نستورد الأمن من أفريقيا

محمد علي جواد تقي

بعد أن بات وجود العمال الأجانب في العراق، أمراً مألوفاً لا يثير الغيرة الوطنية والحرص على سلامة اقتصاد البلد، علينا أن نسمع في المستقبل عن شركات خاصة تصدر للعراق أفراد الحماية الخاصة لأشخاص أو أماكن مختلفة، وكما شهدنا انتشار العمال الآسيويين عند أبواب بعض الفنادق والمطاعم، بداعي تقاضيهم رواتب يفضلها صاحب العمل، فاننا أمام أفراد مدربين على توفير الأمن وبأجور لا تشبه أجور نظرائهم من الامريكان والغربيين (المدللين)، والسبب إن هؤلاء قادمون من دولة أوغندا الكائنة في قلب القارة الافريقية..

ربما لا نشهد تكرار جرائم وتجاوزات شركة (بلاك ووتر) الامريكية وتصرفات أفرادها الشنيعة والدموية، لأن شركة (تايت ووتر) التي أسسها العسكري الأوغندي موسيس ماتسيكو، تفكر في توفير فرصة عمل للبائسين من العاطلين عن العمل في الديار الافريقية وأولئك المزارعين الذين اقترنت حالتهم بحال الكثير مزارعي العالم ومنهم طبعاً مزارعينا المضطهدين، لذا يمكن القول بان البيئة الأوغندية وعموم البلاد الافريقية لا تحمل بذرة العنف والقساوة والغلظة التي تحملها معظم الولايات المتحدة الامريكية، حيث بات من المعروف ان معظم المنتسبين الى الشرطة الداخلية هم من رعاة البقر والثيران، أما الجنود فمعظمهم ممن خرجتهم الشوارع والعصابات المسلحة، وبالنتجية ربما يزول الانطباع السيئ الذي تركته شركة (بلاك ووتر) من أثار الجريمة النكراء في ساحة النسور ببغداد.

في كل الأحوال، فاننا كشعب والعراق كبلد، يبقى مفتوحاً بحضارته وجذوره التاريخية والاجتماعية لكل قادم يبغي المشاركة في بناء الحياة وليس الدعوة الى العنف والموت.. فلا نجد مشكلة في وجود الجنود الأوغنديون الذين شاركوا القوات الامريكية في علمياتها العسكرية منذ الاطاحة بنظام صدام عام 2003، وكانت فرصة لتوفير وظائف وعوائد مالية للأسر الأوغندية، وذلك لفترة زمنية محددة، فالمشكلة  ليست عند هؤلاء أو غيرهم من القادمين من وراء المحيطات والقارات ، إنما المشكلة العويصة فينا عندما نعد دائماً المشكلة الأمنية هي الأولى والأكثر إلحاحاً في استحقاقات المراحل كلها، ولا يعترض أحد على إنفاق مليارات الدنانير على الأمن بمختلف فروعه وأقسامه، لكن لا نجد من يطالب بان تتوجه هذه المليارات التي ربما تكون بالعملة الصعبة، الى بناء ثقافة أمنية جماهيرية، أو حتى تعزيز كفاءات وقدرات الاجهزة الأمنية العراقية..

جاء في تقرير لمحطة (سي – أن – أن) الامريكية إن أحد المدربين في قطاع الحماية الشخصية دخل العراق لفترة من الزمن وكان من المعدمين في قريته بأوغندا، لكنه عاد وقد تمكن من شراء قطعة أرض وعدد من الماشية..! ولاشك إن الأموال التي حصلها هذا الشخص الزائر هي جزء من ثروة هذا الشعب، حتى وإن كانت قليلة قياساً بما اغترفه الامريكان وغيرهم خلال السنوات الماضية، وهي التي يفترض أن تذهب أولاً الى توفير الحياة الطيبة والكريمة لابناء هذا الشعب، لا أن تتحول الى ثقافة الرعب والخوف..

ويالها من مفارقة..! فالعراق الذي لم يعرف تاريخه يوماً، أنه كان مصدراً للرعب والخوف وتهديد أمن الجوار، يشعر اليوم انه مسكوناً بالرعب والخوف وعليه أن يستورد هذا الأمن من أي مكان، ولا بأس بالمناشئ الافريقية ذات الاسعار المنخفضة ، كما هو الحال مع الصين التي تتربع حالياً على عرش السوق العراقية للسلع الاستهلاكية المتنوعة، وأيضاً هو حال المواد الغذائية والانشائية وغيرها.. فهل حقاً بات الأمن سلعة نستوردها من الخارج كما هو حال سائر السلع الاستهلاكية؟ وهل حقاً إن الأمن هو الآخر نعجز عن صناعته وابتكاره في واقعنا الاجتماعي؟

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/تشرين الثاني/2009 - 15/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م