العربية مبنياً على أصول وفروع يحمل عليها لأن العربية ترجع الى أصول ثابتة كما تناولنا. فيقولون مثلاً الاسم أصل للفعل والحرف وإنهما فرعان على الاسم لذا جعل التنوين دونهما ولأن الكلام لا يخلو منه دلّ على اصالته ويخلو منهما دلّ على فرعيتهما.

 وان المشتق فرع عن المشتق منه لأنه "اقتطاع فرع من أصل"(34). وغير ذلك، فهل يمكننا القول بان الفعل والحرف عدول عن الأصل (الاسم) كما فسّروا العدول.

 اما قولهم (أضعف الأدلة فهو ينتقض بقولهم: (أحد الأدلة المعبرة) في النص الآتي:

لقد استعمل أبو البركات الانباري (استصحاب الحال) في الخلاف الجدلي الذي صنعه في عرض مسائل الخلاف بين البصريين و الكوفيين كما في خلافهم في (كم) بين التركيب والإفراد. ذهب البصريون الى انها مركبة وحجتهم "إن الأصل هو الإفراد، وأنها التركيب فرع، ومن تمسك بالأصل خرج عن عهدة المطالبة بالدليل ومن عدل عن الأصل افتقر الى إقامة الدليل لعدوله عن الأصل واستصحاب الحال احد الأدلة المعتبرة"(35).

 إن تفسير المعاصرين للعدول – ومنهم الدكتور تمام حسان- في ضوء الأصل والفرع مأخوذ من قضية استصحاب الحال لدى المتأخرين(36)، وهي فكرة تهمل توجهاً أساسياً لدى بعض البلاغيين ممن يستنبطون من العدول أسراراً بلاغية ودلائل اعجازية.

 وقد أشار كثير من الدارسين المعاصرين الى التفريق بين اتجاهين في البلاغة لدى القدامى: اتجاه ينزع الى المعيارية لهدفه التعليمي يُعنى بالتحديد والتقسيم والتقليل من الشواهد الأدبية والقرآنية والاهتمام بالتعقيد تمثل بمفتاح السكاكي وتلخيصه وشروحه. واتجاه أدبي يعتمد على الذوق والتحليل الفني والجمالي للنصوص تمثل بالإمام عبد القاهر والزمخشري ومن تبعهم ومنهم بعض المعاصرين كسيد قطب والرافعي والدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) وغيرهم.

 وجعلها الدكتور أحمد مطلوب ثلاثة مناهج أو مدارس بحسب أقاليم واسعة في القرن السادس الهجري: خوارزم والمناطق المجاورة لها، والمنطقة العربية (العراق والشام ومصر) و (المغرب و الأندلس).

 ثم عاد فاختزلها في مدرستين: كلامية فلسفية، وأدبية ذوقية ونسب الأولى الى الأعاجم والثانية الى العرب، وهو تقسيم جغرافي غير دقيق فقد نسب الزمخشري صاحب الذوق الى المدرسة الفلسفية ونسب عبد القاهر الى المدرستين، ناهيك عن عدم موضوعية هذا التقسيم(37).

 إن للعدول معنىً يسمونه أسراراً ولمحات اسلوبية ومعاني ثانية(38)، لذلك أخذ الدكتور حسن طبل على ابن الصائغ تعليله ارتكاب المخالفة لأجل الفاصلة والإيقاع، من غير ان يبين معاني ذلك الذوقية والجمالية والأسرار البيانية(39).

 ثمة نوعان من العدول: العدول عن ظاهر اللفظ والتركيب أي في المبنى، والعدول عن ظاهر المعنى. الاول نُعنى به في هذه الدراسة، والبلاغيون والنقاد أكثر عناية بالثاني ولاسيما في علم البيان في مباحث الحقيقة والمجاز والكناية والاستعارة والصور البيانية(40).

 وكذلك في علم البديع فانّ جلّ عنايتهم فيه كانت بوصف التركيب أو الاسلوب وإعطائه اصطلاحاً لغوياً يدل على معنى الاسلوب كالإيهام والاطراد والانسجام والإقتداء والاستدراك والتقسيم والتنكيت والتجريد والترويد والجمع والتفريق والقلب وما لا يستحيل بالانعكاس والمواربة والتورية والمذهب الكلامي وفصل الخطاب والتضمين والحمل على المعنى والالتفات وغيرها. وقد ذكر الدكتور احمد مطلوب منها مئات مع التداخل والتكرار(41).

فالتضمين لدى البلاغيين والنقاد(42) دلالي يذكر ضمن السرقات الشعرية والاستعارة وسموّه أيضاً تسميطاً وتوشيحاً واقتباساً، وهو يختلف عن التضمين لدى النحاة إذ اهتمامهم به من الناحية اللفظية.

أما في علم المعاني وهو الذي اتخذ النحو منطلقاً لمباحثه في تشخيص العدول فيعني كثيراً بالعدول الدلالي. فالاستفهام والأمر والنهي والنداء وغيرها،

أصول تخرج الى معانٍ مجازية تستفاد من السياق والقرائن أي عدول دلالي. فالاستفهام مثلاً يخرج الى أغراض مجازية منها: الاستبطاء والتعجب والنفي والتقرير والانكار والتهكم والتحقير والتعظيم وغيرها.

أما مباحث الحذف والزيادة والتقديم والتأخير والتعريف والتنكير وغيرهما من مباحث علم المعاني، فقد عدّوها عدولات عن أصل مثالي مفترض ومنها نفذوا الى ملامح جمالية واسلوبية. والذي نراه أنها ليست عدولات إلا عن واقع لغوي مثالي مقترض لكثرتها في اللغة والعدول خروج عن المستوى المألوف وتلك تراكيب لغوية مألوفة إلا انها تحوي ملامح اسلوبية ودلالات ثانية يعني بها البلاغي.

أي بما يستتبع التراكيب النحوية من دلالات (المعاني الثانية)، وهي سر انفعال السامع ودهشته(43) وهي ان "تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي لك ذلك المعنى الى معنى آخر"(44). ويشترط لتذوق ذلك والوقوف عليه ذائقة وموهبة فنية.

والعدول الدلالي هو الانزياح لدى المعاصرين في الغالب، وقد اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالعدول اللفظي.

ليس العدول الدلالي خروجاً عن النظام النحوي او الصرفي كما في العدول اللفظي، كلاهما يؤدي معنى جديداً بليغاً. فإسناد الفعل الى غير فاعله الحقيقي كما في قوله تعالى، (واشتعل الرأس شيباً) {مريم 5} تركيب مألوف يتفق مع النظام النحوي لكنه غير مألوف من الناحية الدلالية، فالرأس لا يشتغل بالشيب، لكنّ هذا التركيب الصحيح نحوياً المعدول دلالياً أدى معنى ثانياً بليغاً واسعاً لا يؤديه التركيب المألوف من الناحية الدلالية. فهو يدل على كثرة الشيب في الرأس وسرعة انتشاره.

 وكقوله تعالى: (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ((سورة البقرة:250) فقد توسع المعنى باختيار لفظه (أفرغ) وعبّرت تعبيراً فنياً بلاغياً جمالياً مؤثراً ينتبه له المتلقي لذلك أطلق الاسلوبيون على مثل ذلك منبهات اسلوبية واستجابات.

رأي في تفسير العدول:

 انّ النظام (البلاغي) الاسلوبي-الإبداعي هو النظام المذكور نفسه إلا ان التوسع فيه أكثر دقة ليؤدي دلالات ومعاني بلاغية عالية ومعاني دقيقة كالحمل على المعنى وفروعه الكثيرة، او العدول النظامي الذي يحدث داخل النظام اللغوي نفسه متصلاً به بسبب، وأكثر عدولات النص القرآني من هذا النوع بل ان جلّ العدول يفسّر في ضوء نظام العربية واساليب توسعها في التركيب والدلالة.

 إنّ العدول في النص القرآني، ليس خروجاً أو خرقاً لنظام العربية كما يرى أكثر النحاة والبلاغيين ولاسيما المعاصرون إنما هو خروج على القياس النحوي لا الواقع ألاستعمالي للنصّ القرآني، إنما العدول هو نظام العربية نفسه في أعلى درجاته الإبداعية البلاغية لتؤدي اللغة معاني لا تؤدى إلا في ضوء أنظمة العربية المختلفة: الصرفي والنحوي والبلاغي وغيرها وهو أحد وجوه إعجاز القرآن وسرّ التحدي للبشر عامة الذين لم يبنوا لغاتهم على نظام مطّرد معجز.

 وشرط تلمس هذا النظام وبناء هيكله ان تحدد الدراسة النص القرآني نفسه أنموذجا له من غير خلطه بالمستويات اللغوية الأخرى كالقراءات والحديث الشريف الذي خضع للوضع والدس عبر تاريخ طويل، وكلام العرب من شعر ونثر وما يحوي من غريب وشاذ وضرورات ولحن وألغاز وغيرها.

 يمتاز نظام عربية القرآن بالحيوية والمرونة إذ يضيق ويتّسع بحسب الحاجة والمستوى اللغوي والمخاطِب والمخاطَب ونوع الخطاب وبحسب التطور الذي تخضع له اللغات فيستوعب التطور وما يصحبه من تغير لفظي ودلالي، فيكون التطور في داخل النظام نفسه لتبقى لغة القرآن بمنأى عن التغيرات الزمانية والمكانية وتبقى الرسالة الإلهية كما أرادها الله تعالى خالدة ثابتة مع كل المتغيرات.

وكلما زاد حمل الكلام بعضه على بعض بُعداً بلغ دقةً دلالية وأدى أسرارا بيانية لا يفهما كل إنسان إلا المختصون باسلوب القرآن وأصحاب الذائقة الفنية كالزمخشري في تفسيره الكشاف.

 ان سعة المعنى وتأثره بمؤثرات مختلفة ووضوحه وخفائه وتعقيداته وقوته وضعفه بحسب الرسالة التي يرسلها المبدع للتعبير عن تجربته النفسية وارتباطها بالمقامات والأحوال، تتطلب نظاماً لغوياً مرناً يستوعبها ويعبّر عنها خير تعبير. وللتعبير عن المعنى وسائل عديدة واللغة بأنظمتها المتركبة خير وسائل التعبير عن المعنى، ولاسيما نظام اللغة العربية وخير دليل على ذلك أنزل الله تعالى كتابه الكريم بها لتأدية معانٍ دقيقة وأسرار إلهية، وإنشاء رسالة خالدة متحركة المعنى مع المتغيرات الزمانية والمكانية فوق الطاقة الاستيعابية للعقل الإنساني في بعض جوانبها، والمعاني الروحية السامية المطّردة مع أنظمة الكون والحقيقة المطلقة، وللتعبير عن الغيب الذي لم يطلع عليه الإنسان، المتلقي المطلق في كل العصور للرسالة الخالدة. ولا تكفي المعرفة النحوية والبلاغية المعيارية لكشف عن نظام العربية.

