أزمة ديون دبي.. البعض سعداء وأبو ظبي تستعد لانتهاز الفرصة

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: تخيّم ظلال كثيفة من التراجع المالي العالمي فوق دولة الامارات المتحدة وهي تحتفل بمرور 38 عاما على قيامها بالإعلام والالعاب النارية هذا الاسبوع. فقد أدت أزمة الديون في دبي الى تراجع ثقة المستثمرين في طموحات الامارة، ولم يُعرف بعد ما إذا كانت ابوظبي قاطِرة الامارات المنتجة للنفط ستنتهز الفرصة لإحباط أحلام جارتها المنطلقة بلا قيود.

ورغم ان مواطني دبي منزعجون بشأن آثار طلب الامارة تجميد سداد الديون الا أن كثيرا منهم يأملون أن توقف هذه الأزمة السيل المتدفق من الأجانب على مدينتهم العربية الخليجية المحافظة التي تبلغ نسبة الاجانب الى مواطنيها عشرة الى واحد.

وأثارت دبي قلق الأسواق العالمية الأسبوع الماضي حينما أعلنت أن احدى شركاتها الكبرى تطلب تجميد مدفوعات ديونها لمدة ستة أشهر.

وقلصت الازمة المالية العالمية على مدى العام الماضي نموذج دبي للنمو وأفقدته بريقه ..ذلك النموذج المتحرر من القيود المستلهم من شرق آسيا الذي يُدار من أعلى سلطة في الإمارة من حاكمها الشيخ محمد بن راشد.

وتباطأت أعمال البناء. وتقدر وكالة موديز للتصنيف الائتماني ديون دبي المتراكمة بحوالي 100 مليار دولار. ويقول غالبية الاماراتيين انهم فخورون باسم دولة الامارات على الساحة الدولية والذي اكتسبته من خلال مشروعات دبي المبهرة مثل جزر صناعية على شكل سعف النخيل وتحف معمارية مثل فندق برج العرب.

لكن مع تدفق الاجانب تقلص عدد الاماراتيين الى عشرة في المئة من سكان دبي الذين يقدر عددهم بنحو 1.7 مليون نسمة ولا تختلف هذه النسبة كثيرا قياسا الى اجمالي سكان دولة الامارات البالغ عددهم 4.2 مليون نسمة.

وقالت ابتسام الكتبي استاذة العلوم السياسية بجامعة الامارات في العين "ليس لدي ما أخسره في هذه الازمة المالية... كناشطة وأكاديمية أعتبرها ميزة لنا نحن الاماراتيين."بحسب رويترز.

وقالت "كان الاستثمار العقاري هو الصوت الوحيد المسموع هنا واذا انتقدت أي شيء فانهم يقولون لك انك ضد التنمية" مضيفة أن العائلات التجارية الكبيرة لديها مصالح تجارية خاصة فيما اصبح يعرف باسم "نموذج دبي".

وكانت دبي صاحبة الريادة في الامارات ومنطقة الخليج في السماح للاجانب بامتلاك عقارات في مناطق محددة وتشجيع الأثرياء من العرب والآسيويين والغربيين على الشراء في أرض الاحلام.

والحكام وبعض العائلات التجارية هم أكبر المستفيدين من الرخاء. ويعمل غالبية الاماراتيين في القطاع الحكومي ويعيش بعضهم حياة متوسطة الحال.

وبينما يتركز الاجانب في المدن والابراج السكنية الفاخرة يميل الاماراتيون الى العيش وفقا لتقاليدهم الخاصة في مساكن منفصلة.

وقال المدون الاماراتي أحمد منصور "الاماراتيون مرتاحون بعض الشيء في ضوء الازمة المالية العالمية لكن البلاد قريبة الان من المسار الذي يرغب الناس في رؤيته."أعتقد أن الامارات وصلت الى نقطة اللاعودة في مسألة الاختلال السكاني."

دبي المثقلة بالديون تتجاهل الازمة

ربما تواجه دبي أزمة ديون هزت الاسواق العالمية لكنك لن تعلم بشأنها من مسؤولين أو وسائل إعلام محلية. وعلق زعماء عالميون بشأن الازمة لكن زعماء الامارات نفسها لم يتحدثوا عنها. ولم تصدر السلطات الاماراتية تصريحات تذكر في الوقت الذي هوت فيه الاسواق الاماراتية كما فتح البنك المركزي تسهيلا طارئا لدعم القطاع المصرفي.

