الغرب وشبح المصير الروسي في أفغانستان

 

شبكة النبأ: يتجاهل الغرب إلى حد كبير تجربة روسيا في أفغانستان، إذ يقول الجنرالات الأمريكيون والبريطانيون إن حرب السوفييت هناك كانت مختلفة، وحدثت في زمان مختلف، وخاضها جيش لا يتماثل في عقيدته وتسليحه مع جيوش الغرب. إلا أن العديد من الخبراء العسكريين يؤكدون اليوم أن هناك الكثير من أوجه التشابه بين العقبات التي واجهها السوفييت أولاً والتي يواجهها الحلفاء اليوم.

وفي هذا الصدد نشرت صحيفة صنداي تايمز مقالاً للباحث مارك فرانتشيتي قال فيه: يلاحِظ ضابط من وحدات القوات الخاصة البريطانية، كانَ شاركَ في مراحل الحرب الأولى هناك، أن الغرب يرتكب الآن في افغانستان نفس الأخطاء التي وقع بها سابقاً الجيش السوفييتي قبل انسحابه مهزوماً من هذا البلد بالنهاية.

ويعود هذا الضابط الى بدايات الحرب بالقول: كان وميض الانفجارات والخطوط النارية الحمراء الناجمة عن طلقات المدفعية تملأ السماء المرصعة بالنجوم ليلة السابع من أكتوبر 2001 عندما بدأت أمريكا وبريطانيا حربهما ضد القاعدة وطالبان في افغانستان.

ومن على سطح منزل ريفي في قرية توبدارا الواقعة على سفح جبل يطل على وادي شومالي على بعد 30 ميلاً شمال العاصمة كابول، كنت أراقب صواريخ كروز وطائرات الحلفاء وهي تنطلق الى ما وراء الحافة الجبلية التي تفصلنا عن جبهة القتال.

وبينما كانت أصداء الانفجارات التي تصم الآذان تتردد في سكون الليل، وصلت مجموعة من مقاتلي تحالف الشمال وهي تآلف فضفاض من الثائرين الذين كانوا مجاهدين سابقاً ثم أصبحوا بجانب الغرب لاحقا. لقد جاء هؤلاء، الذين كانوا يحملون مدافع «AK-47» الرشاشة، ليشهدوا نهاية عهد طالبان، فقد قال أحدهم: لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، لقد انتهت حركة طالبان، فما إن نبدأ الهجوم البري بعد القصف المكثف الذي سيستمر لبضعة أيام حتى يكون رجال طالبان قد فروا أو ماتوا.

ويستدرك الكاتب بالقول، غير أن ثقته هذه كانت مثيرة. ففي السهول المغبرة في الأسفل كان هناك الكثير مما يذكرنا بمحاولة دامية أخرى نفذتها قوة عظمى أيضاً، وخاضت بها حرباً ضروساً في أفغانستان. إذ كانت الدبابات السوفييتية وناقلات الجند المصفحة، التي تحولت الى ركام، لاتزال متبعثرة هنا وهناك بعد أكثر من عقدين من سحب موسكو جنودها، وإنهائها حربا بأبعاد كارثية ومأساوية استمرت تسع سنوات.

ففي ظل جبهة القتال، وعلى بعد أميال قليلة من تويدارا، كانت قاعدة باغرام الجوية هي المكان الذي انطلق منه الغزو السوفييتي عام 1979، وهي الآن أكبر قاعدة للجيش الأمريكي في البلاد.

الحقيقة أن التنبؤ الذي ذكره أحد مقاتلي تحالف الشمال في بداية الحرب لم يستغرق وقتاً طويلاً ليتحقق على ارض الواقع. ففي غضون خمسة اسابيع بعد ذلك سقطت كابول، وتشتت مقاتلو القاعدة وطالبان في الجبال العالية الممتدة على طول الحدود مع باكستان.

غير أن تفاؤل ذلك المقاتل كان سابقاً لأوانه على أي حال. فاليوم، وبعد أكثر من ثماني سنوات على بدء الحرب في أعقاب هجمات 9/11، عاد مقاتلو طالبان من جديد الى ساحة المعركة.

