أسباب نشوء النزاعات وطرق معالجتها

احمد جويد/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

يشهد عالم اليوم العديد من الأزمات والمشاكل التي تحدث بين الجماعات والتيارات والمجتمعات والدول من حين إلى آخر، وأعقدها هو ما موجود بين الجماعات والدول والشعوب الإسلامية سواء كانت المتجاورة منها أم المتباعدة جغرافياً، وقد تسببت تلك الخلافات والأزمات في بعض الأحيان بوجود صراعات دامية بينها وبنزاعات سياسية مستمرة.

 وفي أغلب الأزمات لم تستطع مختلف هذه الجهات أن تجد لنفسها الحلول المناسبة النابعة من روح الإسلام والمعتمدة على الفهم الحقيقي لأحكام التشريع السمحاء، وبالتالي فإنها تلجأ إلى دول أخرى خارجية لتضع خلافاتها وخصوماتها أمامها تارة، أو لحمل السلاح ضد بعضها البعض تارة أخرى.

 فهل أن الأمة الإسلامية قد خلت من العقلاء والحكماء والمفكرين حتى يصل الأمر بها اللجوء إلى الآخرين لإيجاد الحلول لأزماتهم؟ أم أن الحلول التي تأتي من الآخر هي فقط التي تساهم في حل المشاكل والنزاعات بين المجتمعات والدول الإسلامية؟.

 لا شك أن من يريد الوصول إلى الحلول اللازمة سوف لن يجد صعوبة لإيجادها إذا توفرت النوايا الصادقة والجهود المخلصة لدى من يبحث عن إيجاد الحل فعلاً وبصيغ ذات طابع إنساني وشرعي بعيداً عن الأهواء والمزاجات والمصالح الضيقة، ولعلنا اليوم لا نجد صعوبة كبيرة في البحث عن مثل هؤلاء المفكرين الذين أثروا المكتبات والساحات العلمية والفكرية بأفكارهم بكتبهم ومحاضراتهم معتمدين على تشريع السماء والعقل لصياغة تلك المناهج، ومن أبرز هؤلاء الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله الذي أكد على أن العلاج للازمات نابع من روح التشريع السماوي وموافق لما يقتضيه العقل والمنطق ومراعي لمصلحة المجتمعات والشعوب بأساليب تتواكب مع متطلبات العصر والحداثة.

 وبتسليطه الامام الشيرازي الضوء على الأزمات فإنه يقوم أولاً بتشخيص الأسباب ومن ثم يضع الحلول والمعالجات التي تتناسب معها، فقد أورد في كتابه (لكيلا تتنازعوا) جملة من الأسباب التي أدت إلى ضعف المجتمعات والشعوب الإسلامية والتي هيأت المناخات المناسبة للعديد من النزاعات ومن أهم تلك الأسباب التي أوردها:-

أولاً: تفرق الكلمة، رغم اعتقاد الشعوب الإسلامية بالقرآن كدستور سماوي يتناسب مع كل زمان ومكان والذي ينص على وحدة الكلمة بين شعوب الأمة المسلمة كما جاء في قوله تعالى(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)(103)آل عمران، إلا أننا نجد تلك الشعوب قد تركت حبل الله المتين وتفرقت كلمتها ومواقفها تجاه قضاياها المصيرية الأمر الذي أعطى الفرصة للمستعمر والعدو أن يستغل تلك التفرقة ليفتت نسيج الأمة ويسيطر على مقدراتها بكل سهولة ويبث في جسدها أنواع المشاكل والنزاعات.

ثانياً: الاستبداد بالرأي، الاستبداد هو مرض يصيب الحكام والمتسلطين على رقاب الناس في العادة، فهو يصيب أصحاب السلطة والقرار سواء كانت السلطة سياسية أو دينية، فليس السياسيون وحدهم من يصيبهم هذا المرض، بل إنه أيضا يصل إلى أصحاب القرار الديني الذين يبتعدون عن الاستشارة والمشورة والأخذ بالنصيحة، على خلاف ما يأمر به الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم(وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)(38) الشورى، ففي العديد من المناسبات يؤكد الإمام الشيرازي على أهمة الشورى في اتخاذ القرارات لأن الاستبداد بالرأي لا يخلو من مفسدة وهو سبب مهم من الأسباب التي تؤدي إلى النزاع والتناحر داخل الأمة.

ثالثاً: آفة الجهل، وهي من وأكبر الأسباب التي تهيئ لحصول النزاعات بصورة دائمة وتأثيرها يبدأ من النزاع الأسري ويمتد إلى النزاع الدولي، ومع إن ديننا الحنيف أكد على أهمية العلم والمعرفة إلا أننا نجد النسبة الأكبر من الأمية وتفشي الجهل داخل الشعوب الإسلامية، والمجتمع الأمي يعدّ بيئة صالحة لنشر الإشاعة والترويج لها دون التأكد من صحتها، وفي أغلب الأحيان تكون الإشاعة مدعاة للخلافات ومصدر كبير لحصول النزاعات.

رابعاً: تسقيط الآخر، الحال السائد بين الشعوب الإسلامية هو عدم الاكتراث بالتنافس الايجابي الذي يعدّ حافزاً مهماً للبناء والرقي والتقدم، بينما تولي تلك الشعوب أهمية كبيرة لتسقيط بعضها البعض من خلال أساليب التشهير والتلفيق وغيرها من الطرق الشائعة في مجتمعاتنا الإسلامية بهدف التقليل من شأن الآخر الأمر الذي يضعف جسد الأمة ويجعلها عرضة للتنازع والله سبحانه وتعالى يقول(وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)(46) الأنفال.

