العلمانيون الحاكمون وشيوخ الفضائيات

أحمد راسم النفيس 

يقول صاحب لسان العرب: القارورة: واحدة القَوارير من الزُّجاج والعرب تسمي المرأَة القارورة وتكني عنها بها. والقارورة: حَدَقة العين، لصفائها ولأَن المتأَمّل يري شخصه فيها؛ وفي الحديث: أَن النبي- صلي الله عليه وسلم- قال لأَنْجَشةَ وهو يحْدُو بالنساء: رِفْقاً بالقَوارير؛ قيل: أَراد أَن الإِبل إِذا سمعت الحُداء أَسرعت في المشي واشتدت فأَزعجت الراكبَ فأَتعبته فنهاه عن ذلك لأَن النساء يضعفن عن شدة الحركة.

وسواء سميت المرأة قارورة لطبيعتها الرقيقة سهلة الكسر أو لأنها تشبه حدقة العين في صفائها فالمحصلة واحدة وهي أن استخدام العنف في التعامل معها أمر غير جائز.

جماعة «لا نقاب بعد اليوم»

الآن تفجرت قضية النقاب وانقسمت الآراء بين مؤيد يري أن النقاب هو رمز للعفة والطهارة ومعارض يري فيه تهديدا استراتيجيا (للأمن القومي) وأن الأمر بلغ حدا لا يجوز السكوت عليه و(لا نقاب بعد اليوم)!!.

لم نسمع أحدا من جماعة (لا نقاب بعد اليوم) يرفع عقيرته محذرا من الدور الخطير الذي تقوم به تلك القنوات الفضائية والتي يدعو بعضها إلي الإبادة الجماعية وتصفية الشيعة والعلمانيين وعن علاقة هذه الفوضي الإعلامية والأخلاقية بتمهيد الأرض لمجزرة نجع حمادي وغيرها من المجازر التي يمكن أن تحدث غدا أو بعد غد رغم أن النقاب هو مجرد منتج جانبي من منتجاتها!!.

الأمر يشبه إلي حد كبير مأساة شركات توظيف الأموال التي ترك لها العنان تسرح وتمرح ثم جري تقويضها علي حين غرة ليجد صغار المودعين أنفسهم ضحايا الفريقين المتصارعين الحكومي والأموالي من دون أن يكون لهم ناصر غير الله عز وجل!!.

الآن تتعرض المنتقبات من طالبات الجامعة لضغوط وإجراءات قاسية يتحملن عبئها بمفردهن بينما يواصل شيوخ الفضائيات نضالهم من قصورهم لإعلاء شأن النقاب, مثلما قال الشاعر العربي:

 شتان ما يومي علي كورها * ويوم حيان أخي جابر/ أرمي بها البيداء إذ هجرت * وأنت بين القرو والعاصر.

والمعني (شتان ما بين يومي وأنا في الهاجرة والرمضاء ويوم حيان وهو في سكرة الشراب ناعم البال مرفه من الأكدار والمشاق)!!.

مناضلون على الشاشة والميكرفون

هؤلاء يناضلون علي الشاشات والميكروفونات وهؤلاء يمنعن من دخول الامتحانات!!.

إنه نضال بالكلمات (مدفوع الأجر بالدولارات) دون تحمل نفقات أو أي مسئوليات!!.

أما عن دور هؤلاء الشيوخ في التحريض علي القتل والفتن فحدث ولا حرج.

ما يقوله الإعلام الصهيوني من أن (الله نصر إسرائيل علينا لأنها تطبق الشريعة اليهودية وتطبق العدل وأنها حكمت دينها في كل شيء أما المسلمون فلا).. هكذا!!.

وبينما يقول موقع عرب تايمز (رغم وجود عشرات الفضائيات العربية التي تنشر الإباحية... بين العرب وتروج التي يدين بها بن لادن.. ثلاث فضائيات فقط متهمة بالترويج للارهاب وهي المنار والاقصي والرافدين).

لماذا لم تدرج تلك الفضائيات علي لائحة القنوات الداعمة للإرهاب رغم ما تطلقه من دعوات علنية للتصفية الجسدية والإبادة الجماعية؟!.

