أمريكا وإيران: تحسبات وقائية لتداعيات محتملة

مضيق هرمز بين خطط بترايوس ووعيد والحرس الثوري

 

شبكة النبأ: بدت تتجلى مؤخرا حدة النزاع الأميركي الإيراني في المنطقة بعد جملة من التصريحات المتبادلة بين الطرفين، واللهجة التصعيدية من قبل الولايات المتحدة بعد انقضاء المهلة التي رسمها البيت الأبيض للتوصل الى حل سلمي بشأن الملف النووي.

وعلى الرغم من التطمينات التي تبعثها التحليلات السياسية لسياق الأحداث، كشفت بعض التقارير عن استعدادات عسكرية من الجانب الأميركي لاحتواء أي تداعيات محتملة جراء قصف بعض المواقع النووية الإيرانية.

إيران توسع من سطوتها

حيث قالت دراسة جديدة أجرتها المخابرات الأمريكية إن إيران أعادت هيكلة قواتها البحرية لمنح ذراع للحرس الثوري المسؤولية الكاملة عن عمليات في الخليج في حالة وقوع صراع.

وقال المكتب الامريكي للمخابرات البحرية في الدراسة التي صدرت في خريف عام 2009 ان تركيز القوات البحرية لفيلق الحرس الثوري على زوارق الهجوم السريع وصواريخ كروز في مضيق هرمز والخليج وبامتدادهما "يتيح بدرجة أفضل لاسلحة البحرية المساهمة في الاستراتيجية الدفاعية الايرانية المتعددة المستويات وتوسيعها." بحسب رويترز.

وأضافت الدراسة أن الحرس الثوري الايراني وسع تدريجيا من قدراته البحرية على مدى سنوات من خلال دمج تصميمات وتكنولوجيات صينية وكورية شمالية وايطالية سواء عسكريا أو تجاريا وهو الان ينشر بعضا من أسرع الزوارق البحرية في الخليج.

وجاء في الدراسة أنه تردد أيضا أن الحرس الثوري يريد صنع أو الحصول على سفن بحرية تعمل "بلا أطقم".

وقالت الدراسة التي تم الكشف عنها لاول مرة في موقع (SECRECY NEWS) على الانترنت انه في اطار اعادة التنظيم الذي بدأ عام 2007 توغلت القوات البحرية الايرانية بأسلحتها البحرية داخل خليج عمان.

ويأتي تقييم تزايد السطوة البحرية لايران في وقت تتصاعد فيه التوترات بين الجمهورية الاسلامية وقوى كبرى بسبب الطموح النووي لطهران.

وأعلنت ايران خططا لاقامة عشر محطات جديدة لتخصيب اليورانيوم في توسع رئيسي لبرنامجها النووي بعد يومين فقط من توبيخ الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للامم المتحدة لها لمباشرتها تلك الانشطة سرا.

واستندت الدراسة التي أجراها المكتب الامريكي للمخابرات البحرية الى تصريحات أدلى بها زعماء ايرانيون أشاروا الى أنهم " سيبحثون اغلاق أو السيطرة على مضيق هرمز اذا استفزوا وبالتالي قطع نحو 30 في المئة من امدادات النفط العالمية."

وقالت الدراسة ان اغلاق المضيق سيسبب "خسائر اقتصادية هائلة" لايران "التي على الارجح لن تقوم بالاغلاق بسهولة" لكنها أضافت أن "تعطيل الحركة الملاحية أو حتى التهديد بذلك ربما يكون أداة فعالة بالنسبة لايران."

وبدأت عملية اعادة تنظيم البحرية الايرانية عام 2007 وشملت فتح قواعد جديدة لقوتي البحرية اللتين عادة ما كانتا تتشاركان العمليات في بحر قزوين والخليج وخليج عمان.

وتقوم بحرية الجمهورية الاسلامية الايرانية بتشغيل سفن حربية تقليدية كبيرة قادرة على القيام بدوريات ومهام مطولة في المياه المفتوحة مما يجعل نشرها طبيعيا في خليج عمان "للاشتباك مع قوات العدو في أبعد نقطة ممكنة عن الاراضي الايرانية."

وقالت الدراسة ان للحرس الثوري سفنا أصغر وأسرع لديها مرونة ميدانية أكبر في حرب غير متكافئة.

ونظرا لما يحظى به الحرس الثوري من تأييد سياسي ومالي من القيادة الايرانية فقد استثمر في التكنولوجيا المحدثة وتصميمات السفن من الخارج.

