الانتخابات في العراق والخروج من عنق الزجاجة

اتفاق اللحظة الاخيرة والخشية من فراغ دستوري

 

شبكة النبأ: توصلت الكتل البرلمانية العراقية اثر مداولات ماراثونية وتدخلات دولية ومحلية الى اتفاق اللحظة الاخيرة لإقرار قانون الانتخابات نهائيا بشكل يجنبها مأزقا سياسيا من شأنه ان يضع البلاد أمام المجهول.

وبدا جلياً الدور الذي لعبته الامم المتحدة صاحبة الاقتراح، في التوصل الى الاتفاق فضلاً عن تدخل اميركي "شديد اللهجة" لدى الاكراد لإقناعهم بالنص، بحسب مصادر برلمانية وسياسية.

وقال رئيس مجلس النواب اياد السامرائي بعد التصويت قبيل منتصف ليل الأحد برفع الايدي على مذكرة تضاف الى التعديلات التي ادخلت على القانون الاساسي قبل اسبوعين "تمت الموافقة بشبه اجماع"، ما يفتح الطريق امام ثاني عملية اقتراع في البلاد منذ سقوط النظام السابق العام 2003.

وتلحظ النسخة الجديدة اضافة مقعدين على التعديلات السابقة ليصبح بذلك عدد المقاعد الكلي في مجلس النواب 325 بينها 310 للمحافظات و15 مقعدا تعويضيا.

ويبلغ عدد المقاعد في البرلمان الحالي 275. وتمت اضافة المقعدين الى محافظة السليمانية بعد كان الاكراد اعترضوا على "حرمانها" من زيادة المقاعد. وطالب الاكراد بخمسين مقعدا لكن التعديلات الاخيرة تمنحهم 41 مقعدا في المحافظات ومقعدين من المقاعد التعويضية المخصصة للاقليات. وبالتالي سيتم منح مقعدي المسيحيين في اربيل ودهوك للاكراد. بحسب رويترز.

يشار الى ان المقاعد التعويضية، وعددها 15، مقسمة بين ثمانية للاقليات وسبعة توزع على القوائم الصغيرة التي تفوز محليا وليس على الصعيد الوطني. يذكر ان القانون يخصص خمسة مقاعد للمسيحيين في بغداد واربيل ودهوك ونينوى وكركوك ومقعد لكل من الصابئة في بغداد والايزيدين والشبك في نينوى.

وكان نائب رئيس المجلس الشيخ خالد العطية اعلن التوصل في اللحظة الاخيرة مساء الاحد الماضي الى اتفاق بين الكتل البرلمانية على نسخة جديدة لقانون الانتخابات. وقد ادخل البرلمان قبل اسبوعين تعديلات على قانون اقره في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بعد ان نقض نائب الرئيس طارق الهاشمي القانون في 18 الشهر ذاته.

يشار الى ان التعديلات التي اقرت قبل اسبوعين تلحظ ادلاء العراقيين في الخارج اصواتهم كل حسب محافظته. وقد هدد الهاشمي بنقض القانون مجددا قبل انقضاء المهلة القانونية منتصف ليل الاحد الاثنين اذا لم تعاد المقاعد التي تم انتزاعها من محافظات العرب السنة بسبب التعديلات التي اقرت على القانون قبل اسبوعين.

وقالت مصادر برلمانية عدة ان النقض الثاني كان سيدخل البلاد في متاهة تضعه امام المجهول لانعدام الخيارات باستثناء تمرير القانون في المجلس بغالبية ثلاثة اخماس، اي 165 نائبا من اصل 275.

ملحق قانون الانتخابات يمنح المحافظات الكردية 43 مقعداً

والمذكرة الملحقة التي تفسر القانون الذي أُقر تتمثل في قرار يمنح بموجبه محافظات اقليم كردستان 41 مقعدا فضلا عن مقعدين تعويضيين، وفق مقترح الأمم المتحدة الذي وافق عليه التحالف الكردستاني والذي يبقي للمحافظات مقاعدها السابقة دون استقطاع مقاعد اي منها.

