أوباما وحصاد التغيير

مرتضى بدر

قبل عام كتبنا وقرأنا كثيرا عن شعار “التغيير والأمل” الذي رفعه الرئيس باراك أوباما، واستبشرنا خيراً بقدوم رئيس ديمقراطي قادر على إحداث تغيير في العالم، يخفف التوترات من جهة، ويصحح الصورة السيئة للولايات المتحدة من جهة أخرى.

 لم نرفع سقف توقعاتنا في الرجل الأسود في البيت الأبيض، ولم ندّعِ بأنه يحقق المعجزات مثلما ادعى البعض، تعاطفنا مع شعاره الجميل (التغيير) كوننا من عشّاق التغيير؛ ذلك لأننا سئمنا من الحياة النمطية البائسة، والفاقدة للحيوية والنشاط على جميع الأصعدة... السياسية، والاقتصادية، والمعيشية، عقدنا بصيصًا من الأمل في إيجاد حل للقضية الفلسطينية يضمن حق الشعب الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف...

سئمنا من المواقف المنحازة للإدارات الأميركية لإسرائيل... سئمنا من الشعارات العنترية والتهديدات المتعجرفة لجورج بوش الابن وجماعته من اليمين المتطرف... سئمنا من الحروب والنزاعات وإراقة دماء الأبرياء في العراق وأفغانستان وباكستان وفلسطين ولبنان والصومال واليمن... سئمنا من كابوس الرعب الذي خلقته إدارة بوش المتغطرسة طوال ثمانية أعوام من حكمه العقيم...

 استبشرنا بقدوم عون بعد ذهاب فرعون بوش، لكن الأخير ترك إرثاً ضخماً من الأزمات الداخلية، والنزاعات الخارجية، مما جعل أوباما وإدارته أمام تحديات جمّة.

على المستوى الدولي، حققت إدارة أوباما بعض النجاحات في بعض الملفات، وأخفقت في البعض الآخر. نجحت في تخفيف التوترات والاحتقانات الدولية... أسقطت الشعارات المتعجرفة لبوش من بينها (من ليس معنا فهو ضدنا) وتوصيفاتها القبيحة لبعض الدول، وتصنيفها ضمن (محور الشر)... حسّنت العلاقة مع العالم العربي والإسلامي بعد ثلاث خطابات ألقاها في القاهرة وأنقرة، وخطاب آخر إلى الشعب الإيراني بمناسبة رأس السنة الجديدة (نوروز).

 وفي الوقت الذي باشرت في تنفيذ الدبلوماسية المباشرة مع إيران من أجل إيجاد حل لملفها النووي، فإنها سعت إلى تحشيد المزيد من الحلفاء بهدف فرض المزيد من العقوبات على إيران، إلا أنها واجهت معارضة من قبل الصين وروسيا... استطاعت إدارته الوصول إلى تفاهمات مع روسيا في خفض ترسانة الأسلحة في أوروبا، وحشدت المزيد من الحلفاء في ملف الحرب على الإرهاب في أفغانستان وباكستان، وعلى رغم ذلك لم تفلح في القضاء على حركة طالبان والقاعدة، بل العكس فقد زادت طالبان من عملياتها وتوسعت وانتشرت في العديد من المدن الأفغانية، وأما القاعدة فقد توسعت عملياتها في أكثر من دولة.

ربما خطة إعادة بناء جسور الثقة مع العالمين العربي والإسلامي كانت ضرورية لإدارة أوباما بعد أن تمكنت الإدارة السابقة من هدم معظم تلك الجسور، إلا أن أوباما يجب أن يعي أن بناء الجسور إذا كانت بهدف حفظ مصالح طرف واحد فقط وهو الولايات المتحدة فإنه لن يصل إلى مبتغاه، ولن يجد أي تعاطف من قبل شعوب المنطقة. هذه الإدارة يجب أن تحترم حقوق ومصالح جميع شعوب المنطقة، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.

 المؤسف أنه على رغم الوعود البراقة، فقد أخفقت إدارة أوباما في إرغام الكيان الصهيوني على وقف بناء المستوطنات، والدخول في المفاوضات، بل على العكس نجدها تمارس الضغط على الطرف الأضعف، وهو الجانب الفلسطيني.

لا نرغب في الاسترسال حول نجاحات وإخفاقات أوباما على الصعيد الداخلي، فقد يكون تدني شعبيته إلى 50 % مؤشرًا واضحًا على فشله في تحقيق الوعود التي قطعها إبان الانتخابات، كإصلاح نظام الرعاية الصحية، وإغلاق معتقل غوانتنامو. بيد أن القضية التي تهمنا هي مدى تأثير إخفاقات أوباما على مجمل قضايا المنطقة.

وفي هذا الصدد حذر مستشار الأمن القومي الأميركي السابق (زبيغنيو بريجنسكي) في مقال نشرته صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 20 يناير الجاري عن نهاية الهيمنة الأميركية، فيقول:”إذا تزامن إخفاق عملية السلام بالشرق الأوسط مع مواجهات عسكرية مع إيران وعسكرة الحملة الأميركية في أفغانستان وباكستان، وقعت الولايات المتحدة في شباك العزلة واضطرت إلى خوض نزاع مدمر في منطقة مضطربة. وقد يؤذن مثل هذا السيناريو بنهاية الهيمنة الأميركية على العالم”.

 بريجنسكي الذي يعتبر العقل الاستراتيجي في أميركا، ومن دعاة الهيمنة الغربية على العالم بقيادة الولايات المتحدة يرى في الشرق الأوسط أكثر المناطق سخونة في العالم، ويحذر قادة البيت الأبيض من الانزلاق في هذا المستنقع الخطير. ولهذا نرى إدارة أوباما تتعامل مع الملفات الساخنة في المنطقة بحذر شديد، وربما تستمر على هذا المنوال حتى نهاية ولاية الديمقراطيين في البيت الأبيض.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/شباط/2010 - 18/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م