الأزمة المالية العالمية.. خطّة لعولَمة الاقتصاد وتغيير لأوضاع دولية

تحقيق: سحر حمزة

 

شبكة النبأ: ما زالت الأزمة المالية حديث الساعة وديدن العامة وحديث الصالونات وقضية شائكة فوق كل الإعتبارات وهي المحور الرئيس في كافة المنتديات واللقاءات العامة حول العالم وليس في المنطقة العربية فحسب، الغالبية العظمى تبحث في تداعياتها والنتائج التي ترتبت عليها.

في هذا التحقيق إلتقينا العديد من ممثلي القطاع الخاص والحكومي والخبراء وأساتذة الجامعة الذين تحدثوا بإستفاضة  عن الأزمة وأسبابها وكيفية التعامل معها ومدى تأثر المؤسسات والأفراد بها وأجابوا في آراءهم  ووجهات نظرهم بأن الأزمة المالية ما هي إلا صراعات بين السلطات الرأسمالية وهي إخفاقات في نظام إدارة الأزمات، كما انها عجز في قطاعات هامة مثل المصارف والبورصات..

عولمة الأقتصاد

قالت سلوى ملحس نائب الرئيس التنفيذي لعمليات المزايا القابضة، ان اسباب الأزمة المالية  تعود الى عولمة الاقتصاد، فقد اثبت الاقتصاد العالمي مدى عولمته، جراء هذه الازمة.

وتضيف سلوى، المشكلة التي انطلقت من الولايات المتحدة أظهرت مدى ترابط الاعمال والاقتصادات بعضها ببعض، ولم تبق مؤسسة في كل ارجاء العالم إلا واصبحت سبل الوقاية من هذه الازمة شغلها الشاغل. فكل الاعمال مرتبطة بعضها ببعض بطريقة او بأخرى، وكلها بحاجة الى التمويل كي تستمر.

وقالت في ردها على سؤال لما  بعد  الأزمة، وما هي السبل للخروج منها: اننا اليوم نتابع التقارير والاخبار بصورة واسعة، ونراقب اعمالنا في نفس الوقت، وبين التقارير المتفائلة والاخرى المتشائمة نلمس تقدما في الاعمال وتحسناً في الاسواق بصورة عامة، وقد اجتمعت العديد من العوامل التي بثت الطمأنينة في نفوس المستثمرين والمطورين ومنها دعم الحكومات لبعض الشركات، وضخ السيولة في البنوك التي حركت عجلة التمويل من جديد، والايفاء بالديون، ونتائج العديد من الشركات التي كانت ايجابية خلال الربع الاول من 2009... كلها اسباب حركت الاسواق من جديد بعد حال الجمود التام الذي شهدناه من ديسمبر الماضي حتى اوائل مارس، وكأن المنطقة كانت بحاجة الى جرعات امل لا اكثر لعودة النشاط.

وأكدت ملحس، أن الكل متضرر، سواء شركات كبيرة ام صغيرة، موظفون كبار ام صغار، وفي معظم القطاعات الاقتصادية. فالصرف العمالي اصاب الموظفين الصغار، كما طال ايضا الكبار والاداريين والتنفيذيين على حد سواء. والزعزعة التي اصابت الشركات الصغيرة هزت ايضا الكبيرة منها، لكن كل شركة بنسبة معينة بحسب موقعها في السوق وملائتها المالية ونظافتها من القروض او اعتمادها عليها مضيفة بقولها لذا، ان المسالة لم تكن سهلة على اي طرف من اطراف العملية الاقتصادية، لكن الاهم يبقى هو في كيفية تخطي هذه الازمة والاستفادة منها من اجل ضمان عدم الوقوع في نفس الاخطاء مستقبلا.

تصحيحات لأوضاع

فيما رأى الشيخ عبد الله بن فهيد الشكرة رئيس مجلس إدارة شركة الحنو القابضة في سؤال حول الأسباب التي  أوقعتنا في الأزمة  موضحاً بقوله : أن هناك علاقة طردية بين السببين، فوراء كل أزمة إدارة سيئة، أو أساءت في التعاطي مع ملف معين حتى تحول إلى خطر، وكلما تعاظم خطأ الإدارة تعاظمت معه شدة الأزمات، والعكس بالعكس.