لقد مات الآن أكثر من 240 جندياً بريطانياً في هذه الحرب (أكثر مما مات في العراق) ولقي كثير منهم مصرعهم خلال معارك شرسة تذكرنا بحرب الخنادق خلال الحرب العالمية الأولى. ومع نهاية هذه السنة ستكون القوات البريطانية والأمريكية قد مكثت في أفغانستان لفترة مماثلة في طولها للمدة التي أمضتها القوات السوفييتية في هذا البلد.

التجربة الروسية

ويبيّن الكاتب، على الرغم من ذلك، تجاهلَ الغرب الى حد كبير تجربة روسيا في أفغانستان. إذ يقول الجنرالات الأمريكيون والبريطانيون إن حرب السوفييت هناك كانت مختلفة، وحدثت في زمان مختلف، وخاضها جيش لا يتماثل في عقيدته وتسليحه مع جيوش الغرب.

إلا أن العديد من الخبراء العسكريين يؤكدون اليوم أن هناك الكثير من أوجه التشابه بين العقبات التي واجهها السوفييت أولاً والتي يواجهها الحلفاء اليوم.

ولما كانت الأخطاء هي نفسها أيضاً في أغلب الأوقات، لا بد من طرح السؤال التالي: ما الدروس التي يمكن تعلمها من حرب السوفييت في أفغانستان؟

لعل من المفيد الإشارة هنا الى أنه مثلما فشل الحلفاء في 2001 في دراسة الغزو السوفييتي الفاجع لأفغانستان، سخر الروس قبلهم بغزو الملكة البريطانية فيكتوريا لهذا البلد، الذي وصفه البعض بأنه «مقبرة الإمبراطوريات». فعندما أوضح نائب وزير الخارجية السوفييتية لوزير الخارجية أندريه غروميكو أن غزوات البريطانيين الثلاث السابقة لأفغانستان انتهت جميعها بالفشل، نظر اليه غروميكو على نحو حاد وقال: هل تقارن قواتنا ذات المدى الدولي بقوات هؤلاء الإمبرياليين؟ ورد نائبه قائلاً: لا يا سيدي، لكن الجبال هي ذاتها.

ضابط متميز

ويستطرد الكاتب بالقول، ثمة ضابط عسكري بريطاني كبير أحس أن بالإمكان التعلم من دروس الحرب السوفييتية في افغانستان. هذا الضابط هو البريغادير إد بتلر القائد السابق لوحدة القوات الخاصة 22. والحقيقة أن بتلر - 47 سنة - كان هو العقل المدبر وراء استراتيجية بريطانيا لمحاربة طالبان في المنطقة الجنوبية من أفغانستان.

وكان قد أمضى معظم فترة خدمته العسكرية التي امتدت 24 سنة في الوحدات الخاصة (SAS)، وعمل في افغانستان في الأعوام 2001، 2002 و2006.

كما حصل على وسام الخدمة العسكرية المميزة لإظهاره شجاعة نادرة خلال عمليات سرية جريئة وراء خطوط طالبان.

غير أن هذا الضابط الذي توقع كثيرون ان يتولى رئاسة القوات البريطانية المسلحة في المستبقل أثار شعوراً بالذهول في 2008 عندما قدم استقالته. وهو يرأس الآن شركة دولية تحاول جذب الاستثمارات الى المناطق الفقيرة من العالم.

يقول بتلر في تبريره قرار استقالته: أريد أن يتوفر لي وقت أطول لأقضيه مع أطفالي. بيد أن بتلر كان قد قرأ العديد من التقارير المفصلة عن الغزو السوفييتي لأفغانستان وحول هذا يقول: لقد كان الأمر مفيداً ورائعاً لأن تجربتهم التكتيكية كانت متماثلة جداً مع تجربتنا. لذا عمد بتلر عندما كان يخطط للعملية البريطانية في اقليم هيلماند عام 2006 الى دعوة كولونيل سوفييتي سابق كان قائداً لسرب من الطائرات المروحية المقاتلة في افغانستان لزيارته في مقر عمله في كولتشستر - بريطانيا.

