شبكة النبأ: منذ انسحاب القوات
القتالية الأمريكية من المدن العراقية في حزيران الماضي، شهد العراق
سلسلة من الهجمات الكبيرة من قِبَل (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين)،
الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى إمكانية صمود عملية دعم الاستقرار في
تلك البلاد.
وكتبت مريم بن رعد، باحثة كيستون فاميلي في مشروع فكرة بمعهد
واشنطن، الذي يركز على التطرف ومقاومته، مقالاً حول الموضوع جاء فيه:
في الأسبوع الماضي، ألقت السلطات العراقية القبض على 73 شخصاً لهم صلة
بـ «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» يُشتبه في تورطهم واشتراكهم في
حادثتي التفجير الانتحاريتين اللتين استهدفتا وزارة العدل ومجلس
المحافظة في بغداد في 25 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، مما أسفر عن مصرع
147 شخصاً. كما أعلن «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» مسؤوليته عن
الهجومين الانتحاريين اللذين تم تنفيذهما على وزارتي الخارجية والمالية
وراح ضحيتهما 132 شخصاً في آب/أغسطس الماضي. هذا، وقد عانت الموصل هي
الأخرى من بعض الحوادث الأمنية والاغتيالات الكبرى بمتوسط بلغ 100 قتيل
شهرياً؛ وبالمثل شهدت محافظة الأنبار - التي كانت حتى الآن هادئة
نسبياً - مستويات متزايدة من العنف. وفي الوقت الذي تلوح فيه
الانتخابات، يبدو من المرجح وقوع المزيد من حوادث العنف.
أفعال وأقوال تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين
وتتابع مريم، منذ ظهوره في عام 2003، تمثلت استراتيجية «تنظيم
القاعدة في بلاد الرافدين» في استخدام الهجمات المثيرة من أجل تعزيز
الانقسام الطائفي والعرقي مع زعزعة استقرار السلطات الحاكمة سواء من
الأمريكيين أم من العراقيين. وفي محاولة صريحة للنيل من رئيس الوزراء
نوري المالكي وحكومته وزعزعة استقرارهما، حوَّل «التنظيم» منذ عام 2008
تركيزه في معظم عملياته من القوات الأمريكية وأصبح يشن هجماته على
المؤسسات العراقية – التي شملت مخافر الشرطة ومقارّ القيادة العسكرية
والقوات الأمنية والوزارات الاتحادية. ولقد أوضحت التفجيرات الأخيرة
مرة أخرى أنه حتى لو بقي «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» غير قادر
على الحفاظ على التمرد المسلح بشكل كامل، فإنه يحتفظ على قدرة كامنة
لشن هجمات كبيرة ويمثل عقبة مستمرة في استقرار البلاد على المدى الطويل.
وتقول الكاتبة، تؤكد الدعاية الترويجية الخاصة بـ «تنظيم القاعدة في
بلاد الرافدين» على المنتديات والمواقع الإلكترونية الإسلامية حدوث هذا
التحوُّل وتعكس مبدأ "عَرْقَنة" «التنظيم». وفي أعقاب إعلانه إقامة «دولة
العراق الإسلامية» في عام 2006، أصبح «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»
يقلل تدريجياً من اعتماده على المقاتلين الأجانب وأخذ يجنِّد العراقيين
المحليين بدلاً منهم. وفي هذا الصدد، ينبغي عدم المبالغة في التقارير
التي تصدر بشأن إعادة تفعيل الشبكات الخاصة بـ «تنظيم القاعدة في بلاد
الرافدين» عبر سوريا. فخلال السنوات الثلاث الأخيرة، ووفقاً لما يصدر
عن القوات متعددة الجنسيات في العراق، انخفض عدد الجهاديين الذين
يدخلون العراق من نسبة عليا وصلت إلى 120 شخص شهرياً في عام 2007 إلى
40 شخص في عام 2008 و 20 شخص في عام 2009.
