القاعدة في بلاد الرافدين... رهان أخير على عرقنة التنظيم

استمرارية قوتها تنبع من تفشي الفساد الأمني والسياسي والقضائي

 

شبكة النبأ: يشكل تنظيم القاعدة او ما يسمى دولة العراق الاسلامية التحدي الابرز الذي يقف حائلا دون استقرار الاوضاع العراقية، على اكثر من صعيد امنيا وسياسيا واقتصاديا.

حيث لعب هذا التنظيم الارهابي منذ سقوط النظام السابق على ترويع السكان المدنيين واستهداف المؤسسات العامة بحجة مكافحة الاحتلال والانتقام ممن يتعاملون معه.

وعلى الرغم من تمكن القوات العراقية خلال السنتين الماضيتين الحاق اكبر حجم من الخسائر خلال الضربات الموجعة التي تعرضت تشكيلات القاعدة والجماعات المسلحة المنضوية تحت لوائها، الا انها استطاعت من تنفذ عمليات ارهابية نوعية اسقطت اعداد كبيرة من المدنيين بين قتيل وجريح.

مستوى متدن

تقول مريم بن رعد (وهي باحثة كيستون فاميلي في مشروع فكرة بمعهد واشنطن، الذي يركز خلال ابحاثه على التطرف ومقاومة التطرف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة)، في مقال لها في مجلة فورين بوليسي الامريكية:

 قد يكون تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين في مستوى متدني، ولكن لم يُقضى عليه، ففي الشهر الماضي، قام جهاديون (من المحتمل أن يكونوا مرتبطين بهذه الجماعة في حين تظاهروا بأنهم جنود من الجيش العراقي)، بإعدام 13 شخصاً من قبيلة سنية متحالفة مع الولايات المتحدة قرب أبو غريب.

وخلال آب وتشرين الأول الماضيين قام مفجرون انتحاريون تابعون لتنظيم القاعدة باستهداف مباني حكومية في بغداد، مما أسفر عن مقتل المئات من الأشخاص في أكثر الهجمات دموية قام بها التنظيم ضد الحكومة العراقية منذ الغزو الأمريكي.

في الوقت الذي يَسند فيه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الكثير من حملته الانتخابية المقرر إجراؤها في كانون الثاني القادم على وعد حكومته بتوفير الأمن، يمكن أن يلعب تنظيم القاعدة دور المفسد بقيامه بالمزيد من الهجمات، بالإضافة إلى تشكيله تحدياً كبيراً لاستقرار الأمن في العراق على المدى البعيد.

وتضيف بن رعد في الفورين بوليسي: على الرغم من أن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين قد تعرض لنكسات كبيرة منذ زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق في عام 2007، إلا أن هذه الجماعة لم تختفي تماماً.

وقد تضاءل نفوذها في العراق بسبب وفاة زعيمها الكاريزماتي، الجهادي الأردني أبو مصعب الزرقاوي في تموز/يوليو 2006، ولأن استخفافها الشديد بحياة المدنيين قد تسبب في نفور قطاعات واسعة من السكان العراقيين.

وقد خضعت المجموعة لتحول تنظيمي وإيديولوجي كبير على مدى العامين الماضيين لكي تتكيف مع هذه النكسات.

لقد بدأت "عرقنة" تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي، وذلك من خلال تجنيد المقاتلين المحليين، بعد أن كان الجهاديون الأجانب هم الذين يهيمنون على «التنظيم».

وقد ولد هذا التحول إلى حد كبير بدافع الضرورة، فقد تضاءلت قوة تنظيم القاعدة بشكل كبير بسبب اعتقال أو مقتل العديد من المقاتلين الأجانب أو نقلهم إلى ساحات المعارك الجهادية الجديدة، وخصوصاً في المغرب وأفغانستان.

