في غياب المُنتج المحلي..الملابس الاجنبية تغزو الاسواق العراقية

مهنة الخياطة تجتذب الذَوّاقين مجدداً ولكن على استحياء

 

شبكة النبأ: شهدت اسواق بغداد التجارية حركة تسوّق واسعة خلال فترة عيد الأضحى وما سبقها والتي تزامنت مع عودة الحياة لمناطق وأسواق تجارية جديدة، انعكاساً للتحسن الأمني الذي لم يكن في خدمة المواطن العراقي فحسب بل ايضا فرصة لمورّدي البضائع الصينية والتركية والسورية لتحقيق مزيد من المكاسب.

من جهة ثانية بدأت مهنة الخياطة بالعودة مجدداً الى ساحة المنافسة مع الملابس الجاهزة بعد تراجع ملحوظ خلال السنوات الاخيرة، والتراجع الذي جاء نتيجة لأسباب عديدة كدخول المستورد بأسعار اقل وقلّة اليد العاملة، لم يقف حائلاً لمَن يبحث عن الذوق والاناقة والجمال من خلال ما تنتجه أنامل الخياطين المحترفة.

تحسُّن حركة التسوق واستمرارها الى ساعات متأخرة من الليل والتي كانت سمة للاسواق في الأسابيع الماضية، شكّلَ فرصة للتجار المورّدين لزيادة مبيعاتهم خاصة من البضائع الصينية والتركية والسورية المنشأ وسط غياب شبه كامل للمنتوج العراقي، في ظاهرة انتقدها مواطنون فيما رآها آخرون ايجابية لما توفره من ملابس باسعار رخيصة.

ورغم ما تتسم به الكثير من البضائع المستوردة من “رداءة في الانتاج” بحسب المتسوقين، الا انها شهدت اقبالا كبيرا لرخص أسعارها، خاصة من ملابس الاطفال الذين وجدت عوائلهم نفسها مرغمة على الشراء مع تتابع المناسبات بدءا من العام الدراسي ومن ثم عيد الاضحى لتأتي بعدها اعياد رأس السنة.

وقال سلام علي (30 عاما)، أب لثلاثة اطفال، بينما كان يتسوق في سوق الكرادة، لوكالة اصوات العراق “جئت الى هنا في عيد الفطر وبعدها بشهر مع حلول العام الدراسي الجديد، وفي المناسبتين اشتريت لاطفالي وزوجتي ملابس صيفية على أمل استعمالها في العيد الكبير ايضا، لكن برودة الطقس قبل العيد فرضت علي المجئ مجددا لشراء ملابس شتوية للأطفال لاستقبال عيد الاضحى”.

واضاف “انا من ذوي الدخل المحدود، وأسعار الملابس هذه السنة هي أنسب من الأعوام السابقة وهناك خيارات أكثر، فالبضائع متنوعة أكثر من السابق وأغلبها من مناشئ صينية وتركية وسورية التي غزت الاسواق في الاعوام الأخيرة خاصة مع الغياب شبه الكامل للمنتوج المحلي الذي كان من ناحية الجودة افضل”.

أما ياسر جاسم (24 سنة) الذي كان برفقة خطيبته يتسوق في سوق الكاظمية، فرأى أن “الاسعار مناسبة في سوق الكاظمية ببغداد مقارنة بأسواق اخرى قامت مع اقتراب العيد برفع اسعار الملابس والأحذية والحقائب النسائية”، لافتا الى ان معظم المعروض الذي وجده هو من انتاج صيني وبنوعيات مختلفة.

وقال “معظم المعروض صيني، ورغم ذلك تجد تفاوتا في الاسعار من محل لآخر مع العلم انها نفس البضاعة وربما من نفس المورد، ولا نعرف السر فالكل يبيع بسعر.

عادل عيدان، صاحب محل لبيع الملابس، كشف أن مستوردي الملابس من الصين يسيطرون على السوق ويجنون الارباح الأكبر بسبب رواج سوق بضاعتهم نتيجة رخص اسعارها، لافتا الى وجود درجات مختلفة لنوعية الانتاج.