لقد صحِب هذا التغيير في تكوين «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»
حدوث تحول في الأهداف الخاصة به. ففي الوقت الحالي، أصبحت أهداف «التنظيم»
ذات صفة سياسية بالدرجة الأولى، فيما تركز الدعاية الترويجية الخاصة به
على نزع الشرعية عن العملية الديمقراطية التي ابتدأتها الولايات
المتحدة جنباً إلى جنب مع الحكومة العراقية -- التي يطلقون عليها "معقل
الخيانة وقلعة الإلحاد" -- بالإضافة إلى مواجهة المتمردين القوميين من
السنة والقوات السياسية المنافسة، بما في ذلك «الصحوة العشائرية»، التي
ترفض استهداف «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» لإقامة خلافة إسلامية
عامة دون النظر للإعتبارات القومية، الأمر الذي من شأنه أن يهدد سلامة
ووحدة الأراضي العراقية.
وتذكّر مريم، في تموز/يوليو الماضي، أصدر «الفرقان» - الجناح
الإعلامي التابع لـ «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» - تسجيلاً صوتياً
سعى فيه إلى ادعاء النصر في قرار الولايات المتحدة الإنسحاب من المدن
العراقية والتخفيض المرتقب لقواتها، وذلك من خلال التذكير بصمود
الجهاديين وصرامتهم "الذين جعلوا الجيش الأمريكي يذوق طعم الموت ومرارة
الهزيمة". وسعياً منه لتشويه سمعة الحكومة العراقية بعد الانسحاب
الأمريكي، عمد «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» إلى السخرية بشكل واضح
من المالكي لإخفاقه في حفظ الأمن في المناطق الحَضَرية. وحتى الآن، يتم
استخدام الهجمات التي يدعي «التنظيم» مسؤوليته عنها في دعم وتعزيز هذا
الخط من الدعاية الترويجية. ولكي يؤكد أن الجيش العراقي هو ما يستهدفه،
أعلن «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» في "تقرير إخباري" صدر في الشهر
الماضي أن معظم هجماته كانت قد استهدفت ضباطاً ومواكب ودوريات عراقية
من "جيش المرتدين" في أحياء مختلفة من بغداد.
وتبيّن مريم، وتواصل «دولة العراق الإسلامية» جهودها الدعائية
الترويجية ضد أولئك الذين قد يغتصبون ما تعتقده بأنه وحقها الشرعي في
زعامة الطائفة السنية العربية. وفي البيانات الرسمية الصادرة بالنيابة
عن زعيمها الشهير أبو عمر البغدادي – الذي قامت الحكومة العراقية
باعتقاله في مستهل هذا العام – ينتقد «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»
الكيانات والأحزاب السنِّية، مثل «الحزب الإسلامي العراقي»، لمشاركته
في العملية السياسية وتأييده التسامح والوحدة القومية، وكلاهما "يشوِّه
الهوية الحقيقية للجهاد". وفي مقابل تلك القوى، يُنصِّب «تنظيم القاعدة
في بلاد الرافدين» نفسه كممثل شرعي سياسي وحيد للطائفة السنية العربية
التي لا تزال تتمتع بدور هامشي. ومن أجل إبراز مدى جديَّته في ذلك، قام
«التنظيم» في شهر تشرين الأول/أكتوبر المنصرم بقتل اثنين من أئمة السنة
المعتدلين اللذين كانا يعارضان أساليبه المتطرفة ووجهات نظره السياسية
الخاصة به وهم؛ جمال الحُمادي في بغداد وبشير الجوهايشي في الموصل.