كما اعترفت أيضاً قيادة التنظيم بأنه يجب عليها أن تمنح دوراً أكبر للعراقيين لضمان بقاءها حيوياً على المدى البعيد، وكان الزرقاوي قد دعا العراقيين بنفسه إلى اتخاذ مواقف أكثر بروزاً داخل المنظمة.

واشارت بن رعد الى انه تم تأكيد عملية "العرقنة" هذه من خلال إعلان التنظيم في تشرين الأول 2006 عن إنشاء "دولة العراق الإسلامية" وزيادة تركيز الجهاديين على مهاجمة المؤسسات العراقية.

وفي نطاق الدعاية التي يقوم بها تنظيم «القاعدة»، يتم اليوم وصف قوات الشرطة والأمن العراقية، والأفراد العسكريين العراقيين، والوزارات الاتحادية، والمسؤولين، بأنهم "المحتلين المرتدين" الذي قاموا باحتلال العراق من جديد، تلك البلاد التي هي "أرض الخلافة المقدسة". وهناك احتمال تقبل هذا الخطاب من قبل السنة العراقيين المحرومين، الذين لا يزالون غير متكيفين لحكومة عراقية يهيمن عليها الشيعة.

إن انسحاب القوات القتالية الأمريكية من المدن العراقية في حزيران/يونيو الماضي، قد وفر أيضاً فرص جديدة لتنظيم «القاعدة» لكي يقوم بتنفيذ هجمات كبيرة.

وكانت البلاغات العديدة التي صدرت في أعقاب الهجمات التي شنها تنظيم «القاعدة» في آب/اغسطس الماضي وأيدها أبو عمر البغدادي، زعيم "الدولة الإسلامية في العراق"، قد وصفت انسحاب الولايات المتحدة بأنه اعترافاً بـ "الهزيمة المريرة" التي لحقت بالجيش الأمريكي؛ وسخرت تلك البلاغات من حكومة المالكي لفشلها في الحفاظ على الأمن في المراكز الحضرية.

وهناك عوامل أخرى تدخل في حساب قدرة تنظيم «القاعدة» على التكيف [مع الظروف المتغيرة].

فالحالة الاقتصادية الهشة تضعف من قدرات العراق الأمنية، بحيث تهدد إبطال المكاسب التى تحققت من قيام الإستقرار. وتظهر التقارير الرسمية العراقية كيف أن التخفيضات الهائلة في الميزانية قد أثرت بصورة سلبية على الأمن. فقد تم تقليص ميزانية الحكومة هذا العام من 79 مليار دولار إلى 59 مليار دولار، بسبب هبوط أسعار النفط. وقد تضرر القطاع الأمني بشكل خاص، في أعقاب تجميد التعيينات الجديدة لضباط الشرطة والأمن.

الفساد طريق للاختراق

وتشير بن رعد الى ان هذا الوضع قد ازداد سوءاً بسبب تفشي الفساد والرشوة التي لم تستشري فقط في الوزارات والمؤسسات في العراق، ولكنها تعرض أيضاً مجمل عملية إعادة الإعمار للخطر.

إن التسلل المتفشي الذي تقوم به الجماعات المتطرفة بين صفوف أفراد الشرطة وقوات الأمن العراقية يشكل مثار قلق خاص.

وهناك تقرير صدر مؤخراً من قبل وزارة الداخلية يسلط الضوء على الكيفية التي يتم بواسطتها رشوة ضباط نقاط التفتيش العراقية وحراس السجن بحيث يؤدي ذلك إلى خلق مساحة عمل للمجاهدين للقيام بتنفيذ هجماتهم. ففي شهر آب/أغسطس وحده، دُفعت مبالغ قدرها 10,000 دولار كرشاوى إلى عدة متواطئين لمساعدة المفجرين الإنتحاريين من تنظيم «القاعدة» على المرور عبر نقاط التفتيش الأمنية. وتشير مصادر عراقية رسمية أيضاً بأنه قد تم الإفراج، بواسطة الرشاوى، عن عدد كبير من الإسلاميين الخطرين الذين كانوا محتجزين في السجون، وقد يكون واقع الأمر هذا وراء الظهور المجدد لعمليات الجهاد المسلح في الآونة الأخيرة.

