دور المنظمات غير الحكومية في تحقيق التنمية المستدامة

أ.قراوي أحمد الصغير، أ.إبراهيمي أحمد

مقدمـة:

إن المتأمل في البنية المؤسساتية لاقتصاد أي بلد يرى بأنه هناك مجموعة من المنظمات تختلف في مجال نشاطها وفي الهدف من وجودها ولعل من أبرز هذه المنظمات نجد المنظمات الغير الحكومية التي أصبحت في الوقت الراهن لا تقل أهمية عن المنظمات الحكومية حيث أنها تحضى باهتمام متزايد من قبل الحكومات ووسائل الإعلام في البلدان المتقدمة ،حيث تتصدر الاهتمامات العامة،السياسية والاقتصادية،وهي تشكل الإطار المؤسسي والوعاء التنظيمي للقطاع الثالث بعد القطاع العام والقطاع الخاص فالمتتبع لمسيرة العمل الخيري أو التطوعي يرى بأنه  شهد نموا متسارعا بالدول الغربية في القرنين الماضيين،حيث استحوذ على حيزا مهما من الثروة الوطنية في المجتمعات الغربية بما يملكه من أصول، وبما يوفره من خدمات اجتماعية كثيرة وبتمويله لشبكة واسعة من المؤسسات الخدمية، في مجالات حيوية عدة  كالتعليم والصحة والثقافة والفنون والبيئة والبحث العلمي وحقوق الإنسان والأسرة ورعاية الطفولة والمساعدات الدولية،وغيرها من الخدمات والمنافع العامة، و من المتوقع أن يزداد دور منظمات القطاع الخيري، وأن يحتل مكانة مرموقة في النظام العالمي الجديد و في هذا الإطار نتساءل: ما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به المنظمات غير الحكومية في تحقيق التنمية المستدامة؟

سنحاول من خلال هذه المداخلة المتواضعة ان نجيب عن هذا التساؤل وذلك بتوضيح مفاهيم حول المنظمات الغير الحكومية والقطاع الخيري التطوعي وخصائصها ، ثم نتطرق إلى فلسفة التنمية المستدامة وابعادها ثم نحاول تحليل هذه المفاهيم للوصول إلى الدور الذي تلعبه المنظمات غير الحكومية في تحقيق التنمية المستدامة.

أولا: المنظمات الغير الحكومية

1 - تعريف القطاع الخيري والمنظمة غير الحكومية :

تختلف تسمية  القطاع الخيري باختلاف المنطلق الثقافي والبيئي , فهو قطاع تطوعي أو غير حكومي ،أو قطاع لا يهدف لتحقيق الربح ، وهو أيضا القطاع المستقل أو القطاع الثالث ويسمى أيضا بالاقتصاد الاجتماعي والقطاع الخفي أو الجمعيات الخيرية العامة وذوي البر والاحسان، كل هذه الأسماء تطلق للدلالة علي مساحة النشاط الاجتماعي،والممارسات العامة والفردية والمؤسسية خارج نطاق القطاعين الحكومي وقطاع منظمات الأعمال والموجهة للصالح والنفع العام.في محاولة لوضع تعريف موحد و توحيد تصنيفه تبنت جــامعة ( جونز هوبكـنر) بالولايات المتحدة الأمريكية مشروع بحث مقارن استطاع الوصول إلى تعريف واحد أساسه (بنية المؤسسة و عملياتها) ، ووضع تصنيفا لمؤسسات هذا القطاع وأسماه (التصنيف الدولي للمنظمات غير الربحية ) حيث عرف القطاع الخيري غير الربحي بأنه مجموعة من المنظمات ذات الطبيعة المؤسسية,والمنفصلة عن الحكومة والتي لا توزع أرباحا والحاكمة لنفسها والتي تقوم على التطوع.(1)

أما المنظمة غير الحكومية فهي وفقا لوثائق الأمم المتحدة الصادرة في عام 1994، تمثل كيانا غير هادف للربح وأعضاؤه مواطنون أو جماعات من المواطنين ينتمون إلى دولة واحدة أو أكثر وتتحدد أنشطتهم بفعل الإرادة الجماعية لأعضائها، استجابة لحاجات أعضاء واحدة أو أكثر من الجماعات التي تتعاون معها المنظمة غير الحكومية.(2)

