
شبكة النبأ: لم يعد الصراع بين لبنان
وإسرائيل نزاعاً بين دولتين، فمنذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان التي
دامت خمسة عشر عاماً، لا يزال حزب الله قوياً بما فيه الكفاية لخوض حرب
جديدة رغم ارادة الحكومة ولكن الحزب قدّمَ جنباً إلى جنب مع عملياته
العسكرية خدمات قانونية واجتماعية وسياسية لكثير من اللبنانيين،
وبالتالي فإن حزب الله قادر على إبقاء صراعه مع إسرائيل متّقداً، حتى
الوصول لما يريد من الاهداف.
وكتبَ ماغنوس نوريل، باحث أقدم في وكالة أبحاث الدفاع السويدية
وزميل مشارك في معهد واشنطن. مقالاً حول الموضوع جاء فيه: في الوقت
الذي يرسخ حزب الله من جذوره في الجانب العسكري والسياسي في لبنان،
تعملّ سوريا وإيران معاً على المستويين الإقليمي والدولي من أجل التدخل
في المبادرات المختلفة الرامية إلى تعزيز الحكومة اللبنانية. ويشكل هذا
الوضع إحراجاً للمجتمع الدولي.
وفي ظل التهديدات الموجهة من دمشق وطهران، سمحت الأمم المتحدة،
وكذلك الاتحاد الأوروبي إلى حد ما، بأن يتعرضا للابتزاز. وأفضل مثال
على هذا الاتجاه هو "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" (اليونيفيل)،
الذي أُفترض بأن وجودها في جنوب البلاد قد تم دعمه عند الموافقة على
قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 في وقت قريب من نهاية حرب عام 2006.
وبعد ذلك بفترة وجيزة، أوضحت سوريا أن أي محاولة لمراقبة الحدود
اللبنانية السورية – التي هي المعبر الرئيسي لوصول الأسلحة من إيران
إلى «حزب الله» – ستُعتبر عملاً عدائياً وستواجَه باستخدام القوة
وبإغلاق الحدود.
واضاف ماغنوس، لقد أحدث ذلك التهديد تأثيره المنشود. فحتى قبل أن
يجف الحبر الذي كُتب به قرار مجلس الأمن رقم 1701، أعلنت الأمم المتحدة
أنها لا تنوي تسيير دوريات على الحدود التي كانت قد خُولت للسيطرة
عليها. واليوم، وبعد مرور ثلاث سنوات على صدور قرار مجلس الأمن رقم
1701 الذي وسع من سلطة اليونيفيل وزاد حجمها من 2000 إلى 15000 فرد، لا
تزال هذه القوة غير كاملة. إن التردد، في أخذ موضوع مواجهة المشاكل
الرئيسية في لبنان والدول المجاورة له على محمل الجد، متأصل في الخوف
من أن يؤدي ذلك إلى وضع الأمم المتحدة في صراع مع «حزب الله»، حتى إذا
كان مثل هذا التحرك سيفيد الحكومة اللبنانية.
ويبيّن ماغنوس، في المقابل تمكن «حزب الله» من تعزيز مركزه في جنوب
لبنان، في الوقت الذي تم اتخاذ الحكومة رهينة لعملية "حوار وطني" غير
فعالة. إن «حزب الله» ليس لديه مصلحة في إنهاء هذا الحوار؛ وبدلاً من
ذلك، تضمن المناقشات المستمرة تأجيل مطالبات نزع التسلح إلى أجل غير
مسمى وتسمح للحزب بإبقاء الصراع مع إسرائيل متقداً، مما يعيق من فعالية
حدوث أي انفراجة في المفاوضات العربية الإسرائيلية. ومنذ أن دخلت
الهدنة حيز التنفيذ في آب/أغسطس 2006، تلقى «حزب الله» شحنات منتظمة من
الأسلحة والأعتدة الأخرى من سوريا، وذلك عبر نفس الحدود التي تفادت
الأمم المتحدة بصورة دقيقة عن مراقبتها.
وعلى الرغم من أن الهدف المعلن لسلسلة طويلة من قرارات الأمم
المتحدة السخية، كان تقديم المساعدة للحكومة اللبنانية، إلا أنها لم
تصبح في النهاية أكثر من مجرد ثرثرة كلامية. والحقيقة المرة هي أنه
عندما تواجه الأمم المتحدة احتمال نشوب صراع قد لا يمكن حله عن طريق
الحوار وحده، فإنها تختار الرضوخ إلى [السياسات] التي تهدد باستخدام
القوة. وبالنسبة للبنان، يصل هذا الأمر إلى حد المأساة. فالبلاد ليس
لديها أي فرصة لتعزيز هيكلها الديمقراطي الضعيف إذا تم السماح لـ «حزب
الله» بالبقاء بصورة دولة ضمن دولة، مدعوماً بالميليشيا الخاصة به.
