مؤشِّرات تجميع الجهود العالمية لتنمية وتطوير حكم القانون

 

شبكة النبأ: في الفترة من 11- 14 من نوفمبر الماضي عقد مشروع العدالة العالمي World Justice Project المنتدى الثاني له لمناقشة مؤشره لحكم القانون The Rule of Law Index، وهو مشروع يهدف من خلاله إلى تجميع الجهود العالمية وعبر الحقول المعرفية المختلفة من أجل تنمية وتطوير حكم القانون في دول العالم المختلفة.

يعتبر مؤشر حكم القانون Rule Of Law Index أول مؤشر يعطي صورة مفصلة وشاملة لمدى تقيد الدول المختلفة وانصياعها لمبادئ حكم القانون. ويهدف إلى تطوير منهجية منضبطة علميًا يمكن أن يتم تطبيقها على أكبر عدد من الدول. وتكون ملائمة لتتبع التغير التراكمي الحادث في مدى تقيد الدول بحكم القانون عبر الزمن. كما يهدف هذا المؤشر إلى تقديم مجموعة من البيانات المحايدة، والتي يمكن أن تساعد الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين في معرفة نقاط الضعف ونقاط القوة وتلك التي هي في طور التطور والتقدم، فضلاً عن الإصلاحات المستهدفة في عديد من المجالات والأبعاد المرتبطة بمبادئ حكم القانون.

ويؤكد القائمون على إعداد هذا المؤشر بأنه لكي يتم تقييم مبدأ حكم القانون في دولة ما فإنه من الضروري أن يكون هناك فهم جيد للقوانين والمؤسسات في هذه الدولة، إلا أن هذا غير كاف. فبالإضافة إلى ذلك يجب الاهتمام بكيفية تطبيق هذه القواعد والقوانين في الواقع العملي. بحسب موقع تقرير واشنطن.

كيفية إعداد المؤشر؟

مرّت عملية إعداد مؤشر حكم القانون بثلاث مراحل أساسية، هدفت المرحلة الأولى إلى اختبار منهجية المؤشر ميدانيًا في ست دول في عام 2008. أما الثانية فتشمل تطبيق هذه المنهجية على 35 دولة حول العالم في عام 2009. ثم تأتي المرحلة الثالثة بمحاولة الانتقال إلى تطبيق المؤشر على المستوى العالمي، حيث سيتم تطبيق منهجية المؤشر على 100 دولة بحلول ديسمبر 2011.

وبالنسبة لمصادر جمع البيانات فقد اعتمد المؤشر على مصدرين رئيسين لجمع البيانات، من أجل توفير بيانات شاملة ومفصلة عن مدى تقيد الدول بمبدأ حكم القانون، شمل المصدر الأول استطلاعات الرأي العام، باختيار مركز استطلاع للرأي رائدة في كل دولة، معتمدة على استطلاع عينة مقدرة بألف شخص في أكبر ثلاث مدن في كل دولة غطاها المؤشر في هذه المرحلة. وهذا النوع من استطلاعات الرأي سوف يتم بصفة دورية ومنظمة مرة كل ثلاث سنوات من أجل اختبار مدى تطبيق مبدأ حكم القانون على أرض الواقع ومراقبة تطوره عبر مرور الزمن، مما يعطي المؤشر يتمتع بالمصداقية.

أما المصدر الثاني فيتمثل في استمارات استبيان الرأي تم إعدادها بصورة دقيقة، وتضمنت عدد كبير من الأسئلة ذات الإجابات المفتوحة أو المغلقة، يتم استكمال بياناتها بواسطة خبراء في القانون التجاري والجنائي وقوانين العمل والصحة العامة داخل كل دولة. وهذه الاستمارات سوف يتم تحديثها مرة كل عام.

وجدير بالذكر أن المرحلة الحالية من مراحل إعداد المؤشر تم تطبيقها على 35 دولة من مختلف قارات العالم، ومن الدول الإفريقية تم اختيار كل من غانا وكينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا ومن الدول العربية تم اختيار كل من المغرب والأردن.

