دول الجوار وضرورة احترام التجربة العراقية

 

شبكة النبأ: يتفق المراقبون بأن دول الجوار للعراق هي اكثر الدول التي عانت من السياسة العشوائية التي كان ينتهجها النظام السابق وهو أمر أثبتته الوقائع على الارض مع اننا نضع حسابات المصالح الوطنية كمعيار أول في تحديد صحة هذه المعاناة لهذه الدولة او تلك، ومع ذلك لا احد يستطيع أن يغفل التخبط الداخلي والخارجي لتحركات النظام الشمولي السابق في العراق وسياساته التي كانت قائمة على الارتجال.

ولهذا السبب كنا نتوقع أن تغيير النظام السابق وإقامة تجربة سياسية بديلة له سوف تسرّ دول الجوار ربما اكثر من العراقيين أنفسهم، وكان يُفترض من هذه الدول اسناد هذه التجربة ومساعدة العراقيين على بناء حكومتهم الجديدة وسعيهم لبناء دولة المؤسسات التي لا تسمح للفرد الحاكم بإصدار قراراته السياسية المتهورة التي قد تضر بهذه الدولة الجارة او تلك ناهيك عن الشعب العراقي نفسه.

بيد أن الصورة اختلفت تماما بعد سقوط النظام السابق، وان هذا التوقع المنطقي انتفى تماما وحل محله تجاوزات فاقت التصور من لدن دول الجوار، واذا كان ثمة من يقول ان للمصالح الذاتية لهذه الدول وللحسابات الدولية وتصفيتها بين الفرقاء والاصدقاء وما شابه دور في تلك التجاوزات التي قامت بها دول الجوار ضد التجربة العراقية الجديدة، فإنها عندما تحملت عشوائية سياسة النظام العراقي السابق كانت تنطلق من حسابات المصلحة الوطنية أيضا، لذا كان من المتوقع منها أن تقف الى جانب هذه التجربة او على الاقل لا تعمل على تعويقها خاصة اذا كان الاتجاه السياسي فيها يعمل على بناء دولة قائمة على عدم حصر القرار السياسي بيد الفرد الحاكم.

لقد لاحظ العراقيون جميع الادوار المناهضة لتجربتهم الجديدة خاصة تلك التي تنطلق من دول تحيط بهم وتشكل دائرة متكاملة حول حدود دولتهم، فقد شكى العراقيون كثيرا من الحدود السورية وتسريبها لمئات او آلاف الانتحاريين الى داخل الاراضي العراقية منذ عام 2003 وحتى هذه اللحظة ناهيك، عن تسريب الاسلحة واكداس العتاد والمتفجرات ومعسكرات التدريب وما شابه، في حين حدث الامر نفسه فيما يخص الحدود السعودية خاصة تسرب الانتحاريين.

كما اننا تابعنا ما قامت به دولة الكويت من محاولات تجاوز على حقل الرميلة النفطي وترسيم الحدود الذي فُرض دوليا على العراق بسبب سياسات صدام الطائشة وقد قبل به العراقيون على مضض في حينه، ثم كلنا يعرف دور الكويت في ابقاء العراق تحت رحمة البند السابع الذي يعد بمثابة قيد جائر لحريته في المجالات كافة.

 أما تركيا فهي وإن لم تتدخل بحدة في هذا المجال لكنها أوجدت ورقة الضغط المناسبة التي تستطيع من خلالها ان تمارس عملية ابتزاز للعراقيين في مجال السياسة والاقتصاد وغيرهما، وتلك هي ورقة المياه وحبسه في خزاناتها وسدودها حتى بدا نهرا دجلة والفرات وكأنهما يمرات في حالة الاحتضار التي سيجفان بعدها تماما، ناهيك عن التدخلات العسكرية الدائمة في الشمال والقصف الدائم للقرى الحدودية في اشارة واضحة الى ضعف الحكومة العراقية الجديدة وعدم قدرتها على حفظ سيادتها واراضيها والدفاع عن مواطنيها.

أما إيران فهي الاخرى قامت بعمليات تعويق كثيرة للتجربة العراقية الجديدة وحاولت ان تجعل من العراق جرحا امريكيا تضغط من خلاله على امريكا وقتما تشاء او تتضايق في مجال سياسي دولي ما، كما هو الحال مع ملفها النووي، فلقد انطلقت ايران في تعاملها مع العراق وتجربته الجديدة من مصلحتها الذاتية البحتة ووضعت كل المعايير الاخرى خلف ظهرها، فقد سربت الاسلحة كما اعلن مرارا من قبل مسؤولين عراقيين ودربت الميلشيات وجعلت من العراق ارضا مقتوحة لتصفية حساباتها مع الغرب وامريكا تحديدا، ووصل الامر الى تغيير مجرى نهر الكارون وابعاده عن منطقة الاهوار العراقية، ولعل آخر ما تناقلته الاخبار والسياسيين هو الاستيلاء على بئر نفطي عراقي في محافظة ميسان منطقة الفكة، من قبل قوات عسكرية ايرانية، وهو دليل جديد وطازج على محاولات تعويق بناء التجربة التي ينبغي أن تكون بديلا عن نظام صدام الذي ذاقت ايران والعراقيين انفسهم منه الامرين.

لذلك يُستحسَن من دول الجوار أن تستذكر الماضي القريب والمعاناة التي طالت دول المنطقة اجمع والعراقيين انفسهم، وتعمل على مساعدة العراقيين في محاولاتهم الدؤوب على بناء دولة المؤسسات التي تمنع العراقيين من الانجراف نحو الحكم الفردي الذي قد يكرر تجربة صدام ثانية في العراق ويحول المنطقة برمتها الى كرة نار ملتهبة لا تعرف الهدوء والاستقرار، واذا كانت المصالح الذاتية والحسابات الدولية في تداخل دائم، فينبغي أن يتم ذلك في ظل استقرار العراق ودول المنطقة أجمع لأن هذا الوضع يصب في مصلحة الجميع من دون استثناء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 20/كانون الاول/2009 - 3/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م