إيران: بينَ تجاهُل النظام لأصداء التاريخ ونهوض حركة الحقوق المدنية

 

شبكة النبأ: مابين وفاة منتظري الذي تعتبره المعارضة الايرانية بمدّها الأخضر عبر موسوي ملهماً روحياً ومابين دخول الاحتجاجات الاخيرة المرحلة الدموية في المواجهة مع السلطات تكون الثقة قد انخفضت لأقصى مراحلها بين النظام وشريحة كبيرة من الشعب الايراني الذي عُرف عبر التاريخ بأنه يأخذ حقوقه بيده دون خوف من القمع.

وقد اتخذت تداعيات المواجهات الدموية الاخيرة مع المتظاهرين مدى واسعاً في كافة وسائل الاعلام العربية والعالمية التي أجمع أغلبها على ضرورة احترام رؤية الشعب والنزول عند مطالبه وتبديل لغة القمع بلغة الحوار والتفاوض. فكان من بينها المقالات التالية التي نشرتها صحفاً عالمية:

لماذا يتجاهل خامنئي أصداء التاريخ؟ 

ونشرت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحيتها مقالاً بعنوان " لماذا يتجاهل خامنئي أصداء التاريخ؟" جاء فيه:

لاشك أن العالم بأسره تأثر بشجاعة أولئك الإيرانيين المستمرين بالمطالبة بحقوقهم رغم بطش حكومتهم التي لا ترحم ووحشية أساليبها القمعية المخزية. ومن الواضح أن زعماء إيران على استعداد للقيام بأي شيء لصد مد المعارضة الشعبية حتى في يوم «عاشوراء» الذي يصادف موت أكثر شهداء الشيعة قداسة.

وتضيف الصحيفة، لقد كان من المفترض أن تكون هذه المناسبة التي صادفت يوم الأحد الماضي، مناسبة هادئة سلمية للذكرى. فحتى خلال فترة الحرب حرصت الحكومات الإيرانية في الماضي على عدم استخدام العنف لفترة شهرين قبل وبعد عاشوراء. لكن من الواضح أن أكثر ما يشغل تفكير حكام طهران الآن هو المحافظة على بقائهم.

فقد فتح رجال البوليس الأحد الماضي النار على حشود المتظاهرين وقتلوا ما لا يقل عن عشرة أشخاص، واعتقلوا مئات آخرين. ومن المعتقد أن قوات الحكومة هي التي وقفت وراء اغتيال علي موسوي ابن شقيق زعيم المعارضة مير حسين موسوي مرشح الرئاسة البارز في انتخابات يونيو الماضي التي أثارت الكثير من الجدل بسبب التلاعب بنتائجها وفقاً لما قيل آنذاك.

وتتابع الصحيفة، كما ذكرت مواقع المعارضة على شبكة المعلومات الدولية «الانترنت» يوم الاثنين الماضي أن عدداً من شخصيات المعارضة تعرضوا للاحتجاز منهم وزير خارجية إيران السابق ابراهيم يازدي وعماد باغي الناشط في مجال حقوق الإنسان وثلاثة من كبار مساعدي موسوي.

ومن الواضح أن الحكومة تحاول جاهدة إبقاء الشعب الإيراني والعالم بلا معلومات حول ما ترتكبه من أعمال تعسفية وانتهاكات بحق مواطنيها. فقد منعت المراسلين الأجانب من دخول البلاد.

وتضيف الصحيفة، ويجازف الصحافيون بحياتهم اذا ما تجرأوا على القيام بأعمالهم. إذ ذكرت التقارير أن أحداً لا يعرف شيئا عن الصحافي السوري رضا الباشا الذي يعمل مع تلفزيون «دبي»، فقد شوهد آخر مرة وسط المتظاهرين المحاطين بقوات الأمن. لكن لايزال هناك بعد كثيرون من الصحافيين وأصحاب المدونات والمواطنين مصممين على اطلاع العالم الخارجي على ما يحدث في ايران.

كانت الاحتجاجات هذه قد بدأت لأول مرة عندما تغاضى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي عن التلاعب في انتخابات يونيو من أجل فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية.

