تبادل التهاني بالنقال بين لغة العنف ومكاسب الشركات الخيالية

 

شبكة النبأ: انعكس العنف الذي عاشه العراقيون طوال السنوات الماضية على مختلف جوانب حياتهم ومنها التهاني التي يتبادلونها في الأعياد والمناسبات، ما دعا عدد من التربويين لمناشدة وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي لأخذ ذلك بنظر الاعتبار في المناهج الدراسية. 

من جانب آخر اعتاد الأفراد على تبادل الرسائل القصيرة عبر اجهزة الهاتف النقال (المسجات) خلال الاعياد والمناسبات للتواصل مع الأهل والاصدقاء، ما يضيف مكاسب اخرى لشركات النقال.

وقالت سرى رؤوف، وهي طالبة جامعية تبلغ من العمر 21 عاما، إن “الدوام خلال العطل والاعياد يتوقف إلى حين اكتمالها، لذا لايمكننا رؤية الاصدقاء خلال هذه الايام، ووجود الهاتف النقال وفر علينا الكثير، إذ نستطيع التواصل مع الاقارب والاصدقاء عبر المسجات”.

وأضافت رؤوف لوكالة أصوات العراق أن “زيارة الاقارب وخاصة البعيدين منهم يكون مكلفا مع ارتفاع اجور النقل، فما بالك والذين يعيشون في محافظات او دول اخرى، إلا أن توفر الهاتف النقال سهّل علينا المهمة كثيرا وبذلك نستطيع التواصل مع الجميع دون استثناء”.

ودعت رؤوف شركات الهاتف النقال إلى “تخفيض اسعار المكالمات خلال الاعياد والمناسبات، لأن في هذه الايام تكثر الاتصالات، وبذلك لن يقل ربح الشركة ولن يكلفنا الاتصال كثيرا”.

إلى ذلك، قال حسام احمد، وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية يبلغ من العمر 39 عاما، “اعتدت في كل عيد على استقبال عشرات المسجات عبر جهاز النقال، وبالتأكيد يتوجب علي الرد على جميعها، فلا شئ اجمل من تبادل التهاني والتبريكات، خاصة مع البعيد الذي تفصلني عنه المسافات”.

وأضاف احمد أن “توفر هذه الخدمات سهلت علينا التواصل مع الاهل والاصدقاء، حتى مع من هم خارج البلاد”، مستدركا إن “الامر احيانا يكون مكلفا بسبب كلفة الاتصال التي تصل في بعض الاحيان إلى الخمسين سنتا على الدقيقة إذا كان خارجيا”.

ولفت احمد إلى أن شركات الجوال “كانت في الاعوام السابقة تقدم لزبائنها خدمات خاصة بالعيد كأن تقوم بتخفيض كلفة الاتصال أو منح كل مشترك فرصة ارسال عشر رسائل مجانية”، داعيا اياها إلى “تكرار ذلك في الاعياد، حتى نستفيد منها وتستفيد منا بالمقابل”.

ولم يختلف رأي سلوى سلمان عن رأيي سابقيها، إذ قالت إن “الاتصال بجهاز النقال وارسال المسجات، صار كالادمان لدينا وخاصة في الاعياد”.

وأضافت “لي اقارب في اقليم كردستان ويصعب علينا زيارتهم في الاعياد، وبذلك نكتفي بتبادل المسجات أو الاتصال بالمقربين منهم، وهذا الامر بالطبع جيد ويوفر علينا الكثير من عناء السفر فضلا عن تكاليف السفر”.

ودعت سلمان شركات الجوال إلى “مراعاة زبائنها في العطل والاعياد ومنحهم عيدية كأن تعطيهم حق ارسال عدة رسائل مجانية او عدة دقائق مجانية للاتصال”.

فيما قالت سهام انور، وهي ربة بيت تبلغ من العمر 42 عاما، “لا املك واردا معيشيا غير راتب زوجي الذي نعيل به اسرتنا، لذا احاول الاقتصاد في رصيدي هاتفي النقال، وتردني في الاعياد الكثير من المسجات، لكني لا ارد على جميعها، بل اكتفي بالرد على المقربين فقط”.

وأوضحت انور أن “الاقارب كثيرون ولا يمكنني الاتصال بجميعهم، لكن إن قامت الشركة بتخفيض اجور الاتصال في الاعياد فإني بالتأكيد ساتصال بآخرين واتواصل معهم”.

وأضافت أن “المقربين إلي يسكنون في نفس الحي الذي اقطن فيه، لذا افضل زيارتهم شخصيا على استخدام الهاتف النقال وبذلك استطيع ادخار بعض الرصيد للايام الهامة والطارئة”.

اما الاء وسام، وهي طالبة في المرحلة الاعدادية وتبلغ من العمر 16 عاما، فقالت إن “صديقاتي في المدرسة يسكنن بالقرب من منزلي، ونتبادل الزيارات فيما بيننا، ولا احتاج إلى الهاتف النقال إلا في حالة معايدة الاقارب الذين لا نتمكن من رؤيتهم، إما بسبب بعد المسافة، او بسبب الانشغال بالضيوف”.

وأضافت وسام أن “الهاتف صنع للحاجات الملحة، وليس هناك ضرورة في ارسال مسجات لاناس نستطيع زيارتهم ورؤيتهم”.

في حين قال نصير سامي، وهو طالب في احدى المعاهد ويبلغ من العمر 19 عاما، إن “جهاز الهاتف النقال لايفارقني لحظة، وفي ايام العطل والاعياد تردني الرسائل القصيرة والاتصالات بشكل مكثف، وفي بعض الاحيان انسى بمن اتصلت ومن نسيت”.

