هايتي ما بعدَ الزلزال: فساد وتنصُّل دولي وتجارة أطفال

212 ألف قتيل ومليون مشرد

 

شبكة النبأ: نددت مؤسسة مدنية في هايتي تعنى بحالات التبنّي, بتجارة الأطفال في البلاد منذ زلزال 12 كانون الثاني المدمِّر الذي خرّب أغلب البنى التحتية للبلاد. فيما أعلنت الحكومة عن اعتقال عشرة أمريكيين كانوا يحاولون نقل 33 طفلاً الى الخارج  دون أذونات أو موافقات حكومية.

ومن جهة أخرى قال شهود إن مئات من الناجين من زلزال هايتي نظّموا احتجاجاً في إحدى ضواحي العاصمة المدمَّرة بورت او برنس، متهِمين رئيسة بلدية إحدى المناطق بالفساد وتخزين الطعام الذي قدمته مجموعات الإغاثة الدولية.

وفي هذه الغضون قالت حكومة هايتي أنها قد تبدأ في نقل المشرَّدين الناجين من الزلزال إلى خارج العاصمة المدمَّرة مطلع الأسبوع المقبل لكنها ستحتاج إلى مساعدات دولية لمدة لا تقل عن خمس إلى عشر سنوات لإعادة الاعمار.

تداعيات الزلزال وتجارة الأطفال

وقالت جان برنار بيار مديرة مؤسسة الرفاه الاجتماعي التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الهايتية لوكالة فرانس برنس "علمنا من خلال وسائل الاعلام ان عددا من الاطفال غادروا البلاد من دون الحصول على موافقة من مؤسسة الرفاه الاجتماعي". لكنها اشارت في الوقت نفسه الى مغادرة مئات الاطفال بصورة قانونية.

وتحدثت عن حالة الفوضى التي تعم البلاد والتي استفاد منها البعض في تجارة الاطفال, واوضحت ان سلطات بلادها تلقت تنبيهات من منظمات مثل اليونيسف و"سايف ذي شيلدرن" عن حالات مماثلة جنوب البلاد. وقالت "التقط رجل واحد 140 طفلا. سنحقق في هذا الامر".

وحول قضية الاطفال الثلاثين الذين ضبطوا على الحدود مع الدومينيكان اكدت جان برنار بيار عدم وجود تصريح باخراجهم من البلاد.

واضافت "نحن نرتب ملفات لهؤلاء الاطفال, وبعد ذلك سيتحقق عاملونا الاجتماعيون ما اذا كانوا سرقوا او اخذوا بموافقة ذويهم".

وفي نفس السياق أعلنت هايتي عن اعتقال عشرة أمريكيين، خمسة نساء وخمسة رجال،  كانوا يحاولون نقل 33 طفلا خارج البلاد، ولم تكشف السلطات الأمنية عن أسباب التوقيف فيما استبعد مسؤول أمريكي رفيع أي مؤشرات ترجح أن الخطوة  تدخل في سياق التهريب والإتجار بالبشر.

وقال المصدر المطلع: "يبدو أن دار الأيتام التي تأويهم قد دمرت، وكانوا ينقلون الأطفال إلى منشآتهم في (جمهورية الدومنيكان) ويبدو أنهم أخفقوا في الحصول على ترخيص بالخروج من هايتي"، الجزيرة التي ضربها زلزال مدمِّر أوائل الشهر الجاري أوقع ما لا يقل عن 120 ألف قتيل. وينص قانون هايتي أن الأطفال لا يمكنهم مغادرة  البلاد بدون أذن حكومي.

وذكر المصدر أن السفارة الأمريكية في بورت أوبرينس تسعى للقاء المجموعة الموقوفة ومن بينهم ستة أمريكيين.

وقال القس كلينت هنري، من كنيسة سنترال فالي في "إيداوهو" لـCNN إن المعتقلين العشرة يعملون ضمن مجموعة أسست دارا لأيتام هايتي في الدومنيكان لإيواء الأطفال الضحايا الذين فقدوا أهاليهم جراء الزلزال المدمر في 12 يناير/كانون الثاني الجاري.

وقال إيف كريستالين، وزير الشؤون الاجتماعية في هايتي إن المجموعة الموقوفة مشتبه في التورط في مشروع تبني غير قانوني.