وأوضح الشكرة بأنه بالرغم من الوقوع في الأزمة  فأننا نشهد بوادر جديدة تؤشر بداية لإستقرار السوق العقارية بعد الخطوات الداعمة من الحكومات، والأداء الجيد الذي قدمته في أسواق المال، وعودة ارتفاع أسعار النفط، وارتفاع نتائج العديد من الشركات خلال الربع الأول من العام 2009 حيث جاءت أفضل من التوقعات رغم تراجعها نسبياً عن العام 2008.

واضاف قائلاً، إذا سلَّمنا أن إعادة نهوض القطاع العقاري يتطلب تصحيحات أخرى في مجال سياسة القروض البنكية وشروط التعاقد في البيع والشراء والعودة إلى الواقعية في العوائد الاستثمارية ورفع مستوى الخدمات العقارية وتخفيض رسومها وتقديم التسهيلات والمحفزات للمستثمرين وتصحيح قواعد وشروط التنافس المشروع، فإن كل هذه العوامل تتطلب تضافر الجهود بين كافة القطاعات المعنية الخاصة والحكومية لتسريع بدء مرحلة النهوض في قطاع العقار ثم القطاعات الإقتصادية الأخرى.

وقال ونحن كذلك من أوائل من الداعين الى انشاء صندوق عربي لدعم وتمويل مشاريع القطاع الخاص في الوطن العربي، وضرورة تفعيل برامج تنفيذية بالنسبة الى تطبيق الملتقيات والقمم والمبادرات العربية الاقتصادية بما يكفل تأسيس مستقبلي لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، والقضاء على  المشاكل المتأصلة لقضايا البطالة والفقر والأمن الغذائي العربي.

وقال  حول مَن هو الأكثر تأثراً بالأزمة الموظفون الصغار أم المؤسسات الكبرى، بالطبع فأن المؤسسات الكبرى حتماً، ثم الصغرى، ثم الأصغر، وآخر المتأثرين في هذه الحلقة هم الموظفون الصغار في جميع المؤسسات المذكورة موضحاً مدى تأثير الأزمة المالية العالمية على مؤسساتنا بقوله، في الواقع انقسمت ردّاتُ افعالِ الشركات على موضوع الازمة ضمن الأطر الآتية:

مِن الشركات من قررت ابقاءُ سياستها على ماهي عليه، وهذا مرهون بحجم ونوع الشركة، وثقلها في السوق، ضمن اختصاصاتِها المختلفة مابين العقاري والمالي والصناعي والتجاري والسياحي وغيرها.. مشيراً إلى أن منها من قررت تقليصُ نفقاتها بنسبة كبيرة، وهذا ينطبق على الشركات الضعيفة، او التي انشِئت تحت غطاء معين لممارسة احدى الانشطة الاستثمارية المفتوحة في الدولة، ومنها من ارتأت تقليصُ عدد الموظفين بشكل نسبي، وهو مالجأت اليه شركات كثيرة بينها كبرى، وهذا الاجراء نابع من انها قد وظفت كوادر عمالية من باب الترف لاغير، حيث كانت تستطيع القيام بنفس المستوى من الاداء بكادر اقل، لكنها عدت ذلك من الامور المُعيبة، وغير المتوافقة مع سمعتها داخل السوق، فادى ماقامت به من عمليات التقليص الى ازمة مضاعفة، واسهمت في تأجيج نار الاشاعات بشكل كبير في الاوساط العمالية.

والقسم الأخير راى الاحتفاظَ بالموظفين ولكن مع تقليص رواتبهم، وهو ايضا اجراء لجات اليه شركات كثيرة، لكن التقليص تفاوت فيما بينها بحسب اجتهادات الهيئات الادارية التابعة لها، والملاحظ على عمليات التقليص العمالي والمالي انه لم يشمَل الهيئاتِ والشركاتِ الحكومية، وهذا له انعكاساتٌ ايجابية في جميع الاوساط الإستثمارية في البلاد، ودليل على متانة الاقتصاد، وقدرته في استيعاب مثل هذه الآثار.