التداعيات على لبنان
ويستذكر ماغنوس، لا تزال آثار الانهيار السياسي الذي أعقب حرب عام
2006 قائمة في لبنان. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2006، علّق «حزب الله»
مشاركته في الحكومة اللبنانية، مما أصاب حكومة رئيس الوزراء فؤاد
السنيورة بالشلل. وعلى نحو متزامن، نصب الحزب معسكر خيام في وسط بيروت،
مما أدى إلى حدوث توقف تام في الحركة التجارية المعتادة. وبعد ذلك فرض
«حزب الله» ومؤيدوه حصاراً على البرلمان ومقر رئيس الوزراء، مما أدى
إلى إضعاف الدولة على نحو أكبر. ورغم تلك الأفعال، واصلت حكومة
السنيورة عملها، ولكن بدون مشاركة وزراء من الشيعة.
ويستطرد ماغنوس، في ربيع عام 2008، تفاقمت الأزمة عندما طالبت
الحكومة اللبنانية بإجراء تحقيق حول الكاميرات الأمنية [التي نصبها] «حزب
الله» في مطار بيروت وحول شبكة اتصالاته السلكية واللاسلكية المستقلة.
وقد تحولت التوترات إلى اندلاع أعمال عنف في أيار/مايو من ذلك العام،
عندما استولى «حزب الله» على غرب بيروت بالقوة المسلحة. وقد توصلتا
الحكومة والمعارضة إلى اتفاق في الدوحة، لنزع فتيل الأزمة، وتشكلت
حكومة ائتلافية شملت مرة أخرى وزراء من «حزب الله». وفي الواقع، عزز
اتفاق الدوحة من موقف «حزب الله» في الحكومة، حيث زود المعارضة بـ «الثلث
المعطل» من الوزراء ومنح «حزب الله» بصفة أساسية صلاحية استخدام الفيتو
ضد جميع القرارات الحكومية.
وقد سمح التأثير الواضح بشكل متزايد لـ «حزب الله» الذي يتمتع بنفوذ
"صانع الملوك" في السياسة اللبنانية، إلى تأكيد مطالبه من أجل إقامة
مجتمع أكثر التزاماً بالإسلام وحرب دائمة ضد إسرائيل. ويعتمد نجاحه حتى
الآن على اعتماد استراتيجية التكيف مع الهيكل السياسي المحلي، في الوقت
الذي يحتفظ فيه على أهدافه الإقليمية طويلة الأجل.
التداعيات على سوريا
ويوضح ماغنوس، منحت حرب عام 2006 الرئيس السوري بشار الأسد فرصة
لإظهار دولته كقوة إقليمية رائدة في الصراع الاستراتيجي الأوسع نطاقاً
ضد إسرائيل. وبطبيعة الحال، لم يكن ذلك شيئاً جديداً: حيث يعود هذا
الخطاب إلى تأسيس إسرائيل في عام 1948. ورغم ذلك، بثت حرب عام 2006
حيوية جديدة في هذا الخطاب وأتاحت للرئيس الأسد الإدعاء بأن انتصار «حزب
الله» كان بداية جديدة على الطريق نحو النصر الكامل وتدمير إسرائيل.
وبذلك، كان بوسع دمشق المطالبة بالحصول على تأثير أكبر في العمليات
السياسية الأوسع نطاقاً التي بدأت نتيجة الحرب.
وقد أكدت الأزمات السياسية المتكررة في لبنان على أهمية البلاد في
تسهيل دور سوريا كلاعب إقليمي. فالنظام في دمشق يتمكن من التأثير على
الوضع في المنطقة عن طريق لبنان، وباستطاعته تقويض أي اتفاق سلام مع
إسرائيل إذا كان لا يرضي أيضاً مطلب سوريا باسترداد مرتفعات الجولان.
وعلاوة على ذلك، فمن خلال كون الأراضي السورية محطة لوصول جميع الدعم
الإيراني لـ «حزب الله»، تتمتع سوريا بسيطرة كبيرة على قدرة كل من
إيران و«حزب الله» على العمل. ويتيح هذا الوضع لدمشق الحفاظ على
خياراتها مفتوحة في حالة [قيام] مفاوضات جديدة ومباشرة مع إسرائيل. لقد
اعتبر النظام السوري بأن نتيجة حرب عام 2006 كانت تأكيداً على نجاح
نهجه السياسي.
