ثقافتنا والتأرجح بين الأصالة والاستيراد

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هل يمكن لنا أن نطلق صفة الأصالة على ثقافتنا؟! سؤال ربما ليس جديدا وربما أجاب عنه كثير من المتخصصين والمهتمين سواء بصورة ضمنية او مباشرة، ولو عكسنا السؤال وقلنا هل ان ثقافتنا مستوردة بالكامل؟! بمعنى هل غادرت جذورها تماما وشبّت في اجواء وسماء جديدة لم تسقِّف أرضها سابقا؟، وإذا كانت الاجابة لا يمكن ان تكون قاطعة عن كلا السؤالين، تُرى كيف يمكن لنا الخوض في هذه الاشكالية التي تمتد لتشمل الهوية الثقافية في ظل تداخل يصعُب الفكاك منه او الفرز فيه بين الاصالة والاستيراد؟.

ثمة من يرى من المختصين أن السمة الغالبة على ثقافتنا الراهنة هي سمة الاستيراد او التمثّل بالآخر وثقافته، لدرجة أن الشعور بالدونية صار أمرا ظاهرا بل وملازما لمساحات كثيرة من  المنجز المدوّن عموما، بل يشمل الامر حتى الجانب الشفاهي الذي ينتج عن الندوات العامة او في الجلسات النقاشية الخاصة.

في المقابل ينظر بعض هؤلاء الى الثقافة الضاربة في الجذور وكأنها من مكونات الماضي المندرس كونها -حسب رأيهم ونظرتهم- لم تعد تتماشى وروح العصر ولا تليق به ولذلك كما يرون لا يجوز لمثل هذه الثقافة العتيقة ان تمثل ثقافتنا المعاصرة بل ربما يشعر بعضهم بالنقص حيالها، لا سيما من ينظر الى ثقافة الغرب كمثال مكتمل يحقق جميع الشروط التي تتطلبها المعاصَرة وآلياتها سواء في مجال الثقافة او في المجالات الاخرى كالفنون والاقتصاد والتعليم وسواها.

وهكذا نلاحظ حالة الانشطار والتشظي بين الفريقين المتعارضين، فالاول يفضل الثقافة الضاربة في اعماق التأريخ ويرى انها اولى بالاهتمام والتشبث من غيرها، بل ينبغي أن لا تتلاقح مع غيرها من الثقافات مخافة التأثير عليها ومحوها تماما او تلاشيها في الثقافات الاخرى.

في وقت ينحو الفريق الثاني الى التفضيل المطلق (لثقافة العصر) كما يرون وأهمية مغادرة ساحة الماضي العتيد الى الحاضر الشاخص بكل رموزه المعاصرة وإن تم ذلك على حساب الثقافة الاصل حسبما يرون ويؤمنون.

ولعلنا يمكن نؤشر حالة من التطرف لدى كلا الفريقين، فالقول بنسف الثقافة العربية والاسلامية من الجذور هو رأي مغالى به كثيرا، بل لعله دعوة الى الانتحار الثقافي غير المبرر وغير المعقول، فلقد انتجت الثقافة الاسلامية ما لا يجوز إلغاءه او تجاوزه ولدينا التأريخ وما حفظه لنا من تدوينات علمية وانسانية، حكما في هذا المجال، ولذلك من الصعوبة بمكان أن نذهب الى مثل هذا الرأي الذي ينطوي على درجة عالية من التطرف.

أما القول بأهمية عصرنة الثقافة واعتماد رؤية الآخر وأنهاجه والأخذ بها بما تنطوي عليه من حسنات وعيوب،  فهو قول او مذهب مغالى به كثيرا، لذا يمكننا أن نؤشر حالة من الاغتراب الثقافي يعاني منها مثقفونا او بعضهم، حيث يعيش حالة من التشتت بين ثقافته الاصيلة والوافدة، ولذلك يمكن أن نرصد بوضوح لجوء العديد ممن يهمهم الامر الى الأخذ من النظريات الغربية سواء في حقل الادب او العلوم الاخرى وجعلها مصادر أساسية في إنجاز بحوثهم ونظرياتهم.

ولهذا يشكوا الكثير من الكتاب والادباء والمثقفين المعنيين من غياب النظرية العربية التي تخص الادب العربي سواء في حقل النقد او غيره، ولهذا ايضا نجد أن الاستعارات والتضمينات جلها تأتي من مصادر الثقافة الغربية في الادب او غيره، وهذا ما يسجل ضعفا بينا في هذا المجال.

في وقت يشعر فيه المثقفون بأن تشبثهم بثقافة الغرب هو الحل الامثل للتخلص من حالة التأرجح بين الأصيل والبديل!! بمعنى أن ثمة تذبذبا يعيشه المثقف العربي بين أصالة الثقافة العربية وتراثها، وبين ألمعية الثقافة الغربية التي تكاد تهيمن على العالم.

بيد أننا لو عدنا قليلا الى الوراء لوجدنا في الثقافة العربية والاسلامية ندا لا يُستهان به، ولوجدنا ايضا تشبثا بالاصالة التي لا تعني الانغلاق والتحجر والابتعاد عن الثقافات الاخرى ولا تعني في الوقت نفسه ذوبانا او تلاشيا فيها، وهذا دليل على امكانية الوثوق بثقافة لها القدرة بالوقوف على قدميها.

وهكذا يمكن أن تكون الوسطية طريقا الى التخلص من حالة التذبذب وعدم الاستقرار الى الحالة التي تنم عن الثقة بالنفس وبالجذور التي تحدّرت منها ثقافتنا مع امكانية التلاقح المتكافئ مع الثقافات الاخرى بما يحفظ هوية الثقافة الاصيلة كي لا تتلاشى او تذوب في غيرها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 16/كانون الاول/2009 - 28/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م