يُشار إلى أن هنالك مخاوف من أن عصابات الإتجار بالبشر قد يحاولون استغلال جو الفوضى والاضطرابات الذي ساد في البلاد في أعقاب الزلزال الذي ضرب الجزيرة في الثاني عشر من الشهر الجاري، وذلك لينخرطوا في عمليات تبني الأطفال بشكل غير مشروع.

وكان الأشخاص العشرة قد اعتُقلوا في مالباسي، وهي المعبر الرئيسي بين هايتي وجمهورية الدومينيكان، وذلك بعد أن كانت الشرطة قد قامت بعملية تفتيش روتيني للعربة التي كانت تقلُّهم.

استقالة المحامي الهايتي عن الأميركيين العشرة

وقدّمَ أدوين كوك المحامي الهايتي عن الاميركيين العشرة المتهمين بخطف اطفال والمحتجزين في بور او برنس، استقالته لأنه اتُهم بأنه حاول رشوة القاضي للحصول على الافراج عن موكليه، كما اعلن لوكالة فرانس برس.

واوضح المحامي "ان اهالي هؤلاء الاميركيين لم يجددوا التزامهم حيالي". واضاف في لهجة احتجاجية "ليس فقط انهم لم يدفعوا لي اي شيء حتى الان، لكنهم سمحوا لانفسهم بتشويه سمعتي عندما قالوا اني طلبت منهم اموالا لكي ارشي القاضي".

والمحامي ادوين كوك مكلف بملف الاميركيين العشرة منذ اعتقالهم في 29 كانون الثاني/يناير على حدود جمهورية الدومينيكان مع 33 طفلا من دون اوراق ثبوتية.

واتهموا ب"خطف قاصرين" و"المشاركة في عصابة لصوص". وكان كوك قدّمَ  طلبا للافراج المشروط عنهم وهو ما رفضه القاضي بعد استماعه مطولا إلى المجموعة.

واكد المحامي لوكالة فرانس برس أن عائلات هؤلاء الأميركيين المنحدرين من ديلاوير (شرق الولايات المتحدة) تعهدوا بان يدفعوا له 60 الف دولار كأتعاب محاماة، على ان يدفعوا قسما منها اعتبارا من الآن. وتحدث عن "سوء تفاهم".

تنديد بالفساد وتخزين المساعدات الغذائية

وقال شهود إن مئات من الناجين من زلزال هايتي نظموا احتجاجا في احدى ضواحي العاصمة المدمرة بورت او برنس متهمين رئيسة بلدية احدى المناطق بالفساد وتخزين الطعام الذي قدمته مجموعات الاغاثة.

وكان الاحتجاج الذي شهدته منطقة بيتونفيلي في بورت او برنس واحدا من اكبر الاحتجاجات منذ الزلزال الذي وقع في 12 يناير كانون الاول وقتل اكثر من 200 الف شخص وشرد اكثر من مليون اخرين. ويعكس الاحتجاج الغضب الذي مازال يجيش في صدور الناجين ازاء مشكلات في جهود الاغاثة الدولية الضخمة.

ونقلت وكالات اغاثة من شتى انحاء العالم اطنانا من الارز والمواد الغذائية الاخرى الى هايتي ولكن عمليات التوزيع على الجوعى والمشردين بطيئة ويشوبها الفوضى احيانا.

واتجه المحتجون وهم يقرعون على دلاء من البلاستيك ويلوحون بسعف النخيل الى قاعة مجلس المدينة في بيتونفيلي حيث تخزن رئيسة البلدية المتهمة لايدي بيرنت المساعدات.

وقال محتج "انني جائع واتضور جوعا. وليدي بيرنت تحتفظ بالارز ولا تعطينا شيئا."ولم يتسن الاتصال ببيرنت فورا للتعليق على ذلك.

وكان معظم المحتجين من النساء. وتوزع وكالات الاغاثة الطعام على النساء لمنع الرجال من السيطرة على اماكن التوزيع ولانها ترى ان من المرجح بشكل اكبر ان تتقاسم النساء الطعام مع الاطفال والاقارب.

خطط التعافي من الزلزال

قالت حكومة هايتي انها قد تبدأ في نقل المشردين الناجين من الزلزال الى خارج العاصمة المدمرة مطلع الاسبوع المقبل لكنها ستحتاج الى مساعدات دولية لمدة لا تقل عن خمس الى عشر سنوات لاعادة الاعمار.

