المانيا الموحَّدة.. شريك أوربي آمن ينتظر الإفلات من الفلك الامريكي

شبكة النبأ: بعد توحيدها للمرة الاولى عام 1871 رأت ألمانيا نفسها محاطة بالاعداء الذين شنت ضدهم حربين عالميتين في القرن العشرين.

واليوم تحاط ألمانيا التي أعيد توحيدها بالاصدقاء الذين هم أعضاء معها في الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي ويتلاشى الشعور بالارتياب شيئا فشيئا بسبب الدبلوماسية التصالحية والتكامل الاقتصادي.

وما زالت الشكوك في القوة والنوايا الالمانية تشوب السياسة في بولندا وجمهورية التشيك بعد 20 عاما من سقوط حائط برلين غير أن معظم الجيران ينظرون الى ألمانيا الجديدة على انها شريك غير خطر ويمكن الاعتماد عليه.

واسترجع زعماء قوميون محافظون في وارسو وبراج شكاوى تاريخية من الالمان في سلوكهم خلال مفاوضات الانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي وهو ما فعله التشيك الشيوعيون ايضا لكن هذه المخاوف لا تلقى صدى يذكر بين الجيل الاصغر سنا.

وفي احدث واقعة من هذا النوع طالب الرئيس التشيكي فاتسلاف كلاوس بضمانات بالا تقوض معاهدة لشبونة التي وضعها الاتحاد الاوروبي مراسيم عام 1945 التي تقضي بتجريد ذوي الاصول الالمانية والمجرية الذين صودرت ملكياتهم كشرط لتوقيع الوثيقة. بحسب رويترز.

وأظهر استطلاع للرأي أن 65 في المئة من التشيك يدعمون كلاوس في هذه القضية. وكتب المحلل التشيكي بوهوميل دويلزال يقول "الناس يخشون مطالبات المان السوديت بالعقارات. في اعماقهم يشعرون أن تبرير المصادرات اليوم يمكن أن يمثل مشكلة."

وخلال مفاوضات المعاهدة عام 2007 أشار رئيس الوزراء انذاك ياروسلاف كاتزينسكي الى أنه يجب منح بلاده مزيدا من قوة التصويت في الاتحاد الاوروبي تعويضا عن ملايين البولنديين الذين قتلهم النازيون في الحرب العالمية الثانية.

وقال كاتزينسكي الذي لا يزال شقيقه التوأم ليش رئيسا لبولندا لصحيفة دي فيلت الالمانية "انا مندهش جدا من وجهة نظر بعض الناس القائلة بأنه لا يمكن العودة الى مسائل التاريخ." وأضاف "اليهود ايضا يرجعون الى هذه المسألة مسألة محارق النازي. هل يعني هذا أن الاخرين قد يفعلون هذا لكن ليس بولندا؟"

ويرى كثير من المحللين في سعي دول وسط اوروبا من اجل تعاون عسكري وثيق مع الولايات المتخدة ودعمها لغزو العراق الذي جرى عام 2003 مسعى للحماية من ألمانيا التي نشطت من جديد فضلا عن الحماية من روسيا.

ميركل تشكر الولايات المتحدة لمساهمتها في اسقاط جدار برلين

ووجهت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل الشكر الحار الى الولايات المتحدة لمساهمتها الاساسية في اسقاط جدار برلين قبل عشرين عاما، ودعت في الوقت نفسه في خطابها امام الكونغرس الى التعبئة لمواجهة التغير المناخي.

وميركل هي اول زعيمة المانية تلقي خطابا امام الكونغرس الاميركي منذ المستشار كونراد اديناور عام 1957. وقد حرصت في كلمتها على توجيه تحية خاصة الى الرؤساء السابقين جون كيندي ورونالد ريغان وجورج بوش الاب على مساهماتهم التي ادت في النهاية الى انهاء تقسيم المانيا.

وقالت ميركل "اعلم انا والالمان مدى امتناننا لكم ايها الاصدقاء الاميركيون. لن ننسى ابدا، وانا شخصيا لن انسى ابدا". وتطرقت ميركل، التي شبت في المانيا الشرقية، الى "الحلم الاميركي" الذي قالت انه كان حلمها عندما كانت تعيش وراء الستار الحديدي.

واضافت ميركل التي قوطع خطابها مرارا بالتصفيق "على الجيل الحالي ان يثبت اليوم انه قادر على الرد على تحديات القرن الحادي والعشرين واننا قادرون على اسقاط جدران اليوم". وشددت على ضرورة التعبئة في مواجهات الاخطار الجيوسياسية موجهة تحذيرا الى النظام الايراني الذي يجري حاليا مفاوضات شاقة مع الدول الكبرى بشأن ملفه النووي. بحسب رويترز.