تعريف المؤشر.. صعوبات ومعضلات كثيرة

يبدأ تصميم المؤشر بمحاولة التوصل إلى صياغة عملية يمكن من خلالها تعريف مبدأ حكم القانون، وللتوصل إلى هذا الأمر كان لابد للقائمين على إعداد المؤشر من مراجعة كل الأدبيات التي كتبت في هذا الموضوع. هذه المراجعة أظهرت أن هناك مجموعة من التحديات والصعوبات التي تواجه إعداد المؤشر.

كان من بين هذه التحديات ضرورة مراعاة أن تكون العوامل والمؤشرات الفرعية - والتي على أساسها يمكن قياس مدى تطبيق مبدأ حكم القانون - متعارف عليها عالميًّا ومتلائمة مع كافة الثقافات الموجودة في العالم، دون أن تكون هناك تحيزات غربية أو أنجلو أمريكية أو غيرها من التحيزات الثقافية الأخرى. لذلك حاول القائمون - إلى حد كبير - اشتقاق المبادئ التي يقوم عليها هذا المؤشر من المعايير والأعراف الدولية المتعارف عليها، ومن خلال مراجعة الدساتير الوطنية والدراسات الأكاديمية في هذا المجالات. وتم تنقيح المؤشر من خلال سلسلة من المشاورات مع عدد من الخبراء المنتمين إلى ثقافات مختلفة وإلى حقول معرفية وأكاديمية متنوعة، للتأكد من قابليته وملائمته لمختلف الثقافات حول العالم.

ومن التحديات الأخرى في هذا السياق أن أي محاولة للتوصل إلى تعريف شامل لهذا المؤشر تواجه بمعضلة الاختلاف بين ما يسميه الخبراء المفهوم البسيط “Thin” لمبدأ حكم القانون، أو المفهوم في حده الأدنى، والذي يركز على القواعد الرسمية والإجرائية هذا من ناحية، والمفهوم المعقد “Thick” من ناحية ثانية. هذا الأخير يتضمن مجموعة من السمات الجوهرية المهمة، مثل الحكومة الذاتية Self-government ومجموعة الحقوق والحريات الأساسية.

ظهرت هذه المعضلة من جهة أولى في أنه لكي يكتسب المؤشر قبولاً واسعًا ويتحقق أكبر استفادة ممكنة، لا بد أن يكون المؤشر قابلاً للتطبيق على نطاق واسع بالنسبة لنظم سياسية واجتماعية مختلفة، والتي قد لا تتصف ببعض السمات التي توجد في النظم الديمقراطية، ومن جهة ثانية تم التأكيد - من قبل القائمين على إعداد المؤشر – على ضرورة أن يكون أكثر من مجرد منظومة من القواعد، على اعتبار أنه يجب أن يعبر عن منظومة من القوانين الإيجابية لحماية حقوق الإنسان الأساسية، يتم ضمانها وحمايتها تحت مظلة القانون الدولي، ولذلك فإن من الأفضل تسميتها بـ "الحكم بالقانون “Rule by Law وليس "حكم نظام القانون “Rule of Law System .

ونتيجة للنقاش والجدل - حول التوفيق بين المفهوم البسيط والمفهوم المعقد لحكم القانون - والذي دار بين الخبراء - تم التوصل إلى أربع مجموعات من المبادئ العالمية والتي تمثل في جوهرها أساسًا لمبدأ حكم القانون يمكن بيانها على النحو التالي:

أولاً: يجب أن تكون الحكومة والعاملون فيها ووكلاؤها مسئولين أمام القانون.

ثانيًا: يجب أن تكون القوانين واضحة ومعروفة للجميع ومستقرة وعادلة، وتحمي الحقوق الأساسية للمواطنين، بما فيها أمن الأفراد وملكياتهم الخاصة.

