ذبح الإخوان يعني إفساح المجال للفكر التكفيري

د. أحمد راسم النفيس 

من الناحية الشكلية سيبدو الأمر وكأنه تحقيق لإنجاز تاريخي أما من الناحية الواقعية فيبدو أن ممارسة المزيد من الضغوط من أجل تحقيق هذا الانهيار، سريعا سريعا  على طريقة الدومينو الأمريكي سيؤدي إلي نتائج وخيمة لا يبدو أن المخططين ينتبهون إليها جيدا.

أثناء متابعتي لإحدي الندوات الفضائية شد انتباهي أحد المعلقين وهو يتحدث بحماس شديد ملقيا باللوم كل اللوم  على الجماعة في تعويق ما أسماه التحول الديموقراطي وإجراء انتخابات حرة تنهي جميع الشكاوي من اللاديمقراطية واللانزاهة الانتخابية.

ينتمي الخبير الجماعاتي من وجهة نظري إلي طائفة الثعالب التي تخرج علينا صباحا ومساء في ثياب الواعظين، تتصدق علينا من كيس غيرها فهو من الناحية الواقعية يعد بما لا يملك وبما لا يقدر  على تنفيذه والطريف أن السيد المقدم سأله (هل نعتبر هذا الكلام رسالة؟!) فلم يجب السيد ثعلب جوابا شافيا.

السؤال هو: هل كانت جماعة الإخوان حقا هي العائق الوحيد أمام (التطور الديموقراطي)؟! أما أنها كانت عائقا وذريعة جري الاستفادة منها وهي الآن تقف عائقا أمام بعض التطورات التي يراد تنفيذها من دون عائق ولا مانع.

كانت وما زالت جماعة الإخوان وأخواتها من الجماعات كما البيئة المتشددة الفكرية الحاضنة لكل هذه الحركات عائقا ليس أمام التطور الديموقراطي وحسب بل وفي مواجهة التحديث الفكري للمجتمع بعيدا عن هذا الفكر التسطيحي الذي يجنح إلي تكفير الآخر المسلم وإن كان بصورة متدرجة على سلم رختر للتكفير حيث يرقد الإخوان في أول درجات السلم بدرجة واحد أو اثنين وهناك القاعدة بدرجة عشرة على عشرة في سلم التكفير.

الفكر التكفيري

اكتسب الفكر التكفيري بروافده المختلفة سواء منها ما كان قطبيا داخليا أو وهابيا نفطيا أرضية واسعة خلال الفترة الماضية لأسباب لا تخفي  على المراقبين من بينها بكل تأكيد ما سمي بالخطر الإيراني والتبشير الشيعي ورغبة القوي السياسية النافذة في مواجهته فكان أن أطلق العنان لأصحاب هذا الفكر لبث دعاياتهم من خلال منابرهم الخاصة وأحيانا من خلال المنابر الرسمية من دون حسيب ولا رقيب.

بدا هذا الأمر واضحا من خلال عدد من الأزمات الإقليمية والمحلية التي انفجرت في الفترة الأخيرة ومن بينها  على سبيل المثال لا الحصر أزمة فيلم إعدام الفرعون وأزمة ترشيح السيد فاروق حسني لمنظمة اليونسكو وأزمة جائزة سيد القمني وغيرها من الأزمات!!.

بلا ثقافة!!

الإخوان المسلمون بلا ثقافة  على حد تعبير الأخ الدكتور عصام العريان الذي قال: (الإخوان ليست جماعة معرفية وليست أزهر وليست مجموعة من المثقفين، فهي تضم فئات مختلفة عمال وفلاحين وطلاب ومهنيين، سيد قطب يختلف الناس حول ما قدمه لكنه في النهاية من الإخوان وهم فخورون به وفي نفس الوقت يصححون ما ذهب إليه البعض من تطرف في فهم وتفسير ما كتبه لأن هذا الكلام كان وليد البيئة التي ولد فيها وهي بيئة القهر والاستفزاز فكان لا بد لها أن تنتج خطابا شديدا صارما).

يبدو أن الأخ عصام العريان لا يعرف معني كلمة ثقافة لأن اللا ثقافة الإخوانية التي يفاخر بها الأخ الفاضل هي أيضا ثقافة ولأنهم في نفس الوقت يدرسون كتاب (معالم في الطريق) التكفيري القطبي في منتدياتهم وجلساتهم الخاصة.

