نقد النقد

رؤية نقدية في  أساليب النقد

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ثمة مساران للنقد بالمفهوم المتعارف عليه هما، المسار التقويمي الهادف، والمسار التخريبي المتعمَّد، وكلا المسارين يتجهان الى أهداف متضادة يمكن فرزها عن بعضها بيسر، فالنقد الهادف يذهب الى تقويم الذات او الآخر أو الجماعة ويحرص على أن يكون مقْنِع ومقبول من خلال لغته الهادئة ونبرته المخلصة وابتعاده عن الغلو والمحاباة وما شابه، على العكس من المسار الآخر للنقد الذي يهدف الى التهديم والتشويه قبل أي شيء آخر، وهو إسلوب أساسي للتسقيط غير المشروع.

ولعلنا نلاحظ في حياتنا كلا المسارين وهما يتجسدان على أرض الواقع في العلاقات القائمة بين الناس، سواء ما يتعلق بميادين العمل او الفكر او في أي مساحة تتضارب فيها المصالح والاهداف والاتجاهات المختلفة، ولعل الانعكاس القوي للنقد يتمظهر في مفاصل عدة من مفاصل حياة الناس، فثمة المصلح الحقيقي الذي يقدم نقده لإصلاح الآخر وهذه هي غايته القصوى فيكون على النقيض من  الناقد المغرض الذي يكون نقده بمثابة الفأس التي تكون غايتها التهديم قبل أي شيء آخر.

وطالما أننا في غنى عن البحث في النقد القويم، فإن موضوعنا سينصب على المسار الآخر من النقد، ألا وهو النقد التخربي او الهدّام كما يطلق عليه بعضهم.

لقد إتخذ بعضهم من إسلوب النقد السلبي سلاحا لتسقيط الآخرين، يستخدمه متى ما شعر بأنه بحاجة الى تشويه النقيض أيا كان وصفه او توجهاته، ولا يندرج هذا تحت يافطة الحق من عدمه، بمعنى أن الناقد التخريبي يلجأ الى إسلوبه هذا بغض النظر عن كونه صاحب حق او خلاف ذلك، فالهدف الأهم له هو تشويه الغريم بأية صورة كانت بغض النظر عن المشروعية من عدمها، وبذلك يتحول هذا النقد وصاحبه الى عبء على كاهل المجتمع بصورة عامة كونه يدخل في ترسيخ قيم تسهم في تقويض مقومات المجتمع وليس العكس حيث يكون المجتمع بحاجة الى البناء المتواصل.

لهذا ينبغي أن يحمل النقد شهادة الحق في متنه ومضمونه لكي ينتمي الى مسار النقد التقويمي الهادف، وأن يتسلح بالموضوعية وعدم إعتماد الاحكام المسبقة التي قد تستند في مجملها الى التصورات الخالية من الأسانيد الداعمة لصحة تلك التقولات الناقدة، ولعل الأمر برمته يتعلق بكرامة الانسان قبل اي شيء آخر.

فكلما كان النقد حريصا على هذه الكرامة المدعومة بتعاليم الاديان والاخلاق والاعراف البشرية السائدة، كلما كان أكثر قربا من أهدافه ومن الانسان ذاته، بمعنى أن لغة النقد ينبغي أن تعرف أهدافها مسبقا، كما أنها يجب أن تُصاغ بمفردات مختارة، تبتعد عن الخشونة والتجريح والتشهير الذي لا يصحّ في أي حال من الاحوال كونه سيشكل –كما ذكرنا سابقا- تجاوزا على الكرامة الانسانية التي يجب أن تُصان من لدن الجميع حرصا على ترسيخها بين بني البشر كحد لا يجوز تجاوزه.

ولعل الجانب الأهم في النقد هو تقديم الرؤية البديلة للخلل المؤشر في حالة نقاء النوايا، بمعنى ربما يكون النقد مصحِّحا للأخطاء والهفوات والعثرات التي تحدث من قبل هذا الانسان او تلك الجماعة، وإذا كان مقبولا أن يشير النقد الى هذا الخلل او ذاك من باب التقويم النقي الخالي من الدوافع المغرضة، فإن الصحيح أيضا هو انطواء مثل هذا النقد على تقديم الرؤية البديلة لتصحيح تلك الأخطاء، وإلا فإن الفائدة المرتجاة من النقد ستختفي، وسيكون مثل هذا النقد كمن يؤشر لك أخطائك (وينشرها على الملأ) من دون أن يدعم نقده هذا بما هو مفيد للشخص او الجهة المنقودة، ومثل هذا النقد حتى لو صحت تأشيراته وثبت نقاؤه، فإنه لن يكون نقدا تقويميا هادفا لخلوه من الرؤية البديلة للعثرات المؤشرة هنا او هناك.

ولذا فإن تقديم الرؤية البديلة للنقد هي شرط نجاحه وهي الهوية التي تثبت إنتماءه الى خانة النقد التقويمي الهادف، وبعكسه إما أن الناقد لا يعي أهدافه ولا يدري ما الذي سيحققه من نقده للآخر، وإما إنه ينتسب -مع سبق الاصرار- الى المسار السلبي من النقد.

ولعلنا لا نخطئ حين نؤكد بأن النقد البنّاء هو ذلك النقد الذي يحفّز الآخرين على النجاح ويساعدهم في تجاوز الأخطاء التي وقعوا فيها سابقا ويضيء لهم الطريق السليم نحو أهدافهم بوضوح، وبهذا يتحول النقد من عامل هدم الى عامل تقويم وبناء، وهذا ما يحتاجه الانسان الفرد والجماعة في آن واحد، حيث يصبح النقد أحد أهم مقومات البناء بدلا من أن يكون أحد أقسى عناصر التسقيط في المجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/كانون الثاني/2010 - 2/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م