نفط العراق... بين تنمية الدولة وتأجيج الصراعات

ثالث احتياطي في العالم يفتقر بنية مناسبة للتصدير

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يأمل العراق في أن يسهم التدفق المالي الذي سيحصل عليه جراء زيادة إنتاجه النفطي الى ثلاثة أمثال في انتشاله من الفوضى وتحقيق الازدهار. لكن الفرصة متعادلة في أن تشعل الثروة الجديدة صراعا جديدا.

ويعتزم العراق (صاحب ثالث أكبر احتياطي من النفط في العالم) أن يحتل أيضا المركز الثالث في قائمة أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم مثيرا الأمل في نفوس العراقيين الذين أنهكتهم المعارك أن تدفع هذه الأموال عملية التنمية وتوفر الوظائف في أعقاب عقود من التدهور الاقتصادي.

غير أن خبراء ومسئولين غربيين يقولون إن الفساد المتفشي والجمود السياسي والصراعات العرقية حول المناطق المنتجة للنفط مثل كركوك يعني أن سنوات الصراع الداخلي يمكن بسهولة أن تعقبها سنوات من الحرب للسيطرة على النفط.

زيادة الإنتاج النفطي

حيث يقول ديفيد ماك وهو مبعوث أمريكي سابق عمل في بغداد في منتصف الستينات وأواخر السبعينات من القرن الماضي "ليس من الواضح بعد ما اذا كانت الطبقة السياسية العراقية ستتفق على كيفية استخدام عائدات النفط لتقوية الوحدة الوطنية أم أنها ستنخرط في عداوات مدمرة حول كيفية تقسيم الكعكة."

ويثور الشك فيما إذا كان العراق الذي يعاني من الحالة السيئة للبنية الأساسية يمكنه فعليا خلال ست سنوات أن يرفع انتاج النفط من مستواه الحالي البالغ 2.5 مليون برميل يوميا الى سبعة ملايين برميل يوميا. وهناك امكانية كبيرة أن يواجه العراق مطالبات من جانب أعضاء أوبك للعودة للالتزام بحصته الانتاجية. بحسب رويترز.

لكن هذا لا ينفي أن زيادة الانتاج بدرجة اقل الى أربعة ملايين برميل يوميا يمكنها أن تحقق للحكومة العراقية 45 مليار دولار اضافية سنويا وفقا لاسعار النفط اليوم.

ويرى المحللون أن الفرصة هائلة لحدوث ضرر اكبر من النفع بسبب التدفق النقدي المفاجئ في بلدان مثل العراق الذي يحتل المركز قبل الاخير من حيث دخل الفرد في الشريحة السفلى من البلدان متوسطة الدخل في الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

ويتمثل أحد المخاطر في حدوث ارتفاع كبير في التضخم وأن يفقد البنك المركزي السيطرة على سعر الفائدة.

ويمكن أن يتسبب توزيع عائدات النفط في حالة من الاستياء والسخط لا مفر منها مما سيشعل عندئذ نيران التوترات التي تعتمل تحت الرماد منذ امد طويل بين السنة والشيعة والأكراد في دولة لا تزال تحاول أن تتعافى من حرب طائفية في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 .

وأصبحت مدينة كركوك النفطية في شمال العراق رمزا للتحديات التي تنتظر البلاد اذ تتصارع حكومة بغداد التي يقودها العرب مع السلطات الكردية حول من له حق السيطرة عليها وتوقيع الصفقات بشأن حقول النفط في المناطق المحيطة بها.

وقال مسؤول غربي رفض نشر اسمه انه في ظل سيطرة الاغلبية الشيعية على انتاج النفط في جنوب العراق وسيطرة الاكراد على حقول انتاج النفط الغنية بالشمال فان الاقلية السنية يمكن أن ينتهي بها الامر بالشعور بأنها خرجت خالية الوفاض.

وأوضحت ليزا برزان من منظمة ميرسي كور- التي تدرب القادة العراقيين على حل الصراعات وجهود الوساطة- انه من غير المؤكد أن يلجأ العراقيون لتسوية خلافاتهم المستقبلية بالبنادق وليس بالكلمات.

وقالت برزان "اذا نحينا جانبا السياسة وتأثير جماعات المصالح الخاصة التي تشجع العنف فان عوام العراقيين يرغبون بشدة في التفاوض."

واضافت "وقعت احداث عنف على مدى عقود لكن اذا نظرت للتاريخ فالوضع ليس كذلك. العنف ليس جزءا من الثقافة."

ومع ذلك سيتعين على العراق تخصيص معظم ما سيحصل عليه من ثروته نفطية في البداية لمشروعات البنية الاساسية بما يفيد الصناعة مما قد يثير غضب العراقيين الذين يتطلعون لتحسن خدمات الكهرباء والماء.

