هل التعدّدية عصيّة في المجتمعات الخليجية؟

مرتضى بدر

التعدّدية وفق تعريف الموسوعة الحرّة (ويكيبيديا) عبارة عن “إطار للتفاعل تَظهر فيه المجموعات التي تحترم التسامح مع الآخرين والتعايش المثمر والتفاعل من دون صراع ومن دون انصهار. وتعدّ التعدّدية من أهم ملامح المجتمعات الحديثة والمجموعات الاجتماعية، وربما تعدّ مفتاحاً لتقدّم العلم والمجتمع والتنمية الاقتصادية”.

وفق هذا التعريف العام والشامل للتعدّدية، ليت كلّ واحدٍ منا يطرح على نفسه الأسئلة التالية؛ ليقيس من خلالها مدى إيمانه بمبدأ التعدّدية: هل أؤمن بمبدأ التسامح والتعايش والتفاعل مع إخواني ونظرائي المواطنين؟ هل أحترم ثقافات الآخرين؟

هل أتحسّس تجاه من أختلف معهم في اللغة والمذهب؟ هل أعترف بحقّ الأقلّيات العرقية في العيش المشترك؟ ما هو موقفي تجاه الجماعات السياسية، الموالية منها والمعارضة؟

 كلّما كانت الأجوبة على الأسئلة الخمسة المذكورة صادقة وشفافة، كلّما حصل المرء على حقيقة موقفه من التعدّدية، بيد أنّ الحقيقة التي يجب أن نعترف بها هي أنّ قياس درجة الإيمان بالتعدّدية لفردٍ ما من قبل فردٍ آخر لا يمكن تحقيقه؛ لأنّ ذلك يخصّ الضمير، والإنسان لم يكتشف حتى اليوم جهازًا لكشف وقياس الضمير، إلا أنّ المنظّمات الدولية التي ترصد أوضاع حقوق الإنسان والشفافية والحريات في العالم تستطيع تقديم تقييم عن هذه الملفات لكلّ دولة في العالم.

 جميع التقارير تتحدّث عن هيمنة الطابع الذكوري والسلطوي والفكر القبلي والطائفي على مجتمعاتنا الشرقية بخاصّة الخليجية، وضعف الثقافة الوطنية، بخاصّة ثقافة التسامح والتعايش.

في الفصل الثاني من كتاب (الديمقراطية العصيّة في الخليج العربي) يقول الباحث وأستاذ علم الاجتماع الدكتور باقر النجار: “إنّ المجتمعات الخليجية على رغم حجم التغيّرات والتحوّلات التي حدثت على بنائها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي تبقى مجتمعات انتقالية، حملت أنساقها الاجتماعية قدراً من التغيّر والاستمرار والمقاومة، فأبنيتها السياسية والاجتماعية تبدو في ظاهرها حداثية، إلا أنّها تبقى في أدائها لوظائفها محكومة بجذورها التقليدية المقاومة للتغيّر، على رغم ضخامة عوامل التغيّر والضغوط التي تخضع لها من قوى العولمة وآلياتها”.

 وعن تنافس القوى في المجتمعات الخليجية يقول الباحث: “الجماعات القبلية والمذهبية تتنافس فيها أو من خلالها إلى حدّ العراك للحصول على السلطة والنفوذ والمكانة. في مثل هذه الظروف فإنّ هذه التضامنيات تعمل على نشر الفساد والسعي وراء المصالح الخاصّة، مع تسخير واسع لكبار موظفي الدولة وصغارها من العاملين في الجهاز البيروقراطي لخدمة أغراضهم الشخصية وللإثراء السريع”.

التعدّدية هي مبدأ من مبادئ الديمقراطية، والشفافية تعتبر روحها، فمن دون التعدّدية والشفافية تعتبر الديمقراطية ناقصة، وقد توصف أحيانًا بالديمقراطية العرجاء.

الديمقراطيات الخليجية تعتبر ناقصة بسبب فقدانها لأهمّ مقوّمات الديمقراطية، وقد يبرّر البعض ذلك في أنّ الشعوب الخليجية لم تكتمل بعد سنّ المراهقة السياسية! وحسب اعتقاد هؤلاء البعض قد تحتاج هذه الشعوب إلى خمسة عقودٍ أخرى حتى تصل إلى مرحلة النضج السياسي، وتطوي بذلك صفحة المراهقة السياسية!  إنّنا كثيراً ما نسمع تصريحات رسمية وغير رسمية تتحدّث عن ضرورة إتباع سياسة التدرّج في العملية الديمقراطية، من دون أن يخطو أصحاب هذه الدعوات أيّ خطوات حقيقية نحو تعزيز الثقافة الوطنية في منطقتنا. من حقّنا كشعوب أن نطالب هذه الجهات بضرورة التخلّي عن سياسة المراوغة السياسية، واحترام عقولنا، وكذلك حقوقنا السياسية. باعتقادي، أنّ الشريحة العريضة من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي قد تخطّت مرحلة المراهقة، ووصلت إلى درجةٍ متقدّمةٍ من الرشد السياسي، إلا أنّ السياسات الخاطئة والدوائر المغلقة، والنظرة الضيّقة، والمصالح الخاصّة لبعض القوى المذهبية والقبلية هي التي حالت من دون تحقيق تطلّعات هذه الشعوب في بناء مجتمعات ديمقراطية، تؤمن بالتسامح والتعدّدية والعيش المشترك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/شباط/2010 - 23/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م