ثالثًا: إمكانية الوصول إلى العملية التي يتم من خلالها تنفيذ القانون بسهولة، وأن تكون عادلة وذات فاعلية.

رابعًا: ضمان سهولة الوصول إلى العدالة من خلال مجموعة من القضاة والمحامين وممثلي السلطة القضائية الذين يتمتعون بالاستقلال والكفاءة، وأن يتوفر العدد الكافي منهم، وأن تتوافر لهم الموارد والإمكانيات التي تمكنهم من القيام بمهامهم على أكمل وجه، فضلا عن ضرورة أن تكون طريقة تشكيل وتكوين هذه العناصر عاكسة لتركيبة المجتمعات المحلية التي يعملون فيها.

المجموعة الأولى..مسئولية الحكومة أمام القانون

يتكون المؤشر من ستة عشر عاملا مقسمة على أربع مجموعات رئيسة من المبادئ، يمكن شرحها على النحو التالي:

المجموعة الأولى، وتعالج موضوع أن تكون الحكومة والعاملون فيها ووكلاؤها مسئولين أمام القانون، وتتضمن هذه المجموعة خمسة عوامل فرعية، هي:

أولاً: أن تكون سلطات وصلاحيات الحكومة والعاملين فيها محدودة ومحددة سلفًا من خلال الدستور والقوانين الأساسية، وفي هذا السياق هناك ثلاثة عوامل فرعية، أولها أن تكون سلطات الحكومة محددة من خلال الدستور والقواعد القانونية سواء كانت مكتوبة أو غير مكتوبة. ثانيها: أن تكون طريقة تعديل القوانين الأساسية مطابقة للشروط والإجراءات التي وضعت مسبقًا في هذه القوانين.

ثالثها: يمكن فقط تعليق الحقوق والصلاحيات المصونة من قبل القانون الأساسي من خلال إتباع القواعد والإجراءات المحددة سلفًا في هذه القوانين بشأن حالات التعليق هذه.

ثانيًا: أن تكون سلطات الحكومة والعاملين فيها مقيدة بمجموعة من أدوات الرقابة الحكومية وغير الحكومية، ويعتمد قياس هذا العامل اعتمادًا على مجموعة من العوامل الفرعية الخمسة، هي:

(1) أن تكون السلطات والصلاحيات موزعة بين أجهزة الحكومة المختلفة بطريقة تضمن مراقبتها لبعضها بعضًا.

(2) أن تمتلك الحكومة مجموعة من العمليات الحكومية التي من خلالها يمكن إجراء مراجعة مستقلة لأعمال الوكالات الحكومية المختلفة.

(3) أن تقدم السلطة التنفيذية المعلومات الدقيقة التي تطلبها كل من السلطتين التشريعية والقضائية في إطار عملها وتحمل مسئولياتها.

(4) أن تقدم الحكومة معلومات دقيقة للرأي العام ووسائل الإعلام، مع إمكانية أن يتم حجب بعض المعلومات، ولكن هذا الحجب يجب أن يكون له مبررات مقبولة ومتضمنة في القانون.

(5) أن تتوفر وسائل الحماية الكافية لموظفي الحكومة ووكلائها أو العاملين في وسائل الإعلام، والذين يقومون بأدوار في كشف سوء أداء الحكومة.

ويحاول هذا العامل معرفة مدى وجود قيود مؤسسية وقيود غير حكومية تضمن عدم انحراف الحكومات عن الأهداف المنوط بها تحقيقها، في ظل غياب أي نوع من الرقابة على أعمالها المختلفة. ولا يخلو قياس هذا العامل بصورة دقيقة من بعض الصعوبات في ظل ثقافات مختلفة، لأنه ليس هناك صيغة موحدة لتوزيع السلطات بين أجهزة الحكومة المختلفة، بالصورة التي تضمن وجود رقابة دائمة من كل جهاز على الآخر، فالحكومات حول العالم تعتمد على مجموعة من الطرق المختلفة لتوزيع السلطات والصلاحيات داخلها. فعلى سبيل المثال مبدأ الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية يكون أكثر وضوحًا في النظم الديمقراطية الرئاسية عنه في النظم الديمقراطية البرلمانية. وفي هذا النوع الأخير من النظم تتم عملية الرقابة والتوازن من خلال وجود سلطة قضائية مستقلة، وأحزاب سياسية قوية، ووسائل إعلام حرة ومستقلة.