وجهة نظر حكومية

ونوّهت مديرة العلاقات الاقتصادية والعامة في دائرة التنمية الاقتصادية في الشارقة نوال عسكر، بأن الإجابة عن ماهية الأزمة تتطلب منا استقراء تاريخ الفكر الاقتصادي من حيث ماهية الدورات الاقتصادية حيث أن الاقتصاد الرأسمالي من ملامحه أن يمر بفترات من الرواج لابد أن يعقبها فترات أخرى من الكساد ثم رواج وهكذا  وهذا شئ طبيعي في طبيعة  النظام الرأسمالي المتعارف عليه؛ و لكن حقيقة الأزمة الحالية ابعد من طبيعية الدورات الاقتصادية للنظام الرأسمالي الأمر الذي يمكن معه القول أن انحراف إدارة النظام الرأسمالي بصورته المالية هو الذي أوقعنا في الأزمة و من ثم تحولت تلك الأزمة من الطبيعة المالية بداية إلي الطبيعة الاقتصادية حاليا وذلك لطبيعة التشابك القطاعي مع رافد القطاع المالي (البنوك) بوصفه شرايين النظام الاقتصادي.  

  وفي رد على سؤال حول  بعد الوقوع في الأزمة، ما السبيل للخروج منها أوضحت عسكر: أنه بعدما تعلمنا من العلوم الإدارية أن بداية حل المشكلة يتطلب منا توصيف تلك المشكلة التوصيف الصحيح الشامل حتى يمكن إدارة بدائل الحل ومن ثم اختيار البديل المناسب ثم متابعة تنفيذه و تقييمه حتى تعديل مسار هذا الحل وتعميم الإيجابي منه واستبعاد الخطأ في التطبيق. وحيث أن تلك الأزمة غير مسبوقة منذ الكساد الكبير فإن برجماتية الحلول من وجهة نظري تتطلب ما هو آت:

تحديد حجم الفجوة والخلل في طريق توصيف المشكلة على ان يكون ذلك تجديدا كميا والبدء بالاستثمار في البنية التحتية بشكل قادر علي استيعاب فائض العمالة و قصور الطلب و استنباط التشريعات المالية المحكمة لانتقاء المناسب من الاستثمار المرغوب تطبيقه وتعزيز دور الدولة الرقابي علي حركة رؤؤس الأموال وكذلك عمليات خلق النقود ومن ثم الإقراض وتبني النظام الاقتصادي لدور الدولة المتدخلة بغرض استعادة آليات النمو والتنمية.

وأوضحت بقولها، عل صعيد السوق المالي هناك ضرورة لتفعيل الاستثمار الحقيقي ورقابة السوق المالي لتخفيف أثار مراكز القوة والتحكم في الأسعار والمضاربات والسماح للشفافية والإفصاح المالي ليلعب الدور الأكبر في تحريك مؤشرات السوق وحركة الأسهم و طبيعة السندات.

وأشارت إلى آليات الخروج من الأزمة المالية بقولها، اعتقد أن الإدارة الحكومية لا سبيل لها سوى التطبيق العلمي و المنطقي لضرورية الخروج من الأزمة فضلا عن ان العالم اليوم قرية صغيرة متشابكة المتغيرات تتاثر وتؤثر بفاعلية ايجابية ان كان السبيل علمي ومنطقي في حين تتحول الي السلبية والمقاومة اليا ان كان منهج الحل هو الا منهج وعشوائية التطبيق التي تسميها علوم الإحصاء الخطوة العشوائية.

رؤية خبراء الاقتصاد

 في  السياق ذاته وجه معتصم الحكيم وهو إقتصادي عربي تساؤل إلى الرؤساء العرب والرئيس أوباما الزعيم الأميركي الجديد للولايات المتحدة الأميركية مفاده "لماذا هذا التعتيم على جوهر الموضوع"، لافتاً بأن الفساد والهدر والإحتيالات بحوالي 47 ألف تريليون دولار على الرهونات العقارية الأميركية ومشتقاتها المالية وراء هذه الأزمة منوهاً أن وكالة "بلومبيرغ" كانت قد كشفتها في نوفمبر الماضي 2008 مشيراً إلى أسباب بدء الأزمة.

وقال مضيفاً، أن أوضاع الإمارات ليست أفضل من الدول الأخرى وان تداعيات الأزمة مستمرة لنهاية العام وقد تكون بمدى أوسع. مضيفاً، علينا أن نتحلى بالصبر ونتقبل الأزمة بصدر رحب, وتقوية الإيمان بأن ما يحصل هو إفراز لما نزرعه من سلوكيات حياتنا وأنماطها التي إبتعدنا فيها عما يدعونا اليه سبحانه وتعالى من الإلتزام بما جاء في كتابه في مختلف نواحي الحياة ومنها الإقتصادية, سيما واننا نخسر سريعاً على أمور لا تكون بحسباننا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/تشرين الثاني/2009 - 18/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م