 هذه المعاني السامية يؤديها النظام البلاغي (الإبداعي-الاسلوبي) من أنظمة العربية التي تصدر من أسس وأصول واحدة ثم يتوسع فيها من خلال حمل الألفاظ والتراكيب والدلالات بعضها على بعض وتعلقها بعضها برقاب بعض وهذا من أهم مظاهر التوسع في المعنى والتصرّف بفنون القول.

 لذلك قسّم من تناول الحمل على المعنى على قسمين قسم يتصل بالصناعة النحوية والصرفية او بالمباني والتراكيب كحمل النصب على الجر، والجمع على التثنية وغيرها. وقسم يتصل بالأساليب كالحمل على المعنى والتضمين والتناوب وغيرها(45) وهو دليل على ان نظام العربية واحد في المستويات اللغوية كلها، مطرّد لا اختلاف فيه كما ان الكتاب العزيز لا اختلاف فيه.

 قال ابن جني: "واعلم انّ العرب تؤثر التجانس والتشابه وحمل الفرع على الأصل"(46) وقال: "اعلم انه ليس شيء يخرج من بابه الى غيره إلا لأمر كان وهو على بابه ملاحظاً له"(47). وقال القزاز القيرواني: "كلام العرب أخذ بعضه برقاب بعض"(48).

 هذا النظام جعل ابن هشام في آخر كتابه المغني(49) الذي أراد به أن يقنن قواعد مطردة للمعرب، يضطر الى أن يعقد باباً يذكر فيه إحدى عشرة قاعدة تعترض قواعد الإعراب منها. "قد يعطي الشيء حكم ما أشبهه في معناه او في لفظه او فيهما"(50) وسوف نستشهد لذلك في مبحث (العدول النظامي).

 إن أنظمة العربية لتأدية المعاني الدقيقة كالموجات المائية عند سقوط حجر في الماء على شكل دوائر متشابهه متوسعة متداخلة لكنها كلها مرتبطة بالأصل المؤثر وهكذا (51). أنظمة تصدر عن اصل واحد متوسعة متعلقة بعضها ببعض اصواتاً وبنى وتراكيب كلها تعبر عن المعنى المطلوب تعبيراً دقيقاً، فالأصوات والحركات والسكنات والبنية والتركيب والترتيب وما يعتوره من حذف وزيادة وإعراب وغير كلها تؤدي معاني تعضد المعنى البليغ وتعطيه استمرارية كمعاني النص القرآني فالمعنى موزع بكل أجزاء أنظمة العربية.

 ومهما يكن من أمر فلا يمكننا احتواء هذا النظام كله وأسراره ذلك انه نظام مفتوح غير منته كإعجاز القرآن الذي هو مفتوح غير متناه لا تحده حدود زمانية او مكانية، لكن دراسته تقربنا الى فهم اللغة العربية وأسرارها وأسرار النص القرآني، ويفتح أمامنا علوماً لغوية جمّة ويفسر لنا ظواهرها الكثيرة ويقلل الخلافات ولاسيما في تفسير العدول في النّص القرآني، القديمة في ضوء القياس النحوي والحديثة الاسلوبية في ضوء نظريات الانزياح واختلافهم في اللغة المعيار له(52) واتفاقهم على تقسيم اللغة على مستويين اللغة النفعية الايصالية والمستوى الإبداعي الفني البلاغي(53) ولكن من غير معايير واضحة وأسس علمية منطقية، وافتراض البلاغيين أصلاً منطقياً يقيسون عليه العدول.

 إن نظام العربية في النص القرآني من الدقة والحكمة والشمول والاطرّاد والمرونة وحركة معناه وحيويته وانفتاحه المستمر وما يزال، بحيث يضيق ويتسع بحسب المنشيء والرسالة ونوعها والزمان والمكان والتماسك بين أجزائه، لا يمكن ان يضعه الإنسان مهما بلغ من درجات الرقي العقلي، إلا عن طريق الوحي الى الأنبياء – عليهم السلام- وهذا ما كان يؤمن به علماء العربية الأوائل كالخليل وأمثاله الذين شادوا تراثاً لغوياً نفخر به، نفيساً غاية النفاسة وافنوا حياتهم في خدمته، وعدّوه جزءاً من العبادة. وكان بعضهم يرى ان العربية ألهمت إلهاماً لإسماعيل 7 وانه أول من تكلم بها(54).

 ولا تنفصل لديهم اللغة العربية عن الشريعة والدين بل كلاهما واحد أو ان الشريعة والدين الإسلامي واللغة العربية (النص القرآني) امرٌ واحد. وكان هذا أهم أصول العلماء القدامى في دراساتهم اللغوية والنحوية ممزوجة مع الشريعة والدين نفسه، قبل استقلال الدرس اللغوي وسيادة المنهج التعليمي المعياري، وانفصال اللغة عن الدين في بعض دراسات المتأخرين خاصة. فقد تلقى علماء العربية الأوائل علومهم من الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) الذين تلقوه عن الرسول 6 واستمر ذلك فالأزهري ألفَّ معجمه لإثبات أن اللغة هي الدين نفسه(55) لذلك جاء كالتفسير للقرآن الكريم. قال احد المستشرقين: "ان المعرفة التي يمكننا الحصول عليها، الخاصة بهذا اللسان وهذا الأدب لا تنفصل عملياً عن الإسلام ولسان القرآن"(56). ان القرآن الكريم النص السماوي الوحيد الذي نزّله الله تعالى لفظاً ومعنى وتكفل بحفظه وكان نظامه المرتبط بنظام لغته العربية ارتباطاً عضوياً احد أسباب حفظه. فالعربية جزء من القرآن- واعني دائماً بالعربية- النصّ القرآني. فالتلمود يشير الى إن التوراة كانت بلغات متعددة في وقت واحد "أما النصوص الباقية من الكتب السابقة فهي مختلفة اختلافاً كبيراً بل متضاربة"(57).

 أما الإنجيل فقد أشار احد المستشرقين الى انه نزل في وسط لساني شديد الاختلاط(58). مع إقرارنا بقدسية الكتابين المقدسين إلا إن القرآن الكريم امتاز عنهما بنزوله لفظاً ومعنىً وقد تكفل الله تعالى بحفظه.

العدول النظامي

إنّ العدول في النصّ القرآني –في الأعم الغالب- هو خروج عن قواعد النحو وأقيسة النحاة (العقلية)، وليس خروجاً عن نظام العربية المتماسك فهو من العربية في مستوياتها الإبداعية العالية وواقعها ألاستعمالي ولاسيما في النصّ القرآني، ولا سبيل للنحاة الى ردّه وان خرج عن قواعدهم.

إنّ العدول في النصّ القرآني قسمان:

1- العدول النظامي-الاسلوبي، في ضوء نظام العربية ـ لغة القران الكريم ـ الذي يحمل الكلام فيه بعضه على بعض، في المستوى البياني البلاغي. وهو نظام العربية نفسه في مستوياتها الأخرى النحوية أو الصرفية وغيرها. كأنواع الحمول الكثيرة والتناوب والتضمين والمطابقة والنقل والمجاز الاسنادي وغيرهما.

2- العدول النحوي –الصناعي، وهو ما يبدو خروجاً على قواعد النحو بحسب المنهج العقلي التعليمي كالتقديم والتأخير والحذف والزيادة وكل ما يدخل تحت باب (التقدير النحوي) لدى النحاة.

 إنّ ظواهر العدول النظامي في النصّ القرآني كثيرة، تناولها النحاة والبلاغيون بمصطلحات مختلفة في أكثر من باب، والشاهد الواحد يصلح الاستشهاد به في أكثر من باب، وذلك لمرونة نظام العربية وحيويته، وسنحاول لم شتاته وتناوله تناولاً كلياً شاملاً لا جزئياً مفرّقاً كما في كتب التراث وان كان ذلك عسيراً ليس هيناً. كالحمل على المعنى وعلى اللفظ وعلى الموضع والعطف على التوهم وحمل المفرد والمثنى والجمع بعض على بعض والتضمين والتناوب والاتساع والنقل وطرائق العرب في كلامها وسننها ومجازاتها وشجاعة العربية، والخروج على مقتضى الظاهر وفي أبواب نحوية وصرفية مختلفة(59). وفي الضرورات الشعرية والملاحن والألغاز وغيرها.

الحمــل:

أوسع ظاهرة للعدول عن معايير النحو في النص القرآني وأوضحها ظاهرة حمل اللغة العربية بعضها على بعض: بنيةً وتركيباً ودلالةً وإعرابا ووظيفةً نحوية. وإلحاق بعضها ببعض وإعطاؤه حكمه ودلالته او بنيته و إعرابه وغير ذلك. وهي ظاهرة تدل على نظام العربية وتعلق بعضها برقاب بعض ورجوعها الى اصول واحدة ويُفسّر في ضوئها جلّ أنواع العدول في النصّ القرآني.

 وهو باب واسع شامل، يندرج تحته فروع كثيرة: كالحمل على المعنى وعلى اللفظ وعلى الموضع وعلى الإعراب، والعطف على المعنى وعلى التوهم والحمل على النظير وعلى النقيض ويضم كذلك باب النقل والمطابقة بأنواعه، وخطابات القرآن، وما سمّوه بالتناسب والمشاكلة في اللفظ والمعنى، والتضمين والتناوب وغيرها من أنواع العدول الكثيرة في النصّ القرآني.

 قال ابن جني: "اعلم انّ هذا الشرْج غور من العربية بعيد، ومذهب- فسيح قد ورد به القرآن (الكريم) وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث وتصوير معنى الواحد في الجماعة، والجماعة في معنى الواحد"(60).

 وقال: "وقد رأيت من هذا النحو في هذه اللغة أكثر من ألف موضع، نعم، ولعلّ الاستقراء وسَّعهُ أضعاف ذلك"(61). وقال: "وجدت في اللغة من هذا الفن شيئاً كثيراً، لايكاد يُحاط به، ولعله لو جُمع أكثرهُ لا جميعه لجاءَ كتاباً ضخماً"(62).

 والى مثل هذا أشار كثير من النحاة، بأنه "أكثر من ان يُحصى"(63).

وعلى هذا ليس من اليسير إدراك جميع أشكاله وفرزه عن الخلط في دراسته والانحراف به عن نظام العربية وكثرة الاصطلاحات التي تدل عليه، وتناوله في أبواب مختلفة ومستويات: الشواذ، القراءات، الضرورات، اللحن، المجاز. وفي ضوء الأصل المفترض الذي بنوا عليه مناهجهم في الدراسات اللغوية والنحوية والبلاغية، فقالوا: الأصل: أن يحمل على اللفظ، وهو الأقوى والأكثر والأفصح، ولجأوا الى التأويل فيه حفاظاً على اصل المعنى ومخالفة ظاهر اللفظ معناه وخروج الكلام على مقتضى الظاهر(64).

