نعم للشراكة.. لا للإستبداد

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: التعاون سمة هامة من سمات الانسان، وبهذه السمة عُمِّرت الأرض وتطورت الأمم وازدهرت المجتمعات واستطاعت البشرية أن تحقق مكتشفات علمية وفتوحات عملية كانت تدخل في خانة المستحيلات، لكنها بفعل حالة التعاون والمشاركة في الانجاز إستطاعت أن تحقق ما لم يكن في الحسبان.

وهذا هو ديدن الامم والشعوب المتقدمة، حيث أصبحت حالة المشاركة والتعاون هوية تطبع أفكار وسلوكيات هذه الشعوب المتطلعة الى غد أكثر إشراقا، لا سيما في هذا العصر الذي أصبح العالم فيه قرية صغيرة بسبب تعدد وتطور وسائل الاتصال بصورة مذهلة، ولهذا لم يعد الإنعزال ذا جدوى في عالم بات مكشوفا للجميع.

وهكذا بات مبدأ المشاركة دليلا على وعي المجتمع وسبيلا الى ارتقائهم، ولم يقتصر هذا المبدأ على ميدان عملي او فكري محدد، بل امتد ليشمل منظومة الأفكار والاعمال البشرية كافة، فصرنا نعيش في ظل شبكة واسعة جدا من العلاقات المتداخلة والمترابطة فيما بينها، وهذا بحد ذاته فرض على الجميع مبدأ المشاركة والتعاون في جميع الأنشطة الحياتية وبخلاف ذلك، فإن العزلة والتخلف عن الركب ستكون من نصيب من يرفض التعاون ويفضّل الاستحواذ على الفوائد والمنافع لذاته ومعيته، حيث يشكل مبدأ إقصاء  الآخرين رؤية له وبالتالي نهجا للوصول الى مصالحه، وهذا تحديدا ما سيُلقي بمثل هؤلاء في التهلكة، حيث التشارك والتعاون والتثاقف وتبادل الخبرات والآراء والتجارب العملية والعلمية صار المحرك الجوهري لمعظم أنشطة الحياة.

وهذا ما يقودنا الى الدخول في معترك السياسة والسياسيين، وهو المعترك الذي طالما تظهر فيه العيوب جلية، او العكس، كونه الميدان الذي يشكل عصب الحياة في إدارة الشعوب والمجتمعات، فكلما كان الحراك السياسي قائما على مبدأ المشاركة والتعاون كلما كانت النتائج إيجابية وفاعلة لتصب في خدمة الجميع، ويصح العكس تماما، حيث الانفراد بالسلطة وانتهاج أساليب التكميم والاقصاء والمحاصرة والاستحواذ على المناصب وما شابه سيؤدي قطعا الى حرمان العدد الاكبر من الفوائد والمنافع المشروعة، وهذا ما سيقود الى تضارب في المصالح بين الساسة ومؤيديهم من جهة، وبين المحرمين من جهة أخرى، الأمر الذي سينتهي الى حالة الخلاف (وليس الاختلاف) ومن ثم ضمور دور المشاركة والتعاون وتبلور النهج الفردي على حساب النهج الجماعي، وهو سيصل في نهاية المطاف الى سيادة الدكتاتورية الفردية التي ستنتهي الى فشل ذلك الشعب او تلك الامة في بناء الحاضر المناسب او الغد الأفضل لأبنائها.

وقد أثبتت جميع التجارب السابقة بأن مبدأ المشاركة في إدارة الامم والشعوب سياسيا هو الاكثر نجاحا وملائمة، ناهيك عن ملائمة هذا النهج لعموم الأنشطة الحياتية المتشعبة، إذ غالبا ما تقود هذه الانهاج التعاونية المتطورة الى حالة من التوازن والتوائم بين الحقوق والواجبات الجمعية، مما يساعد على بناء مجتمع متوازن مستقر وفاعل له القدرة على التطلع الى أمام بصورة دائمة مما يؤدي الى تحقيق قواعد وركائز رصينة للتقدم والتطور في شتى المجالات العملية والعلمية والثقافية وغيرها.

أما حين تسود القيادة الفردية، فإن هذا النهج السياسي غالبا ما يكون مدعاة للتناحر وتضارب المصالح ونشوء النزاعات وقيام الحروب بسبب حالات الظلم التي يسقطها الفرد الحاكم على الغالبية العظمى من المجتمع، بسبب انتهاجه لمبدأ الاقصاء وانفراده بالسلطة واتخاذه القرارات التي تصب في مصلحته الفردية وحاشيته وذويه وما شابه، وهذا ما يقضي تماما على مبدأ المشاركة بصورة فعلية، ناهيك عن الغياب التام لحالة التعاون التي ينبغي أن تسود بين جميع مكونات المجتمع كونها سمة العصر وركيزة تقدم الشعوب والامم، وبخلاف ذلك سينشغل المجتمع بالفتن والصراعات وربما الحروب التي لا تبقي ولا تذر.

وهكذا يكون مبدأ المشاركة وسمة التعاون من أهم عوامل تقدم المجتمعات لا سيما في الميدان السياسي، ونذكر هنا بعض المزايا التي ينبغي أن ينطوي عليها هذا المبدأ ومنها:

- أهمية التعامل الإيجابي مع الطرف الآخر، وإبعاد الظن السيّء مسبقا، واعتماد النوايا الحسنة وعدم التخوف من الآخر سواء في مجال المنافسة او غيرها، بل يُستحسَن أن يُحوَّل النقيض الى شريك يُعتمَد عليه في الأنشطة ذات الاهتمام المشترك .

- ولنا في الاسلام واعتماده مبدأ الشراكة نموذجا بالغ الوضوح، حيث التشاور والتشارك في صنع القرار وفي إدارة الدولة الاسلامية، والابتعاد عن الحس الفردي وتفضيل الذات وما شابه.

- أن يعي السياسيون بأن عالم اليوم على تعدد تعاملاته وتنوعها يتطلب التقارب أكثر من التضاد، ويتطلب زج أكبر عدد من الجهات والافراد في المشاركة السياسية بغض النظر عن التباين في الرؤى او المعالجات .

- أن يكون القادة السياسيون من الحنكة بحيث يمكنهم تحويل الآخر المضاد الى عنصر متفاعل يصب في مصلحة الامة او الشعب بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر او طرائق المعالجة.

وهكذا تبدو المشاركة ووأد النوايا السيئة واعتماد التعاون ونبذ الاقصاء سبلا مناسبة لبناء المجتمع المعاصر القادر على التواؤم والتلاقح في الرؤى والافكار، ومن ثم الاستناد الى ركائز قوية من التفاهم المشترك التي تقوم بدورها على تدعيم التجربة العملية سواء في ميدان الساسة او غيره، وصولا الى بناء المجتمع العصري المتوازن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/كانون الثاني/2010 - 1/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م