وأعاد عيدان سبب تفاوت الاسعار لنفس البضاعة بين مكان وآخر الى قيام “التاجر المورد بعرض بضاعته بسعر معين يضطر الكثير من اصحاب المحال الى الشراء منه، وبعد فترة اذا بقيت كمية من البضاعة يقوم ببيعها الى اصحاب محلات التنزيلات وبأقل من نصف السعر الذي باع لأصحاب المحال الاخرى، لكي يتخلص منها تجنبا لدفع اجور الخزن او لتوفير سيولة مالية ليقوم باستيراد بضاعة اخرى”.

وأضاف “ذلك يحدث على حسابنا نحن اصحاب المحلات، حيث يحدث تفاوت في الاسعار يضرنا”، مشيرا الى ان السعر الذي يشترون به البضاعة هو الذي يحدد السعر النهائي للبضاعة بالنسبة للمستهلك، فضلا عن طبيعة التاجر واذا ما كان يبحث عن ربح كبير ام معقول، مبينا “بعض اصحاب المحال يرفعون اسعارهم في الأعياد، لكن آخرين يرفضون استغلال تلك المناسبات فيبقون اسعار ثابتة دون تغيير، بل ان البعض يتساهل كثيرا مع الشرائح ذات الدخل المحدود”.

وأشار عيدان الى اختلاف مناشيء الملابس ودرجات جودتها، قائلا “هناك الكثير من المناشئ ودرجات جودة مختلفة، فهناك الصيني من الدرجة الاولى والذي لا تقل مواصفاته عن التركي من الدرجة الاولى”، منوها الى انه يفضل في عمله الملابس التركية وذلك “لرغبة الناس على اقتنائها بسبب السمعة الجيدة التي تمتلكها”.

لكن سعيد أنور، مدرس متقاعد، شكى من رداءة الملابس المستوردة بما فيها التركية، وقال “البضائع التي تصل الى اسواقنا معظمها من درجات رديئة، نعم الاسعار مناسبة لكن النوعية سيئة وغير صحية فمعظم المصنوعات هي من مادة النايلون وليست من القطن او الصوف”.

وتابع “اعتقد ان شراء ملابس قطنية او صوفية اصلية بسعر مضاعف افضل اقتصاديا وصحيا للمواطن من شراء ملابس غير جيدة وبسعر اقل لأن عمرها اقصر”، داعيا الى “استيراد ملابس ذات مواصفات احسن ومن دول اوربية، او تشجيع الصناعة العراقية عبر دعمها بخبرات الصناعات الاوربية والآسيوية اضافة الى دعمها عبر تشريعات قانونية وقروض مالية”.

ورغم الاحتجاجات التي يبديها البعض على انتشار البضائع الصينية ذات الجودة القليلة وخاصة الملابس، فانها تظل مرغوبة وذات سوق رائجة بسبب رخص ثمنها.

وقال شاكر محمود، وهو صاحب محل لبيع الملابس يقع في سوق شعبي بمدينة الصدر، ان “اغلب الاسر في الاحياء الشعبية هي من البسطاء وذوي الدخل المحدود، لذا يجب ان تكون الاسعار موازية لامكاناتها المادية”، منوها “أسعارنا متوسطة ويساعدنا في ذلك انتشار البضائع الصينية والسورية ذات الاسعار المناسبة”.

أما جبار حامد (48عاما) فاشار الى ان الملابس التي تباع على ارصفة الشوارع او في بعض الاسواق الشعبية باسعار مناسبة ليست بالضرورة غير جيدة، وقال “على تلك الارصفة يمكنك ان تجد نوعيات ملابس جيدة وباسعار مناسبة جدا، فأنا دائما اتبضع منهم”، مبينا أن “من يبيعون هذه الملابس كتنزيلات بمناسبة الاعياد وبتخفيضات تصل الى 70% لنفس المادة المعروضة في المحال، هم الأكثر بيعا وربحا مقارنة باصحاب المحال”.

ووصفت السيدة كريمة عادل انتشار البضائع القادمة من الصين وتركيا وسوريا وباسعار مناسبة، بـ”الشيء الجيد للمواطن العراقي”، وقالت “العراقي بطبيعته يحب التبضع وأمامنا اليوم الكثير من الخيارات لاقتناء الملابس لنا ولاطفالنا، بوجود مناشئ مختلفة تتنافس في السوق العراقية”، لافتة الا انها تفضل “البضاعة التركية على غيرها من البضائع”.

سهى جميل، مهندسة، أيدت ابقاء الاسواق مفتوحة امام استيراد البضائع من مختلف المناشيء العالمية، لكنها دعت في الوقت عينه الى “زيادة استيراد البضائع ذات الماركات العالمية”، لافتة الى ان “الملابس الجيدة يمكن الاحتفاظ بها لسنوات”.