 قال ابن الأثير: انه "دقيق المسلك بعيد المذهب، يحتاج الى معاودة وزيادة تأمل"(65).

 ورأى المعاصرون انه خاص باللغة الإبداعية وليس الايصالية النفعية وعدّوه "أحد أساليب العربية في التعبير عن المعنى"(66) فتناولوه في دراساتهم الاسلوبية كونه اسلوباً وانحرافاً عن الأصل لغرض معنوي خاص، وعدّوه محور البلاغة وخلاصة علم البيان، وعرّفوه بأنه "العدول بالكلام عن طريقته الى طريقة أخرى تصرفاً في الفصاحة وتفننا في العبارة". وهو "ان يكون الكلام في معنى كلام آخر فيحمل على ذلك المعنى، او ان يكون للكلمة معنى يخالف لفظها فتحمل على ذلك المعنى دون اللفظ"(67) وبعضهم اكتفى بالتمثيل له. من غير ربطه بنظام العربية فضلاً عن خلطه بأنواع أخرى من ظواهر اللغة وأساليبها.

الأصل في الكلام أن يكون محمولاً على اللفظ وهو الكثير الجاري في لغة العرب وفيه تحصل المطابقة من حيث الإعراب والإفراد والتثنية والجمع والتأنيث والتذكير وغير ذلك. والحمل على اللفظ أولى لتطابق اللفظين وتساوى معنييهما لأن العرب تختار مطابقة الألفاظ وتحرص عليها كما إنّ اللفظ أقوى لظهوره في الكلام"(68).

 وفي ضوء نظام العربية يختلف تناول هذه الظاهرة اللغوية ولا حاجة للقول بالأصل والمطابقة العقلية، ذلك ان نظام العربية مبني على حمل الكلام بعضه على بعض في مستوياتها المختلفة النحوية والصرفية والبلاغية، لذلك صنفه الدكتور على العنبكي على صنفين ما يتصل منه بالقياس النحوي، الذي تناولناه بالنظام النحوي، وما يتصل بالأساليب وهو ما نعني به في هذا المبحث التطبيقي وقد تناولناه في مبحث (النظام البلاغي والاسلوبي) تنظيراً.

 إنّ النظرة الكلية لظواهر اللغة في ضوء نظامها، منهج علمي رصين ينبغي الالتزام به. فالحمل إما أن يكون على دلالة البنية او شكلها، او على المعنى الوظيفي النحوي او العمل النحوي، او الإعراب وغير ذلك مما أطلقوا عليه تسميات مختلفة. وكلها مشروطة بسعة المعنى، أو إضافة معنىً ثاني، او تقوية المعنى الأول وتأكيده او جعله معنىً مؤثراً.

 وثمة ملحوظة مهمة هي ان الحمل بأنواعه ليس عدولاً عن أقيسة اللغة والنحو، إنما يكون في اللغة المألوفة المستقيمة تركيباً أيضاً. إلا أن منهج البلاغيين ومنهم المعاصرون يعدونه عدولاً عن اصلٍ مفترض او عدولاً من حقيقة الى مجاز، وجعلوا الحمل على اللفظ الأصل والأولى والأكثر والأفصح والأحسن(69) ونحن نعنى بالحمل الواضح تركيباً وكلاهما يدل على نظام العربية.

قال تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ ((الرحمن:60) و قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ((الأنعام:47) و) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ((آل عمران:135) و) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ((قّ:15)، أي لم نعي، والشواهد مثلها كثيرة.

 نلحظ أولاً أنها ليست عدولات كما في مفهوم البلاغيين و المعاصرين لأنها لم تخرج عن اصل القياس النحوي واللغوي ويمكننا أن نقيس عليها ونحاكيها. فهي من الكلام المألوف نحوياً، لكنها عدولات عن أصول افتراضية بحسب تفسير البلاغيين للعدول.

 وهي شواهد على نظام اللغة العربية الحيوي المرن وعلى خصائص الألفاظ العربية وطواعيتها لتخدم النظام فيتسع معناها بحسب السياق الذي هو من نظامها، وعلى إمكانية تخريجها على أكثر من ظاهرة اسلوبية رصدها النحاة، وعلى إضافة المعنى الثاني البليغ المتحرك فـ (هل) و (من) و (الهمزة) صلحت أن تؤدي معنى النفي وحملت عليه لتؤدي معنىً إضافياً متحركاً بليغاً متوسعاً، منها توكيد النفي وقصر المعنى على المطلوب، وما يمكن ان يضيفه العلماء بحسب دقة ملاحظاتهم وتمرسهم باسلوب القرآن فهي أساليب بلاغية عبّرت عن معانٍ ثانية فضلاً عن المعنى الأول المباشر.

 وهذه الشواهد تصلح للاستشهاد لأكثر من ظاهرة وباب اصطلح عليها النحاة تدل على حيوية النظام وكثرة مداخله: فهي حمل على معنى النفي، وهي تناوب معنى أداة معنى أداة أخرى وقد قصره النحاة على حروف الجر، وهي من باب النقل. ومن باب المجاز، وباب الخروج عن الأصل أو مقتضى الظاهر، وخروج الاستفهام الى معنى مجازي هو النفي كما في علم المعاني.

 ومن خصائص ألفاظ العربية وأدواتها المشتركة أن تحمل على أكثر من معنىً: معناها في نفسها وفي لفظها وفي سياقها ووظيفتها النحوية، فتدل على التذكير او التأنيث او الإفراد او التثنية او الجمع بلفظ واحد كأسماء الاستفهام والشرط والموصولات وما سمّوه بالاسماء المبهمة، لأنها لا تختص بمسمى كاسم النوع الذي يقع على الواحد من النوع وعلى الجماعة(70).

 قال تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ((يونس:42)،(مَنْ)لدى النحاة اسم مبهم شديد الإبهام لكثرة دلالته فهو يدل على الجمع ويقع على الواحد والاثنين والمذكر والمؤنث والعاقل وغير العاقل احياناً، فيمكن ان يحمل على أي معنى منها ويمكن حمله على أدوات أخرى ينوب عنها في الاستعمال،وأكثر شواهد الحمل في القرآن الكريم في(مَنْ)(71).

 أما الحمل في الوظيفة النحوية أو الحمل على المعنى النحوي فقد أطلقوا عليه تسميات مختلفة: الحمل على الموضع والعطف على المعنى، والعطف على التوهم، والنصب على المدح والذم والرفع على الاستئناف وغير ذلك.

 فلكل موضع في التركيب النحوي محل إعرابي سواء كان عاملاً او معمولاً، ظاهراً او مقدراً كالمنادى المفرد العلم واسم لا النافية للجنس والمبنيات والفارق بين الإعراب المحلي والتقديري والموضعي معروف.

 والمقصود هنا الحمل على الموضع كرفع (الصابئون) حملاً على موضع اسم إنّ في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ

يَحْزَنُونَ((المائدة:69)، ن كان في ذلك خلاف مذهبي بين البصريين والكوفيين الذين أجازوه قبل تمام الخبر.

 ويبدو هذا الحمل يكثر في التوابع ولاسيما العطف لكثرة وروده فيه لذا اهتمَّ به النحاة(72) أكثر من غيره من التوابع. نحو (ليس زيدٌ بقائم ولا قاعداً) ومنه قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ((المنافقون:10)، يجزم (أكن) وهو معطوف على (أصدّق) المنصوب. وفسره الخليل بن احمد بان العرب تتوهم بان المعطوف عليه مجزوماً لكثرة وروده مجزوماً في لغتهم كقولهم دخول الباء في خبر ليس لكثرة مجيئه فيها واستشهد بشواهد منها قول زهير(73):

 بدا لي أني لستُ مدركاً ما مضى ولا سابقٍ شيئا اذا كان جائيا ثم أطلق النحاة على هذه الظاهرة اصطلاح (العطف على التوهم)، ويرى الدكتور العنبكي والدكتور الحمّوز(74) انّ النحاة خلطوا بين الحمل على المعنى والحمل على التوهم والحمل على المحل والحمل على الموضع، والدليل على ذلك استعمالهم للحمل على الموضع عبارات منها:

الرفع او النصب على المعنى، والحمل على معنى النصب او الرفع، ومعنى الفاعل او صفة على المعنى او مجرور في اللفظ منصوب في المعنى(75).

بها الحمل على المعنى مراعاة معناها وعلى اللفظ مراعاة لفظها سواء كانت مضافة او مقطوعة عن الإضافة.

- (كل) تدل على العموم والجمع وتكتسب معناها مما تضاف إليه لان المتضايفين كالشيء الواحد، تذكيراً وتأنيثاً وإفرادا وتثنيةً وجمعاً، فيراعى كل ذلك فيها. قال تعالى: (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ((القمر:52)، و) كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ((المدثر:38) و) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ((الروم:32)، و) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ((يّـس:40) و)وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً ((مريم:95)، فيجوز - (الذي) اسم خاص للمفرد المذكر وليس مبهماً، لكنه عاد الضمير إليه جمعاً في النصّ القرآني واختلفوا في توجيهه فعدّوه اسماً مبهماً كـ (مَنْ) نحو قوله تعالى: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ((الزمر:33) و)مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ ((البقرة:17).

 وفي ذلك خلافات نحوية وجدل وخلط بين القرآن والقراءات والشعر، ومنهم من قلله في اللغة ومنهم من قبّحه(76).

 وقد يجمع الحمل على المعنى والحمل على اللفظ في الآية الواحدة وهو قليل، كقوله تعالى:

-(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ((المائدة:60)، حمل على اللفظ ثم على المعنى ثم على اللفظ ثم على المعنى ثم على اللفظ.

وقد توسّع الحمّوز بالعطف على التوّهم وعلى الموضع حتى عدّه مقيساً مطّرداً فذكر للأول تسعة عشر نوعاً وللثاني عشرة مواضع ورأى انه سبق النحاة إلى أقسام منهما لم يذكروها، وعلل تضييق النحاة العطف على التوهم تأديباً منهم وتنزيهاً للقرآن الكريم. والحق انه من خصائص اسلوب القرآن الاعجازية في ضوء نظام لغته العربية(77). فضلاً عن الدلالات البلاغية والأسرار البيانية التي تحملها. ومع ذلك فالاصطلاح غير موفق كونه يدل على ظاهرة اسلوبية وردت في النصّ القرآني.