وقال مسؤول غربي اخر "سيرى الناس أموال النفط تدخل الى البلاد لكنها لن تنفق حسبما يودون."

وعلى المدى الاطول يخاطر العراق بأن يصبح اقتصادا تسيطر عليه الدولة ويعتمد بصورة كلية على النفط مع اهمال القطاع الخاص. ويدر النفط بالفعل نحو 95 بالمئة من دخل الحكومة العراقية.

ثم تأتي قضية الفساد الذي يضمن استفادة نخبة صغيرة من الثروة النفطية في دول منتجة مثل نيجيريا وأنجولا.

ويحتل العراق المركز الخامس من القاع على مؤشر الفساد الذي تصدره مؤسسة الشفافية الدولية ويشمل 180 دولة في العالم.

ويقول دانييل درزنر الاستاذ بجامعة توفتس "بالنظر الى حجم احتياطيات العراق النفطية أعتقد أنه ينبغي أن يتقاطر بعض الثروة."

واضاف "يعني هذا أنه بالنظر الى حجم الفساد في الحكومة العراقية فستكون مفاجأة لي اذا حصل الشعب على أكثر من قدر ضئيل من هذا الدخل."

لعنة النفط

على صعيد متصل يوشك العراق على ابرام صفقات مع شركات نفط دولية يمكن ان تقفز به الى المركز الثالث في قائمة الدول المنتجة للنفط.

وبعد سنوات من الاقتتال الطائفي والحرب بعد الغزو الامريكي عام 2003 يحتاج العراق بصورة ملحة الى مليارات الدولارات لتمويل التنمية واعادة الاعمار. ويمكن لزيادة كبيرة في صادرات النفط أن تجلب ذلك التمويل.

لكن ثروات النفط غالبا ما تسبب ضررا اقتصاديا يفوق ما تجلبه من فائدة وهي ظاهرة يطلق عليها "لعنة" النفط أو الموارد.

وفيما يلي وصف لكيفية تعامل دول اخرى مع ثروتها النفطية:

- النرويج:

تعتبر ادارة النرويج لعائداتها النفطية منذ اكتشافاتها الكبيرة في السبعينات من القرن الماضي نموذجا للدول الاخرى الغنية بالنفط. وساعدها في ذلك كونها دولة غنية وديمقراطية ومستقرة بالفعل.

ووضعت الحكومة أسسا أخلاقية لتخصيص الموارد واشترطت أن تستخدم لصالح الاجيال القادمة. ويقوم صندوق النفط الذي انشيء عام 1990 بعزل ايرادات النفط بصورة فعلية عن الاقتصاد بالاستثمار في الخارج واعادة مكاسب تبلغ نسبتها حوالي اربعة في المئة وهو ما يزيد عن معدل التضخم في النرويج. ويدير البنك المركزي المستقل الصندوق البالغ حجمه 400 مليار دولار والذي يمتلك حوالي واحد في المئة من الاسهم المدرجة في البورصات العالمية. ورغم بعض الدعوات للحكومة بزيادة الانفاق من الايرادات الا ان اللوائح موضع اتفاق سياسي واسع.

- المكسيك:

اسهمت صناعة النفط في المكسيك في تمويل جزء كبير من الانفاق الحكومي منذ اكتشاف احتياطيات بحرية كبيرة في السبعينات من القرن الماضي. وتسدد ايرادات تصدير النفط حوالي 40 في المئة من الانفاق الحكومي وينفق اغلبها لدى وصوله للخزائن الاتحادية. وأظهر الركود الاقتصادي الكبير في البلاد هذا العام عدم كفاية الجهود الماضية لتوفير ايرادات نفطية لاستخدامها في أوقات الشدة. وتمثل الازمات الاقتصادية السابقة ايضا دليلا على أن النفط لم يوفر أي وقاية من الاضطراب المالي.

وتعاني صناعة النفط من نقص الاستثمارات بسبب العبء الضريبي الكبير المفروض على شركة بيميكس الحكومية المحتكرة للنفط والذي يعني في الغالب ان تتكبد الشركة خسائر حتى حين تكون أسعار النفط مرتفعة. ويتراجع انتاج الخام منذ عام 2004 مع دخول الحقوق العملاقة مرحلة التراجع الطبيعية.

ودفع اعتماد المكسيك على صناعة النفط المتراجعة مؤسستي ستاندرد اند بورز وفيتش للتصنيف الائتماني الى التحذير من أنهما قد تخفضان تصنيفهما للسندات المكسيكية.

