تطور المجتمع والدور الريادي للمثقّف

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ثمة نواقص كثيرة يعاني منها المجتمع العراقي بفعل تراكم الاخطاء وضعف الوعي وضآلة دور المثقف، مما يدفع الجميع الى تجاوز هذه النواقص بأقصر الطرق وأسرعها.

ولعل العراقيين يعرفون نواقصهم أفضل من غيرهم -كما يُفترض ذلك- ويضعونها تباعا في سلم الأولويات من أجل معالجتها، ولعلنا نجتر كلاما عتيقا عندما نتطرق للنواقص الخدمية ومستلزمات العيش اليومية التي تفتقر لها جوانب من حياة  العراقيين، وربما ليس بمقدورنا أن  نتغاضى عن سد هذه الفجوات الخدمية ذات الاهمية في حياة الناس كالكهرباء مثلا كونها عصب الاقتصاد بل عصب الحياة وكونها العنصر الفاعل في تذليل المعاناة اللحظوية المتواصلة التي تتسبب نتيجة لفقدانها.

لكننا سنتفق حتما علي أهمية معالجة النواقص الحادة في الجوانب الفكرية عند معظم العراقيين، ولو أننا قارنا بين أهمية سد النقص المادي من جهة والفكري التوعوي من جهة ثانية لما ترددنا لحظة في ترجيح كفة الجوانب الفكرية على المادية، وربما يكون من البديهي أن نتوقع أو نستنتج بأن تغييب الفكر وتهميشه هو إحضار قسري للسذاجة بأقصى درجاتها، وبالتالي تغييب الوعي لدى عامة الناس او الغالبية منهم الأمر الذي يسهل معه تسييرهم وفق الرأي الذي يهدف الى مصالح ذات سمة فردية او فئوية محدودة، بكلمة أخرى أدلجة العامة لصالح الخاصة بسبب تغييب الوعي وانكفاء الفكر وتراجعه صوب مراتب ادنى.

لذا ستبرز الحاجة الى نشر الوعي حيث تقودنا بدورها الى تأشير ادوات ووسائط هذا العمل الكبير، ومن بين أهم هذه الوسائط هو المثقف ودوره الاخلاقي في هذا المجال، ولعل التركيز على تعميق الوعي ونشره بين العامة وترجيح كفة الفكر الايجابي على غيره، يعدّ من أبرز المهام التي يجب ان يقدمها  المثقف العراقي لشعبه كجزء أساس من مسؤوليته الوطنية والاخلاقية.

ولكن سيطفو على السطح هذا التساؤل الهام، فمن الذي سيأخذ على عاتقه مثل هذا الدور اذا ما تخلى المثقف وتراجع عن مسؤوليته التي يتفق عليها الجميع؟، لقد أكدت  صفحات التأريخ الإنساني على انها لا تبخل علينا بالصور المشرقة لرواد التنوير البشري وربما لايتطلب الأمر ان نذهب صوب الأعماق السحيقة بل سوف نلحظ هذه الصفحات المتألقة على مرمى حجر لنكتشف ان المصلحين والمفكرين والفلاسفة كانوا على رأس قافلة التنوير ولم يبخلوا قط بأفكارهم وآرائهم في تنوير الناس وضخ الوعي الى عقولهم ووضعهم على الجادة الصواب، بل لم يبخلوا بأنفسهم إذ قدموها قربانا في محراب الحرية ولكن هل قام المثقفون في العراق بدورهم كما هو مطلوب منهم؟.

إننا حين نضع مفردة مثقفين عنوانا لهذا التساؤل، فإن المعنيين في ذلك هم أصحاب الرأي السديد والأفكار الايجابية التي تستمد قوتها ورسوخها وصلاحيتها من جذورها التأريخية والانسانية العميقة،واذا أجيز لنا أن نجيب عن ذلك، سنقول بأننا لا نرمي أحدا بحجر، ولا نلقي المسؤولية جزافا على عواتق أولئك أو هؤلاء، ولكن الوقائع القائمة على الارض تتكلم بصوت عال ونشير الى مواطن الخلل، وما نراه من انشطة وفعاليات سلوكية فعلية او فكرية في ساحة التفاعل الشعبي او النخبوي في العراق هو حجتنا لمن يرغب المحاججة.

وهنا سنتفق ولو متأخرين على ان ثمة فراغا بل فراغات من الجهل لا تزال تؤثث الساحة العراقية في النشاطات المختلفة، لهذا ينبغي أن نخوض في لب المطلوب، وان نكتشف مواطن الخلل بأنفسنا ثم نبادر الى المعالجة بجهد جماعي رسمي وأهلي وفق خطط مدروسة مسبقا وموضوعة من لدن عقول تتحصل على الخبرة المطلوبة في هذا المجال، ولعل الوقت لا يزال متاحا أمامنا، ولا تزال الفرص سانحة كي يخرج المثقف العراقي من شرنقة الصمت او التردد او الابتعاد بحجة ترك الساحة لأصوات الصراع الغريزي حتى تخمد، لكنها لن تخمد من دون تدخل العقل وتعميق الفكر والوعي الايجابي، وهكذا ستظل هذه السلسلة مترابطة وسيظل المثقف أحد مفاصلها او حلقاتها اذا لم يكن الرابط الأهم فيها.

وهكذا يمكن أن يصب الدور الريادي للمثقف في تعميق الوعي الفردي والجمعي، من أجل ترسيخ وتطوير جانبي الفكر والسلوك لدى المجتمع بصورة عامة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/كانون الثاني/2010 - 27/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م