الفارق بين الإخوان وبين غيرهم أن الإخوان يمارسون السياسة ولديهم ما يخسرونه إذا أطلقوا العنان لهذا الفكر الإقصائي ولذا ورغم أن هذا الفكر يمثل ركيزة من ركائز وجودهم إلا أنهم يمتلكون ثقافة للتعايش مع المجتمع وإلا لما نجحوا في السيطرة  على النقابات أو في الانتخابات البرلمانية.

ان ينجح الإخوان المسلمون في تحقيق هذه الإنجازات السياسية رغم أنهم بلا مشروع فكري يجري عرضه  على المجتمع ومن ثم قبوله أو رفضه يعني أن المجتمع هو الآخر يفتقر إلي هوية ثقافية تمكنه من تقييم المشاريع المعروضة عليه باسم الإسلام رغم أن غالبية هذه الأطروحات هي من النوع التكفيري الهلامي أو تلك التي تتحدث عن عقيدة صحيحة في مواجهة عقيدة فاسدة رغم أن أحدا لا يعرف ما هي الصحيحة وما هي الفاسدة؟!.

البديل الأسوأ

بعيدا عن منطق (من ليس معنا فهو علينا) الذي يملي  على البعض أن يشارك في حفلات ذبح (الثور الذي وقع فكثرت سكاكينه) فالذي نراه ونحذر منه أن ذبح الإخوان الآن، الآن وليس غدا يعني إفساح المجال للفكر التكفيري من درجة عشرة على سلم ريختر وربما لتنظيم القاعدة الذي أصبح يمتلك الآن أرضية عقائدية بل وسياسية ولائحة بالأهداف المطلوب تصفيتها والقضاء عليها.

ليس هذا دفاعا عن الإخوان ولا عن غيرهم بل عن ضرورة إيجاد بيئة ثقافية وسياسية مختلفة بالكلية عن البيئة الحالية يكون للإخوان وغيرهم فيها حق التنافس الفكري والسياسي المتكافيء وعندها لن يصح إلا الصحيح!!.

ورغم موقفنا الفكري من جماعة الإخوان وأخواتها إلا أننا لا نتفق مع من يبسطون الأمور زاعمين أن التخلص من الإخوان يساوي بيئة سياسية نظيفة تترعرع فيها الديموقراطية ويعيش فيها الناس في تبات ونبات لينجبوا صبيان وبنات خاصة بعد كل ما جري وبعد أن امتلأت الساحات بنفايات الفكر النفطي وبعد أن جري إدراج التكفيريين في لائحة صناع الرأي العام!!.

المثير للدهشة هو تلك التحليلات التي تدعي أن الصراع الدائر الآن في صفوف الإخوان هو صراع بين إصلاحيين ومحافظين رغم اعتراف الأخ عصام العريان الباهر بأن الإخوان ليس لديهم مشروع ثقافي فكيف يقال إصلاحيون ومحافظون؟!.

الصراع في حقيقته هو صراع أشخاص ومجموعات وأمزجة لا أكثر ولا أقل.

لسنا معنيين بما يردده الإخوان من إشادة بديموقراطيتهم وكيف فشل النائب الأول للمرشد في الوصول مجددا للمكتب لأن هذا يعني شيئا واحدا هو أن الإخوان يتصرفون كحزب سياسي ذي غطاء إسلامي لا أكثر ولا أقل وأن التهويمات التي يطلقونها حول الجماعة ودورها الشامل في إحياء الدين وأن مرشد الجماعة هو مشروع إمام للأمة الإسلامية ولا أدري كيف يفشل إمام (مكلف بإرشاد الأمة وهدايتها) في انتخابات مكتب الإرشاد؟!.

الإخوان لا يعرفون من أين أو إلي أين وكذا غيرهم من المحللين ولكن الجميع يتنافسون الآن  على إنجاز (إعلامي) رغم أن (الْكَفَّ عِنْدَ حَيرَةِ الضَّلاَلِ خَيرٌ مِنْ رُكُوبِ الاَْهْوَالِ)!!.

المجتمع المصري وليس الإخوان وحدهم هو من يحتاج للإصلاح والإصلاحيين.

www.rasemelnafis.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/كانون الثاني/2010 - 23/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م