كما يشير هذا المصطلح أيضا إلى اتحاد أو جمعية أو مؤسسة أو صندوق خيري أو مؤسسة (شركة) لا تسعى للربح  أو أي شخص اعتباري آخر لا يعتبر بموجب النظام القانوني المعني جزءاً من القطاع الحكومي ولا يدار لأغراض تحقيق الربح، حيث لا يتم توزيع أي أرباح تحققت. (3)

كما عرفت المنظمة غير الحكومية بأنها نسيج غير حكومي  (غير ربحي) وقد تكون كبيرة أو صغيرة دنيوية أو دينية وقد تعمل لصالح أعضائها فقط، أو لكل من يحتاج إلى مساعدة، بعضها يركز  على قضايا محلية وبعضها الآخر يعمل على مستويات وطنية أو إقليمية أو دولية عالمية.

وتعرف أيضا بأنها " تنظيم اجتماعي يستهدف غاية ومن أجل بلوغها تحدد نشاطها في بيئة جغرافية بعينها أو في ميدان نوعي أو وظيفي متخصص فيه".

من خلال التعاريف السابقة يمكن أن نستنتج تعريف دقيق للمنظمات الغير الحكومية على أنها منظمات يبادر إلى تشكيلها رواد متطوعون يعملون لصالح قضايا عامة او يعملون لصالح آخرين.

2-خصائص المنظمات غير الحكومية:

تتميز المنظمات الغير الحكومية عن المنظمات الحكومية بمجوعة من الخصائص نوجزها فيما

يلي: (4)

- أنها تنشأ مستقلة عن الدولة ، و أن تحكم نفسها من خلال مجلس أمناء.

-  أنها تستفيد من الصدقات و الهبات النقدية من قبل الأفراد و الشركات أو التبرع بالوقت أو استقطاع من الراتب و التركات.

- أن تكون أدوات جلب منافع للآخرين أي منافع تستفيد منها فئات خاصة أو جميع الناس.

- أن لا تكون مؤسسة ربحية.

- تخضع الهيئات والمؤسسات الخيرية لرقابة ضريبية صارمة.

- الحرص على ترك مجال واسع من حرية التحرك والمبادرة لمجالس الأمناء التي تدير هذه  المؤسسات لتقرر  في كل زمان أولويات العمل ومواطنه.

- ارتباط مؤسسات القطاع الخيري عادة بالضمير الحي لدى العاملين خاصة على مستوى    المتبرعين بالعمل وبعض قيادات العليا لهذه المؤسسات ،كما تتسم المؤسسات الخيرية والمنظمات غير الحكومية بأنها أكثر كفاءة وخدماتها أكثر جودة من المؤسسات الحكومية.

- حصول المؤسسة الخيرية على قدر كبير من العمل التبرعي والذي يعتبر أغلى عناصر الإنتاج في الاقتصاديات الغربية.

-  تتلقى المؤسسات الخيرية دعما حكوميا يأخذ أشكالا مختلفة كالإعفاءات الضريبية والإعفاءات  في الرسوم كما تتلقى منحا من الحكومة المركزية إضافة إلى دعم السلطات المحلية.

- طبقا للتشريعات المدنية في المجتمعات الغربية الحديثة تحظى جميع منظمات القطاع الثالث  بالشخصية الاعتبارية إضافة إلى ضرورة الحصول على إذن السلطة الإدارية المختصة عند التأسيس والاستثمار لها.

- القيام على أساس مبادرات أهلية والاعتماد على التمويل الذاتي والتمتع بالاستقلال الإداري فضلا عن تعدد الأنشطة والأعمال والمشروعات.

3- أنماط المنظمات غير الحكومية:

3-1تصنيف المنظمات الغير الحكومية:

لقد تم تصنيف المنظمات غير الحكومية وفقا للمعايير التالية ،الحجم والعضوية والوظيفة على النحو التالي:

-تصنيف حسب التوزيع الجغرافي: منظمات محلية، منظمات وطنية، منظمات أجنبية ودولية.

