عَمالة الأطفال: إستعباد على طراز العصر الحديث

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: يتعرض آلاف الاطفال في انحاء عديدة من العالم تشهد نزاعات واضطرابات وفقر وعدم استقرار الى شتى انواع القهر والحرمان والاستغلال الجسدي والجنسي، وفي غضون هذه الظروف القسرية تتصارع حكومات مع واقعها المتردي من اجل التصدي لظاهرة استغلال الاطفال فيما تهمل حكومات اخرى مقتدرة، هذه الجرائم تحت ذريعة سرّيتها وصعوبة اكتشافها او تَعتبِر التقارير التي تفضح تلك التجاوزات تدخلاً بشؤونها وطبيعة مجتمعها.

أطفال يعملون في أفغانستان مقابل 20 سنتاً

لا تمتلك سبار مينا سوى شال أخضر قديم يقيها البرد القارس في أفغانستان، وتحمل يوميا كيس طحين فارغ لملئه بالخشب ومحاولة بيعه.

عينا مينا تكشفان عن رقة ونعومة لديها، إلا أن التعب أيضا يبدو واضحا عليها، فبدلا من الذهاب إلى المدرسة، تمشي الفتاة، البالغة من العمر ثماني سنوات، ساعة يوميا بين الحدود الباكستانية الأفغانية للحصول على لقمة عيشها.

ويوميا، تهرّب مينا الطحين من الأراضي الباكستانية إلى بلادها، إذ أن السلطات الباكستانية تمنع تصدير هذا النوع من البضائع للخارج بسبب غلاء الأسعار.

وعند دخولها الأراضي الأفغانية، تجمع مينا الأخشاب وتضعها في نفس الأكياس التي تنقل فيها الطحين، لتبيعها عند عودتها إلى باكستان. بحسب سي ان ان.

تقول سبار: "عندما نجلب الطحين، تقوم الشرطة الباكستانية بضربنا بشدة."إلا أن هذا الأمر لا يقارن بالمخاطر الأخرى لوظيفة سبار، إذ أنها قبل فترة كانت تعمل على الحدود الأفغانية الباكستانية مع شقيقتها، وقام انتحاري بتفجير نفسه هناك، مما أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص.

تقول سبار: "عندما انفجرت القنبلة، كنت على الجانب الأفغاني برفقة أختي. بكينا كثيرا، ومن ثم هربنا إلى الجانب الباكستاني."لكن ذلك لم يمنع سبار وشقيقتها من العمل، وهناك العديد من القصص المماثلة لقصتهما، إذ تقدر إحدى الهيئات الخيرية عدد هؤلاء الأطفال بنحو 300 طفل يعملون يوميا على الحدود مع باكستان.

عمّال الرهن.. الاستعباد بطراز القرن الحادي والعشرين

صباح كل يوم، يستيقظ الفتى ناصر، البالغ من العمر 17 عاما، لصناعة الطوب لمدة 14 ساعة يوميا، سبعة أيام في الأسبوع، من دون أن يعيش طفولته، أو يتمكن يوما من الدخول إلى المدرسة.

ناصر، وهذا ليس اسمه الحقيقي، هو واحد من مئات الآلاف من الأطفال ممن عليهم العمل يوميا في مجال الطوب لتأمين قوت عائلاتهم، ولسداد ديون عائلاتهم التي غالبا ما تكون صعبة السداد، وبالتالي أطلق عليهم اسم "عمال الرهن". بحسب سي ان ان.

وإذا ما حاول ناصر التصدي لأوامر رئيسه في العمل، فكل ما يلقاه هو اللكمات الواحدة تلو الأخرى.

ورغم عدم مشروعيتها في معظم بلدان العالم، تقول مجموعات حقوق الإنسان إن ظاهرة "عمال الرهن" هي واحدة من أكثر الظواهر انتشارا، إذا تقدر الأمم المتحدة عددهم بنحو 12 مليون شخصا حول العالم.

وتجد الكثير من العائلات في الهند، ونيبال، والبرازيل نفسها عاجزة عن سداد الديون المتراكمة، وعرضة للعنف من قبل الدائنين، فتقرر اللجوء إلى مثل هذه الوسائل للخلاص من الديون، وفقا لمجموعات حقوق الإنسان.

أما في باكستان، فهناك الكثير من الدائنين ممن يقودون عائلات فقيرة إلى مثل هذه النهاية، حيث يغرقونهم بالقروض والفوائد المضافة إليها، لتوافق العائلات لاحقا على عمل أطفالها. ولا يصل راتب صبي كناصر إلى أكثر من خمسة دولارات في اليوم الواحد.

عمل الاطفال في الاراضي الفلسطينية بات رائجاً

يؤكد نزيه طاهر (13 عاما) الذي يسافر كل صباح الى مدينة الخليل في الضفة الغربية لجلب نوع من الحلوى لبيعها في قريته تفوح، انه يرفض العودة الى المدرسة التي تركها بعد الصف الاول الابتدائي ليساعد في اعالة اسرته.

وقال لوكالة فرانس برس "تركت المدرسة بعد الصف الاول الابتدائي. كنت اشاغب في المدرسة ويضربني المدرسون ولم ارغب بالعودة اليها. لا اعرف القراءة او الكتابة. اراد والدي ان اعود للمدرسة لكني رفضت، فانا اكبر اخوتي".واكد نزيه "اعطي النقود (اجره) لعائلتي اساعدهم فيها".

ونزيه واحد من عدد كبير من الفتيان والاطفال الذين يضطرون للعمل في الاراضي الفلسطينية للمساعدة في اعالة اسرهم.

وقال مدير دائرة عمل الاحداث في وزارة العمل الفلسطينية مأمون العودة ان "عدد الاطفال الذين يدخلون سوق العمل يزداد بشكل كبير في الاراضي الفلسطينية".