- فنزويلا:

تعتمد فنزويلا منذ وقت طويل كمصدر كبير للنفط منذ العشرينات من القرن الماضي على ثروتها النفطية الضخمة لتمويل الانفاق الحكومي ومشروعات التنمية. ويعني اعتمادها القوي على النفط ارتباط حركة اقتصادها بأسعار الخام العالمية. وحقق النفط الازدهار لفنزويلا خلال السبعينات ليجعل منها أغنى دولة في امريكا اللاتينية. لكن منذ الثمانينات تراجع الاقتصاد حيث تجاوز النمو السكاني الزيادة في ايرادات النفط.

والى حد كبير فشلت محاولات توفير ايرادات في سنوات الازدهار لاستخدامها حين تتراجع أسعار النفط.

واستخدم الرئيس هوجو تشافيز الثروة النفطية لتوسيع الانفاق الاجتماعي وتأميم قطاعات كبيرة من الاقتصاد. لكن تعاظم الانفاق غذى مشكلة التضخم العنيدة في فنزويلا التي يعتبر معدل التضخم بها من أعلى المعدلات في العالم.

- أنجولا:

خرجت أنجولا في عام 2002 من حرب أهلية استمرت 27 عاما كواحد من أسرع الاقتصادات نموا في العالم وهو ما اعتمد جزئيا على أسعار النفط القياسية. لكن لم يصل الى مواطني البلاد سوى القليل من ثروتها النفطية.

وتنافس انجولا نيجيريا كأكبر منتج للنفط في افريقيا لكن يعيش ثلثا سكانها على أقل من دولارين في اليوم وتحتل المركز 158 من بين 180 دولة على مؤشر الفساد الذي تصدره مؤسسة الشفافية الدولية.

وتمثل الضرائب والرسوم المحصلة من شركات الطاقة 90 في المئة من الدخل في انجولا التي تعتمد على الايرادات النفطية لتمويل مشروعات اعادة البناء لكنها عانت من انخفاض حاد في أسعار النفط العام الماضي. وطلبت أنجولا من منظمة اوبك استثناءها من تخفيضات الانتاج التي قررتها المنظمة بما يساعدها في تجنب نمو سلبي هذا العام.

- نيجيريا:

حقق استخراج النفط على مدى خمسة عقود في اكثر دول افريقيا سكانا ثروات طائلة لنخبة قوية لكنه جلب الصراع الى دلتا النيجر ولم يصل الى الاغلبية الساحقة من السكان سوى القليل من الفوائد الملموسة.

وقدر بنك ستاندرد العام الماضي ان الحكومة النيجيرية حصلت على 436 مليار دولار من ايرادات النفط والغاز والضرائب بصورة مباشرة بين عامي 1970 و2007 اي حوالي 1.2 تريليون دولار بتقديرات اليوم.

لكن سوء الادارة والفساد على مدى عقود ترك الاغلبية الساحقة من سكان البلاد البالغ عددهم 140 مليون نسمة يعيشون على دولارين أو أقل في اليوم. بحسب رويترز.

وبسبب هجمات متشددين وعمليات خطف وسرقة من عصابات مسلحة تحولت منطقة انتاج النفط في دلتا النيجر الى منطقة عسكرية فعلية.

وتدخر نيجيريا ايرادات نفطية اذا تجاوز السعر مستوى استرشاديا في حساب خاص يمثل دعامة لاصلاحات بدأت عام 2003 بمساندة من صندوق النقد الدولي.

لكن البنك المركزي يقدر ان الاضطراب في دلتا النيجر يكلف البلاد مليار دولار شهريا من الايرادات الضائعة. وتنفق نيجيريا ايضا مليارات الدولارات سنويا على دعم الوقود المستورد.

خطة غير واقعية

من جهته قال الرئيس التنفيذي لشركة النفط الفرنسية العملاقة توتال انه من المتوقع أن يتمكن العراق من زيادة انتاج النفط زيادة ملموسة من خلال استثمارات أجنبية جديدة لكن زيادة الإنتاج الى ما بين عشرة ملايين برميل و12 مليون برميل يوميا أمر غير واقعي.

وقال مسؤولون بالحكومة العراقية ان جولات ارساء عقود جديدة لجذب شركات نفط أجنبية لتطوير واستغلال احتياطيات البلاد من النفط قد تؤدي في النهاية الى زيادة الانتاج الى 12 مليون برميل يوميا أو حوالي خمسة أضعاف الانتاج الحالي البالغ 2.5 مليون برميل يوميا. وتنتج السعودية - أكبر مصدر للنفط في العالم - حاليا نحو تسعة ملايين برميل يوميا.