- تصنيف حسب المعيار الوظيفي ونوعية الأنشطة: زراعي، خدمي، صناعي أو حرفي.

- تصنيف حسب المعيار الجنسي: رجال، نساء.

- تصنيف حسب معيار الحجم: كبيرة، صغيرة.

- تصنيف حسب المعيار الطبقي: مزارعين، عمال ،طبقة وسطى.

- تصنيف حسب المعيار الثقافي: ديني، عرفي، قرابي.(5)

كما أن هناك تقسيمات أخرى للمنظمات تتضمن أربع جوانب هي :(6)

- منظمات حكومية: يضمها تشريع وتمويل حكومي ,وبها موظفين مثل مكاتب الضمان الاجتماعي.

- منظمات أهلية: تقوم بالجهود الأهلية و يمولها الأهالي مثل الجمعيات الخيرية الخاصة.

- منظمات مشتركة: يشترك في إدارتها وتمويلها الحكومة والأهالي.

- منظمات دولية: وهي منظمات الرفاهية الاجتماعية مثل منظمة اليونسكو والمنظمات التابعة للأمم المتحدة.

3- 2 الصيغ المؤسسية للعمل الخيري

بسبب اختلاف المفهوم القانوني للعمل الخيري والوقفي في البلدان الغربية فإنه من الصعب حصر جميع مؤسسات القطاع تحت عنوان واحد(7) ، غير أن المؤسسات الخيرية والمنظمات غير الحكومية المشكلة للقطاع الثالث في البلدان الغربية تتوزع فيما بين المؤسسات الخيرية والأمانات الوقفية والجمعيات ،وبيانها فيما يلي :

1-1- المؤسسة الخيرية : Foundation

تقوم هذه الصيغة على أساس وقف أموال معينة من العقارات أو المنقولات للإنفاق من ريعها على أغراض خيرية و منافع عامة لا تستهدف الربح , كإنشاء المستشفيات أو المدارس أو الملاجئ  أو للإنفاق على بعض ما يكون موجودا من هذه الهيئات بالفعل.

1 -2- الاستئمان : Trust

وهو أن يضع الشخص ماله –عقارا أو منقولا – أو جزءا منه في حيازة شخص أخر يسمى (الأمين) أو يضعها في حيازة أكثر من شخص يكونون (مجلس الأمناء ), ليقوم بتوظيف هذا المال ،واستثماره لمصلحة شخص أخر أو أكثر من أولاد الوصي أو ذريته , خاصة القصر منهم وعديمي الأهلية والأرامل بهدف صيانة ثروته وعدم تبديدها وهذا ما يسمى بالاستثمار (الأهلي )وقد يكون هدف الموصي هو تحقيق مصلحة عامة يختارها هو , وهذه الحالة في الاستئمان تسمى (الاستئمان الخيري)والأمين أو مجلس الأمناء قد يكون شخصا طبيعيا أو اعتباريا كالمصارف والشركات المتخصصة في استثمار أموال (الترست)وإدارتها.

1-3 - الجمعـية : Association

يؤسسها عدد من الأشخاص  (بحد أدنى  لعدد الأعضاء المؤسسين يحدده القانون، كما يحدد مواصفاتهم ) ، بدافع حب الخير وخدمة الغير –أو خدمة أعضاء الجمعية , أو فئة اجتماعية ما – وتعتمد الجمعية في تمويل أنشطتها على اشتراكات الأعضاء وتلقي الهبات والحصول على المساعدات بما في ذلك المساعدات الحكومية , بخلاف المؤسسة الخيرية التي تقوم على أساس الإيقاف.

ثانيا: فلسفة التنمية المستدامة

1- مفهوم التنمية المستدامة

إن المتتبع لمستجدات الأدبيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يلفت انتباهه شيوع مصطلح التنمية المستدامة و استحواذه على حيز كبير من فكر الباحثين واهتماماتهم البحثية وسنحاول إعطاء تعريف دقيق وشامل لمصطلح التنمية المستدامة والتطرق إلى أبعادها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، ودون شك قبل تعريف التنمية المستدامة يجب أن نعرج على مفهومين رئيسيين ونفرق بينهما ألا وهما النمو والتنمية والتفريق بينهما يوضح لنا معالم مصطلح التنمية المستدامة.