التداعيات على إيران
ويتابع الكاتب، أظهرت إيران أنها "ترغب" في تزويد «حزب الله» وغيره
من الجهات الفاعلة من غير الدول بمواد متطورة للغاية. ومن أمثلة ذلك
صاروخ C-802 الصيني الذي أُستخدم في إغراق شبه تام لسفينة إسرائيلية في
تموز/يوليو 2006، وكذلك الصواريخ والقذائف الأكثر تقدماً الذي زود بها
«حزب الله» حركة «حماس» خلال الهدنة التي دامت ستة أشهر مع إسرائيل. إن
الدعم الإيراني واضح في جميع أنحاء لبنان، حيث يوجد لكل وزارة ودائرة
إيرانية مكتب فرعي في بيروت. وبالإضافة إلى ذلك، تعمل العديد من
المؤسسات - التي تمولها طهران بشكل مستقل - بعيداً عن السيطرة الحكومية
اللبنانية المباشرة، مثل "الهلال الأحمر الإيراني" و "لجنة آية الله
خامنئي"، التي تركز على التعليم والدعاية، و "العالم"، وهي محطة
تليفزيونية ناطقة باللغة العربية أسستها طهران في عام 2004 ويوجد لها
مكاتب مجاورة للسفارة الإيرانية في بيروت. وتصل هذه المصالح الإيرانية
في لبنان إلى ما هو أبعد من كونها مجرد عوامل عسكرية بحتة أو خطاب
معادي لإسرائيل. فالدعم المالي الذي تقدمه طهران للعديد من المؤسسات
الاجتماعية والخيرية اللبنانية كان له أثر كبير على شعبية «حزب الله».
ويستنتج الكاتب ، لقد أنجزت طهران بصورة جزئية العديد من أهدافها
الإقليمية. وفي حين فقد جيران إيران العرب تأثيرهم الإقليمي والدولي،
ازداد نفوذ إيران، مما يجعل من المستحيل من الناحية العملية تجاهل
الرغبات الإيرانية عند صياغة السياسات الإقليمية. ومن خلال مكانة إيران
كمراقبة خاصة في اجتماعات "مجلس التعاون الخليجي" فضلاً عن الواقع
العملي بأن إدارة الرئيس الأمريكي أوباما كانت قد أعلنت عن استعدادها
للدخول معها في حوار، أصبحت إيران القوة العظمى الإقليمية الوحيدة في
الشرق الأوسط. لقد وسعت الجمهورية الإسلامية بشكل كبير من نفوذها، ليس
في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية فحسب، ولكن في أفغانستان أيضاً.
فقد طورت تحالفاً وثيقاً مع سوريا لضمان بقاء الصراع مع إسرائيل
متقداً، ولكي يكون مصير أي مبادرات جادة لإحلال السلام في المستقبل
المنظور هو الفشل.
ويختم ماغنوس مقاله بنتيجة مفادها، في ضوء الصراع العربي
الإسرائيلي الأوسع نطاقاً، يُنظر إلى الحرب في لبنان بأنها مجرد أحد
الصراعات التي لم تنتهي في الشرق الأوسط. لكن حرب عام 2006 أوضحت نقطة
هامة وهي: أن الصراع لا يتعلق بصفة أساسية بالاحتلال أو المستوطنات
الإسرائيلية، بالرغم من الواضح أهمية هذه العوامل. لقد هاجم «حزب الله»
إسرائيل مثلما فعل في مناسبات عديدة منذ عام 2000 لأنه لم يستطع أن
يتصور مستقبلاً تكون فيه إسرائيل في الوجود. ويدور الصراع حول محاولات
«حزب الله» النشطة للحيلولة دون قبول أي شكل من أشكال عملية السلام
التي يُحتمل أن تنتهي باتفاق طويل الأجل مع إسرائيل.
إن لهذه النقطة أهمية إقليمية أيضاً. فإسرائيل و«حزب الله» لم تكونا
الطرفان الوحيدان اللذان تصادما في صيف عام 2006. فقد كان هناك فاعلون
إقليميون نشطون أيضاً، مثل إيران وسوريا والمملكة العربية السعودية -
التي يهيمن عليها السنة - ومصر. وفي هذا الصدد، تعمقت التوترات التي
تقوم بتفتيت المنطقة اليوم – كتلك القائمة بين السنة والشيعة، والعرب
والإسرائيليين، والإسلاميين والمعتدلين، ناهيك عن المجتمعات الطائفية
في لبنان.
ويؤكد ماغنوس، هنا تكمن إحدى عواقب الحرب الأكثر مأساوية: فـ «حزب
الله» لا يزال يدعي أن حرب عام 2006 كانت نصراً للكفاح المسلح. وفي
الواقع، تمثل الحرب انتصاراً للإعتقاد القائم بأنه ليست هناك حاجة
لتقديم تنازلات أو الانخراط في عمليات سياسية معقدة تسفر عن نتائج غير
مؤكدة، من أجل الحصول على النتائج [المنشودة]. إن الأمر الذي يحقق
فائدة مماثلة، وربما أفضل، هو هزيمة إسرائيل في ساحة المعركة وإرغامها
على تقديم تنازلات. إذا كان هناك عدد كاف من الفاعلين العرب الآخرين
الذين يتبنون هذا التحليل المُدمر للحرب، فسوف يتم وضع أساس لسلسلة
جديدة من التصعيدات المسلحة والحروب الضيقة النطاق التي قد تستمر
لسنوات عديدة قادمة. |