الإنترنت جسر لضمان الحرية وتحقيق الازدهار

تأثير الحشد والتعبئة الجماهيرية عبر الإنترنت

 

شبكة النبأ: قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودام كلينتون إن حرية الإنترنت مهمة وضرورية من أجل ضمان حقوق الإنسان وتشجيع الازدهار الاقتصادي، وإن الولايات المتحدة تعتزم الدعوة بكل قوة إلى توفير فرصة الوصول إلى الإنترنت لكل شعوب العالم.

وأضافت وزيرة الخارجية الأميركية في خطاب مهم يتعلق بالسياسة الخارجية ألقته يوم 21 كانون الثاني/يناير في النيوزيام (متحف الأخبار) بالعاصمة واشنطن.

وربطت وزيرة الخارجية بين حرية استخدام الإنترنت بدون قيود حكومية وبين حقوق الإنسان الأساسية مثل حرية العقيدة وحرية التعبير وحرية التجمع. ووصفت كلينتون حرية الوصول إلى الإنترنت بأنها "مثل حرية التجمع، غير أنها عبر الفضاء الإلكتروني."

وشبهت كلينتون سعي بعض الحكومات إلى حرمان مواطنيها من الوصول إلى الإنترنت بلا قيود بأنها مثل تشييد جدار برلين. وأضافت أن الجدران والأسوار الإلكترونية قد برزت لتحل محل الجدران المرئية."

ثم أشارت إلى أن "بعض الدول أقامت حواجز إلكترونية لمنع شعبها من الوصول إلى بعض أجزاء الشبكات الإلكترونية في العالم. فقد حذفت كلمات وأسماء وجملا من نتائج محركات البحث على الإنترنت."

ووصفت ذلك بقولها "إنهم انتهكوا بذلك خصوصية مواطنيهم الذين يشاركون في التعبير السياسي بدون عنف. وهذه الأفعال تتناقض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص على أن من حق كل الشعوب السعي للحصول على المعلومات والأفكار وتلقيها عبر أي وسيلة أو وسيط بغض النظر عن مجالات البحث."

وفي إشادتها "بالمواطنين الصحفيين الشجعان" في إيران الذين استخدموا مشاهد الفيديو المصورة بهواتفهم المحمولة لإبلاغ العالم بالقمع الوحشي في بلدهم. لكن كلينتون أشارت أيضا إلى أن "حرية التعبير لها حدود."

وأعطت أمثلة على ذلك بقولها: "إننا لا نسمح لأولئك الذين يحرضون الآخرين على العنف، مثل عملاء القاعدة الذين يستخدمون الإنترنت حاليا للدعوة إلى عمليات قتل جماعي لأناس أبرياء في أنحاء متفرقة من العالم. ولا نسمح بخطابات الكراهية التي تستهدف أفرادا على أساس العرق أو العقيدة أو الجنس (ذكر أم أنثى) أو التوجه الجنسي، فكلها عمليات تستحق الشجب."بحسب موقع أميركا دوت غوف.

 وقالت كلينتون إن الإنترنت أداة لها قيمة عظيمة في الدعوة إلى العدل الاجتماعي. وضربت مثالا بمهندس عاطل عن العمل في دولة كولومبيا استخدم الإنترنت لتجميع 12 مليون شخص في 190 دولة حول العالم للتظاهر ضد حركة (فارك) الإرهابية. وفي المكسيك، استطاع مواطن عادي حشد 150 ألف شخص عن طريق البريد الإلكتروني للاحتجاج على العنف الناجم عن المخدرات. وفي الهند استطاع صبي عمره 13 سنة باستخدام الشبكات الاجتماعية على الإنترنت تنظيم حملة للتبرع بالدم لضحايا الهجوم الإرهابي على مدينة مومباي.

وبفضل التقنيات المعقولة الأسعار أصبح يوجد الآن حوالي أربعة بلايين هاتف جوال يجري استخدامها في جميع أنحاء العالم، حتى في أفقر قطاعات المجتمع، حسبما قالت كلينتون. وأضافت أن "شبكات المعلومات أصبحت أدوات استنهاض عظيمة. وينبغي أن نستخدمها معا لانتشال الشعوب من الفقر، وإعطائهم الحرية التي يريدونها."

