إمكانية التسوية مع طالبان وآفاق محاصرة القاعدة

إعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: إذا انضمت حركة طالبان إلى محادثات للمصالحة مع الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة فسيؤدي هذا إلى توتر علاقات المقاتلين مع تنظيم القاعدة وزيادة آمال الغرب في حرمان أسامة بن لادن زعيم التنظيم من المأوى الذي يوفره له مضيفوه.

ويمكن أن يدفع أي ضغط على صلات القاعدة بحماتها البشتون جماعة ابن لادن أيضا الى توسيع نطاق علاقاتها مع المتشددين في دول إسلامية أخرى بدافع من المحافظة على استمرارها إلى جانب الإيديولوجية.

وكانت الحكومة الأفغانية قد دعت حركة طالبان إلى المشاركة بمجلس للسلام يتوقع إنشاؤه في وقت مبكر هذا العام مما يزيد احتمال أن تنتقل محاولات ابرام صفقة سياسية في نهاية المطاف الى طليعة جهود انهاء الحرب في افغانستان.

وقال محللون ان طالبان الافغانية بقيادة الملا عمر ليست لديها حوافز كثيرة بعد لتنضم الى أي محادثات بعد عام من المكاسب على صعيد السيطرة على أراض ولا تزال علاقتها بتنظيم القاعدة متينة. بحسب رويترز.

لكن أهدافها الاكثر وطنية والاطول مدى تختلف عن أهداف القاعدة التي تجعل من ايديولوجيتها المتشددة بشأن "الجهاد" العنيف فريضة على كل المسلمين ومن المحتمل حدوث شقاق في نهاية المطاف.

وتعني هذه الحقيقة بالاضافة الى الهجمات الصاروخية التي تشنها طائرات أمريكية بلا طيار بشكل منتظم على مخابئها في المنطقة الحدودية الجبلية بين أفغانستان وباكستان أن تنظيم القاعدة يواجه ضغوطا متعددة.

مؤتمر أفغانستان واستراتيجيه اليد الممدودة إلى طالبان

وتبنى مؤتمر أفغانستان في لندن إستراتيجية "اليد الممدودة" إلى طالبان التي دافع عنها الرئيس الأفغاني حميد كرزاي لتحقيق مصالحة وطنية شاملة، كما تبنى خطة كابول لاستلامها المهام الامنية كاملة في غضون خمس سنوات.

واعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند في ختام المؤتمر الذي شاركت فيه سبعون دولة ومنظمة وانما غابت عنه ايران، انه تم رصد 140 مليون دولار لتمويل عملية "اعادة دمج" مقاتلي حركة طالبان بحسب برنامج المصالحة الذي اعلنته كابول، في عامه الاول.

وستخصص هذه الاموال لصندوق دولي خاص اعلن عن انشائه في افتتاح المؤتمر رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون من اجل "اعادة تاهيل" مقاتلي طالبان الذين يتخلون عن العنف، بطلب من الرئيس الافغاني. بحسب رويترز.

وذكرت مصادر دبلوماسية ان اجمالي المبالغ التي سترصد للصندوق ستصل الى 500 مليون دولار على ان يستخدم هذا المال لتقديم مساعدات مالية لمقاتلي طالبان شرط ان يتخلوا عن العنف.

اما الرئيس الافغاني حميد كرزاي فقد دافع بقوة امام المجتمعين في لندن عن رؤيته للمصالحة في افغانستان والتي تشمل حركة طالبان ضمن عملية طلب اشراف السعودية عليها وتشمل تقديم تعويضات مقابل التخلي عن السلاح.

وقال كرزاي في افتتاح المؤتمر "علينا ان نمد اليد الى جميع مواطنينا خصوصا الاخوة المضللين الذين لا ينتمون الى القاعدة او الى اي شبكة ارهابية اخرى، والذين يقبلون الدستور الافغاني".

واعلن كرزاي بوضوح انه يرغب في دور سعودي مباشر في ادارة عملية المصالحة وقال كرزاي في سياق عرضه لرؤيته حول المصالحة "لانجاح برنامجنا (للسلام) نأمل ان يتلطف جلالة الملك عبد الله بن عبدالعزيز بلعب دور في توجيه ومساندة هذه العملية".

واعرب كرزاي عن رغبته في تشكيل مجلس وطني للسلام والمصالحة واعادة الاندماج، ينتج عنه "جيرغا السلام"، وهو مجلس اعلى يجمع قادة القبائل الافغانية، على ان يلعب الملك عبدالله "دورا رئيسيا" في ذلك. وفي وقت لاحق، اكد متحدث باسم كرزاي لوكالة فرانس برس انه ستتم دعوة طالبان للمشاركة في "جيرغا السلام".

