بوكا... من سجن إصلاح وتأهيل إلى مركز لتجنيد الانتحاريين

قرار الغلق يلاقي ترحيب شعبي... والقوات العراقية تطالب بتسليم المعتقلين

 

شبكة النبأ: يقع معتقل بوكا على بعد 2 كم من مدينة أم قصر التي تقع على بعد 60 كم غرب محافظة البصرة جنوب العراق وأسماه الأمريكان (بوكا) على اسم إطفائي أمريكي من أصل أسباني قتل أثناء عمله في إطفاء الحرائق عند أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001.

وتقع مدينة البصرة، مركز محافظة البصرة، على مسافة 590 كم على الجنوب من العاصمة بغداد.

بؤرة للإرهاب

قالت مصادر في الشرطة العراقية ومعتقلون سابقون إن معسكر بوكا شكل مرتعا خصبا لتنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة التي تدور في فلكها قبل ان تغلقه السلطات الاميركية في ايلول/سبتمبر الماضي.

ويقول أبو محمد (32 عاما) من الرمادي (110 كلم غرب بغداد) ان معسكر بوكا مدرسة كانت تخرج أعدادا كبيرة من التكفيريين والمتطرفين بطريقة مدبرة ومقصودة وغير عشوائية.

ويضيف الشاب الذي أمضى 26 شهرا في المعسكر ويعمل حاليا باجر يومي ان التكفيريين كانوا يختارون الجهلة وأصحاب السوابق في الجريمة كونهم اللقمة السائغة لهم وبالإمكان إدخال الأفكار المتطرفة إلى عقولهم بسهولة.

وقد شيدت القوات الاميركية معسكر بوكا وسط صحراء قاحلة في اقصى جنوب العراق بعد الاجتياح عام 2003. وامضى حوالى مئة الف معتقل فترات متفاوتة خلال ستة اعوام بحيث بلغت اعدادهم ذروتها مع نحو 22 الفا العام 2007. ولدى اغلاقه في 17 ايلول/سبتمبر الماضي، تم نقل ثمانية الاف معتقل الى معسكري التاجي، شمال بغداد، وكروبر غربها.

من جهته، يكشف الحاج احمد (45 عاما) احد المعتقلين السابقين عن دورات منتظمة داخل قسم المتشددين لتلقين الابرياء الفكر التكفيري المتطرف فيخرجون بعد حقبة من الزمن متطرفين يحللون قتل الجيش والشرطة بوصفهم مرتدين، ويصبح الواحد منهم مفتيا بين ليلة وضحاها.

ويتابع احمد الذي قضى اربع سنوات في بوكا واطلق سراحه نهاية عام 2008، "لقد مارس التكفيريون عملية غسل دماغ للجهلة الذين يسارعون فور خروجهم الى الانضمام للقاعدة ويصبحون قتلة متشددين يفتون بغير علم الامر الذي اثار استغراب الكثيرين.

بدوره، أكد مصدر رفيع المستوى في وزارة الداخلية ان معظم المشتبه بهم الذين اعتقلناهم بعد الهجوم المزدوج في 19 آب/اغسطس الماضي ضد وزارتي المالية والخارجية كانوا معروفين في معسكر بوكا كما ان السيناريو ذاته تكرر في الهجوم الاخير في 25 تشرين الاول/اكتوبر. بحسب فرنس برس.

وتؤكد اوساط امنية ان الانتحاريين اللذين نفذا هجمات آب/اغسطس، ما ادى الى مقتل حوالى مئة شخص، كانا معتقلين في بوكا.

وينطبق الامر ذاته على منفذي هجمات 25 تشرين الاول/اكتوبر على وزارة العدل ومبنى محافظة بغداد ما اسفر عن مقتل 153 شخصا.

بدوره، يكشف مصدر امني عراقي اخر ان عناصر القاعدة الذين كانت تعتقلهم القوات الاميركية يدخلون الى المعتقلات باسماء وهويات مزورة، وعند اطلاق سراحهم تسلم القوات الاميركية ملفاتهم لنا ولم نجد اوامر توقيف صادرة بحقهم بسبب التزوير.

ويضيف بمحض الصدفة، جلب لنا الأميركيون عددا من المعتقلين تريد اطلاق سراحهم وسلمتنا الأسماء للتدقيق فيها ولم نعثر على اي دليل ضدهم، لكننا قمنا بعرض صورهم على بعض المعتقلين الاخرين، فتمكن احدهم من التعرف عليهم وتبين انهم مطلوبون بقضايا قتل وارهاب، لكن هوياتهم مزورة.