ولفتت وزيرة الخارجية الأنظار إلى أن الرئيس أوباما حينما زار الصين في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2009، فإنه دافع علنا عن حق الشعوب في الحصول على المعلومات بحرية، وقال إنه كلما ازدادت حرية تدفق المعلومات، كلما أصبحت المجتمعات أكثر قوة.

وأضافت الوزيرة أن أوباما قال أيضا "إن حرية الحصول على المعلومات تساعد المواطنين على محاسبة حكوماتهم وتولّد أفكارا جديدة وتشجع على الابتكار والإقبال على المشروعات التجارية."

وحينما سئلت عن محاولات الحكومة الصينية فرض الرقابة والسيطرة على شركات التكنولوجيا الأميركية العاملة داخل أراضيها، قالت كلينتون إن حكومة أوباما تشارك في "حوار صريح جدا وبنّاء مع الحكومة الصينية. ولقد مضى علينا عام إيجابي حافل بالحوارات الصريحة جدا مع نظرائنا الصينيين."

وأشارت كلينتون إلى أن حكومة أوباما تعيد إحياء فريق العمل الخاص بحرية الإنترنت العالمية باعتبارها منتدى مواجهة التهديدات والأخطار المتعلقة بحرية الإنترنت في العالم كله.

وذكرت وزيرة الخارجية أن الولايات المتحدة "تحث شركات الاتصالات ووسائل الإعلام الأميركية على القيام بدور فعال ونشط في مواجهة مطالبة الحكومات الأجنبية بالرقابة والرصد. فإن القطاع الخاص يشاركنا مسؤولية المساهمة في حماية حرية التعبير. وحينما يكون ما يقومون به من عمل يهدد بتقويض الحرية، فإن عليهم أن يتدبروا ويفكروا فيما هو صائب، وليس فيما يحقق لهم ربحا سريعا فحسب."

وقالت إن حكومة أوباما "متفائلة" بالمهمة التي تؤديها حاليا منظمة مبادرة الشبكة العالمية، وهي جهد تطوعي تقوم به شركات التكنولوجيا-إلى جانب المنظمات غير الحكومية، والخبراء الأكاديميين وصناديق الاستثمار الاجتماعية- في مواجهة مطالب بعض الحكومات الأجنبية بالرقابة. وأعلنت كلينتون أن وزارة الخارجية الأميركية قررت، كجزء من التزام الحكومة الأميركية بدعم التواصل والمشاركة المسؤولة للقطاع الخاص في حرية المعلومات، أن تعقد اجتماعا على مستوى عال خلال الشهر القادم يجمع شركات تقديم خدمات الإنترنت لإجراء محادثات حول حرية الإنترنت.

تأثير الحشد والتعبئة الجماهيرية عبر الإنترنت

لعل الكثيرين من الناس الذين لهم اتصال بجمهور كبير من خلال شبكات التواصل الاجتماعي من أمثال تويتر وفيسبوك قد خطرت لهم وراودتهم تكهنات حول القوة الفعلية لمعلومات شبكة الإنترنت وتساءلوا عن حجم ما قد تكون عليه إمكانياتها ومدى سرعة انتقال المعلومات عبرها ومقدار السرعة في تعبئة جماهير غفيرة من الناس وحشدها تأييدا لقضية ما.

وقد حدثت أمثلة بارزة على النجاح في هذا المجال منها حملة "مليون صوت" ضد قوات كولومبيا الثورية المسلحة المعروفة اختصارا بكلمة "فارك" وهي الحملة التي أدت إلى إثارة احتجاجات في مختلف أنحاء العالم في شباط/فبراير 2008 ضد التنظيم الإرهابي الكولومبي، ومنها أيضا حملات تصيد الثروات التي ترعاها المؤسسات التجارية مثل توجيه المشاركين من خلال أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم وإرشادهم إلى أكشاك هاتفية عشوائية في انتظار مكالمات هاتفية تزودهم بإشارات قد تساعدهم في إكمال أحجية أو حل لغز يفوزون منه بجائزة.