وتجاوبا مع مبادرة "مد اليد" الذي دافع عنها كرزاي، رحب المشاركون في المؤتمر "بايجابية بمشروع الحكومة الافغانية لتخصيص مكان مشرف في المجتمع لاولئك الذين يريدون التخلي عن العنف".

والمعنيون بهذه المبادرة هم فقط بحسب بيان لندن المقاتلون "الذين يحترمون الدستور الافغاني والذين يقطعون العلاقة بالقاعدة وباقي المنظمات الارهابية والذين يسعون الى تحقيق اهدافهم بالسبل السلمية".

طالبان: خطة الحكومة الأفغانية لدمج المسلحين خدعة

ومن جانبها رفضت حركة طالبان خطة للحكومة الافغانية تستهدف اقناع المقاتلين بالقاء السلاح مقابل المال ووصفتها بأنها "خدعة" وقالت ان الحل الوحيد للحرب هو انسحاب القوات الاجنبية.

ومن المقرر أن يعلن الرئيس الافغاني حامد كرزاي أمام مؤتمر عن أفغانستان يعقد في لندن يوم الخميس تفاصيل خطة لاعادة دمج الاف من مقاتلي حركة طالبان يقول دبلوماسيون انها ستشمل التدريب على الوظائف والحصول على أموال.

وسيسعى كرزاي للحصول على التمويل اللازم للخطة من مانحين غربيين في المؤتمر. وكانت الولايات المتحدة عبرت عن دعمها للبرنامج الذي تم الاتفاق عليه في اجتماعات عقدت في أبو ظبي بين الحكومة الافغانية والمانحين في وقت سابق هذا الشهر.

ولكن حركة طالبان قالت في بيان نشر عشية المؤتمر على واحد من مواقعها على الانترنت ان الخطة "خدعة" وان الاسلاميين لن يضعفوا أمام أي برنامج يستهدف دفع المسلحين لالقاء أسلحتهم.

وقال البيان الذي أرسل ايضا لوسائل الاعلام يوم الاربعاء عبر البريد الالكتروني "انهم يعتقدون ان المجاهدين (في أفغانستان) يمكن اغواؤهم بالمال أو مراكز السلطة.. مثل هذه الافكار لا أساس لها ولا طائل من ورائها وتجافي الحقيقة."

وكرر البيان موقف طالبان القديم بأن السبيل الوحيد لانهاء النزاع الذي دخل الان عامه التاسع هو مغادرة القوات الاجنبية للبلاد.

ويوجد أكثر من 110 الاف جندي أجنبي في أفغانستان بينهم نحو 70 ألف أمريكي يحاربون تمرد مقاتلي طالبان الذين تمكنوا من نقل هجماتهم الى خارج معاقلهم التقليدية في الجنوب والشرق لتصل الى مناطق كانت في السابق تتمتع بالهدوء.

وفي محاولة لتغيير الوضع في أفغانستان ترسل واشنطن 30 ألف جندي اضافي الى هذا البلد خلال العام الحالي بعضهم وصل بالفعل الى هناك. وترسل دول أخرى نحو سبعة الاف جندي اضافي.

غياب إيران عن مؤتمر أفغانستان

من جهة أخرى قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند انه لا يمكن تفسير قرار إيران عدم المشاركة في مؤتمر دولي كبير بشأن مستقبل أفغانستان عقد في لندن.

وقال الوزير في مؤتمر صحفي في إدانة شديدة اللهجة لغياب إيران "دعي وزير خارجية إيران لحضور هذا المؤتمر بالطريقة نفسها التي دعي بها وزراء خارجية جميع الدول الأخرى. ولسبب ما لا يمكن تفسيره اختارَ ألا يحضر."

واضاف قوله "نحن نعتقد ان عدم حضورهم مبعث اسف بالغ ولا يمكن تفسيره. واعتقد انه من الاهمية بمكان في العلاقات الدولية ان تقول الدول ما تعنيه وان تكون جادة فيما تقول."

وتعتبر ايران بوصفها جارة لافغانستان عنصرا فاعلا ومهما في مساعي انهاء الصراع بين القوات الافغانية والدولية التي يقودها حلف شمال الاطلسي وبين متمردي طالبان.

ونقلت وكالة انباء فارس شبه الرسمية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية رامين ميهمانباراست قوله يوم الاربعاء "لان اهتمام هذا الاجتماع يتجه نحو زيادة العمل العسكري في افغانستان ... ولانه لا يأخذ في الاعتبار قدرة المنطقة على حل المشاكل فان ايران لا تعتبر حضور هذا الاجتماع مفيدا."

