رحيل المنتظري: عقود في مكافحة الطغيان والدكتاتورية

ترقُّب حذِر واعتقالات إثر وفاته

 

شبكة النبأ: اعلن في ايران عن وفاة رجل الدين آية الله حسين علي منتظري الذي يُعد احد العلماء الذين يحاطون باحترام خاص كونه احد المرشدين الروحيين للثورة الايرانية التي نتجَ عنها قيام دولة اسلامية قبل 30 عاماً واعتُبر لفترة الشخصية المرشحة لخلافة الخميني.

وفي غضون ذلك قال موقع على الانترنت يستخدمه الاصلاحيون في ايران ان شرطة مكافحة الشغب الايرانية شوهدت في مناطق متفرقة من مدينة قُم المقدسة موطن الراحل منتظري. تحسباً لأية أحداث قد ترافق مراسيم تشييع منتظري اليوم الاثنين.

وقال موقع على الانترنت Tagheer الذي يستخدمه الاصلاحيون في ايران ان شرطة مكافحة الشغب الايرانية شوهدت في مناطق متفرقة من مدينة قم المقدسة لدى الشيعة وهي موطن رجل الدين الايراني المعارض البارز اية الله العظمى حسين علي منتظري الذي توفي يوم الأحد. وقال موقع تغيير "وردت تقارير تفيد بوجود مكثف لشرطة مكافحة الشغب في مناطق متفرقة من قم."

وفي وقت سابق يوم الأحد ذكر الموقع أن أنصار المعارضة الايرانية يتجمعون في ميادين العاصمة حداداً على رجل الدين المعارض البارز آية الله العظمى حسين علي منتظري.

وذكرت وسائل اعلام رسمية أن منتظري وكان من أشد منتقدي القيادة المحافظة للجمهورية الاسلامية توفي اثر اصابته بسكتة قلبية عن 87 عاما.

وقال موقع تغيير التابع لرجل الدين المؤيد للاصلاح مهدي كروبي "دعت الشبكة الاجتماعية لحركة الاصلاح أنصارها للتجمع في ميدان محسني للحداد... بعد تقارير أفادت بأن الناس تجمعوا بالفعل في بعض الميادين الاخرى بطهران."

وقد اصدر منتظري بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران الماضي فتوى تدين حكومة الرئيس محمود احمدي نجاد. وخاطب منتظري حينها رجال الدين الايرانيين انهم قادرون ويجب عليهم ان يسعوا الى الاصلاح.

ووصف منتظري المؤسسة الدينية في البلاد "بالدكتاتورية" قائلا على موقعه على الانترنت ان تعامل السلطات مع الاضطرابات التي اندلعت في الشوارع في أعقاب انتخابات الرئاسة المتنازع على نتيجتها "يمكن أن يؤدي الى سقوط النظام."

وقالت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الايرانية ان منتظري حليف الخميني الوثيق منذ الستينات والذي سجنته الشرطة أيام شاه ايران المدعوم من الولايات المتحدة عددا من المرات توفي مساء السبت.

وتابعت في تقرير لم يشر الى صفته الدينية "توفي حسين علي منتظري في منزله الليلة الماضية." وذكرت هيئة الاذاعة والتلفزيون الايرانية أن منتظري كان يعاني من الربو ومشاكل في الشريان التاجي.

ولم تقدم وسائل الاعلام الرسمية بوجه عام تغطية تذكر لوفاته كما لم يُذع التلفزيون الايراني خبر الوفاة بين أبرز الاخبار التي أوردها.

وذكرت وكالة فارس للانباء أن رجل دين بارزا آخر مؤيدا للاصلاح هو آية الله العظمى يوسف صانعي زار منزل منتظري يوم الأحد لتقديم تعازيه.

وقال صانعي على موقعه على الانترنت "نقدم تعازينا في وفاة عالم الدين الورع والمكافح الاسلامي الدؤوب والفقيه الجليل."

وقال موقع بارلمان نيوز الاصلاحي على الانترنت ان الالاف من أنصار منتظري يتجهون الى مدينة قم لتشييع جنازته.وتابع "الالاف من أصفهان ونجف أباد ومدن أخرى متجهون الى قم لتشييع جنازة منتظري الاثنين."