وقالت ميركل "ان ايران تعلم مضمون العرض الذي قدمناه، وتعرف ايضا اين سنتوقف" في اشارة الى مماطلة ايران في الرد على الاقتراح بشان تخصيب اليورانيوم. واضافت المستشارة الالمانية "ان وقوع قنبلة نووية في أيدي رئيس ايراني ينكر حصول المحرقة، ويهدد اسرائيل وينكر وجودها، هو امر غير مقبول".

حول الملف الاقتصادي لاحظت ميركل انه "اذا كان هناك من درس لا بد من استخلاصه من الازمة المالية العام الماضي فهي ان الاقتصاد المعولم في حاجة الى نظام عالمي يدعمه والى مجموعة من القواعد العالمية".

وحتى في كلامها عن التغير المناخي استخدمت ميركل تعبير الجدران عندما تكلمت "عن الجدار الذي يبدو انه يفصل بين الحاضر والمستقبل ويمنعنا من القيام بالشىء الملح للحفاظ على اسس حياتنا ومناخنا". وتابعت "نعلم جميعا انه ليس لدينا وقت نضيعه".

وفي اطار الاستعداد لمؤتمر كوبنهاغن حول المناخ المقرر في كانون الاول/دسبمر اعتبرت ميركل انه من الممكن اقناع الهند والصين بالانضمام الى عملية مكافحة التغير المناخي في حال وافق الاوروبيون والاميركيون على ان يكونوا القدوة في هذا المجال.

ووجهت المستشارة الالمانية تحية حارة الى ضحايا المحرقة من اليهود خلال الحكم النازي واعتبرت المحرقة التي ذهب ضحيتها ملايين اليهود خلال الحرب العالمية الثانية على ايدي الحكم النازي "خروجا عن الحضارة".

وفي اشارة الى الذكرى الستين لاعتماد الدستور الالماني العام 1949، اعتبرت ميركل ان هذا النص "جاء ردا على كارثة الحرب العالمية الثانية، وعلى مقتل ستة ملايين يهودي، وعلى الحقد والدمار، وعلى ما تسببت به المانيا لاوروبا وبقية العالم".

اوباما يشيد بميركل كقائدة استثنائية

من جانبه اشاد الرئيس الاميركي باراك اوباما بالمانيا الحليفة "القوية" لبلاده، وذلك اثناء استقباله في البيت الابيض المستشارة الالمانية انغيلا ميركل التي وصفها بانها "زعيمة استثنائية".

ووصلت ميركل مؤخرا الى واشنطن في زيارة رسمية ألقت خلالها كلمة امام الكونغرس  وهي خطوة تكريمية لا يحظى بها سوى كبار حلفاء الولايات المتحدة.

وقالت المستشارة الالمانية قبيل بدء لقائها مع اوباما ان خطابها امام الكونغرس سيشكل فرصة لها للتعبير عن امتنان الالمان للشعب الاميركي نظير الدعم الذي قدمه لعملية اعادة توحيد المانيا بعيد سقوط جدار برلين قبل عشرين عاما.

واضافت ميركل في تصريح صحافي مقتضب ادلت به في المكتب البيضوي في البيت الابيض وهي تقف الى جانب اوباما "اسمحوا لي بان اقول لكم اننا كألمان لن ننسى هذا ابدا". واعطى الزعيمان اشارة الى المواضيع التي سيتطرقان اليها وهي افغانستان والتغير المناخي والملف النووي الايراني والازمة الاقتصادية العالمية.

الا ان اوباما وميركل ركزا امام الصحافيين على اهمية العلاقة بين البلدين ورمزية الخطاب الذي ستلقيه ميركل امام الكونغرس والذي يتزامن مع الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين. واشاد اوباما بميركل وهنأها باعادة انتخابها.

وحول المسائل الاقتصادية والانتشار النووي قال اوباما "لقد وجدت دائما في السيدة ميركل الشخص المتأني الديناميكي الذي يملك نظرة حازمة الى المستقبل". وعن العلاقات بين المانيا والولايات المتحدة قال اوباما انها تعتبر "الركيزة الاساسية للعلاقات بين ضفتي الاطلسي".

الحلف الاطلسي سيبحث سحب القنابل الذرية الاميركية من المانيا

من جهة اخرى اعرب الامين العام للحلف الاطلسي اندرس فوغ راسموسن عن الامل باتخاذ قرار سحب اخر القنابل الذرية الاميركية من الاراضي الالمانية في اطار اطلسي متعدد الاطراف وليس من طرف واحد.