وناشد رئيس وزراء هايتي جان ماكس بيلريف الدول المانحة تقديم دعم طويل الاجل لبلاده وقال لهم ان شعبه "نزف الدماء واستشهد وتعرض للخراب" جراء الزلزال الذي ضرب البلاد يوم 12 يناير كانون الثاني وأسفر عن مقتل ما يصل الى مئتي ألف شخص وخلف مئات الالاف من المصابين والمشردين.

ووجه بيلريف الشكر للمجتمع الدولي على المساعدات التي قدمها حتى الان لكنه قال ان هناك حاجة "للمزيد والمزيد والمزيد" من المساعدات لاعادة اعمار الدولة الضعيفة الواقعة في منطقة الكاريبي وهي أفقر دولة في نصف الكرة الارضية الغربي حتى قبل وقوع الزلزال.وقال "ما نتطلع اليه هو التزام طويل الاجل...على الاقل خمس الى عشر سنوات."

وبينما تحولت عمليات الاغاثة الضخمة في هايتي من مرحلة الانقاذ الى مرحلة التعافي تحاول السلطات نقل ما لا يقل عن 400 ألف ناج يقيمون حاليا في أكثر من 400 مخيم مؤقت مترامية الاطراف في جميع انحاء العاصمة بورت أو برنس الى قرى مؤقتة من الخيام خارج المدينة المدمرة.

وقالت وزيرة الاتصالات ماري لورانس جوسلين لاسيجو "يجب أن نخلي الشوارع وأن ننقل الناس." وأضافت "نأمل في أن نكون قادرين على البدء في نهاية الاسبوع."

وقال وزير الصحة الكس لارسن ان مليون شخص من ابناء هايتي شردوا في منطقة بورت او برنس. ولدى الحكومة خيام تكفي 400 ألف شخص سوف تستخدم في المستوطنات المؤقتة الجديدة لكنها ستحتاج للمزيد.

وقال بيلريف ان الرئيس رينيه بريفال دعاه لمطالبة الدول المانحة بتوفير مئتي ألف خيمة اضافية. وتشارك وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ورئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر ووزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر وممثلون من عشر دول أخرى في مؤتمر مونتريال للدول المانحة.

وقرر المشاركون عقد مؤتمر دولي للمانحين في مقر الامم المتحدة في نيويورك في مارس اذار المقبل.

وقالت كلينتون في المؤتمر الصحفي الختامي "نعتقد بالفعل أنها لفكرة جديدة أن نجري تقييم للاحتياجات أولا ثم التخطيط ثم التعهدات."

وقال بيلريف "في غضون ثلاثين ثانية خسرت هايتي 60 بالمئة من ناتجها المحلي الاجمالي" وذلك في اشارة الى تركز الانشطة التجارية والسكان في العاصمة. وتابع "لذا يتعين علينا أن نتحول الى اللا مركزية."

وبعد ما يقرب من أسبوعين من وقوع الزلزال الذي بلغ سبع درجات على مقياس ريختر وأسفر عن ازالة مناطق في العاصمة ومدن أخرى تسعى عمليات الاغاثة الدولية الضخمة التي تقودها الولايات المتحدة لاطعام وتسكين ورعاية مئات الالاف من الناجين الجوعى والمشردين وأغلبهم مصابون.

212 ألف قتيل ومليون مشرد

وارتفع عدد ضحايا الزلزال الهائل الذي ضرب هايتي في الثاني عشر من يناير/كانون الثاني الماضي وبلغت قوته 7.0 درجة بحسب مقياس ريختر، إلى 212 ألف قتيل، وفقاً لما صرح به رئيس وزراء هايتي، جان ماكس بيلفريف.

وقال رئيس الوزراء الهايتي في تصريح له في برنامج "مباشر مع لاري كينج" الذي تبثه شبكة CNN: "آخر الأرقام التي تلقيتها حول الخسائر في الأرواح تشير إلى مقتل 212 ألف شخص، بحسب الأرقام التي جمعتها الهيئات المختلفة من الشوارع ومن مختلفة."

وأضاف قائلاً: "هذه هي آخر الأرقام لدينا ونحن متأكدون من أن الرقم سيرتفع.. ولكن لا أعتقد أنه سيرتفع كثيراً."بحسب سي ان ان.

وقال إن عدد المصابين جراء الزلزال زاد على 300 ألف شخص، في حين خلف أكثر من مليون نسمة دون مأوى.

وأشار رئيس الوزراء الهايتي إلى أن أكثر من مليون نسمة كانوا يعيشون بلا مأوى حتى قبل الزلزال المدمر، الأمر الذي يزيد من احتمال ظهور مشكلات تتعلق بالصحة العامة في البلاد. وفي الأثناء، من المنتظر أن تفتتح المدارس خارج المناطق المنكوبة أبوابها الاثنين المقبل.