وتبيّن الصحيفة، بعد ذلك قتلت الحكومة وسجنت عدداً من المعارضين، وخشي عندئذ الكثيرون من أن تذوى حركة المعارضة وتذبل. لكن هذا لم يحدث بل وحصل مؤيدو الإصلاح على دعم كبير من أعضاء طبقة رجال الدين المهمين في إيران.

وبالرغم من كل ما حدث بقي الرئيس أوباما، وهو محق في هذا، منفتحاً على الحوار مع إيران، ومستمراً في البحث عن حل سلمي للنزاع معها حول طموحاتها النووية.

وهو محق أيضاً في إدانة العنف الذي تمارسه طهران ضد المدنيين الإيرانيين وفي إعرابه عن وقوف الولايات المتحدة بجانب الشعب الإيراني كما فعل في خطاب قبوله جائزة نوبل للسلام وفي تعليقاته التي أدلى بها حول أحداث ايران يوم الاثنين الماضي.

وتخلص الافتتاحية الى نتيجة، يبدو أن الحكومة لاتزال تحكم قبضتها على مفاصل السلطة في البلاد ومنها بالطبع الحرس الثوري، الذي يستخدم العنف في مواجهة المتظاهرين، وميلشيا الباسيج. لكن على آية الله خامنئي، الذي ساعد في قيادة ثورة عام 1979 ضد الشاه، ألا يتجاهل أصداء التاريخ حينما تحدى المتظاهرون ضربات قوات الأمن المميتة وهتفوا: «الموت للديكتاتور» في شوارع طهران.

متى تصبح الانتفاضة الإيرانية «ثورة»؟ 

وجاء بصحيفة الغارديان مقالاً آخر للكاتب مايكل بينيون قال فيه: متى تصبح الانتفاضة ثورة؟ لقد شهد التاريخ على مر العصور الكثير من التظاهرات والاضرابات واعمال الشغب التي كانت تتدفق خلالها الحشود وتهدد الانظمة، لكن الحكومات غالبا ما تمكنت من احتواء تلك الاضطرابات الشعبية في معظم البلدان من خلال السرعة في اتخاذ اجراءات القمع، وتقديم بعض التنازلات السياسية.

لكن عندما يكون العنف شديدا، ويكون الغضب الشعبي المكبوت منذ وقت طويل متفجرا، وتفقد الانظمة اعصابها تحل عندئذ اللحظة الفاصلة لتجتاح الثورة بعد ذلك كل شيء.

ويضيف الكاتب، لقد انطلقت شرارة الثورات الكلاسيكية، التي غيرت الكثير في العالم، عندما لم تعد اعمال القمع مجدية ولم يعد بمقدور الشعب تحمل المزيد منها. وهنا نلاحظ ان شعور المزارعين الفرنسيين بالظلم المتراكم عبر السنين في عهد النظام السياسي الفرنسي القديم قبل ثورة عام 1789، واحساس جماهير العمال الروس بالفقر والظلم في روسيا القيصرية، لم يتحولا الى ثورة الا بعدما حاول النظامان الفرنسي والروسي الاستجابة لبعض مطالب الشعب مما شجع من يوصفون بالثوريين على الاضراب. وما ان فقدت الارستقراطية الفرنسية قدرتها على القمع حتى اصبحت هدفا للجماهير الغاضبة الثائرة.

ويتابع الكاتب، وعندما تنازل قيصر روسيا عن سلطته، واعلنت حكومة الكسندر كيرينسكي المؤقتة عزمها على القيام بإصلاحات واسعة النطاق، انتهز البولشيفيك الفرصة واعلنوا ثورتهم. من الواضح اذا ان التنازلات السياسية غالبا ما تكون نذيرا لثورة.

ويستدرك الكاتب، لكن من الملاحظ ايضا ان الانتفاضات غالبا ما تنتهي وتضمحل عندما تلجأ الحكومات التي تشعر بالتهديد في بعض البلدان لمضاعفة اجراءات القمع، وتستدعي جنودها لاطلاق النار على المتظاهرين واعتقالهم.

وهذا ما فعله صدام حسين بعد هزيمته في حرب الخليج عام 1991 عندما واجه ثورة شعبية في جنوب العراق. فقد تمكن حرسه الجمهوري من قمع الثوار بعنف مما دفع السكان الشيعة، الذين وقفوا وراء تلك الثورة، الى الانكفاء ومن ثم الخضوع، وتمكن نظام صدام من البقاء.