تفسير مرونة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين
وتوضح الكاتبة، هناك عوامل عديدة تسهم في وجود المرونة لدى «تنظيم
القاعدة في بلاد الرافدين». أولاً، زاد انسحاب القوات القتالية
الأمريكية من المدن العراقية من هامش المناورة الخاص بـ «التنظيم» داخل
تلك المناطق. وهناك عامل آخر يتمثل في إطلاق سراح العديد من المحتجزين
العراقيين هذا العام، الذين أصبحوا متطرفين بشكل واضح خلال فترة
اعتقالهم وأجروا اتصالات مع «التنظيم». فمنذ شهر كانون الثاني/يناير،
تم نقل 1200 معتقل إلى قبضة السلطات العراقية، كما تم إطلاق سراح 5300
شخص من السجون. وفي حين يؤكد الجيش الأمريكي على أن عمليات إطلاق
السراح تمت بشكل قانوني مرتَّب بما يتفق مع الاتفاقية الأمنية بين
العراق والولايات المتحدة وبوجود معدَّلات انتكاسية منخفضة، تشير مصادر
من وزارة الداخلية العراقية والشرطة إلى أن هناك عدد يدعو للقلق من
المعتقلين العراقيين الذين يعودون إلى المقاومة من جديد. ونظراً للعدد
الكبير من المعتقلين المفرج عنهم، فإنه حتى عودة نسبة مئوية صغيرة منهم
إلى الجهاد سيكون كافياً لحدوث عدد كبير من الهجمات.
وتتابع مريم، من بين أمثلة المعتقَلين الذين عادوا إلى التمرد
ويُزعم قيامهم بتطوير علاقات مع «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» قبل
أو أثناء فترة اعتقالهم، أولئك العراقيين الذين كانوا قيد الاعتقال في
القاعدة العسكرية الأمريكية المعروفة بـ "معسكر بوكا"، والتي تم
إغلاقها في شهر أيلول/سبتمبر المنصرم. ومن بين هؤلاء؛ محمد علي مراد،
الشريك السابق لأبو مصعب الزرقاوي في الفلوجة، الذي يشتبه في إدارته
إحدى الخلايا المسلحة في بغداد التي كانت مسؤولة عن عدة تفجيرات
انتحارية استهدفت مراكز الشرطة. وفي تشرين الأول/أكتوبر في داقوق، ألقى
الجيش العراقي والقوات الأمريكية القبض على فرد آخر من أفراد «تنظيم
القاعدة في بلاد الرافدين» الذي كان معتقلاً في السابق وهو؛ ياسر غافور
الذي قام بتخزين عبوات ناسفة مرتجلة كان يعتزم استخدامها لمهاجمة قوات
الأمن العراقية. وفي كركوك، ألقت الشرطة العراقية القبض على تسعة
عراقيين بحوزتهم متفجرات – بمن فيهم عبد الله عبد القادر، أحد منسقي «تنظيم
القاعدة في بلاد الرافدين» في بغداد – وبعضهم كان قيد الاعتقال في
السابق.
ولم يغير انسحاب القوات القتالية الأمريكية من المدن العراقية بشكل
جوهري من "رواية الاحتلال" التي يتمسك بها «تنظيم القاعدة في بلاد
الرافدين». فلقد قامت المجموعة ببساطة بتغيير دعايتها الترويجية لتقول
إن القوات المسلحة العراقية "غير الشرعية" تمثل "المحتلون" الجدد. ومن
شأن هذا الاتجاه أن يقدم لـ «التنظيم» وللجماعات المتطرفة المنتسبة
إليه – على سبيل المثال، «أنصار الإسلام»، التي لا تزال نشطة في
المحافظات الشمالية – مبرراً جديداً لأنشطتهم و "تياراً" من المجندين
الجدد.
وتبيّن الكاتبة، من المرجح تفاقم الأمور بشكل أكبر بسبب الاقتصاد
العراقي المتداعي. فبالرغم من تحسُّن الظروف المعيشية على المستوى
المحلي، شهد العراق تأثراً شديداً بسبب الأزمة المالية العالمية.
فالبلاد لا تزال تعتمد على صادراتها البترولية التي تشكل 90 في المائة
من دخلها، وقد ساهم انخفاض أسعار البترول بشكل بالغ في تقليل الإيرادات
الحكومية. وقد اضطرت حكومة المالكي إلى تقليل ميزانيتها لهذا العام من
79 مليار دولار أمريكي إلى 59 مليار دولار أمريكي بسبب الانخفاض الذي
شهدته أسعار النفط، الأمر الذي أثر بدوره بوجه خاص على قطاع الدفاع.