وكانت إحصائيات صادرة عن مركز بحوث حول الأوبئة والكوارث، تابع للأمم المتحدة، قد أفادت بوقوع 3852 كارثة طبيعية خلال السنوات العشر الماضية، أودت بحياة 780 ألف شخص، وأثرت على مليارين آخرين، وتسببت بخسائر بلغت 960 مليار دولار.

وسط الركام.. مظاهر الحياة تبدأ في العودة

وأصبحت النقود متاحة وعادت الحافلات الى الحركة في عاصمة هايتي التي يغمرها الحطام لكن الطعام لا يزال غير كاف لحاجة الناجين من الزلزال المدمر.

وقال الضابط روب فرانسوورث من وحدة أمريكية محمولة جوا تقوم بتسليم عبوات الطعام في مخيم يعيش فيه الناجون في العراء "يمكننا أن نفعل ذلك لمدة 24 ساعة يوميا على مدار الاشهر الستة القادمة ولن نتمكن من سد الحاجة."

وشرد ما يقرب من 1.5 مليون شخص جراء الزلزال الذي ضرب الجزيرة الصغيرة في البحر الكاريبي في 12 يناير كانون الثاني ودمر عاصمتها بورت او برنس وأدى الى مقتل ما يصل الى 200 ألف شخص.

ويواجه سكان هايتي صعوبة في الحصول على الطعام والماء والرعاية الصحية. وحتى هؤلاء الذين صمدت منازلهم أمام الزلزال الذي بلغت شدته سبع درجات قد أصابهم الفزع الشديد من توابعه لدرجة الخوف من النوم تحت سقف.

لكن بدأت تظهر علامات على استئناف الحياة اليومية. فقد بدأت الحافلات الصغيرة التقليدية المزخرفة في السير في أرجاء العاصمة لتزاحم الجرافات والات الحفر التي تزيل الانقاض.

ومن المقرر أن تعيد البنوك فتح أبوابها يوم السبت كما انتعش نشاط شركات تحويل الاموال. وتزاحم المئات أمام مكتب شركة يونيترانسفير التي أعادت فتح أبوابها يوم الجمعة.

وقال رجل الاعمال أسلين دينيس (31 سنة) بينما كان واقفا في طابور طويل "أريد سحب بعض المال الذي أرسلته لي أسرتي من كندا. انه 500 دولار لكن الامر صعب. فهناك الكثير من الناس."

ووزع برنامج الاغذية العالمي 1.2 مليون حصة غذاء على مستشفيات ودور أيتام يوم الخميس ويأمل أن يتمكن من توزيع عشرة ملايين وجبة الاسبوع المقبل.

طفل بريطاني يجمع نحو ستين ألف يورو لهايتي

وتمكن طفل بريطاني في السابعة من عمره من جمع خمسين الف جنيه استرليني (57 الف يورو، ثمانون الفا و500 دولار) في يوم واحد لمصلحة الناجين من الزلزال الذي ضرب هايتي، وذلك خلال جولة على دراجة هوائية في لندن برعاية صندوق الامم المتحدة للطفولة (يونيسيف).

فقد نجح تشارلي سيمبسون الذي كان توجه في جولة على دراجة هوائية ضمن شعاع ثمانية كلم قرب منزله في لندن لجمع 500 جنيه استرليني، من اقناع مئات الاشخاص بتقديم هبات عبر الانترنت.

وقرر سيمبسون القيام بهذه الجولة بعدما شاهد صورا لاطفال هايتيين يتم انتشالهم من تحت الانقاض. وقال الطفل البريطاني "اعتقد انه من المحزن حقا مشاهدة هذه الصور على التلفزيون".

وساعدته والدته ليونورا في اعداد استمارة للمانحين. واتاحت هذه الوثيقة التي سرعان ما وزعت عبر الانترنت جمع هذا المبلغ غير المتوقع في يوم واحد.

وقالت الام ان "ما بدأ على شكل جولة صغيرة على دراجة هوائية مع والده أصبح أكثر أهمية وأكاد لا اصدق هذا الامر". وأضافت "انا فخورة جدا بابننا، لقد بذل جهدا كبيرا. لقد عمل جيدا وجمع مبلغا يفوق الوصف. لا يمكننا أن نطلب اكثر".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/شباط/2010 - 28/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م