دوافع الاختراقات الأمنية المسكوت عنها

مازن الياسري

يجد العديد من العراقيين ممن يمثلون جهات رسمية اوشعبية بأن التصدعات اوالانتكاسات الامنية المتتالية والتي تصيب الواقع العراقي (بغداد خصوصاً).. تنشأ عادة عبر اختراقات امنية، وبطبيعة الحال لا يحمل دعاة هذا الطرح توضيحاً حول طبيعة هذه الاختراقات وكينونتها ان كانت تصنف كتراخي او تغاضي او تورط.

كما يتجاهل مسئولون امنيون كبار هذا الملف في تصريحاتهم الرسمية عقب حدوث اي تفجيرات للحذر من ربط الاختراقات بالتأمر وخاصة ونحن مجتمع متشبع بنظريات المؤامرة.

ان الاختراقات الامنية هو أمر واقع ولا شك انه اساس للكثير من العمليات الارهابية التي تحدث على الارض.. الا ان خطورة الملف ليست في عنوانه وإنما في الاليات المستخدمة والمتورطين، بوجهة نظري ان الاختراقات الأمنية في مراحل الحروب والصراعات والاحتقانات الداخلية تأخذ منحى مختلف وخطير في ميدان الاختراقات عمى قد يحدث في الحروب الخارجية..

وفي المجمل اغلب الاختراقات والثغرات والتواطؤات الامنية تنشأ في محيط مالي، فالفساد المالي واحد من اخطر مسببات الاختراق ومصاديقه عديدة.. فبالتعريج  على تجربة الشقيقة لبنان.. نجد ان الجماعات اللبنانية المتناحرة ابان الحرب الاهلية كانوا يتنقلوا بين مناطق النزاع ويساهمون في وصول السلاح والعتاد وأي مواد اخرى بواسطة اختراقات مدفوعة الاجر مع اعدائهم (حملة السلاح ضدهم) بعبارة اخرى وعلى سبيل المثال عندما تحاصر القوات المسيحية منطقة مسلمة وتغلق منافذها كان السلاح والطعام يدخل الى هذه المنطقة عبر متاريس القوات المسيحية المحاصرة مقابل المال والعكس في المناطق التي يحاصرها المسلمون ويقطنها المسيحيون.

 ولعل الاغرب من ذلك والمثال الواقعي ما صرح به مؤخراً وعلى احدى الفضائيات احد قادة الاحزاب اللبنانية واقطاب الحركة الوطنية والقوات المشتركة المسلحة وهوجورج حاوي امين عام  الحزب الشيوعي اللبناني.. حيث وفي معرض حديثة عن الحصار الذي فرضته القوات الاسرائيلية التي احتلت بيروت في عام 1982 على (المنطقة الغربية لبيروت) والتي كانت معقلاً للقوات المشتركة اللبنانية والفلسطينية اللتان تقاتلان ضد الاسرائيليين.. حاوي قال ان السلاح والعتاد والطعام كان يدخل الى القوات المشتركة القابعة تحت الحصار عبر مناطق تسيطر عليها القوات الاسرائيلية وبالتنسيق المباشر مع سيطرة اسرائيلية تغلق احد معابر المنطقة مقابل توفير المخدرات (الحشيشة) للقوة الاسرائيلية، لتسمح بمرور الامداد للعرب.

نعم انه المال مرة اخرى، وليتصور القارئ كيف يستطيع شيء ان يقرب ويخلق علاقة تعاونية بين عدوان يتنازعان حتى الموت وهم الفلسطينيين والاسرائيليين.. اي قوة قربت هذين الطرفين هل هي قوة المصالح ؟ كلا انها قوة المال.. وهنا نلاحظ ان القوات التي كانت تتلقى الرشوة المادية بأنواعها.. مقابل السماح للسلاح والعتاد ان يمر لاعدائها.. لم تكن تعلم انه يمرر لآعدائها فحسب بل كانت تعلم انه يستخدم ضد جماعتهم ومناطقهم ايضاً.

هكذا هم مرتزقو الحروب في كل مكان وزمان.. بل ان بعض مرتزقة الحروب في القرون الماضية كانوا يغتالون الامير او الملك الذي يسعى لايقاف الحرب.. لان وقف الحرب يعني افلاسهم.. واستمرارها يعني مزيداً من المال والملذات.

ان الارهاب الدولي ومنذ ثلاثين عام او ربما اكثر من ذلك لا يواجه اي مشاكل مالية بل على العكس يجد ذاته احياناً غارق في اموال طائلة تجمع من التبرعات والمنح وغسيل الاموال والتجارات المحرمة وغيرها من الوسائل.. وعلى النقيض نجد ان الوضع المالي المتراجع في العراق او الصعب نسبياً قد يسمح للعديد من ضعاف النفوس بالوقوع في شرك الاموال التي تستخدم في صناعة الاختراقات الامنية.. وانهاء هذا الملف لن يأتي بالتمني، بل يجب ان تكون هنالك اجراءات جامعة لحل هكذا ملف.

وبلا شك لا أدعي ان كل الاختراقات التي تحدث في العراق ذات خلفية فساد مالي او شراء لذمم البعض فليست هناك وثائق او احصائيات او تصريحات رسمية تصب في وجهة النظر هذه.. ولكن هذا لن يغير من الاعتقاد بأن الفساد المالي سبب من اسباب الاختراقات الامنية في العراق.

بالتالي فأحد الحلول المطروحة للقضاء او التضييق على الاختراقات الامنية، هو ايجاد حلول لظواهر الفساد المالي.. ومن باب اخر يتهم العراق مجموعة من الدول المجاورة والاقليمية بالتدخل في شؤونة وتصديع امنه، وهذا الطرح يعزز من نظريات الدور المالي في صناعة الاختراق فالتمويل والدعم المالي هو عصب لاي مشروع تنموي كان ام تخريبي..

 واخيراً هنالك ملف لا يقل اهمية عن الملفات الاخرى وهوملف اموال الاحزاب والحركات السياسية في العراق.. التي ليس هنالك قانوناً ينظم عملها بالتالي ليس هنالك معرفة للامكانية المالية لتلك الاحزاب وماهي مصادر التمويل وأين تصرف اموال بعض الاحزاب التي تدعم وتفتح المؤسسات والمنظمات.. وربما تساهم في الاختراق.

www.alyasery.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/كانون الاول/2009 - 2/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م