ويؤكد وجود العديد من المعتقلين لدى الاميركيين يحملون هويات مزورة بعناوين تختلف عن عناوينهم الحقيقية، الامر الذي يمكنهم من الافلات من العقاب.

المتحدث باسم ادارة المعتقلات الاميركية يقول براد كيمبرلي من جهته قال عدم تلقي اي دليل (من الجانب العراقي) على تورط اي معتقل سابق في هذه الهجمات.

من جهته، يقول ابو محمد (32 عاما) الذي تم اعتقاله بعد الانفجار الذي استهدف مرقد الامام العسكري في سامراء في شباط/فبراير عام 2006 ان التكفيريين يركزون على الشباب الذين تقل اعمارهم عن 24 عاما، فبمجرد وصولهم يرحبون بهم بحرارة ويستفسرون منهم عن سبب اعتقالهم وارتباطاتهم الدينية.

ويضيف بعد ذلك، يباشرون عملية تغيير افكارهم بما فيها اطلاق اللحى وارتداء ملابس خاصة بهم وكيفية التعامل مع عناصر الحكومة خصوصا رجال الشرطة والجيش، لم اكن اتوقع ان اكون هناك حيث يعملون على تغيير توجهات الناس.

بدوره، يرى ابو ياسر (45 عاما) الذي اعتقل بعد تفجير مرقد سامراء ايضا "انهم يعلمونهم (الابرياء) علنا كيف يتعاملون مع الكفار واهمية القضاء عليهم وان نهايتهم ستكون في الجنة".

ويضيف ان الاميركيين مطلعين تماما، بمساعدة كاميراتهم واجهزة التنصت، على عمليات غسيل الدماغ التي يقوم بها عناصر القاعدة. لكن كيمبرلي يؤكد ان مراكز الاعتقال التابعة لنا هي افضل المدارس لمساعدة المحتجزين على النجاح في المجتمع.

ويختم قائلا يتم فصل المحتجزين عن المعتقلين الاكثر تطرفا لاننا لا نريدهم ان يتاثروا بمن يسعون الى شن هجمات ضد الشعب العراقي وقوات التحالف.

اغلاق المعتقل

في سياق متصل رحب عدد من البغداديين باغلاق سجن بوكا من قبل القوات الامريكية وذلك تنفيذا لاتفاقية سحب القوات التي وقعها العراق مع الجانب الامريكي، معتبرينها خطوة كبيرة باتجاه تنفيذ الاتفاقية.

وقال احمد حسين، 44 عاما، معتقل سابق في بوكا من اهالي مدينة الصدر ببغداد إن “بوكا معتقل سيء الصيت والسمعة، وفيها الكثير من المظلومين الذين دخلوا هذا المعتقل ظلما، خصوصا وان حراس السجن من الامريكان يتعاملون مع المعتقلين وكأنهم ارهابيون خطرون، مبيناً ان اغلاقه الى الابد خطوة كبيرة تحسب للحكومة العراقية.

ويروي حسين ما حدث له خلال الاشهر الاربعة التي قضاها في المعتقل العام الماضي لم ارتكب اي جناية او جنحة وانا شخصيا ضد العنف وضد كل اعمال القتل والترويع وضد التفخيخ وقتل الابرياء بوسائل دموية لكن مخبرا سريا ابلغ الامريكان باني اتعاون مع مجاميع مسلحة وبعد اربعة اشهر من التحقيق في بوكا ، اكتشف الامريكان بانني بريئ، ولاعلاقة لي لا من بعيد ولا من قريب باي جماعة مسلحة.

وأضاف حسين انا متزوج ولدي عائلة مكونة من زوجة وولد وثلاثة بنات، ومخلص لبلدي ويهمني استقراره لاني انسان محب للحياة واتطلع الى امن واستقرار يشمل جميع مناطق العراق ليعيش كل العراقيين بامن وسلام، مطالباً الجانب الامريكي بتعويضه عما لحق به من اذى خلال اربعة اشهر ومعاقبة المخبر السري ووضعه في الحبس.