ثالثًا: مسئولية موظفي الحكومة ووكلائها أمام القانون، ويشمل هذا العامل ثلاثة عوامل فرعية. أولها: مسئولية الحكومة عن سوء أداء العاملين فيها بما في ذلك استخدام سلطاتهم لتحقيق منافع أو مصالح خاصة بهم، أو التصرف بما يتجاوز سلطاتهم وصلاحياتهم المقررة لهم قانونًا، وانتهاكهم للحقوق الأساسية للأفراد.

ثانيها: ضرورة قيام موظفي الحكومة بأداء المهام والواجبات المطلوبة منهم والمحدد سلفًا من قبل القانون، وفي الوقت ذاته يمتنعون عن القيام بأي تصرفات من شأنها انتهاك القانون. أما ثالثها فهو: أن يكون لدى الحكومة الآليات الرسمية والتي من خلالها مراجعة تصرفات وأعمال موظفيها، وأن تتضمن هذه الآليات عقوبات رادعة في حالة سوء التنفيذ، وقد تشمل هذه الإجراءات، إعفاء كبار الموظفين من خلال عملية مفتوحة وواضحة أمام الرأي العام.

رابعًا: أن يكون أفراد القوات المسلحة وعناصر الشرطة والقائمون على إدارة السجون مسئولين أمام القانون وخاضعين له، ويمكن قياس هذا العامل من خلال: (1) أن يضمن القانون السيطرة المدنية على عناصر الشرطة والقوات المسلحة. (2) مسئولية أفراد القوات المسلحة والشرطة والأشخاص الذين يديرون السجون عن سوء التنفيذ، بما في ذلك استخدام سلطاتهم من أجل تحقيق منافع شخصية، والتصرفات التي تتجاوز حدود الصلاحيات والسلطات الممنوحة لهم، أو حتى انتهاكهم للحقوق الأساسية للأفراد. (3) ضرورة قيام أفراد القوات المسلحة وعناصر الشرطة والقائمين على إدارة السجون بالمهام المنوطة بهم بمقتضى القانون، والامتناع عن أي تصرفات تنتهك هذا القانون. (4) أن تكون لدى الحكومة الآليات والعمليات الرسمية التي من خلالها يمكن مراجعة أعمال هؤلاء، وتوقيع العقوبات الرادعة عليهم.

خامسًا: تقيد الحكومة بالاتفاقيات الدولية التي تكون هي طرف فيها، فضلاً عن ضرورة التزامها بالقانون الدولي العرفي، ويمكن معرفة ذلك من خلال مدى وفاء الحكومة بالتزاماتها الدولية طبقًا للقانون الدولي، مع ضرورة مراعاة مصلحة الأشخاص الذين هم في نطاق سلطتها. مدى مراعاة الحكومة في علاقاتها مع الحكومات الأجنبية، وفي حل نزاعاتها الدولية بمجموعة الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها وقواعد القانون الدولي العرفي.

ويؤكد معدو المؤشر أن هذا العامل مرتبط بمدى احترام الدولة لالتزاماتها المرتبطة بحقوق الإنسان، فعلى الحكومة وموظفيها أن تحترم حقوق مواطنيها وحقوق كل الأفراد الموجودين على الأراضي الخاضعة لسلطتها، فضلاً عن ضرورة احترام تعهداتها الدولية التجارية مع مواطنيها والمستثمرين الأجانب الخاضعين لقانونها الداخلي.