وبموجب القانون والملحق المرفق به أصبح عدد مقاعد البرلمان 325 مقعدا، منها 310 توزع على المحافظات، فضلا عن 15 مقعدا تعويضيا من ضمنها ثمانية مقاعد للأقليات والباقي للكتل الفائزة.

وتوزعت المقاعد بواقع 68 لبغداد، 31 لنينوى، 24 للبصرة، 18 لذي قار، 16 لبابل، 17 للسليمانية، 14 للأنبار، 14 لأربيل، 13 لديالى، 12 لكركوك، 12 لصلاح الدين، 12 للنجف، 11 لواسط، 11 للقادسية، 10 لميسان، 10 لدهوك، 10 لكربلاء و7 للمثنى. بحسب تقرير اصوات العراق.

من جهته قال النائب الاول لرئيس مجلس النواب الشيخ خالد العطية، في مؤتمر صحفي عقب التصويت على ملحق القانون،  ان “الانتخابات ستجري في موعدها ودون اي تجاوز دستوري، حيث سيتم تحديد الموعد بالتشاور بين مجلس الرئاسة والمفوضية العليا للانتخابات، وسيكون في اغلب الاحوال في 27 شباط القادم والذي يأخذ بنظر الاعتبار مسألة المناسبات الدينية”.

واضاف ”ان القانون أصبح مهيئا للمصادقة عليه من قبل مجلس رئاسة الجمهورية”، مشيرا الى ان مجلس النواب “بذل جهودا كبيرة لمساعدة الأطراف جميعا بالمشورة القانونية”.

وقال النائب عن التحالف الكردستاني سيروان الزهاوي، في حديث لقناة العراقية شبه الرسمية، قبيل التصويت على القرار الملحق، ان “التحالف وافق على مقترح الامم المحدة، وأبدى مرونة من اجل العراق والمصلحة الوطنية واستمرار مبدأ التوافق في العملية السياسية”.

واضاف “كان بامكان التحالف الكردستاني مع الائتلاف الوطني العراقي جمع 165 نائبا ورد نقض القانون، لكننا فضلنا التوافق حرصا على المصلحة الوطنية ولمنع تهميش العرب السنة وضمان مشاركتهم الفاعلة في الانتخابات”.

تداعيات القانون الانتخابي

وكتبَ سام باركر، مسؤول برنامج العراق في المعهد الأميركي للسلام. مقالاً جاء فيه: من المرتقب إجراء الانتخابات التشريعية الثانية في النظام الدستوري الجديد في العراق في 16 يناير/كانون الثاني 2010. الرهانات عالية. هل سيحصل انتقال سلمي للسلطة؟ هل سيكون الجيش العراقي موالياً للحكومة الجديدة؟ هل ستؤدّي حكومة انتقالية ضعيفة والتقلب السياسي الناجم عن تشكيل ائتلاف حاكم وخفض الولايات المتحدة عدد جنودها إلى النصف بحلول أغسطس/آب، إلى عدم الاستقرار؟

ويوضح باركر،" لقد تجاوز البرلمان العراقي عقبة أساسية في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني عبر إقرار القانون الضروري لإجراء الانتخابات، وذلك بعد انقضاء أكثر من ثلاثة أسابيع على المهلة التي كانت قد حُدِّدت في البداية بسبب المشاحنات المطوّلة حول مشروع القانون. وكان العائق الرئيس هو كيفية التعامل مع محافظة كركوك الغنية بالنفط، وفي شكل أوسع نطاقاً، الخلاف بين الحكومة المركزية في بغداد وبين حكومة إقليم كردستان التي تتمتع باستقلال ذاتي واسع. تسعى حكومة إقليم كردستان إلى ضم كركوك قانونياً إليها، وقد نجحت العام 2005 في إدراج بند في الدستور العراقي ينص على إجراء استفتاء شعبي حول وضع المحافظة. لكن هذا الاستفتاء أرجئ إلى أجل غير مسمى لصالح عملية دبلوماسية تقودها الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض لمسألة الأراضي بين حكومة إقليم كردستان وبين الحكومة المركزية.