· النمو: إصطلاحا يدل على التغير التلقائي في الشكل و المظهر أو الكم والعدد وهو ما يجعله خاصية من خصائص الكائنات الحية.

· أما التنمية: فهي عملية مخططة وهادفة من خلال توجيه عملية النمو وتسرعها أو تحسن في نوعيتها أو تغير في اتجاهها وقد تقع خارجها فتصطنع وتحلل وتركب وتبتدع المخرجات لتحصل على ما هو متميز ومتفرد في خصائصه.وهذا لا يتحقق إلا بتوظيف الخبرة والمعرفة وبذل جهود واعتماد مناهج علمية.

· أما مصطلح التنمية المستدامة: فقد طرح أول مرة من طرف وزير البيئة الدانماركي الأسبق برونتلاند عام 1987 م ومن ذلك الحين أصبحت التنمية المستدامة شعارا مسلما به من قبل المنظمات الدولية والإقليمية الحكومية منها والغير الحكومية،لذلك لم يكن لهذا المصطلح تعريفا واحدا متفق عليه لكن له مضمون واسع يفهمه من يستخدمه ليشمل كل القضايا التي تعاني منها الشعوب العالم وقاراته ومحيطاته وكان الهدف منه تنشيط وتفعيل تلك الجهود الرامية إلى الحفاظ على الكوكب الأرضي وثرواته الزاخرة وعلى البشر أينما وجدوا وعلى جميع الأنساق والكائنات الحية حيثما تعرضت للتهديد والانقراض وضرورة إدامة الثروات الطبيعية وعدم استنزافها للحفاظ على حصة الأجيال المتعاقبة لينعم الجميع فيها بالعيش الكريم بدلا من استثار جيل على جيل آخر وفيما يلي تعريف مختصر وشامل للتنمية المستدامة:

 (فهي عملية مخططة وهادفة تسعى على تحقيق نمط من أنماط الرقي والتقدم يتم بموجبه تلبية حاجات الجيل الحالي أو الحاضر دون أن يكون ذلك على حساب حاجات الأجيال القادمة أو يضعف من قدرتها على تحقيق إحتياجاتها الأساسية).(8)

دون شك أن عملية التنمية المستدامة تدق ناقوس الخطر محذرة من الانزلاق في فخ استنزاف الثروات الطبيعية و تهديد الكائنات الحية بالانقراض وهذا إذا بقيت معدلات الإنفاق والاستهلاك لهذه الثروات على ما هي عليه.بل ان هناك كوارث طبيعية وأزمات اقتصادية سيتعرض لها البشر على هذا الكوكب إذا لم يحصل التدخل المباشر بأساليب علمية وتقنية متطورة لوقف هذا الحال لضمان تكافؤ الفرص أمام الجميع والحفاظ على التوازن البيئي والجغرافي والاقتصادي بين الإنسان والطبيعة، وتحقيق جودة في حياة الأجيال القادمة.

2- أهداف التنمية المستدامة

إن المتتبع لفلسفة مصطلح التنمية المستدامة وما نشر عنه من برامج وملتقيات علمية و محاضرات يمكنه يستنتج الأهداف السامية لهذه العملية والمتمثلة أساسا في:

2-1 التنمية المستدامة تساهم في تحقيق الخيارات ووضع الاستراتجيات وبلورة الأهداف ورسم السياسات التنموية برؤية مستقبلية أكثر توازنا وعدلا.

2-2 عملية التنمية المستدامة تنطلق من أهمية تحليل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية برؤية شمولية وتكاملية.

2-3 التنمية المستدامة تعمل على توحيد الجهود والتعاضد بين المنظمات الحكومية والخاصة والغير الحكومية حول ما يتفق عليه من أهداف وبرامج تساهم في إسعاد جميع الفئات المجتمعية الحالية والمستقبلية.

2-4 إحداث التغير الفكري والسلوكي والمؤسسي الذي يتطلبه وضع السياسات والبرامج التنموية ، وتنفيذها بكفاءة وفعالية وتجنب التداخل والتكرار والاختلاف وبعثرة الجهود واستنزاف الموارد المحدودة وفي مقدمتها الوقت وعامل الزمن الذي يصعب تعويضه ويتعذر خزنه واسترجاع ما فات منه.