المجموعة الثانية.. حماية الحقوق الأساسية للمواطنين

المجموعة الثانية من العوامل تدور حول أن القوانين يجب أن تكون واضحة ومعروفة للجميع ومستقرة وعادلة، وتحمي الحقوق الأساسية للمواطنين، بما فيها أمن الأفراد وملكياتهم الخاصة. وتتضمن هذه المجموعة أربعة عوامل، يمكن بيانها على النحو التالي:

أولاً: أن تكون القوانين واضحة ومستقرة ومعلنة للجميع. ويشمل هذا العامل ثلاثة عوامل فرعية، هي: (1) ضرورة أن تكون القوانين مفهومة – إلى حد معقول – من جانب الرأي العام. (2) ضرورة أن يتم نشر القوانين وما تتضمنه من قواعد إدارية على نطاق واسع، ويجب أن تكون متاحة للجميع وبكافة اللغات الرسمية المعترف بها داخل الدولة، وفي صيغ تسمح لذوي الاحتياجات الخاصة بإدراكها وفهمها. (3) أن تكون القوانين مستقرة بصورة كافية تمكن الجمهور من التأكد من أن ما يتم تنفيذه على أرض الواقع مسموح به من جانب القانون أو ليس مسموحًا به، ويجب ألا يتم تعديل القوانين أو الالتفاف حولها بصورة سرية بواسطة إجراءات إدارية تنفيذية.

وقد دارت مناقشات كثيرة حول مفهوم الوضوح المقصود في هذه المجموعة، والذي يجب أن تتصف به القوانين، لأنه في العادة تكتب القوانين بلغة معقدة ومبهمة، ومن ثم يكون من الصعب فهمها حتى بالنسبة لدارسي القانون، إذن ما يسعى هذا العامل إلى اختباره هو أن تكون هناك درجة معقولة من السهولة في التحقق من القوانين.

ثانيًا: أن تكون القوانين عادلة وتحمي الحقوق الأساسية، وهذا من خلال:

أن تحظر القوانين أي تفرقة أو تمييز على أسس اقتصادية أو الحالة الاجتماعية أو عرقية أو على أساس اللون أو العرق أو الأصل الاجتماعي أو الدين أو اللغة أو التوجه السياسي أو الانتماء السياسي أو الحالة الزوجية أو التوجهات الجنسية أو النوع أو السن.

تحمي القوانين حرية تنقل الأفراد والأفكار والحق في الخصوصية، وحريات الرأي والتعبير والتجمع والمساومات الجماعية.

تحمي القوانين حريات التفكير والضمير والدين.

حماية حقوق المتهمين ومنع تطبيق القوانين الجنائية بأثر رجعي.

حماية الحق في السعي إلى تعقب وعلاج انتهاكات الحقوق الأساسية التي تمت من قبل.

ويُعلق معدو هذا المؤشر على أنه بالرغم من مرور ستين عامًا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلا أنه يظل الإطار المرجعي لتحديد ماهية الحقوق الأساسية، حتى في ظل بروز مجموعة من الحقوق الجديدة والمقبولة عالميًا. وقد شهدت الاجتماعات الإقليمية - التي عقدت في إطار إعداد هذا المؤشر – نقاش كبير حول الحقوق التي يجب أن تكون متضمنة في هذا المؤشر، حيث رأى البعض أن الحقوق السياسية والمدنية هي الأولى بأن تكون موجودة ضمن هذا المؤشر. بينما دفع البعض الآخر بضرورة معالجة كلية تشمل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولأن هذا النقاش لم يحسم، فقد تم الاتفاق على صيغة عملية تدور حول أن هناك كثيرًا من المؤشرات والتقارير التي تعالج موضوع حقوق الإنسان بكافة أبعاده، ولما كان من الصعب بالنسبة لهذا المؤشر أن يقيم التقيد التام بموضوع حقوق الإنسان بأبعاده المختلفة، فإن النسخة الحالية من المؤشر ركزت على قائمة متواضعة من الحقوق المعترف بها من جانب القانون الدولي، وفي الوقت ذاته هي على علاقة وثيقة بمبدأ حكم القانون.