 ومن الأقسام التي ذكرها للعطف على التوهم: توهم سبك مصدر من غير حرف مصدري، وتوهم شبه جملة مصدراً، وتوهم حرف محذوف انه موجود وتوهم اسم شرط اسماً موصولاً والعكس وتوهم معنى الشرط من الاستفهام وتوهم إهمال أداة الشرط العاملة وغيرها. واستشهد لها بشواهد أكثرها لا تستقيم إلاّ بالتأويل ولاسيما القراءات الشاذة.

الحمـل المـزدوج:

 في نظام العربية مرونة كبيرة كونه يشمل أنظمة عدّه، ويمكن أن يحصل أكثر من حمل في التركيب الواحد او يمكن تفسير ظاهرة العدول عن الظاهر أكثر من تفسير كاختلافهم في اجتماع ظاهرتي تناوب حروف الجر والتضمين، ونسب الخلاف الى البصريين والكوفيين فيهما على الرغم من أنهما ظاهرة واحدة لكنهم اختلفوا في تفسيرها بين التناوب والتضمين.

 وكلا الظاهرتين باب واسع في العربية تشمل ظواهر لغوية عديدة وتدلان على نظام العربية القائم على الترابط والمشابهة وتعلق الكلم بعضه برقاب بعض ويفسّر كثيراً من ظواهر العدول والأساليب، وبعضه خفي يشترط أعمال الفكر والتأمل يحوي أسرارا بيانية ومعاني ثانية دقيقة. وقد اختلف تفسيرهما بين البلاغيين والنحاة.

 لذلك قالوا عن تناوب حروف الجر بعضها عن بعض "يُمسك النحاة منه بطرف، وأهل البيان بطرف، لأنه باب يسلط فيه النظر على المبنى والمعنى وللعلماء فيه مذاهب شتّى وتأويلات مختلفة"(78).

 ويرى النحاة ان لكل حرف معنى اصلياً كالباء للإلصاق وعلى للاستعلاء و (من) للابتداء، و (الى) للانتهاء و (عن) للمجاوزة والكاف للتشبيه.

 وهي معانٍ لا تفارقها وقد تصحبها معانٍ آخر او تنوب عنها وتؤول اليها عن المعاني الأصلية(79) وتقع موقعها كالباء تقع موقع (في) كقوله تعالى:

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ((آل عمران:123).

 وموقع (عن) كقوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ((الفرقان:59)، أو (على) أو (من) أو (الى) وهكذا(80) كما في قوله تعالى: (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى ((طـه:71)، يرى الكوفيون أنها بمعنى على وفيه خلاف(81).

 و) سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ((المعارج:1)، قالوا الباء بمعنى عن وفيه خلافات في التفسير والتأويل وتوجيه الإعراب وأراء مضطربة في كون هذه المعاني أصلية وفرعية او الأصل والعدول عنه وتناوب معاني الحروف بعضها عن بعض وأكثرها تأويلات وخلافات في التفسير والتقدير.

 وباب النيابة النحوية واسع كما مرّ بنا في منهج النحاة وتقديراتهم أما تناوب حروف الجر بعضها عن بعض فنتناوله في ضوء النظام الاسلوبي البياني أو الدلالي أو العدول الذي يدل على معنى دقيق ثاني، والفارق كبير بين تناول النحاة المعياري المنطقي للتناوب وبين التناول البلاغي الاسلوبي الذي يرى أن حرف الجر لا معنى له أصلا بذاته إنما يتحدد من السياق الذي يرد فيه.

 أما التضمين وهو "إشراب لفظ معنى لفظ آخر"(82)، فالعرب "من شأنهم أنهم يضمنون الفعل معنى فعل آخر فيجرونه مجراه ويستعملونه استعماله مع إرادة معنى التضمين"(83) وعرّفه الدكتور محمد حسن عواد بأنه توسّع "في استعمال لفظ توسعاً يجعله مؤدياً معنى لفظ آخر مناسب له فيعطي الأول حكم الثاني في التعدي واللزوم"(84).

 وله صلة بتعدي الفعل ولزومه والحقيقة والمجاز، وتأويل الشواهد بحسب قواعد التعدي واللزوم نحو قولهم في قوله تعالى: (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ((الصافات:8)، قالوا عداه بـ (إلى) لتضمن (يسّمعون) معنى الإصغاء(85). وفي قوله تعالى: () سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ((المعارج:1) أي دعا بعذاب(86).

 وذكر الزركشي تحته أوضاعاً مختلفة متوسعاً فيه كوضع النداء موضع التعجب أو تضمين معناه. وجمع القلة موضع الكثرة، والتذكير موضع التأنيث ووضع الفعل الماضي موضع الفعل المستقبل وعكسه وظواهر أخرى بيانية وبديعية وصوتيه وغيرها(87).

 وذكر السيوطي له أقساماً كتضمين الفعل الاسم والاسم الحرف وغير ذلك وفسّر في ضوئه ظواهر نحوية نحو بناء (أمس) على الكسر لتضمنه معنى لام التعريف(88).

 وهي مسألة خلافية إذ نسب الى البصريين وتبعهم كثير من المعاصرين القول بالتضمين، خلافاً للكوفيين الذين يرون تعدد معاني الحروف لذا اقروا بالتناوب بينها، ومنع ذلك البصريون ذلك ان للحرف معنى واحداً ومذهبهم "إبقاء الحرف على موضعه الأول أما بتأويل او تضمين يقبله اللفظ، او تضمين الفعل معنى فعل آخر يتعدى بذلك الحرف، وما لا يمكن فيه ذلك فهو من وضع احد الحرفين موضع الآخر على سبيل الشذوذ. فكلاهما حمل على المعنى، لان التجوز في الفعل أسهل لديهم منه في الحرف(89).

 فالبصريون لا يجيزون وقوع بعض حروف الجر موقع بعضها الآخر، والكوفيون يجيزون ذلك تأدية حقيقة لا مجازية. وهذا من باب –لديهم- الاشتراك اللفظي وقد أيدهم الاستاذ عباس حسن لبعده عن الالتجاء الى التأويل والمجاز ونحوهما(90). وأكثر المعاصرين وافقوا البصريين لعدم استكمال أدلة التناوب "انما هي مسألة معجمية تندرج في بحث دلالات الألفاظ على وجه مباين للوجه او الوجوه التي رسمها السلف" ونسبوا البحث عن دلالات معاني الحروف لعمل اللغوي وهو قول غير دقيق(91).

 وعلى هذا فالموضوعان ظاهرة اسلوبية واحدة إلا أنهم اختلفوا في تفسيرها وتوجيهها وفي اصطلاحها. وعلى الرغم من ذلك فان كتب النحو والبلاغة أقرّت بهما وعقدت لهما بابين مختلفين.

 وليس الأمر مجرد مشابهة كما في منهج النحاة وفهم بعض المعاصرين لها فقد قام الدكتور محمد حسن عواد بتجربة فوضع حرفاً مكان آخر فتوصل الى كسر ذلك وإن سلم فباختلاف المعنى: قال:

 "إن الحرف لا يقع موقع غيره من الحروف إلا إذا أردنا معنى ذلك الحرف الأخير، و إلا صار الأمر ضرباً من العجمة وعدم البيان وفوضى التعبير(92). وهذه التجربة تجري على التضمين أيضاً إذ يتناوب فعلان المواقع او يشربان بعضهما معنى الآخر، ناهيك عن ان البلاغيين أجازوا ذلك من باب استعارة حرف معنى حرف آخر(93).

 فالمسالة بيانية فنية إبداعية خاصة بالنص والسياق، لها صلة بالمعنى والمقام او الحال وليست شكلية لذلك قالوا ان السياق يحدد معنى اللفظ، ذلك انه يحمل الى معانٍ عديدة بسبب نظام العربية ومرونته.

 قال ابن جني في "باب في استعمال الحروف بعضها مكان بعض": "هذا باب يتلقاه الناس مغسولاً ساذجاً من الصنعة وما أبعد الصواب عنه وأوقفه دونه"(94)، أي انه باب عارٍ من الدقة لتفاهته يستحق الغسل، ذلك أنهم يقولون إن (الى) تكون بمعنى (مع) و (في) بمعنى (على) ويحتجون بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ((الصف: 14) و) فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى ((طـه: الآية71) قال ابن جني: "ولسنا ندفع ان يكون ذلك كما قالوا لكنا نقول انه يكون بمعناه في موضع دون موضع، على حسب الأحوال الداعية إليه والمسوغة له" وقال "واعلم إن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر وكان احدهما يتعدى بحرف، والآخر بآخر فان العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذاناً بأن هذا النحل في معنى ذلك (الفعل).. كقوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)(البقرة: 187)، والأصل رفث بها أو منها لأن الرفث بمعنى الإفضاء الذي يتعدى بالى..."(95).

 ويرى د. محمد حسن عواد "إن مسألة التضمين لا أساس لها، لأنه لا دليل عليها، ولا حجة لأصحابها، واحسب إن ما اندرج تحتها من شواهد يؤول الى جهة من جهتين: أما أن تكون هذه الشواهد مقحمة في باب التضمين إقحاماً، وأما أن تندرج تحت مبحث دلالات الألفاظ..."(96)

 وتناول شواهدها ثم خلص الى أن النيابة ترجع الى التركيب لا الحروف، والتضمين يرجع الى مبحث دلالات الألفاظ، سببه قولهم بالاصالة والفرعية للألفاظ وهذا يشترط معرفة الأقدم في نشأة الألفاظ(97)، وردّ الشواهد معتمداً على التأويل كالقدامى، كما في قوله تعالى: (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً((الانسان:6)، و) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ((المطففين:28)، قال: وهم إنما عمدوا الى هذا فراراً من وقوع الباء موقع (من). وان (شرب الماء) معناه: (جرع الماء. وان شرب من الأضداد، فإذا كان بمعنى جرع فهو متعدٍ وإذا كان بمعنى (روي) فهو لازم.(98).

 فهو يرد قولهم بالتضمين وبالتناوب كلاهما، لأنهم يقولون بالاصالة والفرعية وأصل الفعل اللزوم، والتعدي فرع عليه، وأصل التعدي بحرف وهذا ما يعبرون عنه بالحمل على النقيض وعلى النظير(99).

 فهو يرى شواهدهم من الترادف والاشتراك اللفظي، وردّ القول بالتضمين لأننا لا نعرف الأقدم والأصل في الألفاظ ودعا الى وضع معجم تاريخي بحسب أزمنة الألفاظ وعلاقة ذلك بالمجاز او وروده في عصر الاحتجاج، وحمل على النحاة ومنهجهم المنطقي في ذلك(100).

كزعمهم في قوله تعالى: (قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) (النمل:72)، إن ردفاً متعد في الأصل ولكنه تضمن معنى اللزوم، ويجوز أراد ردفكم فزاد اللام ويجوز أن ردفاً مما يتعدى بحرف جر وبغير حرف جر او يكون قرب لكم، وقال الفراء: دنا لكم(101).

