إيران والبحرين والمصير المشترك

مرتضى بدر

“أمن وعزّة البحرين من أمن وعزّة إيران”... كلمة قالها رئيس جمهورية إيران الإسلامية محمود أحمدي نجاد خلال لقائه رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني الذي زار طهران الأسبوع الماضي على رأس وفد من مجلس النواب.

 الزيارة رغم تأخّرها إلا أنّها جاءت في توقيت مناسب من عدة أبعاد... البعد الأول يرتبط بالوضع الإقليمي خاصة بعد أن خفّفت إيران من لهجتها الإعلامية تجاه أحداث اليمن، وأزاحت التوتر الذي نشب بينها وبين العراق في قضية بئر الفكة، كما توصلت إلى اتفاق مبدئي على ترسيم الحدود البحرية بينها وبين البحرين وقطر.

هذه الزيارة أسهمت في تخفيف حدّة الاحتقان الطائفي في المنطقة، خاصة بعد التوتر الذي نشب بُعيد الخطبة التي ألقاها خطيب الجمعة في الرياض، الذي وجّه فيها كلمات مسيئة للمرجع الأعلى للشيعة آية الله العظمى السيد السيستاني. وتزامنت هذه الزيارة مع اللقاء الذي أجرته قناة (العربية) مع سمو الأمير سلمان بن حمد الذي قال كلمته المشهورة: “من يخلع الثوب العربي عن الشيعة العرب فهو ظالم”.

هذا التصريح البحريني أوجد حالةً من الارتياح في المنطقة، وأوصل رسائل إلى عدة جهات ومراكز لصنع القرار، مفادها أنْ لا خيار أمام دول المنطقة سوى الاحترام المتبادل والتعاون، والقبول بالعيش المشترك بحكم القربى، والأخوة الإسلامية، والجوار الجغرافي.

 وأمّا البعد الآخر للزيارة فيدركه الإيرانيون أكثر من غيرهم، اذ اعتبروها نقطة في صالحهم بعد أن ألغى الوفد البرلماني الأوروبي زيارته لطهران احتجاجًا على طريقة تعامل السلطات مع المعارضة. الدول الغربية سعت لعزل إيران سياسياً، ودعت حليفاتها في المنطقة للمشاركة في عملية الحصار السياسي والاقتصادي، إلا أنّ دول المنطقة تعاملت مع الخطة الغربية بحذر، فهي تعتقد أنّ الغرب يبحث عن مصالحه بالدرجة الأولى، وأنه لا خيار أمام دول المنطقة سوى البحث عن مصالحها بعيداً عن أية إملاءات.

صحيح أنّ دول الخليج لا ترغب في فكّ ارتباطها الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة في المنظور القريب؛ إلا أنّ هذا لا يعني أنّها ستبقى على الدوام تسير في ركاب الولايات المتحدة. العرب والفُرس قدرهم العيش على هذه البقعة المهمة من العالم، وهم أولى من غيرهم بالحفاظ على أمنها واستقرارها، وهذا لا يتم إلا في ظل مناخ إيجابي وعبر التعاون بين دولها.

السؤال الذي طالما يراودني كلّما طرأ تحسّنٌ في العلاقة بين إيران والبحرين هو: هل هناك من يتربص بالعلاقة المتنامية بين البلدين ويسعى إلى إفسادها؟ أعتقد أنّ هناك جهات محلية وإقليمية ودولية تتربص بنا كتربّص الذئب بفريسته. الرئيس الإيراني في حديثه مع الوفد البحريني قال: “إنّ أعداء الأمة لا يريدون لدول المنطقة وشعوبها الأمن والاستقرار، ويعملون جاهدين لإذكاء نار الفتنة عبر الإشاعات والتقارير الكاذبة والتصريحات المسيئة”. وفي الوقت الذي أيّد فيه الظهراني كلام أحمدي نجاد، فقد أكد “أنه من الضروري أن تبادر دول المنطقة ومسؤولوها بإخماد أيّة فتنة بسرعة، وتكذيب الإشاعات، والرد على أيّ تصريح غير مسؤول من كلا الجانبين”.

 من الواضح أنّ الكتابات والتصريحات المتشنّجة هي التي وتّرت العلاقة بين البلدين في السابق. والإعلام - كما هو معلوم - يعتبر سلاحًا ذا حدين، ففي الوقت الذي يمكن فيه أن يجرح المشاعر، ويقطع اللُحمة بين الإخوة، فإنه قادر على لمّ الجراح. وفي هذا الصدد أشار الأمير سلمان بقوله: “أتوجّه لكل المسؤولين في منطقتنا والإعلاميين بصورة خاصة، بالابتعاد عن هذه التهم وتصنيف الناس بمواقف مسبقة، فالدين دوماً فوق رؤوسنا جميعاً، أما السياسة فنختلف فيها... الدين ثابت والسياسة زائلة”.

باعتقادي، العلاقة التاريخية التي تربط بين البلدين والشعبين أكبر بكثير من الأقلام الموتورة والمغرضة، والتصريحات المسيئة التي تصدر من هنا وهناك. وحسب تقديري، فإن العلاقة بين الدول لا تحكمها العواطف والشعارات، ولا الحساسيات القومية أو الطائفية، بل تحكمها المصالح. واليوم أصبحت المصالح الاقتصادية مُقدّمة على المصالح السياسية رغم تداخلهما الكبير. إيران من جانبها بحاجة إلى فك العزلة السياسية، والسعي إلى تعاون أكبر مع جيرانها.

والبحرين من جانبها بحاجة إلى تعزيز الثقة، وضمانات بعدم تكرار أسباب التوتر، والأهم من كل ذلك فهي بأمس الحاجة اليوم إلى الطاقة وخاصة الغاز من أجل تحريك مشاريعها التنموية، وهذا ما تستطيع إيران توفيره لجارتها البحرين، وكلاهما – إيران والبحرين- بحاجة للآخر في مجالات مختلفة.

نحن كشعوب ندعو إلى مزيد من التقارب والتواصل بين القيادات في المنطقة، ونرى في تقاربهم وتزاورهم خطوة مهمة لمنع أسباب التوتر وحلّ الكثير من القضايا. نسأل الله العلي القدير أن يقرّب بين قلوب الشعوب والحكومات المطلة على الخليج، ويوحد كلمتها، ويسير بها نحو التقدم والرقي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/كانون الثاني/2010 - 30/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م