المعارضة الايرانية تؤبن منتظري

وتشيَّع الاثنين جنازة اية الله حسين علي منتظري ابرز رجال الدين المعارضين في ايران في مدينة قم المقدسة حيث من المتوقع ان يشارك الاف في تأبينه فيما قد يصبح عاملا محفزا لاحتجاجات جديدة من جانب المعارضة.

وتدفق انصار منتظري احد مخططي الثورة الاسلامية عام 1979 التي اطاحت بالشاه الذي كانت تدعمه الولايات المتحدة الى قم للمشاركة في تشييع منتظري الى مثواه الاخير في المزار الرئيسي بالمدينة واعلن زعماء المعارضة الاثنين يوم حداد عام.

وتتزامن وفاة منتظري التي اعلنتها وسائل الاعلام يوم الاحد مع تزايد التوتر من جديد في ايران بعد ستة اشهر من اغراق انتخابات الرئاسة المتنازع عليها التي جرت في يونيو حزيران البلاد في ازمة سياسية.

ورشح منتظري في الثمانينات لخلافة الزعيم الروحي اية الله روح الله الخميني ولكنه اختلف مع القيادة ووضع رهن الاقامة الجبرية في منزله في قم منذ عام 1998 حتى عام 2003 واصبح شخصية معارضة تحظى باحترام.

وانتشرت شرطة مكافحة الشغب بالفعل يوم الاحد في شوارع قم مركز تعلم الشيعة حيث يمكن ان تسبب المظاهرات احراجا للقيادة المتشددة ولاسيما اذا انضمت اعداد كبيرة من طلاب المعاهد الدينية الى الاحتجاجات.

وحث الزعيمان الايرانيان المعارضان مير حسين موسوي ومهدي كروبي انصارهما على حضور الجنازة. ويأتي التوتر السياسي في وقت تخوض فيه ايران صراعا مع الغرب بشأن برنامجها النووي . وتقول طهران انها تريد الطاقة ولكن الغرب يشك في انها تخطط لصنع اسلحة نووية.

ومع انتشار انباء وفاة منتظري نتيجة ازمة قلبية يوم الاحد خرج مئات من انصاره الى شوارع طهران ونجف اباد مسقط رأس منتظري مرددين شعارات. وهتفت الحشود في طهران ونجف اباد خلال مشاهد مصورة بثت على الانترنت "منتظري هنيئا لك الحرية."

من جانب اخر قال موقع اينده Ayande الايراني الاصلاحي على الانترنت ان مؤيدي المعارضة رددوا شعارات مناهضة للحكومة في مدينة قم الايرانية يوم الاثنين بعد جنازة رجل الدين المعارض البارز اية الله العظمى حسين علي منتظري.

وتابع الموقع الذي يعتبر مقربا من السياسي المحافظ محسن رضائي "انتهت المراسم الجنائزية والناس متجمعون في الشوارع المحيطة بمنطقة المدافن (في قم) يتظاهرون ويرددون شعارات مناهضة للحكومة."

ومن جهة اخرى  قال موقع اصلاحي ايراني على الانترنت ان مئات الالاف يشاركون في تشييع جنازة رجل الدين الايراني المعارض البارز اية الله العظمى حسين علي منتظري التي بدأت في مدينة قم يوم الاثنين.

وتابع الموقع "الحشد الحالي المشارك في الموكب الجنائزي يقدر بمئات الالاف وهم يرددون شعارات مؤيدة له ولزعيم المعارضة مير حسين موسوي."

فيما قال موقع كلمة Kaleme الاصلاحي على الانترنت يوم الاثنين ان قوات الامن الايرانية اوقفت حافلة تقل انصارا للمعارضة كانوا في طريقهم لحضور جنازة اية الله حسين علي منتظري ابرز رجال الدين المعارضين في ايران واعتقلت بعضهم. واضاف الموقع ان الحادث وقع في طهران في ساعة متأخرة من مساء يوم الاحد.

وقال ان "عددا من هؤلاء الاشخاص اعتقلوا" معطيا اربعة اسماء. ولم يرد تعليق فوري من السلطات.

