حقوق الإنسان... من الحركة إلى المؤسسة

مرتضى بدر

الله جلّ جلاله هو مصدر الحقوق الإنسانية... حقوقٌ شرّعها وبيّنها من خلال كتبه المنزلة وأنبيائه المرسلين؛ بهدف حفظ وصون حقوق عباده الذين خلقهم في أحسن تقويم. فقد أكرم الله الإنسان بزينة العقل، وجعله مخلوقاً متميّزاً بين سائر المخلوقات، حيث يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).

وبمرور العصور وتطور البشر وظهور الكيانات والأنظمة، اخترع الإنسان النظم والتشريعات، وأهمها الدستور الذي يعتبر من أعظم اختراعات الإنسان على الإطلاق. هذا المخلوق العاقل والاجتماعي لم يتوقف لحظة عن البحث والإبداع في وضع الأنظمة والتشريعات؛ بهدف حفظ حقوقه وصونها، بيد أن الأنبياء والرسل وفق السياق التاريخي يُعْتَبَرون المؤسسين الأوائل للحركة الحقوقية، فقد ساهمت حركتهم الرسالية بصورة أساسية في تكامل الإنسان وتنظيم المجتمعات وصون الحقوق حتى توسعت رقعتها، فشملت مجالات شتى.

المصادر الأولى للحقوق - كما أشرنا آنفاً - هي الكتب السماوية، بيد أن أتباع الديانات والمذاهب والعقائد الوضعية اجتهدوا وأبدعوا في وضع تفاصيل للتشريعات الحقوقية وتفريعاتها، فخرجت في صورة قوانين بعضها شرعية وبعضها الآخر مدنية.

لو نتمعن في سائر القوانين الصادرة... السابقة واللاحقة... الشرعية والوضعية، فإننا نلحظ بجلاء وجود مشتركات كثيرة، وفي ذات الوقت نجد هناك اختلافات... بعضها جوهري، وبعضها الآخر شكلي. هذه المشتركات والاختلافات تكشف في حد ذاتها عن أن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي مدني، ويميل إلى التقارب مع نظرائه في المجتمع الإنساني، وفي الوقت الذي يطمح فيه للمزيد من الحرية، نجده يميل نحو وضع القيود والحدود والرقابة الذاتية والاجتماعية.

 هذا التناقض والاختلاف في الرغبات والميول يعتبر فطرياً في الإنسان، ولكن يزيد لدى بعض الأفراد إلى حد الإفراط، كنزعة الطمع والجشع، والاعتداء على حقوق الآخرين، وينقص لدى البعض الآخر بحد التفريط كالخنوع، والرضوخ لإرادة المعتدين ومنتهكي الحقوق. هذا الإفراط والتفريط بين الناس عادة ما يخلق حالة من التضاد والتصادم التي تؤدي إلى النزاعات، والحروب، وانتهاك الحقوق.

باعتقادي، أن القوانين التي تتحدث عن حقوق الإنسان تدور جميعها حول محور واحد، وهو محور الكرامة الإنسانية، أي عزة الإنسان، وشرفه، وحريته، وحقه في العيش الكريم. إن أقدم وثيقة تحدثت عن حقوق الإنسان صدرت في إنجلترا عام 1215، ثم تلاها الإعلان الأميركي لحقوق الإنسان الصادر عام 1776، وبعدها إعلان الثورة الفرنسية عام 1789، ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية عام 1953، وميثاق منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، واتفاقية المنظمة العربية لحقوق الإنسان عام 1965، والاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان عام 1969. وفي عام 2003 صدر ما يعرف بـ (مبادئ باريس) للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.

وأما ما يخص الموقف الرسمي في البحرين فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فعلى الرغم من تباطؤ وتلكّؤ بعض الدوائر الرسمية في التعاطي مع التوصيات والبرامج، إلا أن هناك تطورا نوعيا وإيجابيا في موقف الحكومة مع مجمل قضايا حقوق الإنسان. ونأمل بعد صدور الأمر الملكي بإنشاء (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان) وفق مبادئ باريس، أن تخطو الدوائر الرسمية خطوات حثيثة نحو ترسيخ هذه المبادئ، كما نأمل أن لا تتعامل مع التوصيات والإرشادات المرفوعة من هذه المؤسسة كما تتعامل حالياً مع تقارير ديوان الرقابة المالية، أي سياسة (التطنيش) وسياسة (عمك أصمخ)؛ لأن في ذلك استمرارا للانتهاكات وإضرارا بسمعة البلاد.

باعتقادي، في مثل هذه الحالات يجب فضح تلك الوزارات والهيئات التي تتلكأ أو التي تمتنع عن التجاوب والتفاعل مع المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.

وفي الوقت الذي نشيد فيه بهذه الخطوة الإيجابية في مجال حقوق الإنسان، فإننا ندعم بقوة الجمعيات والمنظمات الحقوقية الفاعلة والمؤثرة في الساحة، وأما أولئك الأفراد الذين يتحركون تحت يافطات حقوقية، ويستلمون من تحت الطاولة، ويعملون على تشويه سمعة الناشطين الحقوقيين وتضليل الرأي العام والمنظمات الحقوقية الدولية، فإن لنا معهم حديثًا آخر.

 أختم هذا المقال بفقرات من المقابلة التي أجرتها “البلاد” الاثنين الماضي مع عضو الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان سلمان كمال الدين الذي أجاب على سؤال الزميل عارف السماك عما إذا تعرضت الساحة الحقوقية للاختراق، قال كمال الدين: “للأسف ولجهل البعض بهذه الرسالة الإنسانية فلقد وجدنا أن كثيرا ممن اعتلى هذه الموجة يعمل لمصلحته الخاصة ولا ينطق كلمة إلا وهو في طابور الانتظار ليتلقى الأجرة عليها”، وأضاف “أعني تلك الشخوص التي لا تخفى على أحد وفي بعض المنظمات الدولية، وهي تسيء لمملكة البحرين وللمشروع الإصلاحي، وتسهم في تشويه العمل الحقوقي وتعطي انطباعاً سلبياً عن شعب عرف بتضحياته وكرمه بأن ينتصر لوطنه”.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/تشرين الثاني/2009 - 23/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م