وتستطيع القوات الاجنبية القيام بنفس هذه المهمة ايضا. ففي ألمانيا الشرقية عام 1953 تم قمع التظاهرات واعمال الشغب المناهضة لحكومة ولتر اولبريخت الشيوعية في برلين الشرقية بسرعة بمساعدة من قوات الاحتلال السوفييتي. وفي هنغاريا سحقت الدبابات السوفييتية انتفاضة عام 1956، وتحول ربيع براغ بعد 12 سنة من ذلك الى شتاء عندما قادت موسكو الهجوم الذي نفذه حلف وارسو.

ويبيّن كاتب المقال، في كل تلك الحالات لم تحاول الحكومات شراء رضا الثائرين أو اعطاءهم اية شرعية سياسية. غير ان موجة الثورات التي حدثت في اوروبا الشرقية عام 1989 كانت مختلفة. فزعماء ألمانيا الشرقية الشيوعية كانوا يعتمدون على موسكو لتدعم قمعهم بقوة عسكرية، لكن ميخائيل غورباتشوف رفض ذلك، وكانت رسالته للزعماء الشيوعيين في كل انحاء الكتلة السوفييتية هي ان عليهم انتهاج طريقه في الاصلاح، وانه سيتخلى عنهم ان لم يفعلوا ذلك. وهنا ظهر الصدع الاول في ألمانيا الشرقية عندما جرى ابعاد رئيس الحزب الشيوعي اريك هونيكر عن السلطة. عندئذ اصبح المتظاهرون اكثر جرأة لا سيما عندما تلقى الجيش اوامر تمنعه من فتح النار عليهم. وعندما اندفعت الحشود نحو جدار برلين كانت النقطة الفاصلة قد حلت وسقط النظام دون اية خسارة بالارواح. حدث نفس هذا الامر في هنغاريا، تشيكوسلوفاكيا وبلغاريا.

اذا، يمكن القول ان الثورة تصبح حتمية في اغلب الاحوال عندما يفقد النظام القمعي ولاء قواته المسلحة واجهزة الشرطة. فعندما حاول مارسيلو كايتانو خليفة انطونيو سالازار ديكتاتور البرتغال الاستمرار في حكمه الفاشي والتمسك بمستعمرات البرتغال في العالم، انهار النظام عندما وجه رئيس الجيش الجنرال انطونيو دي سبينولا كتابا قال فيه ان تلك السياسة متعذرة ولا يمكن تحقيقها. وما ان حل عام 1974 حتى اكتسحت الثورة البلاد ولم تفعل قوى الامن شيئا لوقفها.

ويخلص الكاتب الى، ان التقارير تشير الى ان بعض وحدات الامن في ايران رفضت فتح النار على المتظاهرين. لكن يبدو الرئيس احمدي نجاد الآن آمنا بفضل ولاء ميليشيا الباسيج والحرس الثوري له. كما انه لم يحاول شراء المحتجين من خلال تقديم تنازلات يمكن ان تجعلهم اكثر جرأة في مطالبهم. غير ان محاولات قمع المعارضة لا تعني ان الكلمة الاخيرة ستكون لانصار الخط المتشدد.

ويختم الكاتب مقاله مبيّناً، صحيح ان القمع الوحشي المستمر يمكن ان يخمد الثورة لوقت طويل، لكن ثورة ملايين الايرانيين على نظام الشاه لا تزال حية في ذاكرة الشعب، ويمكن ان تتكرر من جديد لأن النقطة الفاصلة اصبحت اقرب مما يتصوره الكثيرون.

هل تزيد وفاة منتظري حدة المواجهة

وفي مايتعلق بتداعيات وفاة منتظري نشرت صحيفة التايم مقالاً للكاتب روبن رايت قال فيه: اشتهر آية الله حسين علي منتظري بأنه رجل ايراني الديني الجريء الذي لا يهاب شيئا ففي البداية تحدى حكم الشاه السلطوي ثم واجه فيما بعد الثورة نفسها التي ساعد هو في تحريكها وتأجيجها.