آراء الراحل منتظري

وقد كان اية الله منتظري دائم النقد لأداء السلطات الايرانية وطريقتها في التعامل مع الشعب الايراني بخصوص الحريات والحقوق والواجبات وقد تحدث سابقا خلال حوار اجرته معه احدى الصحف الايرانية عن الاستقلال وعن مستوى الحريات الذي وصلت اليه الجمهورية الاسلامية قائلا: الإستقلال قد حصل إلى حد ما، لكن عن الحرية و الجمهورية الإسلامية لا يزال طريق طويل أمامنا. وعن الحرية يجب القول أنه بالرغم من الشعارات الحالية التي يرفعها المسؤولون ونموذج على ذلك ما قالوه في أمريكا بأن إيران أكثر البلاد حرية في العالم، فإن هذا القول غير صحيح و تسحق الحريات المشروعة و المقررة في الدستور بسهولة و ذلك من خلال الحصانة التي وضعها السادة لأنفسهم أمام الدستور و الشرع!. ولا تزال الكثير من الأحزاب لا تمتلك الحرية، و بعض الفئات السياسية بسبب معارضتها لأسلوب الحاكمين اعتبرت غير قانونية. ووسائل الإعلام المادحة للحاكمين هي الحرة فقط و لها أن تقول ما تشاء أو أن تكتب بما تُؤمر به، ولكن الإعلام المستقل عن الحكومة يتحمّل مشاكل من ناحية السلطات والمؤسسات الأمنية و القضائية. وبعض الأشخاص محظورين عن البث والتصوير.

مضيفاً، ان المسؤولين يتحدثون عن وجود الظلم و عدم العدالة في العالم؛ ألا يوجد في بلدنا ظلم و عدم عدالة و تعدي على حقوق الآخرين؟!، لقد قلت في خطبة صلاة عيدالفطر: لماذا أغلقتم منذ عشرة أعوام الحسينية التي بنيت بأموال شخصية و كانت محل تدريس الفقه و الاخلاق الإسلامية و إقامة المجالس الدينية؟، بعد قولي هذا رأيتم ما حصل، لقد إعتقلوا حجة الإسلام الشيخ مجتبى لطفي أحد أعضاء المكتب و تعرّض بيته و بيت صهري للتفتيش و صادروا أشياء كثيرة. لماذا إحتلّوا مكاتبنا في مشهد وقم؟

وحول الجمهورية قال المنتظري: مع التدخل الظالم للمؤسسات المنصوبة كمجلس صيانة الدستور أو بعض المؤسسات العسكرية، تحولت الإنتخابات إلى تنصيبات بشكل عملي. ووصموا أناس لائقون وثوريون ومجرّبون في الخدمة إلى المجتمع والناس وصموهم بتهمة معاداة الدين والنظام وتحت ذرائع واهية، والسبب الوحيد هو أنهم كانوا ينتقدون. وعمليا رفضت صلاحياتهم. وكل من هو في مذاقهم يخرج إسمه من صناديق الإقتراع و يعتبرونهم –خطأ- ممثلين عن الناس!، ومن الواضح أنهم وكلاء الدولة لا وكالة الملة!

مبيّناً، إن السادة يلاحظون فقط الولاية المطلقة، ولكنهم يضعون سائر بنود الدستور تحت أقدامهم. إن الولاية المطلقة التي يعتبرها السادة أنها فوق القانون تؤدي إلى حكومة فردية و ديكتاتورية، هذا في حين أنه يجب أن يكون الفقيه -بسبب كونه فقيهاً- مشرفاً على السلطات الثلاثة لكي لا تمارس عملاً مخالفا لموازين الإسلام، لا أن يتدخل في كل جزئيات البلاد، و أن لا تكون أي قدرة للناس و لمن ينتخب بواسطة الآراء الحقيقية للناس.

وعن حقوق الإنسان في ايران والانتهاكات التي تتعرض لها قال منتظري: أن يقال أن وضع حقوق الإنسان في الحال الحاضر أفضل من السابق فهو أمر واضح. لكن أولئك الذين يمارسون الإنتهاكات لا يزالون يعتقدون بممارستها لكنهم يسعون أن يدخلوا من دائرة القانون ويظهروا أن أعمالهم قانونية.