في 5 كانون الأول/ديسمبر، قررت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتطورة، التي أوجدت في العام 1969 النواة الفنية التي أصبحت في ما بعد شبكة الإنترنت، إجراء تجربة لاختبار التواصل الاجتماعي. نظمت مسابقة تتنافس فيها الفرق والجماعات المشاركة ضد بعضها البعض لمعرفة أيهما تستطيع أن تكون الأولى في حشد آلاف الناس لمعرفة أمكنة 10 بالونات حمراء نشرت عشوائيا في أراضي الولايات المتحدة الشاسعة وتحديدها كلها بدقة. وتم تخصيص جائزة قيمتها 40,000 دولار لأول من يحدد مواقع البالونات العشرة.

صرح بيتر لي، من وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتطورة، لموقع أميركا دوت غوف بقوله "لم نكن في حقيقة الأمر ندري ما نتوقعه." فنظرا لصغر حجم البالونات واتساع مساحات الأراضي التي يجري البحث فيها "بدا الأمر صعبا إن لم يكن مستحيلا." وكان لي قد تولى مسؤولية المسابقة بصفته مدير مكتب التقريب بين التكنولوجيات المتغيرة في وكالة مشاريع الأبحاث.

قال لي إنه فوجئ جدا بأن المسابقة انتهت إلى الحل في فترة أقل من تسع ساعات. وكانت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتطورة المعروفة اختصارا باسم "داربا" قد خصصت مهلة خمسة أيام لانتهاء المسابقة.

فقد نجح فريق من معهد مساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في الفوز بالمسابقة باستخدامه أسلوبا فريدا من الحوافز التي أعلنها على الشبكة الاجتماعية وتشمل عرضا بدفع مكافآت لا لمن يعثرون على البالونات فقط، بل ولأولئك الذين جندوهم أيضا لعملية البحث في الحملة.

وأوضح رئيس فريق معهد مساتشوستس، رايلي كرين، أسلوب الفريق في مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة بالراديو في 11 كانون الأول/ديسمبر قائلا "جعلنا العملية خالية من أي جهد يذكر للناس المشاركين، علاوة على الجوائز المالية، وكان الناس قادرين على مراقبة تأثيرهم المباشر على أناس آخرين في الانضمام."

وأوضح لي أن هذا الأسلوب شجع كل الناس في كل مكان من العالم على المشاركة نظرا لأنهم كانوا قادرين على إبلاغ أصدقائهم ومعارفهم أو أفراد عائلاتهم في الولايات المتحدة بالمسابقة ومتابعة أي تقارير أو بلاغات عن رؤية أي بالون والتحقق منها. وأحصى نحو 250 فريقا من غير الجماعات الأميركية شاركت في المسابقة بما فيها فرق من الهند وإيران والسودان وروسيا وبلدان أخرى في أميركا الجنوبية وآسيا. وقال لي إن تلك الجماعات استطاعات حشد جالياتها المغتربة في الولايات المتحدة للمساعدة.

لم تقتصر تجربة داربا على اختبار السرعة والفاعلية التي عملت بها تجربة التواصل الاجتماعي. فقد أضافت حيلة هدفها التحدي بسماحها للفرق المشاركة بأن تبعث لبعضها البعض سرا بمعلومات مغلوطة مضللة على أمل أن تقدم تقارير خاطئة عن مشاهدة البالونات أو تصرف وقتها الثمين في التحقق من تلك المعلومات.

قال لي إن التجربة تمخضت عن نحو 200 بلاغ كاذب شملت "صورا زائفة رائعة" تم صنعها باستخدام برامج خاصة لتحميض الصور التي تم نشرها على الإنترنت "كدليل" على العثور على البالونات.

