بازار الطيور والحيوانات في سوق جمُعة البصرة.. بين الفوضى والالتزام

تحقيق: نهلة جابر

 

شبكة النبأ: صباح كل يوم جمعة تنتشر ظاهرة غريبة تسود وسط البصرة، حيث يتحول الشارع المودي إلى العشار فيها إلى "بازار" غير قانوني لبيع الحيوانات من مختلف الفصائل، سوق مكتظ، أصوات عالية لتجار وصبية يعرضون بضاعتهم من الحيوانات الهائجة في أقفاص أو المقيدة في حبال، أناس يتهافتون للحصول على ما تهوى أنفسهم وسط صراخ للحصول على السعر الأفضل.

عالم مختلف منافسة حقيقية بين تجار ومرتادي هذا السوق، من يمتلك الحيوان الافضل او الطائر ذو الصوت الاجمل.. عالم يجعلك في حيرة تامة اذا ما كانت بالفعل الغاية الحقيقية من وراء انشاء هذا السوق وفي هذه الفترة المحددة.

اسئلة عديدة تدور في ذهنك وانت تمر بالسوق، اين نحن من مدى صحة بيع هذه الحيوانات؟ وهل يعرف اولئك التجار والباعة عن قانون حماية الحيوان او اتفاقية المتاجرة بالاحياء البرية المهددة بالانقراض؟ وهل جميع الحيوانات المعروضة مستوطنة في العراق؟ واين الرقابة ومَن المسؤول وهل يعد هذا السوق رزقا للتجار والباعة.

والخوف الاكبر هل يجوز بيع تلك الطيور دون رقابة صحية، سيما وأن انفلونزا الطيور تجتاح العالم من وراء سلوكيات خاطئة في التعامل معها، وتحديدا مع البيئية منها؟

وأسئلة اخرى تجول في خاطر أي شخص يهتم بالبيئة والحياة البرية، شاءت له الصدفة زيارة هذا السوق او السماع عنه.

هذا مادفعني للتحري والسير بين الاقفاص المتراكمة على جانبي هذا الشارع للاستفسار عن امور عديدة في محاولة كانت نتائجها جيدة بمساعدة هشام الولد الذي لم يتجاوز السادسة عشر من عمره، ويعمل بائع حَمام.

فقد اوضح لي ان الظروف الصعبة التي مرت بها عائلته في زمن الحصار ورؤيته والدته تعاني من شظف العيش جعله يفكر في مساعدتها، وهذا ماجعله يساهم في معيشة عائلته منذ الصغر، حيث اعتاد ومنذ زمن ان يقوم بتربية الطيور وجعل اسطح منزله مليء بالاقفاص والطيور التي تصل اعدادها الى 75 زوجاً يبيعون منها ويعتاشون عليها.

واصبح يعيل عائلته واخوته ولحد الآن.. ويضحك بقوة عندما يعدد اسمائهن "الحمام" هن أصبحن العائلة الثانية له".

خليط من الحيوانات يثير دهشة

شاهدنا عند التجوال العشرات من الاقفاص لطيور مختلفة الالوان والانواع، قردة تستنفر عيونها الرحمة، كلاب مختلفة الانواع  تثير فضول المشاهد، أرانب يبتاعها المارة للتدجين والاكل، قطط مختلفة الاشكال بائسة تبحث عن من يقتنيها ويدفع عنها من هذا القفص المقيت.

وينما كنت أتجول تحدثتُ مع "عادل موزان" الذي أكد انه شاهد تجّار وبائعين يبيعون الذئاب والحيوانات الغريبة والصقور والنسور ايضا..ثم بدء يصفها، وهذا ماادهشني وجعلني أشك في مصداقيته كونها انواع مهددة بالانقراض وايضا لايمكن السيطرة عليها وخصوصا في المدن.