الجواب سهل وبسيط وهو أن هذه الفضائيات تتبني نفس الخطاب الصهيوني القائم علي تحقير العرب والمسلمين وكشف عوراتهم المفترضة للدنيا وإقناعهم بأنهم ليسوا أهلا لتحقيق أي انتصار أو الصمود في أي مواجهة مع الصهاينة!!.

إنه خطاب يقوم علي نهش الذات العربية المسلمة ودفعها نحو الاستسلام باعتباره الخيار الوحيد الذي يتعين (علي أمة الفساد العربي أن تقبل به بعد أن تحولت إلي غابة من الوحوش تنتهك فيها الأعراض ولا سبيل لحمايتها إلا عبر ارتداء النقاب).

قضية النقاب إذا هي قضية متفرعة عن تسيد الرؤية المتشددة علي الساحة الفكرية لأسباب لا تخفي علي أحد ومن ثم فلا مبرر علي الإطلاق لتحميل القوارير التبعات الناجمة عن إفساح المجال لنشر هذا الفكر من دون معارضة حقيقية ومن دون أن تكون المؤسسة الدينية الرسمية قادرة علي ملء فراغ الساحة بصورة حقيقية بعيدا عن الأوهام والمجاملات والشعارات.

النقاب والتلمود

أما عن العلاقة بين النقاب والشريعة التلمودية التي يشيد بها هؤلاء الشيوخ لأن اليهود يطبقونها حسب زعمهم فالأمر يحتاج إلي تفكير وتأمل خاصة وأن العودة إلي (النصوص التوراتية) تكشف لنا عن تلك المفاجأة.

جاء في (نشيد الإنشاد) الإصحاح الرابع:

1 هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ! عَينَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ مِعْزٍ رَابِضٍ عَلَي جَبَلِ جِلْعَادَ. 2 أَسْنَانُكِ كَقَطِيعِ الْجَزَائِزِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْغَسْلِ، اللَّوَاتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مُتْئِمٌ، وَلَيسَ فِيهِنَّ عَقِيمٌ. 3 شَفَتَاكِ كَسِلْكَةٍ مِنَ الْقِرْمِزِ، وَفَمُكِ حُلْوٌ. خَدُّكِ كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ تَحْتَ نَقَابِكِ. 4 عُنُقُكِ كَبُرْجِ دَاوُدَ الْمَبْنِي لِلأَسْلِحَةِ. أَلْفُ مِجَنٍّ عُلِّقَ عَلَيهِ، كُلُّهَا أَتْرَاسُ الْجَبَابِرَةِ. 5 ثَدْياكِ كَخِشْفَتَي ظَبْيةٍ، تَوْأَمَينِ يرْعَيانِ بَينَ السَّوْسَنِ.

الأمر البديهي أن انتشار النقاب هو فرع ونتيجة من نتائج التمدد المتشدد القادم من الجزيرة العربية وليس حالة قائمة بذاتها وليس هناك منطق يبرر الاشتباك مع النتائج بدلا من معالجة الأسباب.

أيضا فإن التعامل الصادم مع القوارير المنقبات سيزيد الأمور تعقيدا وسيدفعهن لمزيد من التشبث بالنقاب بعد أن أصبح ارتداؤه رمزا للفضيلة والعفة والشرف بل ورفعا لراية الإسلام في مواجهة (العَلمانيين أعداء الدين)!!.

لو كان (العَلمانيون الحاكمون) كما يردد الشيوخ الفضائيون أعداء للتدين علي طريقتهم فلماذا منحوهم كل هذه التراخيص ولماذا منحوهم أكثر من عشرة آلاف مسجد يلقون فيها خطبهم الخشبية شبه الموحدة؟!.

هل يتعلق الأمر بتجاوز الدعاة المتشددين للخطوط التي رسمت لهم ويأتي هذا الاشتباك لإعادتهم إلي الخطوط السابقة أم أن الأمر يتعلق بمراجعة شاملة جاءت علي خلفية إدراك خطورة ترك حبل هؤلاء علي غاربهم؟!.

لو كان الأمر متعلقا بمراجعة من أي نوع يصبح الاستمرار في معركة النقاب تضييعا للوقت وتركا للحمار وضربا للبردعة!!.

أيها السادة رفقا بالقوارير ولا تحملوهن تبعات سياسات هن مجرد ضحايا لها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/شباط/2010 - 30/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م