خامساً: البناء على الظن، يشيع في بلداننا ومجتمعاتنا الإسلامية حالة من عدم التروي في إصدار الأحكام والمواقف، فبمجرد السماع تعتمد المواقف دون التأكد من نوع المعلومة أو صحتها والله سبحانه يقول (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)(36) الإسراء، وضرب لنا الإمام الشيرازي العديد من الأمثلة التي أوصلت الأمة إلى حالة من التشاحن والتباغض بين المسلمين مجتمعات ودول، ولو أنهم تريثوا قليلاً في أحكامهم ومواقفهم لما أصابتهم الفتنة ولما استطاع عدوهم السيطرة عليهم.

سادساً: حب السلطة والرئاسة، يعدّ هذا السبب من أقوى واهم الأسباب المؤدية إلى النزاعات في بلداننا الإسلامية، وهو السبب الذي يشتمل على جميع أسباب النزاع، فقد وصل الأمر بزعماء قريش ممن أفقدتهم الرسالة السماوية سلطتهم على رقاب الناسب إلى نقض البيعة التي أودعها الله ورسوله في أعناقهم لعلي ابن أبي طالب(عليه السلام) بعد دخولهم الإسلام، ولا يزال هذا السبب هو المسيطر على ثقافة الشعوب الإسلامية لتولي السلطة والحكم، وبذلك نجد الدكتاتوريات المتربعة على أجزاء الدولة الإسلامية والتي أنشأت عدد من الدول أو الدويلات الضعيفة تستعين بالأجنبي لحمايتها وإدارة مصالحها، وهو ما تبتغيه الدول المستعمرة من أجل فرض الهيمنة العسكرية والاقتصادية على هذه البلدان وبقائها تابعة لها في جميع أمورها.

وبوجود العنف الذي يلازم جميع تلك الأسباب يخرج النزاع من حالة السيطرة إلى حالة أخرى خارجة عن السيطرة وخاضعة إلى أي مؤثر خارجي يمكنه أن يغذيها سلباً.

من هنا ندرك أهمية وجود بعض المقدمات للوصول إلى الحلول اللازمة للازمات، فمثلما توجد هنا أرضية مناسبة وبيئة مهيأة لوجود النزاعات في البلاد الإسلامية(شعوباً ودول)، فإنه لابد من تهيأت العوامل اللازمة لتقبل الحلول، ومن بين أهم تلك العوامل:-

1- الترويج للمفاهيم الإسلامية القائمة على أساس التسامح والتعايش ونبذ العنف بين أبناء المجتمع، وإدخال تلك المفاهيم ضمن المناهج التربوية والتعليمية في البلدان الإسلامية.

2- التشجيع على قول الحق والابتعاد عن التملق للطرف المعتدي حتى ولو كان صاحب نفوذ وقوة، فإذا واجه المجتمع من قام بالاعتداء أو تسبب في حصول النزاع وجعله أمام الأمر الواقع بالقول أو الفعل لم يكن بوسعه أن يرفض ما يمليه عليه الحق والواجب.

3- إشاعة ثقافة الاعتراف بالخطأ، فلو حصل ذلك في مجتمعاتنا الإسلامية واعترف المذنب بذنبه وصاحب الخطأ بخطئه لكان من السهل فض جميع النزاعات التي تحصل بكل سهولة ويسر.

4- العفو، وهذه الصفة يجب أن يتحلى بها القوى قبل الضعيف والغني قبل الفقير وصاحب السلطة قبل الإنسان البسيط، ومن خلالها يستطيع من يعترف بخطئه أن يطمئن إلى وجود من يعفو عنه ويسامحه.

5- الصفح، وهي مسألة مرتبطة بمكارم الأخلاق التي جاء بها نبي هذه الأمة ومنقذها ومن خلالها استطاع أن يقضي على أكبر النزاعات التي كانت في جزيرة العرب بين قبيلتي الأوس والخزرج، الذين أصبحوا إخواناً يرحم بعضهم بعضا، قال تعالى (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14))التغابن.

6- رد الإساءة بالإحسان، وهو منتهى العقل والحكمة ويمثل أعلى مستويات الحضارة والإنسانية حيث يقول تعالى في كتابه الكريم(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34))فصلت، وبوجود تلك العوامل يعني إننا استطعنا قطع الطريق أمام من له غرض في إثارة الفتنة والنزاع في جسد الأمة.

7- تعميق لغة الحوار، وهي مطلب وهي مطلب إنساني وحضاري لفض جميع النزاعات التي تنشأ بين الدول حتى وإن وصل الأمر إلى حالة من النزاع الحربي، فالعنف لا يولد إلا عنف مثله أو يفوقه.

8- تداول السلطة سلمياً، كون هذا الأمر يعذّ من أهم الأمور التي تقف خلق نشوء النزاعات في الأمة، ويعني التداول أن تقوم الشعوب باختيار من يريد إدارة الحكم فيها وتسير أمور الدولة بعيداً عن ثقافة الانقلابات والمؤامرات المرتبطة بالأجنبي الشائعة في بلداننا ودولنا الإسلامية.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/تشرين الثاني/2009 - 4/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م