وانتقد ميهمانباراست أيضا افتقاد مثل هذه الاجتماعات للاهتمام "بجذور المشاكل" في افغانستان.

وقال ميليباند ان متكي ابلغه في اجتماعات سابقة عن الاضرار والمخاطر على ايران بسبب عدم الاستقرار في افغانستان والمخدرات من هذا البلد.

واجتمع جيران افغانستان ومن بينهم ايران في اسطنبول يوم الثلاثاء "للاتفاق على رأي واحد" في أسلوب معالجة الصراع قبل مؤتمر لندن.

وتوترت العلاقات بين لندن وطهران بسبب برنامج الجمهورية الاسلامية النووي المتنازع عليه. وبريطانيا من بين أكبر المؤيدين لتشديد العقوبات على ايران بسبب برنامجها النووي الذي يشتبه الغرب في انه يهدف لاكتساب أسلحة نووية بينما تقول طهران انه لتوليد الكهرباء. ويتهم الايرانيون بريطانيا بتأجيج الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

وقال ميليباند ان سفير ايران في لندن رسول موحديان دعي بدلا من متكي لكنه لم يحضر أيضا.

وقالت كاثرين اشتون الممثلة السامية للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية "حبذا" لو حضرت ايران اجتماع لندن.

باكستان ومستوى التأثير على طالبان الأفغانية

وأبدت باكستان تأييدها للدعوة التي وجهتها أفغانستان لحركة طالبان للمشاركة في مجلس للسلام ولكن الحليف القديم لطالبان لا يتمتع سوى بقدر محدود من التأثير على الحركة المتشددة التي يتوقع كثيرون أن ترفض العرض الافغاني.

ووجهت الحكومة الافغانية دعوة لزعماء طالبان لحضور اجتماع للمجلس الاعلى للقبائل أثناء مؤتمر دولي في لندن فيما ينفذ حلفاؤها الغربيون خططا في محاولة لانهاء الحرب في أفغانستان.

ولم يشارك ممثلون من طالبان في مؤتمر لندن. وقال متحدث باسم الحركة يوم الجمعة ان زعماءها سيبتون قريبا في أمر الانضمام الى المحادثات.

وتريد باكستان التي تواجه تمردا من قبل حركة طالبان الباكستانية المتحالفة مع المتشددين الافغان تحقيق الهدوء في أفغانستان ولكن الاهم من ذلك أنها تريد ابقاء نفوذ الهند خصمها القديم المتزايد في أفغانستان في أدنى حد ممكن.

وتنظر كابول بشك كبير الى باكستان نظرا لعلاقاتها مع طالبان الذين حظوا بدعم اسلام اباد خلال التسعينات. بحسب رويترز.

والفصيل الاسلامي المتشدد هو الفصيل الوحيد في أفغانستان الذي تتمتع باكستان بنفوذ عليه ويمكنها استخدامه كثقل تحاول من خلاله الحد من نفوذ الهند ومن المرجح أن تسير باكستان بحذر شديد في الوقت الحالي.

وتستمد فصائل طالبان الرئيسية مثل الفصيل الذي يقوده جلال الدين حقاني قائد الميليشيات المخضرم والملا محمد عمر زعيم طالبان الاعلى التأييد من شبكات للدعم وقواعد على الجانب الباكستاني من الحدود.

وقال كاظم حسين من مركز أبحاث معهد أريانا ومقره باكستان انه بينما تستجمع الجهود الرامية الى تحقيق الاستقرار في أفغانستان قوتها فمن المرجح أن تستغل باكستان تلك الجماعات كأوراق للمساومة.

وقال حسين "لا أظن أن باكستان ستطرح كل ما لديها من أوراق على الطاولة. ستحاول الحفاظ على بعضها من أجل مصلحتها وبرنامجها."

ومضى يقول "ستبقي باكستان الامر كله في حالة غموض شديد كي تتمكن من التعامل مع مصالحها الخاصة وجدول أعمال سياستها الخارجية."

وفي مؤشر على الاسراع بوتيرة الدبلوماسية قال مسؤول في الامم المتحدة ان بعض أعضاء المجلس القيادي لطالبان اجتمعوا سرا مع ممثل الامم المتحدة الخاص لدى أفغانستان لبحث امكان القاء السلاح.

وقال شاه محمود قرشي وزير الخارجية الباكستاني في لندن انه راض عن نتيجة المؤتمر الدولي الذي قال انه تعامل مع كل المخاوف الباكستانية.