ويضيف باركر،" منذ العام 2005 هاجرت أعداد كبيرة من الأكراد إلى كركوك، مما أدّى إلى قلب التوازن الديمغرافي في المحافظة لصالحهم. ويزعم السياسيون الوطنيون العراقيون في بغداد وحلفاؤهم من العرب والتركمان في كركوك أن الأحزاب الكردية تلاعبت بلوائح الشطب. كما يبدون استياءهم من تشجيع القادة الأكراد لهذه الهجرة ويعتبرونها محاولة للتأثير في تسوية وضع كركوك، سواء تم ذلك عن طريق الاستفتاء أم التفاوض. أما القادة الأكراد فيزعمون أن هذه الهجرة تسمح لكركوك بأن تستعيد سكانها الأكراد الذين أقاموا فيها تاريخياً، بعدما تم "تعريبها" كجزء من المجهود الذي بذله صدام حسين لإحكام قبضته على المحافظة الحساسة استراتيجياً. ويُسلّم معارضو الأكراد بأن عودة أبناء كركوك الأكراد إلى المحافظة أمر طبيعي في جزء منها ولايعترضون عليها. لكنهم يعتبرون أن الجزء الأكبر من هذه العودة المشروعة حصل في المرحلة التي أعقبت الاجتياح الأمريكي مباشرة في 2003-2004، وأنه كان للهجرة بعد العام 2005 هدف سياسي واضح.

علاوة على ذلك، عرقلت قضية كركوك ومسألة هجرة الأكراد إقرار القانون المتعلق بانتخابات مجالس المحافظات. ففي يوليو/تموز 2008، أقر البرلمان قانوناً على الرغم من المعارضة الكردية (وقد فرض عليه الرئيس العراقي جلال طالباني حق النقض- الفيتو-) تضمّن آلية خاصة وموقتة لتقاسم السلطة في كركوك بهدف عدم مكافأة الأكراد على هذه السياسة. وبعدما وافق العراقيون في نهاية المطاف على إرجاء انتخابات مجلس  محافظة كركوك إلى أجل غير مسمى، شكّل البرلمان ما يُعرَف بلجنة المادة 23 للتدقيق في صحة لوائح الشطب في كركوك وشرعية الهجرة الكردية، غير أن هذا المجهود لم يثمر عن أي نتيجة.

ويتابع الكاتب،" في النقاشات حول الانتخابات الوطنية، اقترح نواب مناهضون للأكراد عدداً من الآليات المختلفة التي استنبطوها خصيصاً لكركوك. وعرضت المقترحات الأولى إنشاء دوائر انتخابية خاصة من أجل ضمان حد أدنى من التمثيل للمجموعات الإتنية غير الكردية في كركوك. كما اقترحت البدائل التي قُدِّمت لاحقاً استعمال لوائح الشطب لعام 2004 في كركوك، وتتيح بعض الخيارات أيضاً للناخبين المسجّلين على لوائح 2009 إنما ليس على لوائح 2004 التصويت بصورة مؤقتة. منذ البداية، رفض الأكراد كل المساعي لمعاملة كركوك بطريقة مختلفة عن أي محافظة أخرى. ولم يجرِ التصويت قط على أي من هذه المقترحات لاعتماده أو إسقاطه، فقد زعم القادة العراقيون أنهم يخشون فيتو آخر من طالباني.

