ثقافتنا ودور القطاع الخاص

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تتركز تأشيرات التصحيح لواقع الثقافة في العراق على تراجع الجهد الحكومي في هذا المجال، وهو أمر له جانب من الصحة شديد الوضوح، لكن الأمر اللافت هنا هو غض الطرف من لدن المعنيين عن التقصير الواضح للقطاع الخاص في تفعيل الثقافة وترصينها ودعمها كونها المرتكز الأهم الذي تستند إليه أنماط التفكير والسلوك والعيش بصورة عامة لهذا المجتمع او ذاك.

بمعنى أن من يهمه الأمر مطالب بتذكير القطاع الخاص وعناصره والقائمين عليه بأهمية دورهم في تعضيد الثقافة وإسنادها لأنها إذا تطورت ستلقي بظلال تطورها على الجميع بما فيه القطاع الخاص نفسه، بل لعل هذا القطاع هو المستفيد الاول والاكثر من رسوخ الثقافة العصرية المتوازنة وشيوعيها بين أفراد المجتمع لأن شبكة الانتاج وتزايد الربح وتناميه يتعلق بصورة مباشرة بطبيعة ثقافة المجتمع.

فكلما كانت الثقافة عصرية راسخة سيتعامل الفرد والجماعة مع الاقتصاد بعقلية متنورة تسهم بتطوير القاعدة الاقتصادية للمجتمع وستكون حصة الاسد من هذا التطور للقطاع الخاص على شكل مردودات مادية ربحية قائمة على ثقافة الفرد في معاملات الشراء والبيع وعمليات الاقتناء التي تستند الى رؤية عصرية تشمل أفرد المجتمع كافة.

ولهذا مطلوب أن يتدخل القطاع الخاص في صناعة الثقافة وتحويلها الى سلعة ربحية كما هو الحال في التعاملات الانتاجية كافة، وهنا سوف تتنامى أساليب التسويق وتتطور لدرجة أنها قد تضاهى عموم التعاملات الاخرى، وهذا ما يحدث في المجتمعات المتطورة التي لم تهمل الثقافة كعنصر هام من عناصر تطور المجتمع، بمعنى لم ينحصر التركيز على تسويق المادة المنتجة للأكل او الشرب او الارتداء او تلك التي تتعلق بالخدمات كافة، بل كان للثقافة حضورها في هذا المجال.

فقد اهتمت المجتمعات المتطورة، وأعني قطاعاتهم الخاصة، بتسويق الكتاب مثلا وفي رصد الاموال الكبيرة لحقول الثقافة الاخرى، حيث عاد عليهم هذا الاجراء بفوائد جمة لا تنحصر بالسلع الثقافية المروّجة بل بالمردود الربحي الكبير الذي حصل عليه القطاع الخاص نتيجة لدخوله في تحويل الثقافة الى مجال انتاجي قابل للربحية، ونقل هذا المجال من حالة الاتكال الى حالة الاعتماد على الذات المنتِجة.

ولقد سمعنا بدار النشر الفلانية –مثلا- حيث تقوم بتسويق ملايين الكتب في مجال الرواية او القصة او الفكر عموما، مما يعود عليها بالارباح الطائلة إضافة الى العائدات التي سيحصل عليها المؤلف والتي ستشكل له دافعا لمزيد من الابداع الراقي، وهنا سوف تتحقق فوائد عدة، منها الربحية المادية المباشرة التي يحصل عليها المسوّق (القطاع الخاص) ومنها ما يحصل عليه المؤلف من دعم مادي سيقوده بطبيعة الحال الى الانتاج الأفضل قطعا.

لذلك مطلوب من قطاعنا الخاص أن يدخل بثقله المعروف في مجالات الانتاج والتسويق الثقافي، وأن لا يتردد في اقتحام هذا المجال وفقا لدراسات متخصصة تضع هامشا للمغامرة والخسارة المتوقعة التي ينبغي أن لا تكون سببا لهروب رأس المال من خوض تجربة الانتاج والتسويق الثقافي .

كما أن ثمة دورا للأثرياء ممن لا يرغب في دخول معترك الانتاج في هذا المجال، كما هو الحال مع وجهاء المجتمع، بمعنى ينبغي أن يكون هناك توجه عام من لدن الأغنياء والوجهاء على تخصيص الاموال التي توظَّف لتطوير ثقافة المجتمع، وهذه التجربة ليست جديدة، فثمة الكثير من أثرياء المجتمعات التي كانت خاملة قد تدخلوا (بأموالهم) وارتفعوا بثقافات مجتمعاتهم، فكانت سببا في رقيها وعلو شأنها بين الآخرين، إذ أن الدعم المادي هو عصب الحياة لمثل هذه الانشطة التي تهدف الى تنوير العامة وزيادة وعيهم وتعاملهم مع مفردات الحياة المتنوعة.

وهكذا يكون دور القطاع الخاص رديفا (إن لم يكن إسهامه أكبر تأثيرا) للجهد الحكومي في مجال تنمية الثقافة المنتجة وترسيخها، وإذا كانت الحكومات منشغلة عن دور الثقافة وأهميتها بسبب مهامها وتشعب مصالحها، فإن رؤية القطاع الخاص ينبغي أن تكون أكثر وضوحا لأهمية الثقافة، وبالتالي أهمية إسنادها ودعمها ونقلها من حالة الخمول والاتكال الى مجالها الحيوي القادر على صنع المجتمعات الحيوية الراقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/كانون الثاني/2010 - 4/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م