ثالثًا: تقوم القوانين بحماية أمن الأفراد، عن طريق أن تكون القوانين قادرة على حماية الأفراد من المعاملات غير العادلة والعقاب الجائر من جانب الحكومة، بما في ذلك التعذيب، والاحتجاز والاعتقال التعسفي. وأن تُجرِّمَ القوانين القائمة الجرائم ضد الأشخاص.

رابعًا: تحمي القوانين القائمة الملكية الخاصة وحق الأفراد في القيام بالأنشطة الاقتصادية الخاصة بهم، من خلال:

أن تحمي القوانين كل التصرفات المتعلقة بالملكية سواء بإمساك هذه الملكية أو نقلها أو حتى تأجيرها، على أن يشمل ذلك كل أنواع الملكية المادية والملكية الشخصية والملكية الفكرية.

تحرم القوانين انتزاع الملكية بكافة أشكالها، بما فيها انتزاع هذه الملكية من جانب الحكومة دون تعويض مناسب.

أن تجرم هذه القوانين كافة أشكال الجرائم التي يقصد بها الإضرار بالملكية.

حماية القوانين لحق الأفراد في الانخراط في أنشطة اقتصادية خاصة، مع مراعاة أن تكون الضوابط الموضوعة لتنظيم مثل هذه الأنشطة معقولة وغير متعسفة.

المجموعة الثالثة..الوصول إلى عملية تنفيذ القانون

المجموعة الثالثة أن تكون العملية التي يتم من خلالها تنفيذ القانون يمكن الوصول إليها بسهولة وأن تكون عادلة وذات فاعلية. وتشمل هذه الفئة مجموعتين من العوامل الفرعية:

أولاً: أن تكون إجراءات تنفيذ القانون مفعلة ومدارة ويتم تنفيذها من خلال عملية معلومة للكافة ومتاحة لهم: ويشمل ذلك ما يلي:

أن تكون الإجراءات والخطوات التشريعية والإدارية محددة بتوقيت زمني معين ومعلوم للجميع.

أن تتيح العملية التشريعية فرصة لسماع وجهات النظر المختلفة بشان القضايا والأمور موضع التنظيم التشريعي، وأن تؤخذ هذه الآراء في الاعتبار.

أيضًا تتيح العملية الإدارية الفرصة لوجهات النظر المختلفة في أن تدلي بدلوها، وأن يكون لوجهات النظر هذه اعتبار، وأن يشمل ذلك وجود آليات تمكن الأفراد المخاطبين بهذه القوانين من المشاركة الفاعلة في مخرجات هذه العملية.

أن تكون المسودات الأولية ونصوص الإجراءات التشريعية والإدارية متاحة للجميع في وقت مناسب.

أن يتم نشر القرارات القضائية والإدارية على نطاق واسع وفي توقيت مناسب.

أن يكون الوصول إلى الشرطة وعناصرها متاحًا وسهلاً للجميع.

ثانيًا: أن تتم إدارة القوانين وتنفيذها في إطار من العدالة والفاعلية، من خلال:

تنفيذ القوانين بفاعلية وعلى أساس من الكفاءة.

عدم تطبيق القوانين على أسس تحكمية أو انتقائية، من أجل تحقيق مكاسب سياسية أو أي أغراض أخرى.

أن تتم إدارة القوانين وتنفيذها دون ممارسة أي تأثير غير ملائم من جانب موظفي الحكومة أو أصحاب المصالح الخاصة.

ألا يخضع الأفراد أو الوحدات لضرورة دفع رسوم مبالغ فيها وغير معقولة، وألا يطلب منهم دفع أموال من أجل إجراءات يقوم بها موظفو الحكومة أو أحد وكلائها المسئولين عن عملية إدارة أو تنفيذ القانون، في مقابل التسريع بتنفيذ هذه الإجراءات التي تعتبر من صميم عملهم بمقتضى القانون.