فيما يرى عبد الحسين راضي، 51 عاما، وهو موظف في وزارة التجارة من اهالي حي المشتل جنوب شرقي بغداد ان الاتفاقية الامنية بين العراق وامريكا بدأت تأخذ مسارها الصحيح ولم تترك داع للتشكيك طالما التزم الجانب الامريكي بها، مشيرا الى ان “قرار اغلاق معتقل بوكا قرار يصب بمصلحة البلد عموما خصوصا انه ليس هناك معتقلا في العالم يخلو من المظلومين. بحسب اصوات العراق.

وأضاف نحن مع معاقبة المسيئين وان كانوا عراقيين خصوصا المسلحين والمتشددين الذين يحالون تقويض الامن واستهداف الابرياء العزل وكذلك قوات الجيش والشرطة لكن ليس في معتقلات امريكية بل في معتقلات عراقية خاضعة للمعايير الدولية من حيث حقوق الانسان.

واغلق الجيش الاميركي الخميس (17/9) أكبر معسكر احتجاز تابع له في العراق فيما واصل الافراج عن الاف الاشخاص الذين اعتقلهم منذ عام 2003 أو تسليمهم للسلطات العراقية.

 واتفق على اغلاق معسكر بوكا وهو سجن كبير في صحراء في ام قصر في اقصى جنوب العراق في اطار اتفاقية سحب القوات التي وقعت العام الماضي والتي تلزم القوات الاميركية بانهاء برنامجها الواسع للاحتجاز في العراق.

 وضم بوكا نحو 14 ألف معتقل أغلبهم احتجزوا لشهور أو سنوات دون توجيه اتهامات أو السماح لمحامين بمقابلتهم.

وقال محمود ابو نبيل 48 عاما، صاحب محل تصليح اجهزة دقيقة في حي الصالحية وسط بغداد فرحنا كثيرا باغلاق بوكا، ونتمنى ان تغلق كل السجون التابعة للجانب الامريكي، وتسليم المدانين فعلا الى الجانب العراقي لمقاضاتهم حسب الانظمة والقوانين واللوائح العراقية.

وأضاف ابو نبيل كنا نسمع بروايات رهيبة في السجن وسوء معاملة وتمييز بين معتقل واخر ومعتقلين اعتقلوا ظلما نتيجة وشاية او مجرد شكوك، كما نسمع ايضا عن وجود مجرمين خطرين جدا في هذا المعتقل.

الجيش الامريكي وفي بيان سابق ذكر ان عدد المحتجزين تضاءل قبل اغلاق المعسكر رسميا عندما غادرت طائرة نقل تقل أخر مجموعة تضم 180 محتجزا من بوكا  الى معتقلين اخرين في مطار بغداد و معسكر التاجي.

وتلزم الاتفاقية الامنية التي تدعو أيضا لانسحاب جميع القوات الاميركية من العراق بحلول عام 2012 الولايات المتحدة باطلاق سراح المحتجزين الذي لا يواجهون أوامر اعتقال او احتجاز عراقية.

ومنذ كانون الثاني اطلق سراح 5703 محتجزاً وسلم 1360 الى الحكومة العراقية، وبعد اغلاق معسكر بوكا بقي نحو 8300 في معسكري احتجاز اميركيين بالقرب من بغداد، ولم تحدد الاتفاقية موعدا لانتهاء تسليم السجناء لكن القادة الاميركيين توقعوا أن يتم ذلك في اواخر العام الحالي.

ويرى عمر فاروق، 32 عاما، من اهالي حي العامرية غربي بغداد ان “بوكا من المعتقلات الرهيبة التي تشبه سجن الباستيل في فرنسا قبل سقوطه، وان اغلاقه يشكل خطوة كبيرة ومهمة في تاريخ العراق الحديث، وانعاطفة تستحق الثناء”.

وتمنى فاروق ان تغلق جميع المعتقلات في العراق سواء كانت عائدة للاميركان او للجانب العراقي طالما نعيش في بلد  ديمقراطي وطالما ننشد الامن والسلام.

وعبر ابو غفران السامرائي، 38 عاما، من سكنة حي البياع جنوبي غربي بغداد عن امله باغلاق المعتقلات العائدة للجيش الامريكي وتسليم المعتقلين الى القضاء العراقي.

وقال السامرائي إن باغلاق سجن بوكا تغلق صفحة سوداء وحقبة مظلمة من تاريخ العراق المعاصر، ونتمنى ان يفرج عن كل عراقي اعتقل ظلما، من الجانب الامريكي او العراقي، وتبييض السجون والعمل على بناء بلد ديمقراطي حر ينعم بالامن والاستقرار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/تشرين الثاني/2009 - 21/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م