 وعدّ الدكتور ابراهيم السامرائي التضمين من نتائج تأثر النحو بالمنطق السلبي إذ أظهر قواعد وأحكاماً لم تكن وليدة الاستقراء، لذلك صادفوا ما يخالفها فلجأوا الى التأويل والتقدير(102). قال في قوله تعالى: (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً ((الانسان:6)، "المعنى يشرب منها، لا عبرة لما قيل بـ (التضمين) أي: إن الباء تضمنت معنى (من) وذلك لان كلام الله جرى على لغة العرب، والعرب قد تصرّفت بلغتها تصرفاً واسعاً. ولله حكمة بالغة في وضع كلامه على هيئة لم يدركها البشر"(103).

 والحق إن نظام العربية يفسر لنا هذه الظاهرة تفسيراً واضحاً من غير افتراضات وتمحل وتأويل، كما مرّ بنا، فالتضمين اتساع في المعنى، وهو اسلوب مرتبط بالذوق يلجأ إليه لغرض بلاغي مع تحقق المناسبة بين الفعلين ووجود قرينة يؤمن عليها اللبس كما ذهب مجمع اللغة المصري (104)، فقد اختلف النحاة في الباء في (يشرب بها) بين الاصالة والزيادة. أما الأصالة فعلى خلافٍ أيضاً، إما على معنى الإلصاق او تضمين معنى (يروي بها وينقع ويلتذ) او بمعنى (من)، او متعلقة ومجرورها بحال تقديره: يشرب ممزوجة بها، وأما ان الضمير للكأس والمعنى: يشربون بتلك الكأس وغير ذلك من الخلافات والآراء الكثيرة(105).

 وقد أثبت (تعالى) الياء بعد إجماله ما أعدّه للكافرين من سلاسل وأغلال وسعير. وفي ذلك ملمح اسلوبي يمكن استنباط دلالة ثانية دقيقة (متحركة) بحسب أذواق المفسرين والبلاغيين من خلال العدول عن اقيسة النحاة في مجيء الباء.

النقـل:

 باب واسع في العربية تنضوي تحت مظلته ظواهر لغوية مختلفة في مستويات اللغة كلها ولاسيما المستوى الصرفي. وهي من أهم الظواهر التي تدل على نظام اللغة العربية المترابط، لذلك اصطلح عليه النحاة واللغويون القدامى والمعاصرون او على جوانب منه باصطلاحات كثيرة وتناولوه في أبواب عديدة كإقامة صيغة جديدة مقام صيغة أخرى ووضع الأسماء والأفعال في غير مواضعها(106) والعدول في بنية الكلمة(107) والحمل على المعنى والمجاز والتضمين وتجاهل الاختصاص النحوي(108)، والتأويل كتأويل الفعل بالاسم والاسم بالفعل(109) والنيابة النحوية والصرفية(110)، والاستبدال لدى المحدثين والتّحول اللغوي(111) والاشتراك الصيغي والوضع والإبدال(112) وخلاف مقتضى الظاهر(113) ومخالفة ظاهر اللفظ معناه(114). والتجوز في الأفعال كالفعل الماضي عن المستقبل وعكسه والخبر عن الأمر وعن الدعاء وغير ذلك(115) والتعويض، وهو إقامة الكلمة مقام كلمة أخرى كالمصدر مقام الأمر نحو (فضَربَ الرقاب) والفاعل مقام المصدر وغيره(116).

 النقل هو "تحول اللفظ من قسم الى قسم آخر من أقسام الكلم"(117) قد يتبعه تغيير في المعنى، ومنه تسخير اللفظ لتوليد المعنى الأدبي بوساطة جرسه او موقعه من الكلام وتكراره و تنكيره وغير ذلك كنقل ما الاستفهامية الى معنى التعجب. والظروف والموصولات الى استعمال أدوات الاستفهام والشرط نحو (متى وحيث وأيان ومن وما) ونقل المصدر الى استعمالات فعل الأمر(118).

 وهو إحدى طرائق توسع المعنى وصورة من صور العدول عن الأصل فيما يتصل باستعمال البنية ومعناها في اللغة.

 وثمة فارق بين النقل النحوي والدلالي والصرفي والبلاغي فالأول تنقل الوظيفة النحوية والعمل النحوي من لفظة إلى أخرى والثاني تنقل الدلالة أما الصرفي فنقل يخص البنية مع بقاء الدلالة. أما النقل البلاغي فتصرّف في اللفظ او التركيب ليدل على معانٍ بلاغية إضافية قد تخفى على الدارسين.

 وقد ذكر النحاة هذه الأنواع مختلطة تحت مصطلحات مختلفة كما مرّ بنا ولاسيما في تفسير بعض ألفاظ القرآن الكريم كوضع المصدر موضع المشتق، ووضع الصفات موضع المصادر والمعرفة موضع النكرة و(مَنْ) و (ما) احدهما موضع الآخر والأسماء والأفعال في غير مواضعها. وفاعل بمعنى مفعول وعكسه وفعيل بمعنى مفعول والفاعل مقام المصدر.

 نحو تقديرهم (عاصم) معصوم في قوله تعالى: (قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ((هود:43)، و(دافق) مدفوق في قوله تعالى: (خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ((الطارق:6)، و(راضية) مرضية في قوله تعالى: (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ((الحاقة:21)، و(مأتياً) أي آتيا و(مستور) أي ساتر، و)وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ((يوسف:18)، أي مكذوب فيه، و) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ((الواقعة:2)، أي تكذيب. ووصف الشيء بالمصدر نحو قوله تعالى: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ((الشعراء:77)، أي عداوة(119).

 ومنها إطلاق الخبر وإرادة الأمر نحو قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ((البقرة: 233) ووضع الماضي ويراد به المستقبل نحو قوله تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ((الأنعام: 94)، والعكس نحو) فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ((البقرة: 91) و) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ((البقرة:144).

 وقد تأتي صيغة الطلب بلام الأمر مراداً بها الخبر للدلالة على الحتم نحو) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ((التوبة:82)، والأمر بالضحك والبكاء في معنى الخبر والمعنى فسيضحكون قليلاً ويبكون كثيراً إلا انه أخرجه عن صيغة الأمر للدلالة على انه حتم لا يكون غيره(120).

 ووضع الخبر موضع الطلب كقوله تعالى:

-(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ((البقرة: 83)، (لا تعبدون) أبلغ من صريح النهي لما فيه من إبهام إن المنهي يسارع الى الانتهاء فهو مخبر عنه (121).

-(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ((البقرة:84)، في موضع (لا تسفكوا).

-(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ((البقرة:125). والكذب إنما يرد

 ووضع النداء موضع التعجب كقوله تعالى: (يَا حَسْرَةً عَلَى الزمخشري: ((نداء للحسرة عليهم كأنما قيل لها: تعالي يا حسرة فهذه من أحوالك التي حقك أن تحضري فيها وهي حال استهزائهم بالرسل والمعنى أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المتحسرون...)) (122)،) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ((الزمر:56)، وهو أبلغ من قولك (العجب) قيل: فإنّ التقدير: يا عجاب أحضر، ويا حسرة أحضري، وقوله تعالى: (يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ((يوسف: 19)، كأنما قال: يا قوم ابشروا(123).

 وأكثر ما ذكروه من ذلك تفسيرات للنص القرآني دلالية سبق إليها اللغويون في خلافاتهم ويبدو الفراء كان رائداً في ذلك.

 وقد اخذ الدكتور كريم ناصح على النحاة أنهم أهملوا بذلك الموقع النحوي وهو صلب نظرية النحو العربي، ودعا الى "إعادة مناهج النحو العربي الى وجهتها الصحيحة"(124) الا إن الظاهرة لا تتعلق بالموقع النحوي وحده فهي ظاهرة تقع في أنظمة العربية المختلفة: النحوية والصرفية والدلالية والبلاغية للتعبير عن المعاني الدقيقة من خلال التساهل في المواضع.

 وان كان موضوع النقل أوسع لدى القدامى وأكثر تداخلاً وخلطاً إلا ان طريقة الزمخشري التي هي تطبيق لنظرية النظم لعبد القاهر وتبعهه البلاغيون والاسلوبيون المعاصرون على ان للصيغ أسراراً فنية ودلالات اسلوبية دقيقة، وبحثوا فيها للوقوف على "الفروق الفنية الدقيقة بين المعاني مما يفيد أكثر الإفادة في التوظيف البلاغي لتلك الصيغ في سياقاتها التي تطابق مقتضى الحال..."(125) واستجلاء أسرار الصيغ في النص القرآني.

 وقد أشار المتقدمون الى أن اختلاف دلالة الصيغة بين الإفراد والتركيب والسياق هو الذي يحددها والقرائن كالحالية واللفظية، " ذلك ان الكلمة في حال أفرادها تحتمل دلالات شتى والعلاقات السياقية هي التي تكشف عن قصد المتكلم إحدى هذه الدلالات التي تحتملها الكلمة حال إفرادها وعزلها عن السياق"(126). وتناولوا العلاقة بين الصيغة والمعنى لأن الدلالة التركيبة مؤسسة على الدلالة الافرادية غير مقطوعة العلاقة عنها(127)، وقالوا بـ "زيادة المعنى لزيادة المبنى" نحو (الرحمن) ابلغ من (الرحيم) و (غفار) عدل عن غافر لانه ابلغ يدل على كثرة صدور الفعل(128).

 لقد أطلق احد الدارسين المعاصرين على تلك الظاهرة اصطلاح: "الاشتراك الصيغي" وتعدد المعنى الوظيفي للصيغة الواحدة فضلاً عن معناها المعجمي، وفسرها بقوله: "إنّ الصيغ لا تكلفنا مادة جديدة بل يأتي المعنى الوظيفي للصيغة محمولاً على المادة متراكباً مع الدلالة المعجمية او اللفظية وذلك عن طريق صورة اللفظ، فضلاً عن ان المعاني الوظيفية ذاتها تتعدد وتتراكب للصيغة الواحدة في الوقت الواحد في السياق الواحد..."(129).

 فمن شكل المادة وتركيبها وهيئتها أي حركاتها وسكناتها وترتيب حروفها وتصرفها معاني تخدم دلالة النص العامة، لذلك اتجهت دراسات الألفاظ الى الكشف عن القيم الفنية التي تبني على الفروق القائمة بينها في البنية الصرفية، وطبيعة اللواحق والسوابق والظلال الدلالية السياقية والايمائية والقيم الإيقاعية والموسيقية تقف بنا على نتائج طريفة ومؤثرة في صوغ الأحكام.

 "ذلك ان الاختيار الفني لتلك الصيغ من قبل المبدع، وكذلك ما يقوم به من تكرار لبعض الصيغ،او عدول فني مقصود من صيغ يقتضيها السياق الى صيغ أخر يراها أكثر مناسبة، كل ذلك يحدث بلا شك نوعاً من الإثارة ولفت الذهن للمتلقي ناقداً كان او غير ناقد"(130).