أن يتم تنفيذ الإجراءات الإدارية بدون أي تأخير ليس له مبرر منطقي، وأن يتم تنفيذ القرارات الإدارية أيضًا في توقيت مناسب.

أن يكون هناك تدريب كاف لعناصر الشرطة، وأن يتوافر العدد المناسب منهم، وتوفير الإمكانيات والموارد اللازمة للقيام بدورهم، وأن تعكس طريقة تشكيل وتكوين هذه العناصر المجتمعات المحلية التي يعملوا فيها.

أن تعمل المؤسسات الإصلاحية في ظل مجموعة من الظروف الملائمة.

المجموعة الرابعة..تحقيق العدالة

تتمثل المجموعة الرابعة في ضمان الوصول إلى العدالة من خلال مجموعة من القضاة والمحامين وممثلي السلطة القضائية الذين يتمتعون بالاستقلال والكفاءة، وأن يتوفر العدد الكافي منهم وتوافر الموارد والإمكانيات التي تمكنهم من القيام بمهامهم على أكمل وجه، فضلا عن ضرورة أن يتكون طريقة تشكيل وتكوين هذه العناصر عاكسة لتركيبة المجتمعات المحلية التي يعملوا فيها. وتتضمن هذه المجموعة خمسة عوامل فرعية على النحو التالي: 

أولاً: أن يتمتع القضاة والادعاء العام وموظفو السلطة القضائية بالحياد والمسئولية أمام القانون، من خلال:

أن تكون العملية القضائية والقرارات المرتبطة بها خالية من أي تحيزات أو تأثيرات غير مقبولة من جانب موظفي الحكومة أو أصحاب المصالح الخاصة.

أن يخضع القضاة وموظفو السلطة القضائية وعناصر الادعاء العام لإجراءات صارمة في أثناء تأدية مهامهم، وأن تكون هناك عقوبات رادعة في حالة سوء التنفيذ.

ارتباط كل ما يتعلق بالقضاة وموظفي السلطة القضائية وعناصر الادعاء العام – سواء كان اختيارهم أو ترقيتهم ومكافأتهم أو حتى تمويل أنشطتهم – بتوافر مناخ لا ينال من استقلاليتهم وخضوعهم لمبادئ المحاسبة، وأن يعكس هؤلاء إلى حد كبير تركيبة المجتمعات المحلية التي يعبرون عن مصالحها.

ثانيًا: أن يكون النظام القضائي كفئًا وفاعلاً ومفتوحًا للجميع. عن طريق:

أن يكون القضاة وموظفو الهيئات القضائية وأفراد النيابة العامة مؤهلين لتولي مناصبهم ومدربين تدريبًا جيدًا وأن يكون عددهم كافٍ للقيام بكل المهام الموكلة لهم فضلاً عن توفير الموارد والإمكانيات اللازمة لهم.

أن تتم العملية القضائية والإجراءات المرتبطة بها وتنفيذ الأحكام دون أي تأخير غير مبرر.

أن يوفر القانون في وقت مناسب وبصورة فاعلة الإجراءات التي يمكن من خلالها مواجهة أي إخلال بالقانون وعدم الانصياع له.

أن توفر الظروف الملائمة لعمل قاعات المحاكم، فضلاً عن بنائها في أماكن مناسبة تضمن تأمينها وسهولة الوصول إليها.

أن يكون اللجوء إلى القضاء غير مكلف من الناحية المادية، فلا يطلب من الأشخاص دفع رسوم مبالغ فيها.

ألا تكون هناك موانع أو عقبات غير مبررة تمنع الأفراد من اللجوء إلى القضاء.

أن يكون المتهمون بارتكاب جرائم والذين يعانون من بعض مظاهر الإعاقة الجسدية أو الذهنية متوفر لهم الوسائل الضرورية ليشاركوا بفاعلية في الدفاع عن أنفسهم.