يقول بتلر: لقد وفر لنا هذا الكولونيل صورة أولية رائعة لطبيعة الأرض والعدو عززت تقييمنا بأن المحافظة على البقاء في مثل تلك البيئة القاسية سيكون أمراً قاسياً كالقتال. كما قال لنا إننا اذا أردنا ان نقلل عدد تحطم طائراتنا، علينا تقليص حصة كل طيار من الـ«فودكا» التي هي لتر واحد اسبوعياً لتصبح ثلث هذه الكمية فقط. كانت تلك طريقة روسية طريفة في التعامل مع الأشياء.

لكن للحصول على فهم أفضل للتماثل بين الحملتين السوفييتية والغربية، وللنظر في الدروس التي يمكن استخلاصها من الماضي، أرسلت مجلة «صنداي تايمز» بتلر الى موسكو لتبادل الآراء مع الليفتنانت جنرال رسلان أوشيف، الذي كان يحمل لقب «بطل الاتحاد السوفييتي» وهو أعلى وسام عسكري في الدولة الشيوعية السابقة كان قد حصل عليه لخدمته المميزة في أفغانستان التي أمضى فيها اربع سنوات وثمانية أشهر.

انتقد أوشيف - 55 سنة - بقسوة خلال حديثه مع بتلر صبيحة يوم بارد قرب الساحة الحمراء في موسكو الغرب لأنه لايزال هناك - في أفغانستان - ولأن محاولته في فرض نظام ومؤسسات وحياة جديدة على بلد غارق في النظام الإقطاعي مكتوب عليها الفشل. غير أن أوشيف تحدث أيضاً بصراحة حول الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها السوفييت هناك.

لكن بتلر، الذي يتميز بالذكاء والاطلاع الواسع، لم يوافق على بعض نصائح أوشيف بشأن أفضل السبل لانتزاع الحلفاء من مستنقع أفغانستان، ودافع عن بعض القرارات التي اتخذتها بريطانيا والولايات المتحدة.

بيد أن عدم اختلاف هذين الرجلين إلا على اشياء قليلة كان شيئاً مذهلاً، إذا ما تذكرنا أنهما ينحدران من بيئتين متباينتين إيديولوجياً، وبعد مرور ثلاثة عقود على الغزو السوفييتي لأفغانستان.

يقول بتلر: تتماثل معظم التكتيكات التي يستخدمها رجال طالبان ضدنا الآن مع تلك التي استعملها المجاهدون ضد السوفييت. وهناك الكثير من الأخطاء المتشابهة أيضاً بالإضافة لنفس الصعوبات والحقيقة أن الاستماع لنصح الجنرال (أوشيف) كان أمراً رائعاً، ووجدت نفسي بصراحة أتفق مع معظم ما قاله.

أسباب الغزو والأخطاء التي ارتكبها الروس ويرتكبها الغرب الآن

ويقول الكاتب، على عكس الصورة التي رسمتها آلة الدعاية الغربية ايام الحرب الباردة، لم يكن الكثيرون في روسيا يتصورون ان قرار الكرملين ارسال جنود سوفييت الى افغانستان في ديسمبر 1979 له هدف امبريالي يتمثل في قضم الارض، فقد تدخلت موسكو في افغانستان من اجل دعم حكومة شيوعية افغانية وصلت الى السلطة في انقلاب عسكري قبل سنة من ذلك، ولم تكن موسكو تعتزم البقاء طويلا بل ورفض المكتب السياسي السوفييتي نداءات الحكومة الافغانية المتكررة التي طالبته بإرسال الجنود لمساعدتها في سحق المعارضة المسلحة للاصلاحات الاشتراكية التي كانت قد اثارت غضب الزعماء الدينيين ورؤساء القبائل.

غير ان موسكو تدخلت اخيرا لسبب رئيسي هو خشيتها من ان يقيم الرئيس الشيوعي الافغاني حفيظ الله امين علاقات دافئة مع امريكا. لذا، طارت وحدة من القوات الخاصة التابعة لجهاز الاستخبارات السوفييتي الـ «كيه.جي.بي» الى قاعدة باغرام للمساعدة في تنفيذ انقلاب ضد امين.