مبعوث الأمم المتحدة يلتقي أعضاء في حركة طالبان

وأفاد مسئول في الامم المتحدة ان مبعوث المنظمة الدولية في أفغانستان كاي ايدي التقى أعضاء ناشطين في حركة طالبان في دبي خلال هذا الشهر لاجراء محادثات حول السلام.

ولم يوضح المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، من شارك من اعضاء حركة طالبان في الاجتماع الذي قال انه عقد بطلب منهم لكنه قال انهم "عناصر ناشطون في التمرد". وقال المسؤول "عرض عناصر طالبان على الممثل الخاص الحديث عن محادثات سلام".

واضاف على هامش مؤتمر لندن حول افغانستان "نقلنا هذه المعلومات الى الحكومة الافغانية والامم المتحدة تامل في ان تغتنم الحكومة الافغانية هذه الفرصة". وردا على سؤال حول نتائج اللقاء قال المسؤول انه "لم يكن اجتماعا لاتخاذ قرارات". بحسب فرانس برس.

وقال عليم صديقي المتحدث باسم ايدي في تعليق على ذلك ان "الممثل الخاص لم يعلق ابدا حول ما اذا اجرى اي اتصالات مع طالبان في الماضي ولن يبدأ التعليق الان". واضاف "ان اي محادثات سلام يجب ان تقودها الحكومة الافغانية".

وايدي الذي تنتهي مهامه ممثلا للامم المتحدة في آذار/مارس كان موفدا رئيسيا في المحادثات التي استضافتها لندن الخميس وركزت على المصالحة مع المتمردين الذين يرغبون في القاء السلاح.

احتمالات مقتل زعيم طالبان حكيم الله محسود

ومن جانب آخر أكدت مصادر أمنية باكستانية مقتل زعيم حركة طالبان باكستان حكيم الله محسود متأثرا بجراحه جراء قصف صاروخي بواسطة طائرة بلا طيار أمريكية.

ونقل التلفزيون الباكستاني الرسمي عن مصدر في السلطات الامنية الباكستانية تاكيده مقتل حكيم الله محسود الذي دفن في منطقة اوراكزاي القبلية.

يذكر أن محسود أصيب بجراح خطيرة جراء استهداف صاروخين امريكيين لمنزل احد زعماء القبائل المحليين في اقليم وزيرستان الجنوبي في الـ 14 من شهر يناير الجاري.

وكانت حركة طالبان باكستان نفت اصابة او مقتل زعيمها حكيم الله محسود جراء القصف الامريكي.

يشار الى ان حكيم الله محسود عين زعيما لطالبان باكستان خلفا لبيت الله محسود الذي قتل ايضا في هجوم صاروخي امريكي في شهر اغسطس الماضي.

النساء الأفغانيات يحذِّرنَ من الاتفاق مع طالبان المتشددة

وحذرت جماعات تمثل النساء الافغانيات المجتمع الدولي من اتمام اتفاق سلام مع طالبان خشية العودة الى التطبيق الصارم للشريعة الاسلامية الذي شهد حرمان النساء من التعليم والعمل.

وقالت نساء من معهد الامن الشامل -وهي وكالة تابعة للامم المتحدة- وجماعات حقوقية اخرى للصحفيين في لندن ان التقدم الذي احرز منذ 2001 يجب الا يتعرض للخطر من جراء التودد للعناصر المحافظة.

ومن المقرر ان تشهد نحو 60 دولة مؤتمرا بشأن أفغانستان في لندن يوم الخميس والذي سبقه فيض من الدعم لتسوية سياسية في نهاية المطاف مع حركة طالبان التي حكمت كابول من 1996 وحتى اطاحة قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بهذه الحركة الاسلامية بعد هجمات 11 من سبتمبر ايلول 2001.

وحثت جماعات النساء الافغانيات الدول التي تشارك في المؤتمر على الالتزام بالتعهدات بشأن حقوق النساء التي قطعت في 2001.

وقالت هوما صبري مسؤولة صندوق الامم المتحدة الانمائي للمرأة في افغانستان لرويترز "عندي مخاوف كبيرة وأنا متحيرة بشكل كبير."

واضافت "2001 كان اشارة واضحة للغاية بانه ليس هناك مكان للعناصر المحافظة للحكم في أفغانستان."

وتساءلت كيف يمكن ان يعتبر المجتمع الدولي الان التعامل مع هذه العناصر أمرا مقبولا وكيف يمكن ان يضمن اندماجا سلميا لها في حكومة مستقبلية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/شباط/2010 - 17/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م