ويبيّن باركر،" يتوافق القانون الذي أُقِرّ في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني في شكل شبه كامل مع الموقف الكردي. فهو لايأتي على ذكر كركوك سوى في المادة السادسة التي تنص على آلية يستطيع القادة العراقيون أن يدعوا بموجبها إلى التحقيق في لوائح الشطب في أي محافظة يتجاوز فيها معدل النمو السكاني السنوي الخمسة في المئة. ونظراً إلى فشل لجنة المادة 23 في إحراز أي تقدّم نحو هدف مماثل، على الأرجح أن أحكام المادة السادسة ستبقى مجرد إمكانية نظرية ستضيع في دوّامة عقد الصفقات عقب الانتخابات.

ويضيف باركر،" في نهاية المطاف، تبدو هذه النتيجة عادلة. ففيما سيتم وضع آلية إذا تبيّن أن هناك تلاعباً كردياً فاضحاً بلوائح الشطب، يبدو أن الأمر الأساسي الذي تعترض عليه القوى المناهضة للأكراد هو سياسة الأحزاب الكردية المؤيّدة للهجرة التي لايمكن اعتبارها غير قانونية على الرغم من أنها قد تكون مثيرة للاعتراض، ومن شأن معاقبة الأكراد عليها عن طريق قانون الانتخابات أن تقوّض العملية الديمقراطية. وفي الوقت نفسه، حقّقت القوى المناهضة للأكراد نصراً صغيراً. فالجدل واقتصار ذكر كركوك على الحد الأدنى في القانون سوف يقوّضان الجهود التي يبذلها الأكراد لاستعمال نتائج الانتخابات بمثابة دليل على أن كركوك تنتمي قانونياً إلى كردستان.

ويتابع باركر بالقول،" النقاشات حول وضع كركوك في قانون الانتخابات التشريعية وقانون انتخابات مجالس المحافظات خير مثال عن عرقلة النزاع العربي-الكردي الأوسع نطاقاً (المرتبط بالأراضي والنفط والتعديل الدستوري) للتقدّم السياسي في العراق خارج المسائل المحدّدة المعنيّة. كما تُذكّر بأنه يتعيّن على القادة العراقيين أن يتوصّلوا، بدعم من الأمم المتحدة ومن القوة الدبلوماسية للولايات المتحدة، إلى تسوية عن طريق التفاوض يستطيع الجانبان التعايش معها. وهذه الحاجة ماسة جداً لاسيما وأن الاحتكاك بين القوات الكردية والقوات التابعة للحكومة المركزية في شمال العراق يواصل خلق مشاكل أمنية من الدرجة الثانية ويهدّد بإثارة نزاع أوسع، مع اكتساب المشاكل طابعاً أكثر إلحاحاً نظراً إلى الخفض الوشيك لعدد الجنود الأمريكيين.

ويختم باركر مقاله مبيناً،" أما في ما يتعلق بالنقطة الخلافية الأساسية الأخرى التي ظهرت في بداية النقاش حول قانون الانتخابات - استعمال آلية "اللائحة المفتوحة" التي يختار الناخبون بموجبها المرشحين بصورة مباشرة أو "اللائحة المغلقة" التي يصوّت الناخبون بموجبها للأحزاب - فقد حُسِم القرار لمصلحة الخيار الأول. تُعتبَر آلية اللائحة المفتوحة (التي استُعمِلت في انتخابات مجالس المحافظات في يناير/كانون الثاني 2009) بأنها أكثر ديمقراطية ويؤيّدها العراقيون على نطاق واسع، لأن اللائحة المغلقة تتيح لقادة الأحزاب اختيار الأشخاص المحددين الذين سيشغلون مقاعد في البرلمان. بيد أن النواب العراقيين المعرّضين لخسارة مقاعدهم في نظام اللائحة المفتوحة أظهروا، وهذا مفهوم، تردداً في دعمه.

في خضم النقاش، دعم آية الله السيستاني نظام اللائحة المفتوحة (وبلغ هذا الدعم ذروته في تصريح علني له في مطلع أكتوبر/تشرين الأول)، فأصبح من الصعب جداً على أي حزب يأمل في الحصول على دعم الشيعة العراقيين معارضته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 9/كانون الاول/2009 - 21/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م