وتجاهلت الصحف المحلية الازمة في البداية لكنها بدأت تثني على دبي وقيادتها وتنتقد وسائل الاعلام العالمية متهمة اياها بتضخيم الازمة.

واعتبرت صحيفة البيان الاماراتية في عنوان رئيسي أن دبي نموذج للوجهات الاستثمارية في حين قالت صحيفة جلف نيوز الناطقة بالانجليزية "الضجة العالمية بشأن اعادة هيكلة دبي العالمية مبالغ فيها". كما ظهرت على السطح نظريات مؤامرة. وكتب أحد القراء في صفحة الرسائل في جلف نيوز يقول "ليست هذه المرة الاولى التي تهاجم فيها الدول الغربية نجاحات دبي."

وأضاف "غيرت دبي مفاهيم التجارة العالمية. الذين يقفون وراء تلك الحملة الغاضبة مناهضون لنجاح أبناء الصحراء الذين حولوا الصحراء الى مدينة أحلام."

وفاجأت دبي الدائنين عندما طلبت منهم تعليق المطالبة بسداد ديون بمليارات الدولارات أصدرتها دبي العالمية ووحدتها العقارية نخيل. بحسب رويترز.

وفي متجر كانديليشيوس الذي يقول انه أكبر متجر للحلوى في العالم يعتقد بعض الزبائن أن مفاخر دبي بأنه يوجد بها "الاكبر والاطول والاغنى" في العالم قد فقدت اغراءها.

وقال معلم استرالي يدعى تيري سوين (43 عاما) "استغلت دبي الناس. الطريقة التي تجني بها الحكومة المال خاطئة. تكلفة المعيشة باهظة. لم يعد الاحتفاظ بالمال هنا آمناً."الا أن البعض من سكان الامارة وعددهم 1.7 مليون نسمة - أغلبهم من المغتربين - يرون أن الحلم لم ينته بعد.

وقال اسحق بوياه وهو عامل من بنجلادش في موقع بناء برج دبي أطول مبنى في العالم " أشعر بانبهار.. انني سعيد لعملي في انشاء هذا البرج."وأضاف بينما كان مرتديا قناعا واقيا من الاتربة "أحلم بالعيش في احدى الشقق هناك في الاعلى .. في السماء."

وقال بوياه انه وزملاءه يحصلون على 800 درهم (218 دولارا) شهريا شاملة تكاليف الطعام والسكن يرسل نصفها الى أسرته في بلاده.الا أن الاجواء أشد جفاء في أبوظبي.

أزمة دبي تلقي بظلالها على احتفالات العيد الوطني

وألقت مشاكل ديون دبي بظلال قاتمة على احتفالات العيد الوطني في الامارات العربية المتحدة الاربعاء الماضي وذلك على الاقل بالنسبة للقطاع المالي المهتز الذي يحاول معرفة ما اذا كانت قروضه تتمتع بحماية حكومية.

ويأتي الاحتفال بالعيد الثامن والثلاثين للامارات في وقت طلبت فيه دبي تأجيل سداد ديون قيمتها 26 مليار دولار على مجموعة دبي العالمية المملوكة لحكومة الامارة الامر الذي كشف مدى هشاشة الاقراض "شبه السيادي".

وأثارت المشكلة أيضا تساؤلات بشأن ما اذا كانت أبوظبي أكبر منتج للنفط في الامارات ستتدخل لانقاذ جارتها الطموح ربما مقابل ثمن سياسي.

وقال حاكم أبوظبي وهو أيضا رئيس الدولة ان اقتصاد الامارات بخير لكنه لم يعلق على أزمة الديون التي كشفت عنها دبي في 25 نوفمبر تشرين الثاني.

وتعرضت أسواق الاسهم في الامارات لضربات عنيفة على مدي جلستي معاملات هذا الاسبوع وهما مغلقتان يوم الاربعاء لكن من المتوقع تراجع البورصات الخليجية الاخرى مع استمرار الهزات التي أحدثتها اعادة هيكلة ديون دبي في أنحاء المنطقة.

وقال أنشومان جاسوال المحلل لدى سيلنت للبحوث والاستشارات المالية ومقرها بوسطن ان خطط اعادة هيكلة دبي العالمية أظهرت مدى الحاجة الى الشفافية.