 ومهما اتجه المتقدمون والمعاصرون في تفسير ظاهرة النقل من اتجاهات ومناهج: نحوية و بلاغية ودلالية فهي ظاهرة تدل على نظام العربية المبني على تعلق العربية بعضها برقاب بعض وحمل بعضها على بعض في نظامها الكلي وأنظمتها الفرعية: النحوية والصرفية والبلاغية والدلالية.

التوافق السياقي والتخالف:

 بابٌ واسعٌ يشمل الظواهر السابقة ولاسيما الحمل على المعنى الذي يعدّ منه، والتناوب والتضمين وغيرها. ونقصد به: الانسجام والتوافق الذي يقوم عليه صحة التركيب بارتباط بعضه ببعض ومطابقته من حيث (الجنس والعدد والنوع).

الدالة على الشخص: (التكلم والخطاب والغيبة)، في الإسناد وعود الضمير من حيث التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع، والتعريف والتنكير وغيرها والأصل هو المطابقة التامة بين عناصر الجملة (لفظاً ومعنىً) وهو شرط لتأدية المعنى(131).

 وهي أهم ظاهرة في اسلوب القرآن الكريم ونظام العربية لتأدية معانٍ دقيقة وأسرار بيانية تدل على الإعجاز القرآني، وقد وردت كثيراً في النصّ القرآني.

 وهي واضحة للمتخصص وغير المتخصص ذلك انها تخالف المنطق العقلي والمعايير اللغوية والعقلية، لذلك طعن فيها أعداء الإسلام إذ كانت مدار الدراسات اللغوية والقرآنية لدى المتقدمين الذين نسبوها الى طرائق العرب ومجازاتهم في الكلام. وهي ظاهرة خاصة باسلوب القرآن أراد الله تعالى بها أن القرآن والشريعة الإسلامية لا تقوم على ما تقوم عليه أكثر الديانات القديمة والفلسفات القائمة على مقياس المنطق العقلي التي هي جزء من دياناتهم، لاختلافها من عصر لآخر ومن امة الى أخرى لكنها لا تتقاطع مع نظام العربية والنظام القرآني في لغته وإنما هي جزء منه تؤدي معاني دقيقة سامية معجزة.

التذكير والتأنيث:

 وهي قضية فيها مشكل تناولها الفلاسفة وصنّف اللغويون العرب فيها مصنفات لضبط المؤنثات السماعية ذلك إن الأسماء على ضربين من حيث التذكير والتأنيث: ما يستحق بالطبع كالحيوان والإنسان ويعرف بالمعاينة، وما استحق بالوضع او الاصطلاح لعدم وجود أعضاء تذكير وتأنيث كالجمادات والمعاني"(132) لكنهم تناولوه ألفاظاً لا تراكيب او في داخل السياق.

 قال الانباري: "ليس يجري أمر المذكر والمؤنث على قياس مطرّد ولا لهما باب يحصرهما كما يرى بعض الناس" لأنهم قالوا إن علامات المؤنث ثلاث: الهاء والألف الممدودة والمقصورة. وهذه العلامات بعينها موجودة في المذكر نحو: نسابة، همزة، ثلاثاء، فقهاء، كمثرى،... وفي المؤنث ما ليس به منها نحو: هند، دعد، أتان، عنز، كتف، يد، ساق... وما يؤنث سماعاً ولم يوجد فيه علامة نحو: ملح، نار، دلو، قوس ومما يذَكّر ويؤَنّث: السماء، سلطان، طريق، سبيل، الحال، الهدى، الضحى... وغيرها ثم قال: "فلهذه العلة قلنا انّه ليس يجب الاشتغال بطلب علامة تميز المؤنث من المذكر إذ كانا غير منقاسين، وإنما يعمل فيهما على الرواية" ثم ساق ما سمع فيه التذكير من المشكل مبوباً على نسق المعجم(133).

 فالعلامات غير قاطعة في التميز بين المذكر و مؤنث، وقد ذكر أبو بكر الانباري خمس عشرة علامة منها: تاء أخت والألف والتاء والنون والكسرة و تاء الفاعل والياء في هذي وغيرها(134).

 قال ابن التستري: "إذا أتاك ما لا تعرف أمذكر هو أم مؤنث وكان مما يستحق التذكير والتأنيث بالطبع فاكتبه بالتذكير فانه الأصل، وإذا أتاك من ذلك ما تذكيره وتأنيثه بالوضع لا بالطبع فاكتبه على التأنيث لأنه أصل..."(135) ومنه لا يأخذ إلا بالسماع ولا يحكمها القياس(136).

 قال ابن جني: "وتذكير المؤنث واسع جداً لأنه ردّ فرع الى أصل، لكن تأنيث المذكر أذهب في التنكير والإغراب"(137) نحو (ذهب بعض أصابعه) لان بعض الأصابع اصبعاً.

ويدخل في هذا الباب الإفراد والجمع والخطابات والحمل على المعنى والتضمين.

 ويبدو هذه القضية أثيرت بسبب الاستعمال القرآني لها من خلال العدول عن القياس العقلي فيها، فلجأوا الى التأويل والقول بالحقيقة والمجاز والعاقل وغير العاقل(138) ذلك انهم لا سبيل لهم الى ردّها.

وكان الخليل رحمه الله يُفسر ذلك في ضوء نظام العربية على منهجه، قال سيبويه "زعم الخليل رحمه الله إن) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ((المزمل:18)، كقولك (مُرضع) للتي بها الرضاع، وإما المنفطرة فيجيء على العمل كقولك: فشقّةٌ، وكقولك، مرضعة للتي ترضع. وأما) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ((يّـس:40) و) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ((يوسف:4)، و) يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ((النمل: 18)، فزعم انه بمنزلة ما يعقل ويسمع، لما ذكرهم بالسجود، وصار النمل بتلك المنزلة حيث حدّثت عنه كما تحدّث عن الأناسيّ. وكذلك (في فلك يسبحون) لأنها جُعلت في طامتها"(139).

 يرى النحاة التذكير هو الأصل والتأنيث فرع عليه لذا احتاج الى علامات ووضعوا قواعد لما يطّرد منه(140)، نحو واجب التأنيث نوعان:

1- المختوم بالإلف والتاء سواء كان مفرده مؤنثاً نحو شجرة شجرات أو مذكراً كاصطبلات ودريهمات، أو جائز التذكير والتأنيث كحمامات.

2- جمع التكسير لغير العقلاء، سواء كان مفرده مؤنثاً كجواهر أو مذكراً كرماح.

- جائز التذكير والتأنيث نوعان:

1- جمع التكسير للعقلاء سواء كان مفرداً مذكراً او مؤنثاً كأنبياء وثواكل.

2- اسم الجنس الجمعي: التمر والبقر وتميم... قال تعالى: (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ((القمر:20)، و) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ((قّ:10) (141).

 ان التأنيث للاسم وليس للفعل لذا احتاج العلامة عندما يكون الفاعل مؤنثاً نحو: قامت هند(142).

 وقسموه على نوعين حقيقي كانسان وحيوان ومجازي كشجرة ودار. ويقسم من حيث العلامة: لفظي كحمزة وطلحة ومعنوي كسعاد وعين وبئر...

 اما البيانيون فعدّوا المخالفة فيهما من الحمل على المعنى(143) كتذكير المؤنث وتأنيث المذكر كقولهم: (ثلاثة أنفس) والنفس مؤنثة لأنهم حملوا معنى الإنسان(144). قال تعالى: (فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ((الأنعام:78)، أي هذا الشخص المرئي. ويرى أبو حيان ذلك لغة قليلة.

 وقوله تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ((البقرة: 275)، لان الوعظ والموعظة واحدة(145)، و) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ((المزمل:18)، حمل على السقف(146)، (إنّ رحمت الله قريب من المحسنين) أريد بالرحمة هاهنا المطر بدليل قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ((الفرقان:48)، وقوله تعالى: (وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ((البقرة:135)، حمل (ملة) على (دين).

 وثمة آراء مختلفة في تخريج ذلك كمراعاة الفاصلة او مناسبة الخبر، أو تخريجها على أنها لغات قليلة.

 ومنهم مَن عدّها ضرورة – في غير لغة القرآن-(147)، وثمة طريقة للبيانيين تسمى (علل الاختيار) يستنبطون معاني دقيقة منها وأسرارا بيانية(148). والشواهد على تذكير المؤنث وتأنيث المذكر في اسلوب القرآن كثيرة منها:

قال تعالى: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ((الشعراء:4)، أوّلَ المبرد الأعناق بالرؤساء فعلى الأصل(149).

 وقال الزجاج: " أخبر عن المضاف والمضاف إليه وهو (هم) في أعناقهم، وليس عن الأعناق، ولو كان كذلك للزم ان يقال: خاضعين خبر عن المضاف، لأن الأعناق بمعنى الرؤساء ويكون خبراً من مضاف محذوف تقديره: أصحاب أعناقهم"(150).

-(وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ((هود:67)، قد يكون محمولاً على جمع (الصياح) لشدّة الصيحة.

-(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً ((الفرقان:49)، على معنى البلد (151).

-(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ((الزخرف:11)، محمول على معنى البلد(152).

-(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ((التوبة: 5)

-(خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *.... كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ)

(القمر: 7، 9)، خرّجوا (خشعاً) على لغة (أكلوني البراغيث)، و(كذّبت) تكذيب قوم بعد قوم.

-(فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ ((الأنعام: 157).

-(أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا)(سورة الأنعام: 158).

-(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ((يوسف:30)، لم تلحق تاء التأنيث لأنه جمع تكسير المؤنث ويجوز فيه الوجهان(153).

-(وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ((لأعراف:87)، قد يكون محمولاً على معنى الجمع (أفراد الطائفة).

-(قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ((سورة الأعراف: 203)، قدّروا (هذا القرآن بصائر).

-(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ((سورة الأحزاب:9)، قد يكون محمولاً على معنى (الملائكة):.

-(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ((سورة الشورى:30)

-(أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ((سورة الممتحنة: 12).

-(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)(سورة المائدة: 5)

-(يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ((سورة الأحزاب:63)، على تقدير (شيئاً قريباً) في معنى اليوم او في زمان قريب. وقد علل المفسرون والنحاة أكثر هذه الشواهد من باب الحمل على المعنى أي حمل التذكير على معنى التأنيث والعكس لتوسع المعنى، وهي من الظواهر التي تشير الى نظام العربية وان بدت الشواهد خارجة عن القياس المنطقي ومنهم من لجأ الى تقدير محذوف ينسجم مع دلالة الجنس في الآية. والى تأويلات مختلفة بحسب شواهد التذكير والتأنيث(154).