وأضاف سامي “اني ادعو شركات النقال إلى مراقبة مدى ازدياد الطلب على البطاقات وكثرة الاتصالات في الاعياد، وبذلك تعيد النظر في تكاليف الاتصالات خلال ايام محددة من السنة، لتشجع المشتركين على استخدام شبكتها”.

لغة العنف تمتزج بعبارات التهنئة

وانعكس العنف الذي عاشه العراقيون طوال السنوات الماضية على مختلف جوانب حياتهم ومنها التهاني التي يتبادلونها في الأعياد والمناسبات، ما دعا عدد من التربويين لمناشدة وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي لأخذ ذلك بنظر الاعتبار في المناهج الدراسية. 

فقد استغرب أبو عماد (50 سنة) عندما قرأ النصف الأول من الرسالة الهاتفية (المسج) التي تسلمها على هاتفه النقال بمناسبة عيد الأضحى وهو يظنها للوهلة الأولى تهديدا “فمن ذا الذي يبدأ رسالته بكلمة عبوة؟”.

وأضاف لوكالة أصوات العراق “تصوروا رسالة تبدأ بعبارة عبوة فرح بالعيد أنصبهه بالباب”، وتابع لكن الاستغراب “تحول إلى ابتسامة بمجرد قراءة المقطع الآخر من الرسلة ونصه: تنفجر بس بوسات بخدود الأحباب”.

وذكر أبو عماد أن العنف “يحتل مساحة أوسع في لغة المخاطبة والتهاني بعد أن كان متداولا بين المتخاصمين”، مشيرا إلى أنه تعجب “عندما قرأت عبارة تهنئة أخذت طابع العنف من خلال مسج أرسله لي صديقي أبو جبار بمناسبة عيد الأضحى المبارك”.

وأضاف أن “ما شهده العراق بعد أحداث عام 2003 أثر سلبا على واقع المجتمع وتعاملات الناس فيما بينهم”، داعيا المتخصصين لـ”دراسة الموضوع من النواحي النفسية والاجتماعية”.

وقال الشاب غيث عبد الكريم (20 سنة) إنه تسلم رسالة من صديقته عبر النقال (الموبايل) بمناسبة عيد الأضحى نصها “أمريكان احتلوا أرضي وأنت احتليت قلبي، ريتني احزام ناسف احضنك وانهي عمري.. عيد سعيد يا عمري”، منوها إلى أن الرسالة كانت “مزعجة وتضمنت مفردات نكرهها بالرغم من المعزة التي أكنها لمرسلتها”.

وأضاف أن الحروب “أضفت طابعا عنيفا على مظاهر الحياة ولم تقتصر على لغة التهاني عبر الموبايل”.

من جانبها قالت الحاجة أم عبد الله إن لغة العنف “تخللت عبارات التهاني في عيد الأضحى حتى بين الأطفال والنساء”، مبينة أن العنف “لم يعد سائدا في ألعاب الأطفال حسب بل وأيضا في مفردات لغة الحياة اليومية وبكثرة”.

ودعت المعلمة أم محمد وزارة التربية لـ”تضمين المناهج الدراسية مواد تعالج ظاهرة ثقافة العنف على نحو علمي يسهم في الحد من آثارها السلبية على الأجيال الجديدة”، مضيفة أن على وزارة التربية وغيرها من الجهات التربوية والأكاديمية “الانتباه لمخاطر ثقافة العنف التي باتت مستشرية بالمجتمع من جراء الأحداث العنيفة التي شهدها العراق على مدى العقود الماضية”.

إلى ذلك قال الدكتور يوسف عناد أستاذ علم النفس إن ظاهرة العنف لدى الأطفال “انتشرت في العراق أكثر من المجتمعات الأخرى”، عادا أن هذه المشكلة “تتطلب صبراً من أولياء الأمور وتعاونهم مع الجهات التربوية للتوصل إلى الحلول المناسبة لها”.

وأوضح عناد أن التربية الأسرية هي “من أهم الأسباب التي تولد حالة العنف لدى الأطفال وما ينتج عن العنف داخل الأسرة من خلال تعامل الوالدين مع أبنائهما واللجوء للعقاب البدني في حل المشكلات أو نتيجة العنف بين الزوجين”، وتابع “كما تولد حالة العنف لدى الأطفال من جراء انشغال الوالدين بأمور العمل أو اعتماد الوسائل التربوية الخاطئة في تربية الطفل وتشجيعه على أن يأخذ حقه بيده أو الإعلام وما يقدمه من أفلام رسوم متحركة عنيفة أو أفلام رعب وعنف قادمة من ثقافات أخرى غريبة”.

وأردف أن هذه الوسائل وغيرها مثل الأحداث التي رافقت الحروب المتعاقبة على العراق وما بعدها “أثرت سلباً على سلوك الأطفال وأخذت تنموا معهم إلى مراحل النمو”، مستطردا أن الحل الأمثل لهذه المشاكل يكمن في ضرورة “إبعاد المؤثرات السلبية مثل أفلام الرعب والعنف ومشاكل الأبوين وتربيتهم على التسامح مع الآخرين وتكوين صداقة معهم من قبل الأبوين وعدم الانشغال عنهم”.

ومضى د.عناد قائلا “يجب اعتماد مناهج مناسبة من قبل وزارتي التربية والتعليم تراعي الجوانب التوعوية والتدريبية بشأن السلوك الأمثل للتعامل مع الأطفال وقص القصص المؤثرة لهم والتي تحمل الطابع الأخلاقي في التعامل مع الآخرين”. وتقع مدينة الكوت، مركز محافظة واسط، على مسافة 180 كم جنوب شرق العاصمة بغداد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/كانون الاول/2009 - 20/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م