واضاف "في 2004 وصل عددهم الى 41 الف طفل وفي 2006 الى 57 الف طفل"، موضحا انه "لم تجر اي احصائية جديدة في هذا الشأن لكننا نتوقع ان يكون العدد زاد كثيرا".

وتابع ان "عمر الحدث محدد بين 15 و18 عاما ودون ذلك يعدون اطفالا وعملهم ممنوع حسب القانون".

وعزا العودة رواج هذه الظاهرة الى "ضعف امكانيات السلطة الفلسطينية ووزاراتها وكل الجهات الحكومية عن مواجهة هذه المشكلة".

من جهته، رأى انور حمام القائم باعمال وكيل مساعد لشؤون المديرات في وزارة الشؤون الاجتماعية ان "عمالة الاطفال تعود لعدة عوامل منها نتيجة الحاجة وتردي الاوضاع الاققتصادية والفقر والحصار".

واشار حمام في تصريح لفرانس برس الى وجود "ثقافة ان يخرج الطفل للعمل حتى يصبح رجلا وخصوصا في العمل الصيفي".

وفي الخليل، يصطف نزيه يوميا مع عدد من الاطفال الفلسطينيين حاملين صواني لوضع حلوى كرابيج حلب الموسمية عليها وبيعها في ارجاء المدينة وقراها.

ويقول خليل ابو حمدية (33 عاما) صاحب محل الحلوى في الخليل ان "نحو خمسين ولدا من مدينة الخليل وقراها تتراوح اعمارهم بين ثماني سنوات و13 عاما يحضرون يوميا، منهم من يعمل في العطل الصيفية فقط ومنهم من ترك المدرسة".

ويضيف وسط غالونات زيت القلي واكياس الطحين، انه يقوم بهذا العمل كل صيف ليوزع هذه الحلوى على نحو خمسين محلا في المدينة.

عمانيون يخاطرون بأبنائهم مقابل 26 دولار بسباقات الهجن

لا تمر الأيام على الطفل سيف، ابن 9 سنوات، كغيره من الأطفال في قريته بولاية المضيبي العمانية، فهو ما زال طريح الفراش إثر سقوطه من على ظهر جمل قبل حوالي عام أثناء سباق للهجن، ما تسبب له بكسر كامل في ساقه الأيمن وكسر جزئي في عظمة الحوض.

وحاول سيف أن يستعيد بعضا من مباهج عيد الأضحى الذي مر قبل أيام، عندما حضر عنده بعض من أبناء قريته للاطمئنان عليه بترتيب من أخيه الأكبر، الذي علق قائلا: "حاولت أن أبدد بعضا من الحزن الذي أره في عينيه."

ويستخدم الأطفال الصغار دون العاشرة في سباقات الهجن الشعبية التي تكثر في سلطنة عمان قبل أن يتدخل قابوس بن سعيد، سلطان عُمان، شخصيا لمنع ركوب الأطفال في سباقات الهجن واستبدالهم بأجهزة آلية. بحسب سي ان ان.

وكانت الأجهزة الحكومية في سلطنة عمان قد حددت 15 عاما كحد أدنى لأعمار من يركبون الهجن في السباقات، إلا أن أحدا لم يستجب للقرار، ودخل التزوير كثيرا في الأمر، ما استدعى المنع الكامل.

ويتحدث الأخ الأكبر لسيف، الذي اشترط عدم ذكر اسمه لـCNN بالعربية عن حالة أخيه فيقول إنها "تتحسن بشكل بطيء" إلا أن الأخ قلق بشأن ضياع عام دراسي كامل على شقيقه، ولا يبدو أنه سيستطيع هذا العام اللحاق بالدراسة رغم التأجيلات الأخيرة للعام الدراسي في السلطنة بسبب أنفلونزا الخنازير.

ويستطرد الأخ بالقول: "أخي لديه قدر جيد من الذكاء، إلا أن والدي كان كثيرا ما يصطحبه للمشاركة في سباقات الهجن رغم صغر سنه، وكان في سبيل ذلك يقنن له نوعية الأكل حتى لا يزيد وزنه ويعجز عن المشاركة في السباقات."ويرفض الأب الحديث، ويتابع انشغاله بالتجهيز لسباق قادم نهاية الشهر الجاري.

ويحصل كل طفل على مبلغ 26 دولارا فقط مقابل كل مرة يشارك فيها في أحد أشواط السباق. ويشارك أحيانا كل طفل في أربعة أشواط.

ورفض سيف الحديث إلا أنه طلب من أخيه مشاهدة بعض الصور لسباقات الهجن التي استخدمت فيها أجهزة راكبي آلية.

ورغم أن السلطات العمانية أوقفت خلال السنوات الماضية الكثير من ملاك الهجن عن المشاركة في السباقات بسبب تجاوزاتهم في استخدام أطفال دون السن القانونية في السباقات، إلا أن القوانين السابقة لم تكن رادعة بما فيه الكفاية.

وسجلت كاميرا أحد المصورين الفوتوغرافيين العمانيين مشاهد بانورامية  لطفلة لا يزيد عمرها على سبع سنوات وهي تسقط من فوق ناقة في أحد السباقات إلا أنه يرفض عرضها، معللا ذلك بأن السلطان قابوس قد أنهى المشكلة من جذورها.

ولم يكن من السهل أن يقتنع ملاك الهجن في استخدام أجهزة آلية في السباقات لأنهم يعتبرون ذلك تغييرا في جزء من موروثهم الشعبي الأصيل، غير معترفين بانتهاج حقوق الأطفال في مثل تلك السباقات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 6/كانون الاول/2009 - 18/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م