الوازع ديني والرادع قانوني

مرتضى بدر

بين الوازع الديني والرادع القانوني توجد مشتركات وتقاطعات وأحياناً تعارض وتصادم. الحدود والحقوق هما العنوانان الرئيسيان لجميع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، فمن خلال وضع الحدود قد تُصان الحقوق.

إذاً الحدود والحقوق هما المبدآن الأساسيان اللذان ينظمان العلاقة بين الناس وبين الدول، وكذلك بين المواطنين والمؤسسات الرسمية والسلطات القانونية في أي دولة. الدافع وراء سنّ قوانين رادعة هو وجود نزعة الطغيان، والتجاوز، والهيمنة، والتسلط، والجشع لدى الإنسان. التشريعات السماوية والقوانين الوضعية جاءت لوضع حد لتلك النزعة وحفظ الحقوق الخاصة والعامة.

في الواقع، يعتبر الوازع الديني أهم من القوانين الرادعة، فهو الأساس في منع التجاوزات والانتهاكات؛ فكم من قوانين صارمة لم تتمكن من منع المتجاوزين للقوانين ووقف المعتدين، بل أحياناً نجد أن بعض القوانين تسنّ لحماية المتجاوزين ومنتهكي الحقوق!! الوازع الأخلاقي النابع من الذات الإنسانية قد يكون كفيلاً لوضع حد لكثير من التجاوزات والمخالفات؛ ذلك لأن النفس الأمارة بالسوء بحاجة إلى قوة رادعة قادرة على لجمها.

هذه القوة لا نجدها في القوانين ولا في استخدام القوة القهرية من قبل السلطة الأمنية، بل نجدها فقط وفقط في قوة الإيمان، وقوة الورع، وخشية الله، وتتلخص في كلمة واحدة هي (تقوى الله).

الإنسان المتقي يلتزم بالحدود الشرعية، ويحافظ على النظام العام، ويحترم القوانين التي تنظم العلاقات الاجتماعية والسياسية والإدارية وغيرها. إذاً الوازع الديني يعتبر الساتر والحصن المعنوي الذي يحدد مسار ومسير الفرد، ففي الوقت الذي يمنعه من الوقوع في المحرمات، وتجاوز الحدود، وانتهاك حقوق الآخرين، فإنه ينمي في الفرد البصيرة، وحسن الخُلق، والتسامح.

 إننا من كل ما أوردناه نستنتج أنّ الوازع الديني أعلى منزلة، وأكثر قوة من الرادع القانوني. وفي هذا الصدد يقول الشيخ راتب النابلسي في موسوعته (موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية): «عظمة الدين أنّه يخلق في الإنسان وازعاً بينما القانون يخلق رادعاً، القانون دائماً ردعه خارجي، فما دامت الصالة مراقبة تلفزيونياً فلا يسرق أحد شيئاً، وإلا فالسرقة شريعة القوم. هذا القانون لا يستطيع أن يفعل في الإنسان إلا فعل الرادع، أما الدين ففيه وازع داخلي يرقى بالإنسان رقياً إلى مرتبة الملائكة».

 وأما الباحثة عالية بايزيد إسماعيل - في تعريفها لمفهوم الردع - فتقول: «أما الردع فيعني أن تكون العقوبة عبرة لمن تسول له نفسه بارتكاب أي فعل جرمي, والردع قد يكون معنويًا أو أخلاقيًا وهو الالتزام بالسلوك العام وبالقوانين والأنظمة بصورة طوعية وذاتية ، وهذا النوع من الردع يسبق الردع القانوني وذلك تبعًا لدرجة تطور المجتمع الحضاري، والعقوبة يجب أن تكون متناسبة مع الفعل المرتكب». 

المجتمعات الغربية التي تعرضت لغربلة فكرية ساقتها التحولات والتطورات العلمية والصناعية والاقتصادية إلى ترجيح الرادع القانوني على الوازع الديني، تطرفت في ذلك لدرجة الغلو حتى قال أحد مفكريه: «إنّ الدول الغربية بقدر ما تطرّفت في وضع قوانين رادعة وصارمة، فإنها فرّطت كثيراً في القيم الدينية وتراجعت عن بعض المبادئ الديمقراطية». واستشهد بزواج المثليين، وتشديد الخناق على المسلمين خصوصا منع ارتداء الحجاب لطالبات المدارس، إضافة إلى دعمها للأنظمة الديكتاتورية. 

الفلاسفة والمفكرون الغربيون أخذوا يدقون اليوم ناقوس الخطر نتيجة التراجع الحاد عن القيم الدينية، والمبادئ الديمقراطية. فبين الإفراط والتفريط فقدت معظم المجتمعات الغربية توازنها القيمي نتيجة اتساع رقعة الانحلال الخُلقي. هذا التغيّر والتحول، والصعود للقيم المادية مقابل الهبوط الحاد للقيم الدينية في الغرب قد تكون كافية للدول الصاعدة اقتصادياً في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي للوقوف وقفة صادقة مع الذات وأخذ العبرة.

والمعلوم أنّ أيّ تحول اقتصادي في بلد ما قد ينعكس مباشرة على القيم المجتمعية، إمّا سلباً إذا تكاسلت الدولة في الحفاظ على قيمها، أو إيجاباً إذا أحسنت التصرف. وحتى لا تنساق مجتمعاتنا إلى ما سيقت إليها المجتمعات الغربية فيجب دعم الوسائل التي ترسخ من خلالها القيم الدينية في مجتمعاتنا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/كانون الاول/2009 - 14/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م