وربما تكون تلك السفن صغيرة لا يتعدى طولها 17 مترا في بعض الاحيان لكن قوتها النارية كبيرة بما في ذلك طوربيدات وصواريخ كروز مضادة للسفن ايرانية الصنع (كوثر).

وقالت الدراسة انه بالاضافة الى الاستعانة بتصميمات كوريا الشمالية والتكنولوجيا الصينية بدأ الحرس الثوري في أواخر التسعينات يشتري زوارق سريعة من شركة فابيو بوتزي الايطالية للزوارق السريعة وتعلم كيف ينتج نماذج مماثلة بنفسه.

وتابعت أن السرعة القصوى لتلك الزوارق يمكن أن تصل الى 60 أو 70 عقدة مما يوفر "للقوات البحرية التابعة للحرس الثوري بعضا من أسرع الزوارق البحرية في الخليج الفارسي."

ومضت الدراسة تقول "بصفة عامة فان برنامج التطوير الايراني قوى من القدرات البحرية مما أدى الى زيادة ما تمتلكه البلاد من زوارق صغيرة وألغام وصواريخ كروز مضادة للسفن وطوربيدات ومعدات الدفاع الجوي."

خطط طوارئ

من جهته كشف قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال ديفيد بتريوس ، أن الولايات المتحدة أعدت خطط طوارئ للتعامل مع منشآت إيران النووية، بالإضافة إلى خياري الدبلوماسية والعقوبات.

ورغم أن بتريوس رفض الإفصاح عن تلك الخطط، إلا أنه ذكر أن الجيش الأمريكي نظر في الآثار المترتبة على أي إجراءات قد تتخذ ضد الجمهورية الإسلامية. بحسب(CNN).

وأوضح في مقر القيادة المركزية بتامبا: "سيكون من الاستهتار أن لا تنظر "سنتكوم" في كافة السيناريوهات المحتملة لوضع خطط طوارئ مختلفة."

وأصبح البرنامج النووي الإيراني بمثابة شوكة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، فواشنطن رفعت من حدة لهجتها في التعامل مع طهران بخصوص برنامجها النووي، الذي تجزم الجمهورية الإسلامية بأنه لأغراض سلمية لتوليد الطاقة، إلا أن أمريكا ودول أوروبية تتخوف من سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية. وتصف إسرائيل البرنامج النووي الإيراني بأنه التهديد الأكبر في مواجهة الدولة العبرية.

وحول التقارير الرائجة بشأن مهاجمة إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية، رفض المسؤول العسكري التعقيب عن القدرات العسكرية الإسرائيلية، مشيراً إلى أن إيران عززت تلك المواقع النووية والأنفاق الأرضية.

إلا أنه أكد أنها غير محصنة ضد القنابل، وأضاف منوهاً: بالتأكيد من الممكن قصفها، مدى فعالية ذلك يختلف باختلاف الجهة التي ستنفذ ذلك، ونوعية الذخائر التي لديهم." وقال بتريوس أنه مازالت هناك فسحة من الوقت لمواصلة الجهود الدبلوماسية مع إيران.

ويذكر أن قائد هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الأدميرال مايك مولان، حذّر في حديث من توجيه ضربة عسكرية إلى طهران، باعتبار أن ذلك سيزعزع استقرار الشرق الأوسط، كما توقع استمرار الاحتجاجات التي تنفذها المعارضة فيها، غير أنه أشار إلى أن الجيش الأمريكي لديه القدرات على مهاجمة إيران رغم المهام التي يقوم بها في أفغانستان والعراق.

وعلى الجانب الإيراني، وعلى الجانب الإيراني، قال الرئيس محمود احمدي نجاد السبت إن مزيدا من العقوبات الدولية لن تثني إيران عن مواصلة برنامجها النووي، حسبما أوردت وكالة "فارس" الإيرانية.

وأكد الرئيس احمدي نجاد أن إيران لن تتراجع قيد أنملة أمام الضغوط الدولية بوجه برنامجها النووي الذي يشتبه الغرب في انه يخفي برنامجا لتطوير أسلحة فيما تنفي طهران ذلك.

وقال احمدي نجاد في خطاب من  جنوب إيران بثه التلفزيون الحكومي مباشرة "أصدروا قرارات عدة وفرضوا عقوبات على إيران، يعتقدون أن الإيرانيين سيركعون بسبب ذلك لكنهم مخطئون".