2-4 تعمل التنمية المستدامة على زيادة فرص الشراكة والمشاركة في تبادل الخبرات والمهارات وتساهم في تفعيل دور التعليم والتدريب والتوعية لتحفيز الإبداع والبحث عن اساليب جديدة تزيد من توليد توظيف المعرفة العلمية وتداخل حقولها من خلال فرق البحث العلمي.    

3- أبعاد التنمية المستدامة

لقد حدد مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة المنعقد في جوهانسبرج عام 2002 ثلاثة أبعاد رئيسية للتنمية المستدامة هي:

3-1 البعد الاقتصادي:

يهدف البعد الاقتصادي إلى:

- تحقيق مستوى عالي من الرفاهية للإنسان من خلال زيادة نصيبه من السلع والخدمات الضرورية، غير أن هذا يتعذر تحقيقه في ظل محدودية الموارد المتاحة للعديد من الدول سواء كانت متقدمة أو متخلفة.

- توفير عناصر الإنتاج الرئيسية في مقدمتها التنظيم والمعرفة العلمية ورأس المال.

- زيادة معدلات النمو في مختلف مجالات الإنتاج لزيادة معدلات الدخل الفردي وتنشيط العلاقة والتغذية الراجعة بين المدخلات والمخرجات.

3-2 البعد البيئي:

تعمل التنمية المستدامة من خلال البعد البيئي على حماية سلامة النظم الإيكولوجية وحسن التعامل مع الموارد الطبيعية وتوظيفها لصالح الإنسان دون إحداث الخلل في مكونات البيئة للأرض والماء والهواء وما لهم من أهمية في الحفاظ على ديمومة الحياة البشرية والحيوانية والنباتية ولتحقيق هذا لابد من الاهتمام بالعناصر التالية:

- التنوع البيولوجي المتمثل في البشر والنباتات والغابات والحيوانات والطيور والأسماك وكل ما خلقه العلي القدير على وجه الأرض وفي باطن الحار أو في الأجواء والفضاء

- الثروات والموارد المكتشفة والمخزونة من الطاقة بأنواعها وبمختلف مصادرها.

- التلوث الذي تتعرض له البيئة بكل مكوناتها وعلى الأخص المياه والهواء والأراضي وكل ما يحيط بالإنسان من فضاء خارجي.

3-3 البعد الاجتماعي:

ويشمل الأنساق البشرية و والعلاقات الفردية والجماعية والمؤسسية وما تساهم به من جهود تعاونية وتتمثل أساسا عناصر هذا البعد فيما يلي:

- الحكم الراشد: ويتمثل بنوع السياسات والقواعد التي تطابقها الحكومة ومدى فعاليتها في تحقيق الشراكة مع القطاعات الرئيسية وهي القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع الخيري المتمثل أساسا في مؤسسات المجتمع المدني.

-  التمكين: ويراد به توعية الأفراد والجماعات سواء كانوا رجالا أو نساء بضرورة التضامن والإسهام في بناء مجتمع موحد من خلال تسخير طاقاتهم وجهودهم لصناعة مستقبل زاهر يحلمون به لهم لأجيالهم القادمة.

- الاندماج والشراكة المجتمعية: وذلك من خلال توحد المجتمع في أهدافه وفي مسؤولياته وف نطاق الحقوق والحريات الداعية للعدل والمساواة دون تمييز فرد عن آخر أو جنس عن آخر.

الشكل التالي يبين تداخل أبعاد التنمية المستدامة:

ثالثا: الأهمية الاقتصادية للمنظمات غير الحكومية ودورها في تحقيق التنمية المستدامة

تحتل المنظمات غير الحكومية مكانة مرموقة في اقتصاديات الدول الغربية وهذا للدور الذي تؤديه وسنحاول ربط نشاط المنظمات غير الحكومية بأبعاد التنمية المستدامة فيما يلي:

 1-المنظمات غير الحكومية والبعد الاقتصادي للتنمية المستدامة

لقد استحوذت المنظمات الغير الحكومية على  حيزا مهما من الثروة القومية في بلدان المتقدمة، وتقدم خدمات كثيرة في مجالات عدة، فالقطاع الخيري الذي تنتمي إليه المؤسسات الخيرية والمنظمات غير الحكومية ، أصبح يشكل رقما هاما في المعادلة الاقتصادية في الكثير من البلدان الصناعية ،وهو قطاع ثالث شريك للقطاعين الآخرين ( القطاع العام والقطاع الخاص) في عملية التنمية البشرية،بما يملكه من جامعات ومراكز بحثية ومستشفيات ومؤسسات استثمارية.