وتقدّمَ احد التجار نحوي وهمس لي قائلا،" ان السوق انحسر في هذه الاعوام واصبح مرتاديه قلائل وليس له زوار كما في السابق". واضاف،" نظراً للقوانين والمضايقات التي تمارسها الاجهزة الامنية على الباعة حيث ان المكان يضيق الخناق على الشارع الرئيسي المؤدي للعشار اضافة الى انتشار امراض انفلونزا الطيور, مما جعل الكثير من الباعة ترك تلك المهنة واللجوء الى بيع مقتنياتهم من تلك الحيوانات الفريدة بالخفية او بطريقة الطلب على تلك الطيوروالحيوانات.

وعند سؤالنا لموزان عمّا يعنيه بالحيوانات النادرة، أجاب،" انها الحيوانات او الطيور الجميلة القليلة الوجود والتي يجد التجار والمقتنون صعوبة الحصول عليها ومن المتعارف ان ثمنها مرتفع جدا.

ويتداخل معنا بائع الحيوانات والطيور ابو مرتضى قائلا،" ليست هناك قوانين إلا على الناس الفقراء حيث ان الكثير ممن يبيع ويدجّن لايطاله أي قانون.

واضاف ابو مرتضى" نحن نطالب بتوضيح من الاجهزة الامنية، لماذا مداهمات الاسواق من قبلهم وهم يعرفون ان الكثير من العراقيين ليس موظفين حكوميين ويعتاشون على البيع والشراء.

اما السيد عارف فهو يقول،" تقصير واضح في جانب التوعية، ومن هنا تاكد لي ان غياب الوعي والادراك هو السبب وراء المشاكل التي لا احد من البائعين يعلم ماهي الحيوانات التي  تتعرض لخطر الانقراض في العالم وان الحكومة العراقية لاتعي اي اهتمام بالبيئة الحيوانية، وبالتالي فأن عدم انتظام التجارة بالانواع البرية سوف يؤدي الى انقراض العديد منها.

وأشار عدد من المهتمين بالبيئة الى ان القوانين العراقية والمحميات التي قامت الدولة باستحداثها اضافة الى مزارع الاسماك لضمان التوازن البيئى وتوفير حق حمايته من الانقراض لم تحقق اهدافها المرجوة.

وفجأة تعالت اصوات زقزقة العصافير، انها المنافسة الحقيقة بين بائعي الطيور ولمن له القدرة على تقليد الاصوات الجميلة للطيور، ومن هنا بدء "حسّوني" بالقفز منتشياً ومقلداً لأصوات الطير الذي يقتنيه من زمن بعيد ويعتز به، غافلا بأن الطير هذا ينتمي الى الطيور التي تتعرض لخطر الانقراض، ويُباع بأسعار غالية جدا وتصل لمئات آلاف الدنانير.

ويقول حسوني،" ان هذا النوع من الممكن ان يصل سعره الى ارقام خيالية؛ وشرح لي مسهبا عن كيفية تدجين الطير من قبل مربيه للوصول الى مواصفات عالية له.

ومن عجائب هذا السوق ايضا انه يتم بيع الكلاب والقطط الاليفة التي يتم تربيتها واحيانا "سرقتها" من بيوتات اصحابها والتي يرفض الكثيرمن اصحاب المحلات شرائها.

كان "لؤي" يبحث مع ابيه عن كلبه الذي اصطحبه من سوريا بعد رجوعهم الى العراق والذي سرق من امام منزله في الطويسه في البصرة، وبعد ان تعب أبوه من السؤال عنه في المحلات التي تباع فيه تلك الحيوانات، وجدا ضالتهما عند احد الباعة في سوق الطيور والذي ينشط في يوم الجمعة وعندها صرخ الطفل بأن الكلب هذا يعود لهما!

ومن هنا ندخل في حيرة عن الجهد والشغف الذي يبذله الباعة والتجار لامتلاك تلك الحيوانات ويدفعهم الى محاربة الاعراف والقوانين التي تعرضهم الى عقوبات جمة منها السجن او الغرامات. لهذا فحماية الحيوانات والطيور هي مسؤولية عالمية وليست عراقية يشترك فيها المواطن العادي والمسؤول والقانون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 13/كانون الاول/2009 - 25/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م