وقال كريستوف دو مارجيري الرئيس التنفيذي لتوتال للصحفيين في نيويورك "الرقم 12 مليون رقم هائل."

وأضاف "نعلم أن هناك امكانية ربما للوصول من سبعة الى ثمانية ملايين برميل (يوميا) يوما ما .. وهذا وحده سيكون نجاحا عظيما." بحسب رويترز.

وعبر عن تشككه بشأن نجاح جولات عطاءات أخرى لتطوير حقول نفطية في العراق بعدما انسحبت أغلب الشركات الكبرى من الجولة الاولى التي عقدت في يونيو حزيران ومن بينها توتال احتجاجا على الشروط القاسية التي فرضها العراق للعقود.

وقال دو مارجيري انه غير مقتنع بأن الشركات التي وقعت عقودا في العراق حتى الان ستنتج الكميات التي يتوقعها المسؤولون العراقيون.

وقال "لماذا لا نتقدم .. لماذ لا نقوم بهذا.. هذا لان العراق سيقول في نهاية المطاف هذا ما تم التعهد به."

والعقد الوحيد الذي جرى ارساؤه دون تعديل في الجولة الاولى هو اتفاق تعتزم بموجبه بي.بي وشركة النفط الوطنية الصينية لتطوير انتاج حقل الرميلة الذي تبلغ احتياطياته 17 مليار برميل وينتج حاليا نحو نصف الانتاج العراقي من الخام.

وشهد العراق - الذي يملك ثالث أكبر احتياطيات نفطية في العالم - تراجعا في انتاج الخام بعد سنوات من الحرب.

وتعول الحكومة العراقية على الشركات الاجنبية الكبرى في مساعدتها في أن تصبح ضمن أكبر ثلاثة منتجين في العالم بحلول عام 2015.

شركة توتال الفرنسية

في ذات السياق قال الرئيس العراقي جلال طالباني امام عدد من رجال الاعمال في باريس انه يرغب في ان يرى شركة توتال الفرنسية النفطية العملاقة تعمل في حقول بلاده النفطية.

واعلن طالباني "ان استدراج العروض (المتعلق بالاستغلال النفطي) ليس مبنيا على ارقام فقط، سنشجع عرضا فرنسيا ايا كانت الارقام"، داعيا المجموعة النفطية الفرنسية "الى تقديم العرض الافضل".

وقال ايضا "انها سياستنا، نريد ان نرى توتال تنشط في حقولنا النفطية"، وسط تصفيق حار من الحاضرين.

ودعا طالباني الذي كان يتحدث امام رؤساء كبرى الشركات في اليوم الثالث من زيارة دولة الى فرنسا، الشركات الفرنسية الى الاستثمار بشكل كبير في بلاده على الرغم من المخاطر الامنية التي لا تزال قائمة في اعقاب سنوات من النزاع. بحسب فرانس برس.

وقال "ان الافاق ايجابية جدا. ينبغي ان تتحلوا بالشجاعة، وان تستثمروا في كل القطاعات". وسيتم طرح استدراج عروض حول الحقول النفطية العراقية في الحادي عشر والثاني عشر من كانون الاول/ديسمبر.

وسيطرح العراق في المزاد عشرة عقود لاستغلال الحقول النفطية وستشارك 44 شركة في استدراج العروض.

وفي بداية تموز/يوليو، اطلق العراق سلسلة اولى من استدراجات العروض طالت 31 شركة نفطية اجنبية وتتعلق باستغلال خمسة حقول نفطية وحقلين للغاز.

واكد المدير العام لمجموعة توتال المكلف شؤون الاستكشاف والانتاج ايف لوي داريكارير في هذا الاجتماع ان مجموعته تعد عروضا بشان حقلين نفطيين في العراق تمهيدا للمشاركة في استدراج العروض في 11 و12 كانون الاول/ديسمبر.

ورحبت رئيسة نقابة اصحاب الاعمال في فرنسا لورانس باريسو بالرغبة العراقية في "تنويع شركائها قدر الامكان". وقالت "نريد ان نشارك في ذلك".

وفي الوقت الذي تقدر فيه كلفة اعادة اعمار العراق ب600 مليار دولار، فانه تم التوقيع حتى الان على عدة عقود في مجال الامن الداخلي وفي المجال العسكري مثل بيع 24 مروحية من مجموعة يوروكوبتر الاوروبية.

ووصف طالباني زيارته الى فرنسا بانها "ناجحة تماما". وقال امام اصحاب الشركات "ان الابواب مفتوحة على مصراعيها امام التعاون مع فرنسا"، وان التعاون بين الدولتين "استراتيجي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/تشرين الثاني/2009 - 12/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م