 ففي الولايات المتحدة الأمريكية  فالإحصائيات الرسمية الخاصة بسنة 2003 تشير إلى أن القطاع الخيري بشقيه الوقفي والتبرعي يضم في إطاره 1514972 منظمة وجمعية ، و32000 مؤسسة وقفية،ويتم الترخيص يوميا لـ 200 جمعية تعمل في القطاع الخيري ،وينتظم في هذا القطاع قرابة11 مليون موظفا بصفة دائمة، ،بينما بلغت إيراداته (تبرعات المحسنين وذوي البر والاحسان) حوالي 212 مليار دولار أمريكي(09) ، إضافة إلى 90 مليون متطوع في جميع الأعمال الدينية والإغاثية والإنسانية،بواقع 5 ساعات عمل أسبوعيا في التطوع في جميع التخصصات.

إذن ما نخلص إليه من هذه المعلومات هو أن المنظمات غير الحكومية تسعى جاهدة إلى تحقيق البعد الاقتصادي للتنمية المستدامة من خلال امتصاص البطالة والعمل على تحقيق الرفاهية الاقتصادية للانسان والوصول إلى التوزيع العادل للدخل.

2-المنظمات غير الحكومية والبعد الاجتماعي للتنمية المستدامة

تعمل المؤسسات والمنظمات غير الحكومية من أجل تحقيق أهدافها من خلال قيامها بنشاطات ذات النفع العام في مجالات عدة ، خيرية وصحية وتعليمية واجتماعية وترفيهية ورياضية ودينية، تشكل في مجموعها المجال الحيوي للنشاط التطوعي والخيري , حيث تنتج الخدمات وتساهم أحيانا في إنتاج السلع في جو لا تجاري ولا ربحي , كما تؤمن هذه المنظمات بيئة منظمة للعمل الإنساني، يعمل فيها الناس باختيارهم الخاص وأحيانا متطوعين بإرادتهم مستقلين عن الإدارة الحكومية , ويؤمنون الخدمات والتدريب والخبرات ضمن إستراتيجية عمل تلقائي تطوعي ذاتي التنظيم. وتختلف مجالات نشاط عمل المنظمات غير الحكومية باختلاف أهدافها ووسائلها واهتماماتها (10), ومن بين الاهتمامات الرئيسية للمنظمات الغير حكومة نجد تلك ذات الطابع الاجتماعي كالشراكة المجتمعية والجمعيات الخيرية التي تعمل على نشر الوعي وإصلاح المجتمع وهو ما يتطلب من هذه المنظمات كفاءة عالية.

3-المنظمات غير الحكومية والبعد البيئي للتنمية المستدامة

 لو نتفحص أصناف المنظمات نجد تلك الجمعيات والمنظمات التي تصب جل اهتماماتها في القضاء على التلوث البيئي والحفاظ على الغطاء النباتي والثروة المائية والحيوانية فهناك جمعيات شعارها التشجير ونشر الوعي بضرورة الحفاظ على الثروة النباتية وهناك جمعيات أخرى شعارها القضاء على تلوث البيئة الناجم عن قلة وعي أفراد المجتمع بضرورة العيش في محيط نظيف يضمن الممارسة الحسنة لكل الأعمال الإنسانية إذن ما نخلص إليه هو أن المنظمات الغير الحكومية لكي تحقق البعد البيئي للتنمية المستدامة يجب ان تتمتع بفعالية وكفاءة عالية في آداء مواردها البشرية.