وكانت بغداد قد قامت بتجميد الأجور في عدد من القطاعات الرئيسية في
البلاد مثل الشرطة والجيش. وفي الموصل، كان للتخفيضات التي حدثت في
الميزانية تأثير واضح على مستويات العنف، حيث حدث عجز في عدد قوات
الشرطة يقدَّر بـ 5300 رجل – أي أكثر من نصف القوة اللازمة المقدَّرة
لها، كما ليس للجيش العراقي سوى ثلاثة ألوية منتشرة في المنطقة.
وتستطرد بالقول، طبقاً لأحد التقارير الداخلية الذي تم إصداره من
قِبَل وزارة الداخلية في شهر تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، أساءت
الصعوبات الاقتصادية من حالة الفساد المستوطن بالفعل، مما زاد من
التهديدات الأمنية في العراق. وبالإضافة إلى الهجمات التي تحظى برعاية
إحدى الجماعات والتي يقوم بتنفيذها رجال عاطلين أو مجرد انتهازيين،
يسلط التقرير المذكور الضوء على حالات تقوم فيها جماعات متطرفة مثل
«تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» برشوة رجال الشرطة وضباط الأمن
العراقيين. ووفقاً لوزارة الداخلية العراقية، قام «التنظيم» بدفع ما
يربو على 10000 دولار أمريكي إلى الحرس وآخرين ممن ساعدوهم للسماح
للمفجرين الانتحاريين بالمرور عبر نقاط التفتيش في هجمات آب/أغسطس
الماضي التي استهدفت وزارتي الخارجية والمالية. كما يسلط التقرير الضوء
على كيفية [نجاح] الرشاوى في ضمان إطلاق سراح بعض المنتسبين إلى «تنظيم
القاعدة في بلاد الرافدين» من المعتقلات والسجون. وفي الشهر الماضي،
وتتابع الكاتبة، ألقت قوات الأمن العراقية القبض على محام في الموصل
يُزعم أنه على صلة بـ «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»، لقيامه برشوة
حراس السجن من أجل إطلاق سراح الجهاديين ومحو سجلاتهم الجنائية. على
الرغم من التحسينات الكبيرة في الأمن، وحقيقة أن «تنظيم القاعدة في
بلاد الرافدين» لا يمثل تهديداً استراتيجياً في الوقت الحالي، لا تزال
مهمة تأمين العراق بعيدة من نهايتها. ولا تلقى رسالة التطرف التي
يرسلها «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»، صدى في الوقت الحالي بين
معظم العراقيين – الذين يمقتون أساليبها المتطرفة بشدة ويرفضون أجندتها
الإسلامية الاتحادية – بيد، تحتفظ «المنظمة» الجهادية بقدرتها على شن
هجمات على أعلى المستويات. وفي حين من غير المحتمل أن يتم القضاء على
«تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» على المدى القريب، لا بد من إيجاد
الطرق التي تبقيه في وضع مهمَّش. ويكمن التحدي الأساسي، في الوقت
الحالي، في ضمان مواصلة الحكومة العراقية تحسين قدرتها على تقديم
الخدمات العامة، وتنمية الاقتصاد العراقي وإدارتها الناجحة للتوتر
المتصاعد بين الأكراد والعرب (إذا لم يتم وضع حل له).
وتختم مريم بن رعد مقالها بنتيجة مفادها، أخيراً فإن ضمان مصداقية
وشرعية الانتخابات المقبلة سيكون أمراً حاسماً لنزع فتيل التهديد الذي
يشكله «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» على الاستقرار العراقي. ومن
بين كل هذه الأولويات، فإن النقطة الأخيرة هي الأكثر إلحاحاً. ومن خلال
النظر إلى ما حدث في أفغانستان، سوف يتضح أن الانتخابات التي يُنظر
إليها على أنها غير شرعية، هي هدية دعائية للرافضين – هديَّة يمكن
استغلالها بسهولة. |