ويبيّن الكاتب، تشير الوثائق الى ان هذه الوحدة استولت على قصر الرئاسة، قتلت امين ونصبت بابراك كارمال الموالي للسوفييت زعيما للبلاد.

كما ساندت مجموعة من الجنود السوفييت عملية تغيير النظام هذه، وكانت مهمتها، وفقا للوثائق السوفييتية اشاعة الاستقرار في البلاد ومن ثم الانسحاب بعد ستة اشهر لتترك وراءها مستشارين سياسيين فقط وعملاء استخبارات.

حول هذا، يقول اوشيف: اعتقدنا ان الامر سينتهي بسرعة، وان الاوضاع ستهدأ لأن جيشنا قوي، لكن ما حدث كان العكس، فقد اشتدت وتيرة الحرب الاهلية بعد ذلك.

ويضيف اوشيف مخاطبا بتلر: لقد دخلنا في تحالفات متباينة، وهذا خطأ يرتكبه الآن التآلف الغربي، فأنتم تساندون مجموعة من المجتمع الافغاني ضد اخرى بينما يرى ابناء هذا المجتمع فيكم مجرد دخلاء جاؤوا من الخارج، اذ يبين التاريخ والتجارب السابقة ان الشعب الافغاني لا يحب من يتدخل في بلاده بصرف النظر عن غرضه. لذا، كلما امتد امد الحرب ستستمر المقاومة اكثر، وعليكم ان تفهموا ان طالبان ليست مجموعة من الارهابيين.

صحيح ان رجالها يستخدمون تكتيكات ارهابية احيانا لكنهم جزء من الشعب الافغاني، وعليكم الاعتراف ان قواتكم تحارب الآن قسما من هذا الشعب تماما كما فعلنا نحن من قبل.

ورد بتلر بالقول ان معظم الافغان برأي التحالف الغربي يناهضون طالبان ويريدون التخلص منها. لكن اوشيف يلاحظ ان هذا الزعم صحيح جزئيا فقط لأنه اذا لم يكن رجال طالبان يتمتعون بتأييد الشعب فمن يطعمهم ويؤويهم اذا؟

ويوضح الكاتب، الحقيقة ان معظم المحاربين السوفييت القدماء يرون في الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979 خطأ مأساويا، فقد ادى الصراع هناك لمقتل حوالي 15.000 جندي سوفييتي ونحو 1.3 مليون افغاني. كما فر ثلث سكان البلاد الى المنفى، بل ويعتقد كثيرون ان الحرب في افغانستان عجلت انهيار الاتحاد السوفييتي بعد سنتين من سحب ميخائيل غورباتشوف راعي الانفتاح والبناء جنوده من هناك في فبراير 1989.

لقد خسرنا الحرب

ويبيّن الكاتب بالقول، في ذروة الصراع كان هناك حوالي 120.000 جندي سوفييتي منتشرين في افغانستان، ويبلغ عدد الجنود الامريكيين في هذا البلد الآن بعد اعلان الرئيس اوباما زيادة حجم القوات الامريكية فيه اكثر من 130.000، لكن حتى الآن، لم يفقد سوى حوالي 800 جندي امريكي وبريطاني ارواحهم في افغانستان.

واذا كان المجاهدون لم يتمكنوا ابدا من هزيمة الروس بالمعايير العسكرية الا ان الروس لم يتمكنوا بالمقابل من المحافظة على سيطرتهم طويلا على المناطق التي استولوا عليها، وهذه مشكلة تعاني منها قوات التآلف الغربي بألم الآن.

وفي هذا السياق، كتب رئيس هيئة أركان الجيش السوفييتي عام 1986 مذكرة - تعبر حتى عما يجري من احداث اليوم - قال فيها بحزن: «ليس هناك الآن بعد سبع سنوات من وجودنا في افغانستان كيلو متر مربع واحد لم تطؤه اقدام الجنود السوفييت، لكن ما ان يغادروا أي مكان حتى يعود العدو، ويعيد الامور فيه الى سابق عهدها، لقد خسرنا هذه الحرب».