وقال راسموسن في حضور وزير الخارجية الالماني الجديد غيدو فسترفيلي الذي يدعو الى ازالة السلاح النووي بشكل تام من بلاده، "من الطبيعي ان تجرى محادثات سياسية ومناقشة علنية حول استراتيجيتنا النووية".

وشدد الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي ينتمي اليه فسترفيلي على ان يدرج هذا التدبير في برنامج الحكومة الائتلافية التي شكلها مع المسيحيين الديموقراطيين بزعامة المستشارة انغيلا ميركل.

لكن راسموسن اضاف "من المهم ان يندرج اي قرار في هذا الخصوص في اطار متعدد الاطراف". بمعنى اخر ان تجري مناقشته خصوصا داخل مجموعة الخطط النووية للحلف الاطلسي، الهيئة المختصة بالمسائل النووية منذ سنوات الحرب الباردة والتي تغيب عنها فرنسا فقط. بحسب رويترز.

وشدد الامين العام للحلف الاطلسي على "وجوب عدم اتخاذ اي قرار احادي الجانب" بخصوص سحب هذه الاسلحة. واضاف راسموسن "لاحظت بارتياح ان موقف الحكومة الالمانية الجديدة هو ان ذلك ينبغي ان يقر في اطار متعدد الاطراف".

وبحسب احد الخبراء فان 18 رأسا نووية اميركية لا تزال مخزنة في بوشل في رينانيا-بالاتينا (جنوب غرب) بعد سحب 130 قنبلة ذرية من قاعدة رامشتاين الجوية الواقعة في المقاطعة نفسها في العام 2004.

الحكومة الالمانية الجديدة تعد بخفض الضرائب

وقدمت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل وحلفاؤها الجدد الليبراليون برنامج حكومتهم القاضي بخفض الضرائب ب24 مليار يورو رغم العجز في الموازنة الناجم عن اسوأ ازمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ خمسين عاما.

وقالت ميركل خلال مؤتمر صحافي مشترك مع زعيم الليبراليين غويدو فيسترفل الذي سيتولى حقيبة الخارجية ان الحكومة التي ستؤدي اليمين الاربعاء "ستخفض الضرائب عن الاسر وستعمد الى اصلاح الضريبة المفروضة على المؤسسات والارث". وذكرت ميركل ان خفض الضرائب سيطبق اعتبارا من الاول من كانون الثاني/يناير 2010.

من جهته، قال فيسترفل انه سيتم في مرحلة لاحقة اصلاح النظام الضريبي في المانيا، الذي يعد الاكثر تعقيدا في العالم، اعتبارا من 2011 "لتبسيطه ليصبح اكثر عدلا".

وبحسب برنامج الحكومة للسنوات الاربع المقبلة سيتم خفض الضرائب المفروضة على الاسر والمؤسسات الالمانية حتى نهاية 2013 ب24 مليار يورو.

وفي موازاة ذلك، سيساهم اصلاح تمويل النظام الصحي في زيادة حصة الاشخاص المشمولين بالتأمين الذين يتحملون وحدهم زيادة كلفة العلاج الطبي المرتبط بارتفاع المعدل العمري في حين تبقى حصة ارباب العمل على حالها. ولم توضح ميركل وحلفاؤها تمويل التدابير الضريبية في وقت افرغت فيه الازمة المالية صناديق الدولة.

وقال فيسترفل ان "الاقتصاد" اولا في عمل مؤسسات الدولة و"النمو" المقبل سيعوضان تراجع قيمة الضرائب. وقالت ميركل "علينا اولا تشجيع الوظيفة" مذكرة بان "خفض عدد العاطلين عن العمل ب100 الف يعني توفير ملياري يورو".

ويزيد الدين العام الالماني على 1500 مليار يورو اي نحو 20 الف يورو عن كل فرد، وتنفق المانيا فوائد على دينها تقدر بعشرات المليارات من اليورو سنويا.

وقالت ميركل ان ولفغانغ شويبل من الاتحاد المسيحي الديموقراطي سيكون وزير المالية المقبل. وستلقى على عاتقه مهمة خفض العجز عبر الحرص على "الا تتجاوز النفقات اجمالي الناتج الداخلي". وعلى اجمالي الناتج الداخلي ان يخفض هذه السنة بنسبة 5% بحسب توقعات الحكومة التي تراهن على عودة النمو في 2010 بمعدل 1,2%.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 11/تشرين الثاني/2009 - 12/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م