الإفراد والتثنية والجمع:

 بحثوا ذلك في الحمل على المعنى وموضوع مخاطبات القرآن الكريم(155)، وهو موضوع واسع تشترك شواهده مع الظواهر اللغوية السابقة والأصل أن يدل المفرد على المفرد والمثنى على المثنى والجمع على الجمع حقيقة ولا يخرج عن الأصل إلا بقرينة كمجيء المفرد بمعنى المثنى والجمع وتقليباتها التسعة، وهي قسمة منطقية ذلك أن بعض الأقسام لم يرد فيها شاهد قرآني كالمفرد بمعنى المثنى.

 أما الجمع بمعنى المفرد والعكس فمن خلال التصور أن له اجزاءً فتجمع للشيء الواحد أو لفظها مفرد ومعناها جمع، او جمع الشيء بما حوله من الامكان، وفي غيرها، ووضعه موضع الأشخاص او جمع التكسير بمعنى الواحد، او إفراد الضمير على معنى الجمع او الجنس(156).

 والمفرد المضاف الى الجمع تكسبه الإضافة جمعاً كما يكتسب المضاف من المضاف إليه معنى التثنية والتذكير والتأنيث كقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ((سورة سبأ:15)، والمفرد المضاف الى غير الجمـع

-(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ((سورة النحل: 18)

-(هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ((سورة الحج:19)، على معنى جمعين او فوجين لان الاثنين جميع، وهذا بمنزلة قول الاثنين، قال الله

 عزّ وجلّ ثناؤه: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ((سورة صّ: 21-22).

-(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ((سورة الحجرات9)، حمل على المعنى فجمع الضمير العائد على (الطائفتين) لان الطائفة تفيد الجمع، ولو قال: اقتتلا جاز.

-(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ((سورة فصلت 11)(157).

وخطاب الاثنين بلفظ الواحد كقوله تعالى: (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ((سورة طه 49)، أي ويا هارون وفيه وجهان: انه أفرده بالنداء لإدلاله عليه بالتربية، و لأنه صاحب الرسالة، والآيات وهارون تبع له(158). ومثله:

-(فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ((سورة طه 117)، إفراده بالشقاء لأنه المخاطب أولاً والمقصودفي الكلام وقيل: لأن الله تعالى جعل الشقاء في معيشة الدنيا في جانب الرجال وقيل: إغضاء عن ذكر المرأة، كما قيل: من الكرم ستر الحرم(159).

- خطاب الواحد بلفظ الاثنين كقوله تعالى: (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ((سورة ق: 24) المراد: (مالك) خازن النار، وقال الفراء: الخطاب لخزنة النار والزبانية. وأصل ذلك أن الرفقة أدنى ان تكون ثلاثة، ألا ترى أن الشعراء يقولون: يا صاحبيّ ويا خليليّ وهذا من سنن العرب في مخاطباتها وشعرها والقرآن نزل بلغة العرب(160).

ومن التفسيرات: الحمل على معنى الجمع للمفرد لأنه قد يكون معناه جمعاً ولفظه مفرداً نحو قولهم: (لكثرة ما فيه من أجزاء) نحو قوله تعالى: (هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ((سورة الاعراف:303} و) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ((سورة الشعراء: 77) يكون للمفرد والجمع(161). و)إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ((سورة التحريم: 4).

 ومنها: تأثير السياق والموسيقى في استبدال صيغة بأخرى(162) كالفاصلة نحو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ((سورة الفرقان: 74}، انسجاماً مع الفاصلة قبلها. وأما لان المعنى: واجعل كل واحدٍ إماماَ(163)، وخلطوا هذا النوع بالالتفات و وجوه الخطاب في النص القرآني وذكروا أكثر من أربعين نوعاً مختلفاً متداخلاً منها: خطاب الجمع بلفظ الواحد وعكسه، وبلفظ الاثنين وعكسه، والاثنين بلفظ الجمع وعكسه. قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ((سورة البقرة:43) فهو موضوع عام، تدخل فيها الخلافات بحسب الآراء في التفسير والمنهج وليس عدولاً واضحاً.

 منه خطاب الواحد بلفظ الجمع، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ((سورة المؤمنون: 99) أي أرجعني، وإنما خاطب المعظم بذلك، وقيل: (رب) استغاثة، و (ارجعون) خطاب للملائكة فيكون التفاتاً او جمعاً لتكرار القول.

 ومن تفسيراتهم: ما سميّ بعلل الاختيار كالموازنة بين قوله تعالى في سورة الشعراء (آية16): (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ )، لم يثنِ كما في سورة طه (آية 47): (فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ )، إما لأنه مصدر بمعنى الرسالة فجاز ان يقع مفرداً خبراً لمفرد فما فوقه، وأما لكونهما ذوي شريعة واحدة فكأنهما رسول واحد، وأريد بقوله (إنّا) أي كل واحد منّا رسول(164).

 ومنها بحسب تفسيراتهم وحدودهم العقلية وعلمهم الدنيوي نحو قولهم في الآية الكريمة: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ((سورة الرحمن: 22) قالوا: ذكر المثنى وإرادة الواحد لأنه يخرج من أحداهما. و) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ((سورة النحل: 14) قالوا: الحلية تخرج من الملح،) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً ((سورة نوح: 16)، أي إحداهن(165) وغير ذلك من تفسيرات بحسب الطاقة العقلية وما توصل إليه العلم في العصور المختلفة وهي تفسيرات محدودة فيقولون بمدلولات ليست حقيقية، ذلك ان الله اعلم بمراده ناهيك عن اختلافاتهم بحسب ثقافاتهم وفهمهم للنّص كقول الفراء في قوله تعالى: (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ((سورة ق: 24)، قيل هو خطاب للملك، وقال المبرد: ثناه على (ألقِ) والمعنى ألقِ ألقِ. وخالفه أبو اسحق الزجاج وقال: بل هو مخاطبة للملكين(166).

 ويرى د. ابراهيم السامرائي إنها مواد تاريخية احتفظت بها لغة القرآن قبل تطورها الى هذا الشكل، ودعا إلى نحو جديد يقوم على عربية معاصرة لا اللغة العربية القديمة المهجورة، وميزه عن النحو التاريخي القديم الذي اندرست كثير من مواده(167).

ومنه ما أطلقوا عليه: إطلاق الشيء والمراد غيره

-(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ((سورة النمل: 35)، قالوا: الرسول كان واحداً والدليل قوله تعالى: (ارجع إليهم) فعدّوه من إطلاق الجمع وإرادة الواحد.

- وقوله تعالى: (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ ((سورة الملك: 4} قالوا: المراد: كرات فهو من إطلاق لفظ التثنية والمراد الجمع.

 ومنه ما يعدّوه عدولاً عن القياس النحوي بحسب الصنعة النحوية كقوله تعالى:-(لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ((سورة الانبياء: 3)(168)، ذلك ان الصنعة النحوية توجب إفراد الفعل: (أسرَّ).

* قسم اللغة العربية – كلية التربية للبنات

جامعة بغداد

[email protected]

.................................................

(1) البحث البلاغي عند العرب 9.

(2) موجز البلاغة، الطاهر بن عاشور 3.

(3) البرهان في وجوه البيان 163.

(4) ينظر: تاريخ النقد الأدبي، د. احسان عباس 102، ودلالة الاعراب 206-238.

(5) ينظر: نحو المعاني 5-7 وأثر النحاة في البحث البلاغي 10، والتراكيب النحوية، لاشين 5، ودراسات في اللغة والنحو 67.

(6) ينظر: المثل السائر 1/ 287، وينظر:النقد اللغوي، عزاوي 170، وتأملات في اللغة والنحو 9.

(7) المثل السائر 4/243.

(8) الفلك الدائر، ضمن كتاب (المثل السائر) 4/239.

(9) البرهان في علوم القرآن 1/ 124.

(10) علوم البلاغة، المراغي 140.

(11) الاصول 314.

(12) ينظر: سر الفصاحة 87، 97 والفلك الدائر 4/ 39.

(13) ينظر: الجامع الكبير 7-12.

(14) دلائل الإعجاز 55.

(15) أسرار البلاغة 50 وينظر: دلائل الإعجاز 5، 21، 46. والتراكيب النحوية، لاشين 4-5، وعلم المعاني – طبل 29.

(16) الأصول 350 وتنظر تفصيلات اخرى ص 139، 143-145 واللغة العربية مبناها ومعناها 190- 230، واللغة العربية والحداثة 135-138 والبيان في روائع القرآن 1/229.

(17) البيان في روائع القرآن 1/ 12- 13، واللغة العربية مبناها ومعناها 297.

(18) ينظر: البيان 2/77-96، 1/249 واللغة العربية والحداثة 139-142.

(19) البيان 2/ 76.

(20) نفسه 2/77.

(21) ينظر: اللغة بين المعيارية والوصفية 97، 336، 339.

(22) ينظر: ابو البركات الانباري في كتابه الانصاف، د. محي الدين توفيق 97، والانصاف والخلاف النحوي، د. محمد خير الحلواني 37.

(23) ينظر: اللغة العربية معناها ومبناها 342، 345.

(24) المصدر نفسه 252-342.

(25) الخصائص 1/38، والاشباه والنظائر 1/ 63، معجم الصطلحات البلاغية 243، واثر النحاة في البحث البلاغي 61.

(26) اللغة العربية معناها ومبناها 252، 343.

(27) ينظر: ابن جني النحوي 330.

(28) ينظر: الانصاف م 14 ص 112.

(29) استصحاب الحال بين اصول الفقه واصول النحو 330.

(30) الاستصحاب 3، 86، 88.

(31) الاعراب في جدل الاعراب 46 و لمع الادلة 142.

(32) ارشاد الفحول 237 والمستصفى من علم اصول الفقه 223، واستصحاب الحال بين اصول الفقه واصول النحو 335.

(33) الاستصحاب 9، 29، 7، 61، 86، 88، 134، 168.

(34) الاشباه والنظائر 1/ 53، 56.

(35) الانصاف م 40 ص/ 30 والتبيان 1/ 313 والاقتراح 113.

(36) ينظر: علوم البلاغة، المراغي 140.

(37) ينظر: البرهان الكاشف عن اعجاز القرآن (مقدمة التحقيق) 9-11 والبحث البلاغي عند العرب 55-69.

38 - ينظر: الاصول 312، ومناهج واراء في لغة القرآن 15 ومناهج تجديد، أمين الخولي 149، والبلاغة الاصطلاحية، د. عبد العزيزقلقيلة، والبلاغة الاسلوبية 190-195، والإعجاز البلاغي 44.

39 - ينظر: الإعجاز البلاغي 44.

40 - ينظر: البيان والتبيين 1/ 51 والعمدة 2/93 وتحرير التحبير 254.

41 - في معجميه: معجم المصطلحات البلاغية، ومعجم النقد الادبي.