وكما ذكر مسؤولو محافظة صلاح الدين في شهر أيلول/سبتمبر المنصرم، تمكن 16 سجيناً تابعين لتنظيم «القاعدة» من التسلل إلى خارج سجن في تكريت بمساعدة حراسهم.

ويستفيد تنظيم «القاعدة» أيضاً من الأعضاء الفاسدين ضمن السلطة القضائية العراقية الذين يصدرون أوامر إفراج غير قانونية، ويزورون هوية السجناء المتطرفين، أو مجرد يقومون بشطب سجلاتهم الجنائية.

وقد أصبحت الرشاوى شائعة جداً إلى درجة أن "مجلس القضاء الأعلى العراقي" أمر بفتح تحقيق، وقدم طلباً رسمياً في حزيران/يونيو المنصرم للحصول على مساعدة دولية.

ويقدر ممثلو وزارة الداخلية العراقية بأنه من المحتمل انضمام ما يصل إلى 50 في المائة من السجناء المفرج عنهم إلى أنشطة التمرد. إن مثل هذا الإفراج غير الملائم عن محتجزين هو نتيجة جزئية لأوجه القصور في قانون العفو العراقي الذي أعتمد في عام 2008. لقد كان المقصود أصلاً من قانون العفو، هو استهواء العرب السنة الغاضبين لكي يشاركوا ثانية في العملية السياسية، وإقناع المتمردين السابقين على نبذ العنف.

مع ذلك، فإن الإهمال في تطبيق القانون، والصعوبة في التمييز بين المعتقلين المتطرفين والسجناء الأكثر اعتدالاً، ونقص الموارد اللازمة التي تتطلبها السلطة القضائية لمراقبة السجناء السابقين، قد سمح الإعفاء عن الكثير من الجهاديين وإطلاق سراحهم.

وسوف تواصل هذه العوامل في الإسهام في تجدد أعمال العنف في الوقت الذي تقوم فيه العراق والولايات المتحدة بإفراغ سجونهما في إطار الإتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق، وفي هذه السنة وحدها، أفرجت الولايات المتحدة عن 5300 معتقل إضافي.

إن المحافظة على شبكات المقاتلين الأجانب ليست مهمة لـ «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» كما كانت عليه من قبل، وإن وجود أدنى عدد من المقاتلين المحليين كاف للقيام بمزيد من الهجمات وزعزعة الإستقرار الهش في العراق.

إن ضعف تنظيم «القاعدة» وعدم استقراره يعني أيضاً أن الآن ليس هو الوقت المناسب لأعمال قدرية.

فقد تسببت تكتيتات تنظيم «القاعدة» إلى نفور السكان المحليين، كما يتعارض طموحه الإسلامي العابر للحدود القومية، مع رغبة معظم العراقيين لتحقيق المصالحة الوطنية.

ومع ذلك، فإن كبت إيديولوجية تنظيم «القاعدة» وإبقائها على هامش الحياة السياسية العراقية يتطلب أيضاً وجود سلطات عراقية شرعية وخاضعة للمساءلة تقوم بأداء وظائفها، وتقدم خدمات عامة فعالة، وتنفذ إصلاحات إقتصادية التي باتت البلاد بأمس الحاجة إليها.

إن مصداقية العملية الانتخابية المقبلة، جنباً إلى جنب مع ترسيخ الأمن والإستقرار، ستقطع شوطاً طويلاً في اتجاه وضع حد لقدرة تنظيم «القاعدة» على إفساد المكاسب التي تحققت حتى الآن، وتشويه سمعة المنظمة داخل العراق في النهاية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/كانون الاول/2009 - 24/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م