وقال "كان من الممكن تفادي الذعر الذي حدث ولو جزئيا لو كان هناك وضوح بشأن حقيقة وجود مديونية قيمتها 26 مليار دولار ينبغي اعادة هيكلتها.

"وثانيا فان شركات مثل دبي العالمية لا يمكن استمرار النظر اليها باعتبارها تتمتع بحماية حكوماتها. وهذا ينطبق على المنطقة بأكملها وليس دبي فقط."

وقالت دبي العالمية انها بدأت مفاوضات مع مقرضيها بشأن ديون قيمتها 26 مليار دولار على شركتيها العقاريتين الرئيسيتين نخيل العالمية وليمتلس العالمية تستحق قبل انتهاء فترة التجميد المطلوبة في 30 مايو أيار 2010.

وقال مصرفيون ان هذا ينبيء بنهج تعاقبي في حل مشكلات ديون الامارة يتمثل في معالجة التزامات السندات والديون لدى استحقاقها وهو ما لن يطمئن المقرضين وحملة السندات الذين يسعون بشتى الطرق لاسترداد قروضهم.

العيد الوطني يمثل نقطة تحول في تاريخ البلاد

ظلال كثيفة من التراجع المالي العالمي تخيم فوق دولة الامارات العربية المتحدة وهي تحتفل بمرور 38 عاما على قيامها بالاعلام والالعاب النارية هذا الاسبوع.

فقد أدت أزمة الديون في دبي الى تراجع ثقة المستثمرين في طموحات الامارة. ولم يعرف بعد ما اذا كانت ابوظبي قاطرة الامارات المنتجة للنفط ستنتهز الفرصة لاحباط أحلام جارتها المنطلقة بلا قيود.

وازدانت مراكز التسوق ببالونات بالالوان الاخضر والابيض والاحمر والاسود التي يتكون منها علم الامارات لاحياء ذكرى الاستقلال الذي يوافق يوم الاربعاء. واكتست الشوارع والاشجار بالاضواء المبهرة.

لكن بخلاف الاحتفالات فان كثيرين في الامارات السبع التي اتحدت في عام 1971 عندما رحل البريطانيون سيتساءلون عما يحمله لهم المستقبل وخاصة محاولات دبي الجريئة لبناء نفسها كنقطة جذب مالية وتجارية وسياحية. ويحبس المستثمرون انفاسهم فيما تعيد دبي هيكلة أكبر شركاتها. وفي الاسبوع الماضي طلبت دبي من الدائنين مهلة مدتها ستة اشهر لسداد ديون أكثر من خمسة مليارات دولار.

وقال مسؤول ان أبوظبي أكبر امارة من حيث الحجم والتي تحتوى على معظم الثروة النفطية لدولة الامارات العربية المتحدة "ستنتقي وتختار" كيف ستساعد دبي المثقلة بأعباء الديون. ويرى محللون ان قوة الاتحاد تميل ناحية أبوظبي بعد أزمة ديون دبي.

وتمكنت دولة الامارات العربية المتحدة التي انشئت منذ 38 عاما في عهد حاكم أبوظبي الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان من التماسك رغم المنافسات القديمة بين بعض الاسر الحاكمة.

وتطورت دبي التي تحكمها عائلة ال مكتوم كمركز تجاري. ومنذ التسعينات زاد عدد سكانها الى 1.7 مليون نسمة وامتلات بالخبراء من انحاء العالم.والان يشك البعض في ان اوقات الازدهار ستعود.

وقال توم ايكرمان وهو مصرفي مقره لندن بينما كان يتطلع الى برج دبي أعلى ناطحة سحاب في العالم "دبي التي تزين الكعكة -- تذوب."

ويقوم بانشاء البرج المقرر ان يفتتح في الرابع من يناير كانون الثاني القادم شركة اعمار العقارية التي عزل رئيسها في الاسبوع الماضي من مجلس ادارة واحدة من أكبر الشركات القابضة في دبي في اطار تغييرات جذرية في الكيانات الرئيسية الثلاثة في الحكومة.

وبرج دبي الذي يقع بجوار ثلاثة مشروعات كبرى اخرى مثل جزر النخيل الصناعية واول ساحة مغلقة للتزلج على الجليد وقطار بدون سائق تقف جميعها كرمز اخر لطموحات دبي التي ليس لها حدود والتي اغضبت في بعض الاحيان جيرانها.