والسؤال الآن في طهران: هل يؤدي موت هذا الرجل على نحو مفاجئ الى توسيع حدة المواجهة بين النظام القائم وحركة المعارضة الخضراء؟

ويضيف الكاتب، الحقيقة ان منتظري، الذي مات عن 87 عاما، كان واحدا من مجموعة صغيرة من آيات الله العظمى في عالم الشيعة، وكان مقرراً أيضا ان يخلف آية الله العظمى روح الله الخميني كمرشد اعلى، لكن انتقاده للنظام وفر غطاء لحركة المعارضة الخضراء، وأغضب اركان النظام الديني الذي يحكمه رجال دين من مرتبة ادنى من مستواه.

فبعد انتخابات الثاني عشر من يونيو الماضي المثيرة للجدل، تشكك منتظري علنا بفوز الرئيس محمود احمدي نجاد، وحذر قوات الامن في ايران بأن الله سوف يحاسبها من اعمالها المسيئة للمحتجين المعارضين لنتائج تلك الانتخابات.

بل وفي رسالة تبحث عن الذات وجهها الى رجال الدين والمنتديات الدينية، ذهب منتظري الى حد القول ان ما يجري اليوم باسم الثورة لا يقتصر ببساطة على تغيير الاسماء والشعارات بل ويعمل للاستمرار في عمليات القمع والاساءات التي مارسها النظام السابق وقال: الجميع يعلم اني من المدافعين عن الحكم الديني لكن ليس مثل هذا النوع منه، اني اريد ان يختار الشعب نوابه ويراقب اعمالهم لكنني اشعر الآن بالخجل من الطغيان الذي يمارسه البعض باسم الثورة، ان ما نراه الآن هو حكومة بوصاية عسكرية، وليس حكومة تحت اشراف علماء دين مسلمين.

ويبيّن الكاتب، من الواضح ان تحول منتظري هو انعكاس مصغر لتجربة ايران الثورية ولتطوير الانقسام بين رجال الدين وحول هذا يقول شاؤول بخاش مؤلف كتاب: «عهد آيات الله»: لقد بدأ منتظري حياته كشخص راديكالي وكمهندس لنظام في الحكم يضع الكثير من السلطة في يد المرشد الأعلى، وكان ايضا واحدا من اركان الحركة الاسلامية العالمية التي التزمت بتصدير الثورة الايرانية كما تلقى ابنه محمد تدريبا مع منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، لكن ما ان حلت الذكرى السنوية العاشرة للثورة حتى بدأ منتظري ينتقد النظام بجرأة لفشله في تحقيق وعوده.

ويوضح، في هذا الاطار أدان منتظري اعدامات المنشقين الجماعية ودعا الحكومة لتصحيح «اخطاء الماضي» وبعد فتوى الخميني بقتل سلمان رشدي مؤلف كتاب «آيات شيطانية» قال منتظري محذرا: لقد بدأ انطباع العالم عنا يشير الى ان عملنا في ايران هو قتل الناس فقط، ويضيف بخاش قائلا: ثم اصبح منتظير في وقت لاحق من حياته مدافعا عن حقوق الفرد التي تم تجاهلها خلال السنوات الاولى للثورة، وأخذ يدافع عن كل شيء بدأ من حرية الصحافة الى حرية التعبير.

غير ان صراحته التي اتسمت بجرأة واضحة جعلته يعيش رهن الاعتقال المنزلي بأمر من السلطات منذ عام 1997 عندما جرى اغلاق مدرسته الدينية، كما تعرض مكتبه للهجوم مرات عدة، ووصفه حراس مدنيون دينيون مرة بانه (من هراطقة العصر) في محاولة منهم لتشويه سمعته. وغالبا ما انتشر رجال الامن السري امام بيته لمنع اي اتصال مع الخارج. الا انه ما لبث ان بدأ باستخدام الانترنت في عام 2000 ليتراسل مع رجال دين آخرين ومع مؤيديه الساعين لنصائحه.

ويستطرد الكاتب بالقول، لو تذكرنا منزلته الدينية الرفيعة وآراءه الواضحة لما تعين علينا الشعور بالدهشة اذا ما اصبح منتظري خصما عنيدا لمرشد ايران الاعلى الراهن علي خامنئي، الذي لم يكن لديه اي رد حقيقي عندما وصف منتظري جمهوري ايران الاسلامية بانها «ليست اسلامية ولا جمهورية» وفقا لما يقوله كريم سادجادبور من معهد كارنيجي للسلام الدولي.