فيما قالت السيدة سعاد عبد الرحيم، وهي أم لاربعة اطفال، “ان ارتاد منذ سنوات طويلة الاسواق في المناسبات لشراء المستلزمات الضرورية للمنزل، فضلا عن ملابس الاطفال الذين يشعرون بسعادة غامرة عند اقتناء الملابس وقيامهم باختيار النوعيات التي يريدونها بأنفسهم”.

واضافت “اليوم الخيارات عديدة والملابس المتوفرة في الغالب صينية وتركية الصنع، وأسعارها تتفاوت حسب نوعيتها، لكن في أيامنا كان معظم الموجود محلي الصنع، وكانت النوعيات أفضل من المستورد الموجود في يومنا هذا”.

الى ذلك، بين الخبير في السوق العراقية مزهر خميس لوكالة اصوات العراق، أن غزو البضائع الاجنبية للسوق العراقية “أمر طبيعي نتيجة غياب الدعم الحكومي للصناعة المحلية وضعف امكانات القطاع الخاص على منافسة الانتاج المستورد”.

وقال “توقفت معظم معامل القطاع الخاص والعام في العراق عن الانتاج لعدم قدرتها على منافسة البضائع المستوردة التي تغزو اسواقنا بالاستفادة من قلة الضرائب والرسوم، خاصة ان البضائع الصينية تتلقى دعما حكوميا يصل الى اكثر من 20% اضافة الى رخص اجور الايدي العاملة هنالك، الامر الذي يساعد هذه البضائع على التدفق بشكل كبير للاسواق العراقية”.

وتابع “بالمقابل نجد ان القطاع الصناعي في العراق شهد تدهورا كبيرا لعدة اسباب، اهمها صعوبة تشغيل المعامل لشحة الطاقة الكهربائية وارتفاع ثمن الوقود في السوق السوداء، بالاضافة لارتفاع اجور الايدي العاملة، وهو ما جعل المنافسة غير ممكنة”، مشيرا الى ان “اعادة احياء هذا القطاع يحتاج الى خطط واسعة لحل المشكلة عبر دعم الصناعة المحلية”.

وكانت معظم معامل انتاج الملابس في العراق سواء التابعة للقطاع الحكومي او الخاص قد توقفت بشكل كلي عن العمل بسبب عدم قدرتها على منافسة اسعار الملابس المستوردة المدعومة في الدول التي تأتي منها والتي لا تخضع عمليات استيرادها لرسوم كبيرة.

مهنة الخياطة تجتذب الذَوّاقين مجدداً

بدأت مهنة الخياطة بالعودة مجددا الى ساحة المنافسة مع الملابس الجاهزة بعد تراجع ملحوظ خلال السنوات الاخيرة، والتراجع الذي الذي جاء نتيجة لاسباب عديدة كدخول المستورد بأسعار اقل وقلة اليد العاملة، لم يقف حائلا لمن يبحث عن الذوق والاناقة والجمال من خلال ما تنتجه انامل الخياطين.

الخياط ناصر فاضل، 60 عاما، يرى ان مهنة الخياطة التي تعتبر من الحرف الشعبية القديمة، يديرها شريحة من الحرفيين الذين “توارثوها عن ابائهم واجدادهم”.

ويضيف لوكالة أصوات العراق، ان الخياط “شأنه شأن الطبيب والمهندس لأنه يقدم خدمة للمواطن فتعتبر الخياطة مهنة خدمية لا يمكن للمواطن ان يستغني عنها على الرغم من تعدد ماركات الالبسة الجاهزة لكن هناك الكثير من يتردد على الخياط”.

ويشدد ناصر “انا اعشق هذه المهنة ولا استطيع ان ابتعد عنها فتعتبر الخياطة ذوق وفن وابداع الخياط الجيد من يبحث عن موديلات جديدة في سبيل ان يكسب الزبون الذي يبحث عن التجديد”.

فيما يرى مراد البالغ من العمر 28 عاما، وهو صاحب محل خياطة في مدينة الكاظمية، ان مهنة الخياطة من الحرف التي يتميز بها المواطن العراقي الذي يعطي اهمية كبيرة للمظهر فهناك الكثير من الزبائن الذين يترددون على الخياطين ولايهمهم ارتفاع الاسعار. وذلك “في سبيل ان يحصلوا على شي مميز فالمواطن العراقي دائما متذوق راقي للخياطة ويبحث دائمآ عن الأناقة”.

