الحملات الانتخابية: وعود كبيرة وإنجازات مخيّبة للآمال

علي حسين عبيد 

 

شبكة النبأ: الحملات الانتخابية مفهوم أو مصطلح ينتمي إلى التجارب والأنظمة السياسية المتحررة، وهو واضح إذ يعني في أبسط معانيه الترويج لبرنامج سياسي معين تطلقه احد الأحزاب أو الكتل أو الكيانات السياسية من اجل كسب أكثر عدد من أصوات الناخبين للحصول على أكثر عدد من المقاعد النيابية في مجلس النواب الذي يُعد من أقوى المؤسسات التشريعية في الأنظمة الديمقراطية.

وبهذا تعد الحملة الانتخابية من الأركان المهمة التي تقوم عليها العملية الديمقراطية، بحضورها المؤثر والدال على صحة العمل التحرري، وهي من العناصر التي يمكن أن تؤشر جدية النظام الديمقراطي من عدمه، بمعنى كلما تمتعت هذه الحملات بحرية الترويج لمشاريعها السياسية (وفقا للضوابط المتعارفة) كلما دلّ ذلك على عدم شكلية هذا النشاط كما يحدث في الأنظمة الشمولية التي تفبرك جميع الأركان والخطوات التي تتعلق بالانتخابات لاسيما السياسية منها.

بيد أن المشكلة التي غالبا ما ترافق هذه الحملات هي مدى مصداقية الأهداف المروَّج لها، أي كم هي نسبة تنفيذ الوعود والبنود التي ينطوي عليها برنامج هذا الكيان السياسي اغو ذاك ؟ وهنا يمكن القول فيما يتعلق بالعراق على سبيل المثال، أن نسبة تطابق التنفيذ مع الوعود التي تُطلق في الحملات الانتخابية ضئيلة، بل تكاد تنعدم في بعض الاحيان، بكلمة اوضح، خلال السنوات الماضية لم ينجز النواب الذين وصلوا الى مقاعدهم من خلال اصوات الناخبين الكثير مما يترتب عليهم.

وهنا يبرر كثير من السياسيين صعوبة الاوضاع التي يمر بها البلد وحداثة التجربة السياسية فيه ووجود جهات عديدة لا يروق لها تنامي التجربة السياسية الجديدة في العراق وثبات اركانها وتصاعد قوة المؤسسات التي تتحكم بإدارة شؤون البلاد، وقد ركّزوا كثيرا على الارهاب والقوى المضادة في هذا المجال.

وإذا أردنا أن ندقق بمدى صحة هذه التبريرات فإن نسبة منها يمكن أن تستند الى الوقائع الصحيحة والقائمة على الارض، لكن ما يمكن أن يُقال في هذا الصدد أننا لا يمكن أن نعزو جميع التلكؤات التي حدثت عبر السنوات الماضية الى القوى المضادة للتجربة الديمقراطية، فهناك الكثير من النواقص والاخطاء التي ارتكبها السياسيون أنفسهم، الامر الذي أحدث فروقا جوهرية بين وعودهم المعلنة في الحملات الانتخابية وبين ما تحقق للناخبين.

وها أننا نخوض هذه التجربة من جديد، وأعني بها الحملات الانتخابية، وسوف نعيش التجربة مرة أخرى وسوف يطلع الناخبون - مع أن كثيرا من الكيانات روّجت لنفسها وبرامجها قبل بدء الحملة الانتخابية رسميا- على برامج ووعود جديدة قديمة ممثلة بتقديم اقصى ما يمكن من الخدمات الاساسية كالكهرباء والماء الصالح وشبكات الصرف الصحي واماكن الترفيه وما شابه، أضف الى ذلك تحقيق الامن وترسيخه كليا، مع رفع القدرة الشرائية للمواطنين وتحقيق احتياجات السواد الأعظم في السكن والتطبيب والعيش الرغيد، كما ستنطوي هذه الحملات وبرامج السياسيين على توفير فرض التوظيف للخريجين، مع أن عددا كبيرا من خريجي السنوات الماضية لم يزل يقف في طوابير التعيين الذي قال عنه رئيس مجلس النواب الحالي في إحدى الفضائيات (بأن حصول المواطن العادي على وظيفة أصبح معجزة)، كما أننا نتوقع ان تتضمن هذه البرامج او جلها على نبذ الفرقة والطائفية واعتماد الولاء الوطني وهي أقوال لم تعد جديدة على أسماع الناخبين.

وتبقى المشكلة الاساسية للمواطنين هي مدى التطابق بين ما يُطرح في الحملات الانتخابية وما يتحقق على الارض، حتى أننا لاحظنا الامتعاض الكبير الذي يكنه الناخب لمثل هذه الوعود لاسيما بعد أن قدمّت وسائل الاعلام المختلفة جوانب واضحة وعديدة تمثل جانبا من إخفاق المسؤولين الذين وصلوا الى مناصبهم بأصوات الناس ثم تخلوا عن وعودهم التي قطعوها على أنفسهم مما أشاع نوعا من فقدان الثقة بين الناخب والمنتخَب، وبين المواطن والسياسي على وجه العموم.

لذا فإن التجربة السابقة بين الكيانات السياسية والناخبين دلت بوضوح على فارق كبير بين الوعود ومدى تحقيقها، فتكوّنت المعادلة التي تقف عند جانبيها، الوعود الكبيرة من جانب، وضآلة تحقيقها من جانب آخر، ولا يريد العراقيون أن تتكرر هذه التجربة القاسية، بمعنى على السياسيين سواء كانوا أحزابا ام كتلا أم كيانات جمعية وفردية، أن يكونوا واضحين وصادقين في مشاريعهم المعلنة في حملاتهم الانتخابية، وكل من يعتقد أن الناخب قابل للخداع دائما سيخسر مستقبله السياسي بطبيعة الحال، ولعل المسألة برمتها تتعلق بطريقة بناء الثقة بين الناخب والمنتخَب، وبناء المستقبل السياسي أيضا.

فليس من المقبول بعد الآن أن يعلن السياسيون برامج تصب برمتها في صالح الناخب والمواطنين عموما، ثم عندما يتربعون على عروش المناصب ينكثون عهودهم ووعودهم التي قطعوها على أنفسهم، ولعل هذا يصب في صالح السياسيين أيضا لأنهم سيكسبون بذلك ثقة الجميع وسوف يبنون حاضرهم ومستقبلهم السياسي بصورة جيدة ومؤكدة.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/شباط/2010 - 25/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م