ويذكّر الكاتب، في ذلك الوقت - كما هو الآن - كان يتعين نقل الذخيرة والامدادات برا من خلال صحاري قاسية وممرات جبلية خطيرة مما كان يجعل الطوابير العسكرية عرضة للهجمات، وفقا لمبدأ «اضرب واهرب».

يقول اوشيف الذي امضى اشهرا يقاتل في مثل هذه الاماكن، ويتذكر الآن كيف كان يضطر لشرب ماء البرك الموحلة للبقاء حيا: لم يكن بالامكان اختراق المناطق الجبلية الا بصعوبة بالغة لأنك يمكن ان تفقد رؤية فوج بأكمله، وكان كل ما على المجاهدين عمله هو ضرب اول وآخر عربة عسكرية ليعلق الطابور بأكمله في المصيدة.

ولم تتغير طبيعة العدو في افغانستان ايضا، فقد كان من الصعب جدا تحديد موقعه لأن المجاهدين كانوا يعملون من خلال مجموعات صغيرة خفيفة الحركة بدرجة كبيرة، وهذا عدا صعوبة تمييزهم عن المدنيين مما جعل الروس يشيرون اليهم بكلمة «الاشباح».

ولم تكن بيوت القرى الافغانية المبنية من الطين الجاف مكانا آمنا بل كانت خطيرة كمنحدرات للبلاد وممراتها الجبلية. فتحت هذه البيوت هناك شبكة من الانفاق - كما يقول بتلر واوشيف - كان يستخدمها المجاهدون، وطالبان الآن، للاختفاء بعد الهجوم.

ويلاحظ بتلر ان التكتيكات لم تتغير ايضا. فبينما كان المجاهدون يستخدمون الالغام ضد السوفييت ويلحقون بهم خسائر كبيرة، يستعمل رجال طالبان الآن اجهزة تفجير بدائية ويزرعون جوانب الطرقات بالقنابل، وبينما كان الجيش السوفييتي يتألف من مجندين في معظمه، تضم قوات التآلف اليوم جنودا محترفين افضل تدريبا وتسليحا مما كان عليه نظراؤهم السوفييت في الثمانينات، بل بلغ اليأس ببعض المجندين السوفييت حدا جعلهم يبادلون ذخيرتهم واسلحتهم مع العدو مقابل الحصول على الغذاء واللباس.

غير اننا لو وضعنا وسائل التكنولوجيا الحديثة جانبا، لتبين لنا ان القتال في افغانستان ليس سهلا الآن، ولكي ندرك هذا ما عليك، كما يقول بتلر، سوى ان تتخيل انك تخوض معركة لعشرين ساعة في جو تبلغ الحرارة فيه 50 درجة مئوية، وتشرب خلال ذلك ماء حارا، وتشعر انك يمكن ان تتعرض للقتل أو الاصابة بجرح ما في كل مرة تغادر بها قاعدتك.

نقطة انعطاف

بحلول عام 1986 شهدت الحرب في افغانستان برأي معظم المجندين السوفييت نقطة انعطاف رئيسة عندما بدأت الاستخبارات المركزية الامريكية تزود المجاهدين بصواريخ مضادة للطائرات من طراز «ستينغر» يتم اطلاقها من الكتف للجو، فهذه الصواريخ كانت مسؤولة عن اسقاط عدد كبير من طائرات الهليكوبتر السوفييتية. ويبدو ان هذه العملية ساعدت في ظهور القاعدة التي كان قادتها الاوائل، ومنهم اسامة بن لادن، من بين المجاهدين الذين سلحهم الغرب.

يقول اوشيف في حواره مع بتلر: لقد كان جزء كبير من العالم ضدنا في ذلك الوقت بينما تقف معظم بلدانه معكم اليوم، لكن تخيل لو ان لدى طالبان صواريخ «ستينغر» الآن.