وقال ايكرمان "المدينة تفجرت بسرعة شديدة ومن الصعب معرفة حجم الاموال والاصول الفعلية التي لديهم."

غير ان دبي وأبوظبي حققتا قفزات ضخمة في تطوير الامارات العربية المتحدة في بضعة عقود فقط من الزمن.

زعماء أعمال ووسائل إعلام: المخاوف مبالغ فيها

وقد سارعت وسائل الاعلام وعدد من كبار مسؤولي الشركات في دبي لدعم جهود الامارة لادارة أزمة ديونها قائلين انه جرى تضخيم حجم المشكلات وعملية اعادة الهيكلة.

وقال رياض كمال الرئيس التنفيذي لشركة ارابتك انه لا يساوره أدنى شك في التزام دبي بتسوية ديونها.وأضاف أنه ينبغي منح دبي الوقت لاعادة هيكلة ديونها وانه لا يشعر بالقلق بشأن تلك القضية.

وبدأت الازمة عندما قالت دبي انها ستطلب من دائني شركتي دبي العالمية ووحدتها العقارية الرئيسية شركة نخيل تأجيل المطالبة بسداد ديون بمليارات الدولارات.

وقال خلف الحبتور رئيس مجلس ادارة مجموعة الحبتور لرويترز عبر الهاتف "لا أشعر بقلق. لم تعجز دبي أبدا عن سداد ديون ولن تعجز عن السداد."انني على ثقة من أن الحكومة ستفي بتعهداتها وتساعد الشركتين."

وسعى مسؤول تنفيذي ببنك الامارات دبي الوطني أحد أكبر بنوك المنطقة الى التهوين أيضا من التأثير قائلا "الامور عادية ولا يوجد ما يثير القلق."

ورغم ذلك خسر المؤشر الرئيسي لاسهم دبي 5.9 في المئة في بداية التعاملات في حين هوى سهم شركة موانيء دبي العالمية بنسبة 14.9 في المئة عندما فتحت الاسواق الاماراتية للمرة الاولى منذ الاعلان عن طلب تأجيل سداد ديون. وتراجعت بورصة ابوظبي أيضا ليخسر المؤشر الرئيسي 7.1 في المئة الى 2703 نقاط.

وأبلغ رئيس شركة طيران الامارات صحيفة صنداي تليجراف في لندن في مقابلة أن التباطؤ العالمي لم يكن صادما له لكنه أضاف "ستخرج دبي نفسها من هذه.. وكذلك نحن." وأضاف أن شركة الطيران لن تتأثر.

وقالت صحيفة الخليج تايمز الناطقة بالانجليزية ان حكومة دبي فحصت بتمعن الطريقة التي تعمل بها دبي العالمية وستصلح مالم يكن فعالا.

وقالت الصحيفة في افتتاحيتها "هناك ضرورة جدية لاعادة هيكلة دبي العالمية .. ويشير قرار المضي فيها الى النضج من جانب صناع القرار بالامارة."

ودافعت الخليج تايمز عن الحكومة في مواجهة منتقديها الذين قالوا ان الاعلان الذي جاء قبيل عطلة عيد الاضحى البالغة أربعة أيام يقوض مصداقية الامارة وشفافيتها.وأضافت "يمكن لصناع السوق مناقشة توقيت الاعلان عن تأجيل محتمل في سداد ديون المجموعة .. وليس مناقشة النية وراءه."ويعتقد بعض المصرفيين والمستثمرين أيضا أن هناك مبالغة في تفسير اعلان اعادة الهيكلة الاسبوع الماضي.

وقال سوريش كومار الرئيس التنفيذي لشركة الامارات دبي الوطني كابيتال "تم تضخيم الازمة في حد ذاتها. انها محلية للغاية في قطاع واحد ومجموعة واحدة. تم تضخيمها الى قضية أكبر بكثير."

وقال مصرف عجمان أحد أصغر البنوك الاماراتية انه سيمضي في خططه لفتح فرع في دبي في ديسمبر كانون الاول.

وقال الرئيس التنفيذي بالوكالة لمصرف عجمان علي الشاقوش ال معين لرويترز "ليست هذه المرة الاولى التي يعلن فيها تأجيل السداد في اقتصاد عالمي مثل دبي منذ بداية الازمة العالمية."وأضاف "سيتخذ القرار بالتأكيد بعد مراجعة شاملة لجميع الفوائد والنتائج."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/كانون الاول/2009 - 19/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م