ويضيف “هناك الكثير من الخياطين تأثروا بعد عام 2003 لكن يبقى العمل الجيد هو الذي يجذب الزبون، انا أكثر زبائني من المثقفين والفنانين”، مبينا ان “إقبال الشباب اكثر من كبار السن في الوقت الحالي  والسبب الرئيسي لان الشاب يواكب الموديلات الحديثة”.

كما يرى، ابو كرار (27 عاما) بأن مهنة الخياطة تأثرت بعد عام 2003 والسب الرئيسي هو دخول الالبسة الجاهز رخيصة الاسعار مما دفع المواطن للجوء الى المستورد، واسباب اخرى كانقطاع التيار الكهربائي وارتفاع اسعار ايجارالمحلات ولوازم الخياطة هذا ما يجبر الخياط الى رفع اجور العمل”.

ويضيف ان “الكثير من الخياطين تركوا مهنتهم التي يعشقونها وذهبوا الى مهن اخرى  مثل التجارة وبيع الاجهزة الكهربائية” مطالبا الحكومة ان “تدعم معامل صناعة الملابس في سبيل انعاش الاقتصاد العراقي وفرض ضرائب كمركية على البضائع المستوردة”.

الى ذلك يقول الخياط سلام ان “المواطن العراقي يتميز بذوق عال وما زال هناك من يبحث عن الأناقة والتميز في الملابس، وهذا الشيء لا يوجد سوى في الخياطة من حيث القياسات ونوعية الأقمشة المستخدمة فهناك زبائن لم يتوقفوا عن التردد على الخياطين رغم وجود الالبسة الجاهزة”.

 ويتابع ان “هناك تحسن واقبال كبير في السنتين الماضيتين وذلك لأن المواطن استطاع ان يميز بين الجاهز والخياطة”، موضحا ان “إقبال الزبائن على خياطة البدلات الرجالية قليل وذلك بسب الجاهز من ماركات رخيصة الثمن التي يتراوح اسعارها بين60 الى 100 الف دينار”.

ويستدرك بانه “إذا أراد الزبون ان يذهب للخياط فقد تكلف البدلة ما بين 350 الى 450 الف دينار عراقي وتأخير قد يتجاوز 3 أشهر”.

بعض الزبائن تباينت ارائهم في حديثهم عن الرغبة في ارتياد محال الخياطة ومحال الالبسة الجاهزة. ويقول غسان جبار، 23 عاما، وهو احد الزبائن الذين يترددون على الخياطين، يقول ان “الخياط الذي يتقن عمله لا يقدر بثمن ” مضيفا “ان الخياطة افضل بكثير من الجاهز الذي دائما ما يكون رديء فالخياطة اشيك واضبط من ناحية القياسات ونوعية الاقمشة المستخدمة  فتكون اطول عمرا من الجاهز”.

اما احمد فرحان، 25عاما، يقول “لقد سئمت من المدة الطويلة والمواعيد الغير دقيقة التي يعطيها الخياط فأنا اضيف خمسة ايام على الموعد المقرر”، مضيفا ان اسعار الخياطة “اصبحت باهضه جدا وهذا ما دفعني الى اللجوء الى الجاهز بالاضافة الى ان التردد على الخياطين احيانا، فانا بين البين”، حسب تعبيره.

ويرى ان “بعض الخياطين لا يتقنون عملهم بشكل جيد رغم الاسعار الغالية فعندما تأتي تجد ان القياس غير مضبوط او مشاكل اخرى وهذه مشكله كبيرة”. ولعل ذلك ما يدعو احد أصحاب محال بيع الاقمشة للالقاء اللوم على الخياطين بارتفاع اسعارهم.

موسى احمد وهو صاحب محل لبيع الاقمشة يقول بأن “هناك الكثير من انواع الاقمشة وبخامات وانواع وصناعات مختلفة، فهناك الهندي والتايلندي والياباني واسعارها مناسبة جدا فقطعة القماش انسب من الخياطة، فعندما يأتي الزبون ليشتري القماش ليذهب الى الخياط فيفاجئ باسعار الخياطة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/كانون الاول/2009 - 29/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م