والواقع ان مكانة منتظري الكبيرة ظهرت من خلال تدفق آلاف الايرانيين الى مدينة قم لدى سماعهم خبر وفاته ومن خلال هتاف مؤيديه: «منتظري، سوف نتابع مسيرتك».

يقول سادجادبور: لقد فقدت الحركة الخضراء بموته معلمها الروحي، ولا شك ان موته يشكل ضربة للمعارضة لكن يتعين الا يؤثر عليها هذا بشكل كبير لانه يمكن ان يساعدها في تأمين المزيد من المناهضين للنظام، ولاسيما اذا ما تذكرنا انه توفي في شهر محرم الذي يمثل لدى الشيعة شهر الشهادة، كما ان اسبوع الحداد بعد موته يصادف ايضا مع «عاشوراء» الذي هو اقدس يوم للحداد بمناسبة ذكرى استشهاد الحسين حفيد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتشكل كل هذه المناسبات الروحية فرصة طيبة لمؤيدي المعارضة للتجمع والاحتجاج.

ويختم الكاتب قائلاً، يلاحِظ سادجابور ان ما جعل منتظري متميزا بين اقرانه هو استقامته فبينما جمع الكثيرون من رجال الدين السياسيين الثروات، وسعوا من اجل التمتع بالنفوذ السياسي، ترفّعَ منتظري عن مثل هذه المكاسب وبقي محافظاً على امانته.

ما يحدث بداية لحركة حقوق مدنية 

وكتبَ الباحث سكوت بيترسن مقالاً بصحيفة كرستيشن ساينس مونيتور قال فيه: رغم الجهود المكثفة التي بذلتها وتبذلها أجهزة الأمن منذ ستة أشهر والى الآن لقمع الحركة الخضراء المعارضة، شهدت شوارع طهران يوم الاثنين الماضي جولة جديدة من الاشتباكات التي كان بعضها دامياً بين رجال الشرطة وآلاف من الطلاب المتظاهرين المناهضين للنظام.

هذه المظاهرات والاحتجاجات، التي لم تشمل فقط جامعة طهران بل شملت عددا من مدن إيران الأخرى، دفعت مراقبي الشؤون الإيرانية للقول إن ثبات حركة المعارضة أمام إجراءات القمع القوية تشير الى أن عالم السياسة في ايران تغير على نحو لا يمكن الرجوع عنه.

يقول حامد دباشي، المتخصص بتاريخ ايران في جامعة كولومبيا بنيويورك: هذه ليست ثورة بل بداية لحركة حقوق مدنية مماثلة لتلك التي قادها مارتن لوثر كينغ خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة.

المسؤولون الإيرانيون المتشددون كانوا قد حذروا أنهم سيواجهون بلا رحمة أية محاولة تستهدف خطف «يوم الطلاب الوطني»، الذي هو يوم للاحتفال بذكرى موت ثلاثة طلاب خلال مظاهرات مناوئة لأمريكا عام 1953م.

لذا، تدفق رجال ميليشيا الباسيج المتنكرين كطلاب الى جامعة طهران، وسيطروا على بوابتها الرئيسية من الداخل، وذلك بهدف تخويف الناشطين قبل الاحتجاجات الأخرى الأكثر اهمية التي ستأتي في وقت لاحق من هذا الشهر.

وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على العشرات من زعماء الطلاب في الفترة التي سبقت «يوم الطلاب الوطني» وأبطأت أداء خدمات الإنترنت أو حتى أوقفتها، كما طلبت من رجال وسائل الإعلام الأجنبية البقاء في مكاتبهم.

ويستدرك الكاتب، لكن رغم حملة القمع هذه، عادت مواقع الـ«فيس بوك» والـ«تويتر» بل ومواقع الشبكة الايرانية، التي غالباً ما تغلقها السلطات أو تقيدها، للعمل من جديد ربما بهدف جمع معلومات حول المحتجين.

حول هذا يقول مصدر مطلع في طهران: إنهم يريدون إثبات أن بمقدورهم تعقب الناس واصطيادهم، ومن شأن هذا نشر الشعور بالخوف بالطبع.

وكان مئات الآلاف من الايرانيين قد نزلوا الى الشوارع بعد انتخابات يونيو الماضي احتجاجاً على التلاعب فيها الذي أعطى الرئيس محمود أحمدي نجاد فترة رئاسية ثانية.