وأضاف مخاطبا القوى الكبرى التي تسعى لوقف الطموحات النووية الإيرانية السلمية وتقودها الولايات المتحدة "لا نريد نزاعات لكنكم تطالبون باستمرار بأشياء". وأكد "يجب ألا يعتقدوا أن بإمكانهم وضع عراقيل أمام الإيرانيين، مؤكداً  أن الحكومة ستدافع بكل عزم عن حقوق البلاد  ولن تتراجع قيد أنملة".

وإلى ذلك، أكد وزير الدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيراني، العميد أحمد وحيدي، الأحد أن قوة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الصاروخية الرادعة أقوى مما يتصور الأعداء.

وقال وحيدي في تصريح نقلته "فارس": إنه وخلافا للأجواء الإعلامية المسمومة التي أثارها الأعداء في صفوف أوساط الرأي العام فإن قوة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الصاروخية تزداد يوما بعد آخر"، وفق ذات المصدر.

استمرار الاضطرابات

وفي سياق منفصل، حذّر مولان من توجيه ضربة عسكرية إلى طهران، باعتبار أن ذلك سيزعزع استقرار الشرق الأوسط، كما توقع استمرار الاحتجاجات التي تنفذها المعارضة فيها، غير أنه أشار إلى أن الجيش الأمريكي لديه القدرات على مهاجمة إيران رغم المهام التي يقوم بها في أفغانستان والعراق. بحسب(CNN).

وكان مولان قد ألقى كلمة أمام "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" قال فيها إن إيران لديها "نوايا إستراتيجية" لامتلاك قنبلة نووية.

وتطرق مولان إلى الاحتجاجات التي تجري في إيران حالياً، على خلفية الانتخابات الرئاسية ونتائجها، معبراً عن ثقته بأنها "ستستمر،" داعياً في الوقت عينه إلى مواصلة الضغوط الدبلوماسية الدولية على طهران.

وبحسب مولان، فإن القوات الأمريكية لديها القدرة العسكرية على توجيه ضربة إلى إيران، رغم الضغط الكبير الذي تعاني منه قواتها البرية بسبب الانتشار المكثف في العراق وأفغانستان، وذلك بالاعتماد على قوات البحرية وسلاح الجو الذي وصفه بأنه "احتياطي استراتيجي، "ولكنه دعا إلى بذل الجهد لمنع اندلاع الحرب.

وقال مولان إنه كان يتابع الشأن اليمني منذ فترة، وكان يشعر بالقلق حيال أن تتحول اليمن أو الصومال إلى ملاذ للقاعدة.

ولفت مولان إلى أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيمثل نتيجة "مزعزعة للاستقرار" في المنطقة، وكذلك توجيه ضربة عسكرية لها، داعياً إلى توفير جهد دولي يؤدي إلى تجنّب جميع هذه السيناريوهات.

اغلاق مضيق هرمز

في السياق ذاته يبدو من المستبعد أن تخاطر ايران باغلاق مضيق هرمز أو تلغيمه اذا زاد التوتر بينها وبين الغرب لانها ستخسر عائدات نفط حيوية باغلاق هذا الممر المائي الاستراتيجي ولانها تفتقر الى القدرة العسكرية اللازمة.

كانت ايران هددت باغلاق المضيق -وهو طريق حيوي لامدادات النفط العالمية- اذا تعرضت لهجوم بسبب طموحاتها النووية.

ويقول بعض المراقبين الايرانين ان طهران قد تختار اغلاق الممر اذا فرض الغرب عليها عقوبات أشد.

وتشتبه القوى الغربية في أن أنشطة ايران النووية تهدف الى اكتساب أسلحة نووية لا الى توليد الكهرباء كما تؤكد ايران.

ويعتقد محللون ان التهديد في حد ذاته كاف لرفع أسعار النفط فوق مستوى 100 دولار للبرميل دولار بكثير مما قد يضر بالتعافي الهش للاقتصاد العالمي.

وقال بول هاريس رئيس ادارة مخاطر الموارد الطبيعية في بنك أيرلندا، "ارتفعت أسعار النفط حوالي 12 دولارا للبرميل عندما هاجمت اسرائيل لبنان عام 2006 وهما بلدان حتى لا ينتجان النفط. "سنشهد ضعف هذه القفزة على الاقل من حدث في هذا النطاق في المنطقة."

ويقول كثير من المحللين ان طهران لا يمكنها المخاطرة بتعطيل طويل الامد للممر المائي الضيق الذي يحد ساحل ايران عند فم الخليج والذي يمر به يوميا 40 بالمئة من تجارة النفط المنقولة بحرا أو نحو 17 مليون برميل. وتصدر ايران نحو 2.4 مليون برميل يوميا معظمها عبر مضيق هرمز.