استطاعت الفرق المتقدمة العثور بسرعة على أشخاص بالقرب من الأماكن التى جرى التبليغ بمشاهدة بالونات فيها وتأكدوا من صحة البلاغات. وقال لي إن أحد أعضاء فريق مؤسسة غوغل استخدم مصادر الشركة من الخرائط للعثور على شركات أو مساكن قريبة واتصل بمن فيها وطلب إليهم النظر من النوافذ أو الخروج من المباني والتأكد من صحة البلاغات أو عدمها.

وأقر لي بأن دعوة داربا للفرق لوضع وصلاتها إلى مواقعها على موقع وكالة الأبحاث الدفاعية أدّى إلى تعرض الموقع لتسلل هجومي قبل أسبوع من بدء المسابقة. وقال إن بعض المتسللين زرعوا فيروسات تجعل أجهزة الكمبيوتر المصابة بالعدوى تغير اتجاهها وترسل تقاريرها عن المشاهدة إلى موقع خداعي حيث يطلع عليها منافسوهم بدلا من داربا.  

قال المسؤول في وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتطورة إن "المرء يظن بداية أن هذا أمر سيء، ولكن بعد تفكير يتضح أن كل هذا منصف في الحرب، ثم يفكر في النهاية أن إصلاح المشكلة يجعل المسابقة أصدق" وأكثر إنصافا. لذا قررت داربا إزالة الموقع الخداعي في نهاية المطاف.

وعلاوة على ذلك، قال لي، إن بعض الفرق "عثرت على بعضها الآخر وبدأت مفاوضات حول تبادل المعلومات." وخلق هذا الاتصال جانبا ديناميكيا آخر مهما وهو أن المتسابقين كانوا يتفاوضون غالبا دون أن يدركوا قيمة بلاغاتهم في خضم المعلومات الخاطئة المضللة. وقال "كان الوضع حماسيا ومثيرا."

وتساءل لي عما تعنيه هذه المسابقة بالنسبة لسيناريو عالم حقيقي؟ وأجاب أن هذا بالمعنى الوجيز، يجلب إلى الذهن موضوع الاستجابة للكوارث حين يمكن تعبئة الجماهير وحشدها للعثور بسرعة على الأشخاص من ذوي المعرفة أو الخبرة الخاصة أو الوصول إلى الأدوات والأجهزة المتخصصة. فالشخص المطلوب أو الأداة التي يجري البحث عنها لا ضرورة لوجودهما على الإنترنت. إذ يمكن العثور عليهما بمجرد العثور على شخص يعرف سبيل الوصول إليهما.

وصرح رايلي كرين، من معهد مساتشوستس للتكنولوجيا، للإذاعة الوطنية العامة بأنه يعتقد أن هناك جانبا آخر للمشابكة الاجتماعية يخدم هدفا شهما ونبيلا كالعثور على الأطفال المفقودين.

وأوضح لي أن التجربة كشفت عن أن المشابكة الاجتماعية "ما كادت تتخلل مجتمعنا" وعن أن هناك الكثير من الفرق والجماعات المنتشرة في الولايات المتحدة كالفرق الكشفية وفرق المرشدات وغيرها من الجمعيات "المتفهمة للشبكات" التي كان يمكن أن تجيد في التجربة لولا أن انتشارها محدود على الإنترنت. لكنه خلص إلى القول إن "هناك متسعا هائلا أمام نمو وسائل الإعلام الاجتماعية."

وأشار لي إلى أن السنوات الأربعين الأولى منذ خاضت وكالة الأبحاث الدفاعية "داربا" تجاربها للتواصل عبر الكمبيوتر، والتي ولدت الإنترنت، نجحت في وضع أساس بنيتها التحتية وجعلتها تنتشر وتزيد الوصول إليها.

واستنتج المسؤول في وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتطورة قائلا إن السنوات الأربعين القادمة ستستمر في فعل ذلك، لكنني أعتقد أننا سنرى أيضا بالفعل بروز هذا العنصر الاجتماعي. فداربا تنظر إلى ذلك باهتمام جدي."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/كانون الثاني/2010 - 10/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م