موضحاً، ان الأهم من ذلك إن معظم أعمالهم ليست خافية عن أعين الناس ووسائل الإعلام، وهذا يؤدي بهم إلى أن يضطروا بالجواب. وهذه أرضية مناسبة. لكن للأسف هنالك أشخاص لا يزالون في السجون بجرم إبداء آرائهم الإنتقادية كـ الشيخ هادي قابل و بعض الطلبة. وبعض من كان مسجون في السنوات السابقة قد اُطلق سراحه بكفالات باهظة ولكن لا يُعرف تكليفهم بعد. وبعض الأموال والأماكن قد احتلت وصودرت ولم تسترجع.

نظرة مختصرة في حياة منتظري

ولد آية الله العظمى المنتظري في سنة 1340 هجرية قمرية، الموافق لسنة 1301 هجرية شمسية، 1922 ميلادية في مدينة نجف آباد بأصفهان في أسرة عادية متواضعة. والده المرحوم الحاج علي المنتظري كان فلاحا يعمل في الزراعة ويعيش معيشة بسيطة، وكان كثير القراءة والمطالعة يحب الكتب والمكتبات. وكان مدرسا للقرآن ومعلما للأخلاق. ووالدته كانت متدينة تقية، وكانت ملتزمة أن لا ترضع ولدها إلا وهي على وضوء وكانت مشهورة بالعفة والصدق.

بدأ آية الله المنتظري دراسة الأدبيات الفارسية وقد مضى من عمره سبع سنوات، ثم النحو والصرف العربي، وفي سن 12 سنة دخل الحوزة العلمية في أصفهان وفي سنة 13 من عمره رحل مع أحد من علماء نجف آباد إلى قم المقدسة وسكن في مدرسة ‘’حاج ملا صادق’’ عشرة أشهر، ولكنه واجه مشكلات عدة فرجع إلى أصفهان لإدامة التحصيل، وتميز عن أقرانه في مدة قصيرة، ودرس عند عدد من الآيات، منهم : الحاج آقا رحيم الأرباب، والحاج الشيخ محمد حسن العالم النجف آبادي، والحاج الميرزا على آقا الشيرازي أعلى الله مقامهم؛ وكان لدراسته عندهم تأثير في التحولات التي حدثت على شخصيته العلمية وحياته.

وقد ظهرت فراسته وجودة استعداده في ابتداء حياته حتى أنه فهم بعض الكتب بدون أستاذ وكان يدرسها للطلاب؛ وبلغ درجة الاجتهاد في سن 24 سنة، وكان هذا من الحالات النادرة في عصره.

وعندما مضى تسع عشرة سنة من عمره هاجر للدراسة إلى قم وحضر بحوث الآيات العظام: السيد محمد المحقق الداماد، السيد محمد الحجة، السيد صدرالدين الصدر، الشيخ عباس علي الشاهرودي، الحاج السيد أحمد الخوانسارى، الحاج آقارضا بهاءالدينى، الحاج مير سيدعلي اليثربي، الحاج السيد محمدحسين العلامة الطباطبائى، الحاج آقاحسين البروجردي والإمام الخمينى أعلى الله مقامهم؛ وفى أثناء ذلك تعرف على آية الله الشيخ مرتضى مطهري وكان زميله في الدراسة والمباحثة لمدة أحدعشر عاما وكانا يدرسان عند أستاذ واحد. وبقيت صداقتهما قوية إلى آخر عمر الشهيد مطهري.

آية الله منتظري الذي توفى عن عمره 87 سنة، وله سبعة أولاد: أربع بنات وابنان: الحاج احمدآقا والحاج سعيدآقا، وولده الأكبر حجة الإسلام الشهيد ‘’محمد منتظري’’ الذي استشهد في السنة 1360 في طهران في الواقعة المؤلمة التي تفجر فيها مقر الحزب الجمهوري الإسلامي. وهو - مد ظله - في معاشرته مع الناس باختلاف طبقاتهم يكون لينا متواضعا بلا تكلف، ولا يرى لنفسه تميزا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/كانون الاول/2009 - 5/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م