في ذلك الوقت لقي عشرات الأشخاص نحبهم، وتم إلقاء القبض على الآلاف، وأعلن القائد الأعلى آية الله علي خامنئي أن عدم القبول بنتائج الانتخابات هو أكبر جريمة.

ويبيّن كاتب المقال، من الملاحظ أن تكتيكات أجهزة الأمن القاسية، وما قيل عن عمليات اغتصاب وتعذيب في السجون آنذاك جعلت مشاركة الايرانيين في المناسبات والاحتجاجات العلنية أقل مما كانت عليه سابقاً. لذا، قلما ظهر زعماء الحركة الخضراء المعارضة مثل مرشح الرئاسة السابق مير حسين موسوي، الذي كان أعلن فوزه في انتخابات يونيو، خلال الأشهر القليلة الماضية.

ويوضح الكاتب، إلا أن موسوي أدلى ببيان على الانترنت عشية المظاهرات قال فيه: الأمة العظيمة لا تبقى صامتة عندما يصادر البعض صوتها. ثم توجه موسوي في بيانه الى رجال قوات الأمن قائلاً: إخوتي الأعزاء، إذا كانت جهودكم الكبيرة لا تحقق الغاية المطلوبة فإن سبب هذا يعود لخطئكم في اختيار ميدان المواجهة. إنكم تقاتلون ابناء شعبكم في الشوارع، لكنكم تخسرون بهذا كرامتكم في أذهان الناس جميعاً.

الحرس الثوري هو صانع القرار السياسي الحقيقي

وفي مقال آخر نشرته صحيفة كريستشن ساينس مونيتور بقلم سكوت بيترسن جاء فيه: اذا كان آية الله علي خامنئي يحمل لقب: «القائد الاعلى» في ايران، الا ان هناك قوة اخرى تلعب دورا متزايدا وحاسما في دعم نظام الحكم الاسلامي في طهران منذ الاحداث التي اعقبت انتخابات الرئاسة المثيرة للجدل في يونيو الماضي. هذه القوة هي بالطبع: الحرس الثوري الاسلامي. فهذا الحرس، الذي تم انشاؤه عام 1979 لحماية مُثل وافكار الثورة الاسلامية، لعب دورا بارزا في قمع المعارضة بعنف بعد الانتخابات لأنه رأى فيها تهديدا للنظام يدفعه الى حافة الانهيار.

وعلى الرغم من ان الحرس كان قد وسع بدرجة كبيرة مساحة سيطرته على مرافق كثيرة في الجمهورية الاسلامية من خلال اضافة مؤسسات اعلامية وشركات جديدة الى امبراطوريته التي ازدادت حجما خلال فترة رئاسة محمود احمدي نجاد الاولى، الا انه يتحرك الآن للسيطرة على كل مفاصل القوة في الدولة، وفقا لما يقوله علي رضا نادر، محلل الشؤون الايرانية في معهد رائد ومؤلف تقرير شامل عن نفوذ الحرس وتأثيره بالمجتمع الايراني.

اذ يلاحظ نادر قائلا: لدينا الآن قوة لا تنخرط فقط بالسياسة بل وتأخذ زمام المبادرة فيها وتتولى الاشراف على كل شيء بالدولة، ولقد ادى هذا الى تحول شديد نحو اليمين والى العسكرة بدرجة لا سابق لها من قبل داخل نظام الحكم. فبينما كان الحرس على الدوام هو حارس اكثر الاسرار الايرانية اهمية بما فيها المنشآت النووية وترسانة الصواريخ البالستية، اصبح الآن صانع السياسة الايرانية.

ويوضح الكاتب قائلاً، صحيح ان خامنئي لا يزال يمثل السلطة الاعلى في ايران، لكنه اصبح مديناً من وجوه عدة للحرس الثوري في الاحتفاظ بهذه السلطة لأنه فقد في منصبه كقائد اعلى الكثير من المصداقية، والدليل على هذا قيام المحتجين في الشوارع بإحراق صوره والهتاف بشعار: «الموت للديكتاتور»، ولا شك ان خامنئي واحمدي نجاد ادركا مغزى هذه الرسالة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/كانون الثاني/2010 - 18/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م