اذا اقتضت الحاجة لا بد من توفير خدمات الترجمة للمتهمين حتى يكونوا قادرين على فهم ما يجري أثناء عملية المحاكمة، وضمان أن يتم فهمهم جيدًا من جانب المحكمة.

ثالثًا: أن يتم تقديم النصح للمتهمين أو تمثيلهم أمام المحكمة من قبل محامين أو ممثلين مؤهلين ويتمتعون بالاستقلالية، وذلك من خلال:

حق المتهمين بارتكاب جرائم جنائية في أن يتم تمثيلهم بواسطة محامين أو ممثلين مؤهلين في كل مراحل العملية القضائية، مع التزام المحكمة بتوفير تمثيل كاف وعلى درجة من الكفاءة للمتهمين غير القادرين على تحمل تكاليف مثل هذا التمثيل.

ضرورة توفير الخدمات القانونية سواء كان بواسطة جهات حكومية أو جهات غير هادفة للربح من أجل ضمان أن الأفراد قادرين على الحصول على النصح أو التمثيل الملائم سواء في القضايا المدنية أو الجنائية بقطع النظر عن مراكزهم الاجتماعية أو الاقتصادية.

أن يكون المحامون أو الممثلون القانونيون محررين من السيطرة الحكومية، وخاضعين لإجراءات صارمة في التنفيذ، وأن تكون هناك عقوبات رادعة في حالة الإخلال بمهامهم.

توافر العدد الكافي من المحامين أو الممثلين القانونيين، وأن يكونوا على درجة عالية من الكفاءة ومدربين تدريبًا جيدًا.

رابعًا: ضرورة أن تكون الآليات البديلة لحل المنازعات متسمة بالاستقلالية والحيادية والعدالة والكفاءة، عن طريق:

أن يتصف المحكمون أو الوسطاء بالحياد وبالاستقلال عن السيطرة الحكومية.

يخضع الوسطاء والمحكمون في أثناء أداء عملهم لإجراءات صارمة، وأن تكون هناك عقوبات رادعة في حالة سوء التنفيذ.

ضرورة توفير العد الكافي من هؤلاء الوسطاء والمحكمين، وأن يتسموا بالكفاءة وتدريبهم التدريب الكافي.

أن تكون هذه الوسائل البديلة لحل المنازعات ذات فاعلية في تحقيق العدالة.

خامسًا: أن تتسم منظومة تسوية المنازعات التقليدية والاجتماعية والدينية بالاستقلال والحياد والعدالة، من خلال:

أن يكون القائمون على إدارة مثل هذه المنظومة متسمين بالاستقلال والحياد، والخضوع لإجراءات صارمة في العمل، وأن تكون هناك عقوبات رادعة في حالة سوء التنفيذ.

أن تحمي هذه المنظومة مجموعة الحقوق الأساسية.

أن تشمل هذه المنظومة مجموعة من الإجراءات تضمن عدم سريانها على أشخاص غير راغبين في الخضوع لأحكامها.

وبالنسبة لهذا العامل الأخير، فقد خصصت له كثير من المناقشات لبيان ماهية هذه القواعد والتي يمكن أن تؤخذ في الاعتبار عند وضع مؤشر حكم القانون، فمن ناحية أولى من الصعب أن يتم تقديم صورة كاملة لمؤشر داخل عديد من المجتمعات دون الاعتراف بأهمية ودور مثل هذه المنظومة الغير رسمية لتسوية المنازعات، ومن ناحية ثانية أوضحت دراسة مثل هذه المنظومة أن هناك صعوبات كثيرة تواجه عملية قياس مدى عدالتها وفاعليتها، ولذلك فإن النسخة الحالية من هذا المؤشر تضمنت كثيرًا من الأسئلة حول هذه النظام، ولكن يعترف معدو المؤشر أن هذا المجال في حاجة إلى مزيد من العمل من أجل التطوير المستمر للمؤشر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/كانون الاول/2009 - 27/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م