وقال ج. بيتر فام وهو مستشار للشؤون الاستراتيجية لحكومة الولايات المتحدة وحكومات أخرى "ان فعلوا فسيكون ذلك قطعا لحناجرهم لان ثلثي ميزانية الحكومة الايرانية يأتي من صادراتها عبر المضيق ذاته."

وأضاف "ما تكسبه ايران من التهديد باغلاق المضيق يفوق مكسبها من اغلاقه بالفعل."

ويمر المضيق الذي يبلغ عرضه 21 ميلا فقط عند أضيق نقطة بين ايران وسلطنة عمان. وتعتمد الدول المجاورة المنتجة للنفط ومن بينها السعودية أكبر بلد مصدر للنفط في العالم على ممراته الملاحية.

وقال المحلل الايراني مير جاويدانفار "اغلاق المضيق من شأنه أن يحد من نفوذ ايران في المنطقة اذ ستضع دول الخليج الفارسي في معسكر أمريكا" مضيفا ان ذلك قد يدفع تلك الدول لتمويل حركات المعارضة الايرانية.

ويعتقد كثير من المحللين أنه اذا صدر من ايران رد انتقامي فسوف تختار تلغيم الممرات الملاحية في المضيق كما فعلت خلال الحرب الايرانية العراقية في ثمانينات القرن الماضي.

ويعتقد كثير من المحللين ان ايران تمتلك ثلاث سفن وثلاث طائرات هليكوبتر لزرع الالغام بالاضافة الى ثلاث غواصات روسية من طراز كيلو.

وقال يوجين غولز استاذ سياسة الامن القومي في جامعة تكساس "العمليات العسكرية الهجومية مليئة المشاكل. "سيكون على الايرانيين أن يكرروها كل يوم حتى يستمر تعطيل (المضيق)."

وقالت شركة ستراتفور المتخصصة في تحليل المعلومات الاستخباراتية العالمية ان مياه المضيق المزدحم الضحلة تضفي صعوبة على أنشطة الغواصات.

وأضافت في دراسة "في أي حالة لا تمتلك البحرية الايرانية ما يكفي من غواصات كيلو ليجعلها تثق في قدرتها على مواصلة عمليات الغواصات لاي فترة ذات تأثير بعد بدء هجمات."

وقال بعض المحللين ان ناقلات النفط ذات الهيكل المزدوج لها قدرة أكبر على الصمود أمام الالغام من سابقاتها ذات الهيكل الواحد والتي استهدفت في الثمانينات عندما استهدفت كل من ايران والعراق سفن الدولة الاخرى خلال ما عرف بحرب الناقلات.

وقال جون دالبي الرئيس التنفيذي لشركة الامن البحري ام.ار.ام التي تقدم تقييمات للمخاطر وتمد السفن في المنطقة بأفراد عسكريين سابقين ان الالغام ليست خطرا حقيقيا على الناقلات.

وأضاف "مع أخذ في الاعتبار أن الالغام تنفجر تحت الماء فان خطر حدوث انفجار بسبب شرارة ضعيف."

وقال فام ان ايران سيكون عليها اغراق ثلاث أو أربع ناقلات ضخمة جدا يحمل كل منها ما يصل الى مليوني برميل من النفط حتى تحدث تأثيرا ملموسا على الامدادات.

وأضاف "هذا مستحيل تقريبا... يمكنهم التسبب في صدمة وحالة من القلق ولكن ليس لديهم القدرة فعليا على فعل شيء."

ولم يستبعد محللون عسكريون استخدام ايران زوارق بخارية سريعة لتعطيل حركة الناقلات.

وقال المكتب الامريكي للمخابرات البحرية في دراسة العام الماضي ان الحرس الثوري الايراني يتحكم في زوارق أصغر وأسرع مجهزة بأسلحة نارية خطيرة بما في ذلك الطوربيدات وصواريخ الكوثر المضادة للسفن.

لكن لا أحد تقريبا يرى أن ايران ستتخذ هذا المسار لخوفها من رد انتقامي أشد من الغرب وخاصة في ضوء تمركز الاسطول الخامس الامريكي في المنطقة. وقال دالبي "سيكون ذلك استفزازيا بشكل كبير جدا. سيفتح أبواب الجحيم."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/كانون الثاني/2010 - 28/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م