42 - ينظر: العمدة 1/171 والجامع الكبير 23 والاتقان 2/ 40.

(43) التراكيب النحوية، لاشين 92.

(44) دلائل الإعجاز 203.

(45) ينظر: الحمل على المعني في العربية 2-7، والحمل على النقيض في الاستعمال العربي 343.

(46) الخصائص 1/112.

(47) المصدر نفسه2/360.

(48) ما يجوز للشاعر من ضرورة 360.

(49) الباب الثامن 2/ 475.

(50) مغني اللبيب 2/481، وينظر ص 483، 489-417.

(51) ينظر: المخطط: 30.

(52) ينظر: بنية اللغة الشعرية 7.

(53) نظرية اللغة في النقد 27

(54) ينظر: الزينة 71-81، 147، والبيان والتبيين 3/ 290 والصاحبي 3125 واعلام الهداية 7/224، والدراسات اللغوية عند العرب، آل ياسين 364، والجانب الروحي في اللغة العربية 12.

(55) ينظر: اهداف الاعراب وصلته بالعلوم الشرعية والعربية، د. عبد القادر السعدي ص371.

(56) من القرآن الى الفلسفة، جاك لاتقاد.

(57) مذاهب التفسير الإسلامي، جولد تسيير 4. والغريب ان المترجم شبّه ذلك باختلاف القراءات القرآنية.

(58) ينظر: القرآن وعلم القراءة 101. والجانب الروحي في اللغة العربية 37.

(59) ينظر: مجاز القرآن1/7، والحيوان 5/32، والصاحبي 29، 96، والخصائص 2/262، وفقه اللغة للثعالبي 36، والمثل السائر 2/171 والجامع الكبير 98، 105، 171 والفلك الدائر 4/ 119-212 ومغني البيب 2/ 475، والمزهر 1/33.

(60) الخصائص 2/311، 138، 372، 413 وسر صناعة الاعراب 1/13 والتنبيه 1/340 والمحتسب 1/145.

(61) الخصائص 1/340.

(62) المصدر نفسه 2/30.

(63) الانصاف 2/777.

(64) ينظر: المقتضب 1/28 والمرضي 2/55 والبرهان للزركشي 3/377 والاشباه والنظائر 1/64.

(65) الجامع الكبير 106.

(66) ينظر: الجملة العربية والمعنى 109-134، وحيوية اللغة 311، 319-323، والحمل على المعنى في العربية 41، والتأويل النحوي 2/1259.

(67) الحمل على المعنى في العربية 13.

(68) المصدر نفسه.

(69) ينظر: المحتسب 2/228 والكشاف 2/71 وابن يعيش 4/14 ودراسات لاسلوب القرآن 3/253-274، ذكر شواهد الحمل على المعنى جميعها في القرآن الكريم وقراءاته.

(70) ينظر: التفصيل والشواهد: الحمل على المعنى في العربية 79-106.

(71) ينظر: دراسات لأسلوب القرآن 3/253-274.

(72) كتاب سيبويه 1/ 285 والمقتضب 2/111، والاصول 2/60، والانصاف 1/ 86.

(73) كتاب سيبويه 3/100-101.

(74) الحمل على المعنى في العربية 7، 19 والتأويل النحوي 2/ 1215 وما بعدها.

(75) ينظر: معاني الفراء 1/46 والمحتسب 2/13 وشرح ابن يعيش 6/67.

(76) ينظر التفضيلات: الحمل على المعنى 67-86.

(77) التأويل النحوي 2/ 1216، 1170-1191.

(78) تناوب حروف الجر في لغة القرآن الكريم 5.

(79) الجنى الداني 109.

(80) ينظر تفصيل ذلك: تناوب حروف الجر 9.

(81) ينظر: تأويل مشكل القرآن 567، والخصائص 2/ 313 والبحر المحيط 6/ 261 وشرح الاشموني 2/ 292.

(82) مغني اللبيب 2/ 493 وشرح التصريح 1/ 346 والنحو الوافي 2/ 463.

(83) الاشباه والنظائر 1/ 101 والتأويل النحوي 2/ 1245.

(84) تناوب حروف الجر 51.

(85) البحر المحيط 9/92.

(86) البحر المحيط 10/372.

(87) البرهان 3/ 338-413.

(88) الأشباه والنظائر 1/ 100.

(89) الجنى الداني 46 ومغني اللبيب 1/111.

(90) النحو الوافي 2/ 414.

(91) النيابة النحوية 74 وتناوب حروف الجر 5-7.

(92) تناوب حروف الجر 19.

(93) دراسات في فقه اللغة 28.

(94) الخصائص 2/ 308 وينظر: الجنى الداني 388.

(95) الخصائص 2/310.

(96) تناوب حروف الجر 58.

(97) تناوب حروف الجر /8.

(98) نفسه 58-62 وينظر: لسان العرب (شرب).

(99) نفسه 63-75.

(100) تناوب حروف الجر 67-76.

(101) البحر المحيط 10/361 ولسان العرب 11/ 17.

(102) من وحي القرآن 106-117

(103) من بديع لغة التنزيل 302.

(104) النحو الوافي 2/ 443 وتناوب حروف الجر 53.

(105) معاني الفراء 3/ 215 وتأويل مشكل القرآن 48 والكشاف 1164، والمفردات للراغب 77 والتفسير الكبير 30/ 241،وشرح الرضي 4/281، والبحر المحيط 8/ 515 وحاشية الشهاب 8/ 288، وتفسير ابي السعود 9/ 381، والتحرير والتنوير 29/ 381.

(106) وضع الأسماء والأفعال في غير مواضعها، د. كريم حسين ناصح 12.

(107) البيان في روائع القرآن 2/181.

(108) نفسه 2/119.

(109) التأويل النحوي 2/1477، 1437.

(110) النيابة النحوية، د. هادي نهر 3.

(111) التعريف والتنكير بين الدلالة والشكل 177.

(112) بلاغة الكلمة 33.

(113) معجم المصطلحات البلاغية 3/ 360.

(114) تأويل مشكل القرآن 275.

(115) الفوائد المشوقه 32-36.

(116) الصاحبي 236 والمزهر 1/337.

(117) اللغة العربية والحداثة 139.

(118) البيان في روائع القرآن 1/13.

(119) ينظر: البرهان، الزركشي 1/208، 2/285-290 والدر، الزمخشري 222 والأشباه والنظائر 2/304-320 وازاهير الفصحى 362-370، وضع الأسماء والأفعال في غير موضعها 12 والبيان في روائع القرآن 1/ 51، ودراسات لأسلوب القرآن 12/471 والتأويل النحوي 2/471.

(120) البرهان، الزركشي 3/ 347 والبحر المحيط 5/ 474 وتفسير ابي السعود 89 وعلل الاختيار 100.

(121) البرهان، الزركشي 3/ 347.

(122) الكشاف: 294.

(123) البرهان 3/ 347-351.

(124) وضع الأسماء والأفعال في غير مواضعه 11.

(125) الإعجاز الصرفي في القرآن الكريم 5.

(126) المصدر نفسه 11، 50.

(127) ينظر: سيبويه 2/ 219، 241 والخصائص 2/ 153 والمثل السائر 2/ 241، وشرح الرضى 1/ 66.

(128) ينظر: الخصائص 2/ 155، والمزهر 1/ 330، 347.

(129) الإعجاز الصرفي 8.

(130) نفسه 7.

(131) ينظر: التطريز النحوي 119، 133 والبيان في روائع القرآن 1/ 235، 2/ 98 والبلاغة الاسلوبية 204.

(132) المذكر والمؤنث، ابن التستري 26.

(133) المذكر والمؤنث، الانباري 47-56.

(134) ينظر: المذكر والمؤنث 166-173.

(135) مذكر والمؤنث، ابن التستري 28.

(136) ينظر: البرهان، ابن وهب 329.

(137) الخصائص 2/ 417.

(138) الخصائص 2/ 417.

(139) الكتاب 2/ 47.

(140) ينظر: المصدر نفسه 2/22 و الخصائص 3/ 242 والمخصص 16/ 75 والمذكر والمؤنث، ابن التستري 28 وابن يعيش 6/ 96.

(141) أزاهير الفصحى 168.

(142) الخصائص 3/ 44 وشرح الجمل 2/ 369، ابن يعيش 6/ 299.

(143) الصاحبي 253 والجامع الكبير 106.

(144) الصاحبي 253.

(145) الخصائص 2/ 413.

(146) الكتاب 1/ 47 والصاحبي 254.

(147) ينظر: ما يحتمل الشعر من ضرورة، السيرافي 255 والكامل 2/141.

(148) ينظر: علل الاختيار في تفسير البحر المحيط 121-226.

(149) ما يحتمل الشعر، السيرافي 260.

(150) إعراب القرآن 2/741.

(151) الكشاف: 748.

(152) الصاحبي 254 والكشاف 748.

(153) البحر المحيط 6/266.

(154) ينظر كتاب سيبويه 2/21، 39، 47، 3/ 325، 562، وإعراب القرآن المنسوج للزجاج 2/ 612، وأمالي ابن الشجري 2/55، والكشاف 373، 401، 424، 748، 490، 865، والأشباه والنظائر 3/ 97، وتحفة الطالبين لابن طولون، المورد مج 17 ع4 سنة 88، ص 19، والبيان في روائع البيان 1/ 286 وقضايا التقدير النحوي 233، 260.

(155) البرهان، الزركشي 2/ 217 ومعترك الاقران 1/ 229 والاتقان 3/102.

(156) الصاحبي 213 وفقه اللغة 214 والبحر المحيط 5/19.

(157) ينظر: الكتاب 2/ 48 ومعاني الفراء 2/ 220، 3/ 71، والكشاف: 965.

(158) الاتقان 3/ 102.

(159) المصدر نفسه 3/102.

(160) البرهان 2/ 417 والصاحبي 219، 210.

(161) البحر المحيط 8/164.

(162) السياق الموسيقي للجملة العربية وأثره في بنائها، مجلة آداب المستنصرية ع4 سنة 1979 ص 49.

(163) البحر المحيط 8/134، وتفسير ابي السعود 6/231 وعلل الاختيار 123.

(164) البحر المحيط 8/145 وعلل الاختيار في تفسير البحر المحيط 119.

(165) ينظر: البرهان 3/3.

(166) البرهان 3/ 24.

(167) النحو العربي في مواجهة العصر 199-217.

(168) لمزيد من التفصيلات والآراء والشواهد، ينظر: البرهان، للزركشي 3/ 6-8، واعراب القرآن المنسوب للزجاج 2/ 763، وبدائع الفوائد 1/ 18، والاتقان 1/ 286، وسيبويه والقراءات 216 وصفاء الكلمة 221، وبلاغة الكلمة 78.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/شباط/2010 - 7/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م