خاتمــــــة

لقد حاولنا من خلال هذه المداخلة المتواضعة أن نسلط بعض الضوء على نوع من المنظمات غاية الأهمية في الاقتصاديات الحديثة، ألا وهو المنظمات غير الحكومية  بما تؤديه من أدوار جعلت لها نفوذها وتأثيرها الكبير في مجريات الأحداث الدولية و الإقليمية والمحلية، فالمنظمات غير الحكومية خاصة في البلدان الرأسمالية تتمتع بدعم رسمي و شعبي، كما تتوفر على إمكانيات مادية وبشرية كبيرة جعلتها تكتسي أهمية بالغة، إلا أن هذه المنظمات في الدول النامية تقف في طريقها مجموعة من المعوقات ندرجها فيما يلي:

•   تعاني من موضوع التمويل

•   صعوبات في انتظام التمويل

•   صعوبة في الشروط المفروضة

•   ظاهرة التكاثر غير المبرر ( الإعاقة والبيئة)

•   الجمعية ملك مؤسسها (  لا دور للآخرين )

•   فقدان ميزني المشاركة والتطوع

•   التنسيق مفقود وصعب بين الجمعيات.

ولإزالة هذه العائق يمكن أن ندرج مجموعة من الاقتراحات والحلول تتمثل في:

·  توفير اعتمادات مالية كافية من ميزانية الدول لتمويل المنظمات غير الحكومية

·  منح الاستقلالية في النشاط والتخفيف من شروط تشكيل المنظمات الغير حكومية

·  التداول على تسيير هذه المنظمات وعدم ترك هامش التصرف لفرد واحد

·  التشبع بالوازع الديني والتحلي بقيم ديننا الإسلامي الحنيف وتطبيق مبدا المشاركة والتطوع.

·  خلف فضاء تنسيقي بين الجمعيات الخيرية وكل المنظمات ذات الطابع غير الحكومي

·  تنسيق جهود المنظمات الحكومية مع جهود المنظمات غير الحكومية لتحقيق التنمية المستدامة.

* كلية العوم الاقتصادية وعلوم التسيير و العلوم التجارية

جـــامعة محمد بوضيـــاف المسيلة- الجزائـر

.................................................

الهوامش:

(1) - بدر ناصر المطيري، مستقبل الوقف في الوطن العربي،ندوة الوقف والمجتمع المدني في الوطن العربي،تحرير إبراهيم البيومي غانم ،مركز دراسات الوحدة العربية والأمانة العمة للأوقاف، بيروت ،2003،ص802.

(2)-  نجوى سمك و السيد صدقي عابدين دور المنظمات غير الحكومية في ظل العولمة،الخبرتان المصرية واليا بانية،مركز الدراسات الآسيوية،القاهرة،2002،ص48.

(3) - دليل الممارسات السلمية بشأن وضع القوانين المتعلقة بالمنظمات غير الحكومية، مسودة مناقشة، أعدها البنك الدولي، المركز الدولي لقوانين الهيئات التي لا تستهدف الربح، بحث رقم 26أ، مايو 1997، سلسلة بحوث التنمية الاجتماعية. على موقع التميز للمنظمات غير الحكومية:  www.ngoce.org.

(4)-  بدر ناصر المطيري، من قسمات التجربة البريطانية في العمل الخيري والتطوعي، الأمانة العامة للأوقاف ،الكويت،1994،ص80 و87. و إبراهيم.

(5) - دليل الممارسات السلمية بشأن وضع القوانين المتعلقة بالمنظمات غير الحكومية ، المرجع السابق

(6)-  جابر عوض السيد و أبو الحسن عبد الموجود،الإدارة المعاصرة في المنظمات الاجتماعية، المكتب الجامعي الحديث،الإسكندرية،2003 ص234.

(7) - منذر القحف ، الوقف الإسلامي تطوره إدارته تنميته ، دار الفكر ، دمشق،2001، ص 43.

(8) التعريف من إعداد الباحثين بناءا على المزج بين مجموعة من التعاريف.

(09)-  عبد الرحمان فرحانه ، معركة العمل الخيري، أنظر موقع:www.islamtoday.net

(10) - غسان منير حمزة سنو و علي أحمد الطراح، العولمة و الدولة ، الوطن و المجتمع العالمي،دار النهضة العربية، بيروت،2002 ،ص 196.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/كانون الاول/2009 - 26/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م