لكن بصرف النظر عن الذخيرة والسلاح، وما الى ذلك من اعتبارات اخرى، يتفق بتلر واوشيف على ان الحل في افغانستان ليس عسكريا. بل يرى بتلر ان زيادة عدد القوات الامريكية في افغانستان لن يحقق الهدف المطلوب في نهاية المطاف لأن على الحكومة الامريكية ان تحدد بوضوح اهدافها، وكيف ترى النصر والهزيمة في هذا البلد، وما الشيء الذي تحاول القيام به، وما مدى قدرتها على الانفاق.

ولا يساور اوشيف أي شك هو الآخر في فشل اية زيادة في عدد القوات، ويتساءل: ما الفارق الذي يمكن ان تشكله اضافة 40.000 رجل آخر؟

لا شيء، فحتى لو اضفتم مليون جندي ايضا لن تتمكنوا من وقف الهجمات الارهابية، ويمضي اوشيف قائلا: كما ان عملية بناء الدولة ليست كافية وحدها، فقد نفذ السوفييت برامج بناء اكثر مما فعله التآلف الغربي حتى الآن. لقد بنوا طرقا، مصانع، مستشفيات ومدارس ودربوا نخب الافغان، وكان معظم الافغانيين يحبوننا لكن كل ذلك تغير عندما دخلت قواتنا العسكرية هذا البلد لأن معنى ذلك كان قتل المدنيين بالتأكيد.

ويرى اوشيف ان السوفييت والتآلف الغربي ارتكبا خطأ اساسيا واحدا فكلاهما دخل افغانستان بهدف واضح ومحدد لكنهما سمحا لقواتهما بأن تعلق في هذا البلد بحثا عن اهداف غير قابلة التحقيق.

فبينما ارسل الروس جنودهم للقيام بانقلاب ومن ثم اسباغ الاستقرار على الوضع، عملوا بعد ذلك لتحويل المجتمع الافغاني الى نسخة سوفييتية.وبينما دخل التآلف الغربي افغانستان للقضاء على بن لادن، يعمل الآن لنشر الديموقراطية في هذا البلد.

يقول اوشيف مخاطبا بتلر: في عام 2001 ابلغتم العالم انكم تريدون القضاء على التهديد الارهابي وليس فرض الديموقراطية لكنكم تحاولون الآن تنظيم انتخابات على النمط الغربي في بلد يجهل معظم سكانه حتى القراءة.

ويوضح كاتب المقال، لذا لكي يتجنب الغرب مصير الروس في افغانستان، يؤكد بتلر واوشيف ان حل مشكلات البلاد المعقدة لا يمكن ان يكون عسكريا على الرغم من الحاجة الآن لتعزيز القوات الافغانية المسلحة.

كما ان على الغرب ان يركز برأيهما على برنامج طامح طويل المدى لتطوير اقتصاد البلاد وتحسين حياة الملايين من ابناء الشعب الافغاني، ليس فقط من خلال المساعدات بل عن طريق الاستثمار المباشر لبناء المصانع والشركات التي تؤمن العائدات للمجتمعات المحلية وليس للسلطات.

وهذا مبدأ كان بتلر قد اعتنقه بحماس منذ تقاعده ورئاسته شركة توفر النصح والمشورة سياسيا، اقتصاديا وثقافيا للمستثمرين المهتمين ببروز الاسواق الناشئة.

يقول بتلر: اني من المؤمنين بأهمية جذب الاستثمار لمناطق النزاع سابقا، اننا نعمل لتسهيل عملية استرداد البلاد لعافيتها اقتصاديا، واعتقد ان هذا يمكن ان ينجح ايضا في افغانستان.

ويخلص الكاتب لنتيجة مفادها، أخيراً يؤكد بتلر وأوشيف إن الفشل في تطوير افغانستان، وتحسين مستوى حياة الناس فيها، لن يؤدي الى سوى بروز التهديد الاصولي الاسلامي ومن ثم امتداد نشاط القاعدة الى ما وراء حدود المنطقة بأكملها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/كانون الثاني/2010 - 10/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م